موقف المنظمات الطوعية في مواجهة المشاكل المؤثرة في الخدمات اللوجستية المقدمة خلال الكوارث

موقف المنظمات الطوعية في مواجهة المشاكل المؤثرة في الخدمات اللوجستية  المقدمة خلال الكوارث

عقب أربعة أسابيع من الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي، تتجه الأنظار الآن إلى الكفاح المتمثل في تنسيق جهود الإنقاذ بهدف الوصول إلى من يحتاجون إليها بأكبر قدر من الفعالية.
وقد عملت مجموعة انسياد للبحوث الإنسانية التي هي جزء من مركز الإبداع الاجتماعي التابع لإنسياد، عملت عن كثب طيلة الأعوام العشرة الماضية مع منظمات من قبيل الصليب الأحمر، والهلال الأحمر، وبرنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود. وعبر الاستماع إلى احتياجات وخبرات هذه المنظمات الشريكة، حصلت مجموعة البحوث الإنسانية على معرفة مباشرة بالمشاكل التي تؤثر في الخدمات اللوجستية الإنسانية في الاستجابة للكوارث.
ويقول لوك فان فاسنهوف، مدير الإبداع الاجتماعي ومؤسس مجموعة إنسياد للبحوث الإنسانية:» نراقب مجريات الأحداث في هايتي عن كثب، ونحن على اتصال بالعديد من شركائنا الذين يعملون هنا. إن هايتي بلد فقير جداً ولديه بنية تحتية رديئة، ولذلك فإن التحديات التي تواجهها المنظمات الإنسانية على الأرض ستكون كبيرة».
ويضيف فان فاسنهوف قائلاً: «درست مجموعة إنسياد للبحوث الإنسانية الخدمات اللوجستية التي قدمت في الردود السابقة على الهزات الأرضية، ومنها الهزة التي ضربت كولومبيا في عام 1999، والهزة التي ضربت الهند في عام 2001، والهزة التي ضربت السلفادور في عام 2001 والهزة التي ضربت إندونيسيا في عام 2006. ويحدونا الأمل في أن يساعد التعلم من هذه الأحداث على زيادة قدرة المنظمات التي تضطلع بالمهمة الصعبة المتمثلة في مساعدة المجتمعات على التغلب على ما تخلفه الكوارث».وأجرت المجموعة أيضاً بحوثاً مستفيضة حول دور القطاع الخاص في الاستجابة للكوارث. ويقول رولاندو تماسيني، مدير مجموعة البحوث الإنسانية التابعة لإنسياد:» إن تطوير شراكات بين القطاع الخاص والمنظمات الإنسانية مثل TNT وبرنامج الغذاء العالمي يمكن أن تقطع شوطاً طويلاً في مضاعفة قدرة المنظمات الإنسانية على الاستجابة».
يشار إلى أن زلزالاً بقوة 7 درجات على مقياس رختر ضرب هايتي في 12 كانون الثاني ( يناير)، وتسبب في قتل نحو 200 ألف شخص، واستدعى انهيال المساعدات على البلد».
وهنالك 15 سؤالاً يتردد طرحها حول جهود الإغاثة في هايتي:

السؤال الأول: ما الذي يجعل الكارثة التي حلت بهايتي مختلفة عن غيرها؟
بصورة رئيسية، هذا الوضع فريد من نوعه لأنه كان لدى هايتي رغم أنها بلد فقير، نظام حسن الاستعداد (عدد كبير من الجنود، منظمات إنسانية ومنظمات محلية غير حكومية). ولكنها جميعاً تضررت كثيراً جراء الزلزال. وهناك عدد كبير من الإصابات التي لحقت بالمنظمات نفسها وبعائلاتها والعاملين فيها) واستغرق الأمر وقتاً لا بأس به لكي تعود هذه المنظمات لتقف على أقدامها وتكون قادرة على المساعدة بجهود الإغاثة.
وأيضاً، الكارثة التي حلت بالبلد مركزة جداً وهناك بضعة نقاط للدخول. لقد لحق الدمار بمدينة صغيرة جداً وذات كثافة سكانية عالية جداً ورديئة التصميم. من هنا كانت هناك حالات عنق الزجاجة على صعيد الحصول على المؤن وإدخالها إلى البلد وبعدئذ نقلها من الميناء إلى المدينة (وذلك بسبب الدمار والافتقار إلى الموارد إلخ). يضاف إلى ذلك أن الوضع الأمني ( حتى قبل وقوع الزلزال) يعتبر مشكلة.

السؤال الثاني: لماذا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لمساعدة الناس؟
أولا: هناك أولويات، الأولوية الرئيسية هي إنقاذ حياة الناس، ومعالجة الأشخاص الذين لحقت بهم إصابات وجروح بليغة . لقد انصب التركيز على عمليات الإنقاذ هذه في الأيام الخمسة الأولى التي أعقبت الكارثة. ورغم أنه ليس من المريح التفكير في الأمر، إلا أن من الأهمية بمكان أن يتم التخلص من الجثث التي يمكن أن تسبب مشاكل صحية هائلة إضافة إلى مشاكل الصدمات التي تعرض لها الأشخاص الموجودون في المناطق التي تأثرت بالزلزال.
ثانياًَ، هناك عقبات تحول دون دخول البلد. فبما أن البلد يتمتع بالسيادة، يتعين من الناحية الفعلية أن تطلب حكومة البلد المتأثر تقديم المساعدات لها. وهناك عوامل أخرى يمكن أن تؤخر عملية الدخول إلى البلد مثل الحصول على تأشيرة أو التغلب على العقبات البيروقراطية الأخرى. ويمكن أن يكون الأمن قيداً يحول دون الوصول إلى السكان وتقديم المعونات لهم.
ثالثا، البنية التحتية في هايتي ضعيفة. فالميناء مدمر، والمطار صغير لا يناسب حجم المساعدات ولا تكرار هبوط الطائرات فيه. والطرق مسدودة وتعرضت لأضرار شديدة. وبالنسبة لمطار بور أو برنس، كانت طاقته في الأيام الخمسة الأولى بعد الزلزال استقبال 25 طائرة يومياً. وقد تمت زيادة هذه الطاقة الآن لاستقبال 100 رحلة جوية يومياً ولكن المطار يعمل بأقصى طاقه له. إن قيد البنية التحتية هذا يحول كثيراً دون الوصول إلى المحتاجين.
رابعاً، محدودية الموارد المتاحة، فعلى سبيل المثال، هناك مسائل تتعلق بإعادة التزود بالوقود، وبالاتصالات وغيرها من الخدمات الجوهرية التي تدعم عمل المنظمات المختلفة.
خامساً، يشكل تنسيق الخدمات اللوجستية تحدياً كبيراً في هايتي في الوقت الراهن. إن الكارثة التي حلت بالبلد تعتبر فريدة من نوعها لأن كافة الهيئات المحلية تقريباً (الحكومة، والشرطة، والجيش، وعمال الإطفاء، وموظفو الأمم المتحدة، والموظفون التابعون للمنظمات الدولية الأخرى، والمنظمات المحلية غير الحكومية) لحقت بها أضرار شديدة جراء الزلزال. وقد تعرض معظمها (أو عائلاتها) لإصابات لا بد من أن تهتم بها أولا. وقد استغرق الأمر وقتاً لا بأس به حتى تمكن أولئك الأشخاص من معاودة الوقوف على أقدامهم والقدرة على العمل مرة أخرى (وهو ما تمكنوا من القيام به بفضل الدعم العاطفي والعملي الذي تلقوه من الأناس الذين قدموا إلى البلد من الخارج). وهكذا، فإن قدراً كبيراً من التنسيق يتم على يد فرق دولية لديها معرفة محدودة بالمنطقة وأهلها. إضافة إلى ذلك، من الخطر أيضاً أن يتم تقديم ذلك الدعم بصورة ثنائية ( أي أن تعمل البلدان والمنظمات من تلقاء نفسها) بقدر قليل من التنسيق فيما بينها. وقد حلت هذه المشكلة جزئياً عن طريق نظام المجموعة الذي سنأتي على ذكره فيما بعد.

السؤال الثالث: تأثر 3.5 مليون شخص بشدة في هايتي ( أي أكثر من ثلث السكان). إن هذه ضربة قوية للبلد؟
الخطر الأكبر الآن هو المرض. فهناك آلاف الجثث التي ينبغي التخلص منها بشكل مناسب منعاً لتفشي الأمراض. (ويدعى هذا إدارة الجثامين). وأيضاً هناك آلاف المصابين الذين يحتاجون إلى المساعدة غير المتاحة فوراً. ويمكن أن يقضي كبار السن والمرضى (في الحقيقة كل الفئات الضعيفة من السكان) نحبهم بسبب عدم توافر أشياء بسيطة كالمياه. إن عدم توافر المياه النظيفة يمكن أن يسبب تفشي الأوبئة ولذلك ينبغي أن تكون المنظمات الإنسانية قادرة على التعامل مع هذه المسائل في الأسابيع المقبلة.
وبعد ستة أشهر، سوف يتمثل الخطر الأكبر في التغلب على التعب والإجهاد (فقد ينسى الناس موضوع هايتي) والتركيز على المستقبل. إننا بحاجة رد الكرامة إلى هؤلاء الناس مرة ثانية: عيش كريم وفرصة. وفي الواقع، فإن التحدي الكبير هو إعطاء الشعب الهايتي آفاقاً جديدة وإشراكهم ومساعدتهم على بناء مستقبل أكثر مرونة ورخاء. إننا مدينون لهم، ولا يوجد سبب يمنع هايتي من التمتع بالرخاء بالنظر إلى موقعها والإمكانات الكامنة في أهلها. إننا لا نستطيع أن نسمح للسياسيين أن ينسوا الوعود التي يقطعونها الآن بعد ستة أشهر.

السؤال الرابع: هناك تقارير مختلطة في الصحف عن الجو السائد في هايتي. فهناك صور لأعمال السلب والنهب، والقتال التي تختلط بقصص تدعو إلى الأمل ومع جيوب صغيرة للتقدم – ما الذي يجري حقيقة؟
هناك أناس يحاولون إعادة البناء وأناس يحاولون البقاء على قيد الحياة، وهناك الناس الذي يحاولون الجمع بين الأمرين. وهناك أيضاً آلاف عمال المساعدات والجنود الذين يحاولون التعرف على المكان والاحتياجات والناس في أقصر وقت ممكن لتحقيق وعدهم. ومن الطبيعي أن تكون هناك توترات تصبح أسوأ فقط مع مرور الوقت. وتستطيع وسائل الإعلام أن تختار التركيز على أي النوعين من هؤلاء الناس. إن التحدي الذي يواجهها ويواجهنا كمراقبين هو محاولة الحصول على صورة متوازنة لما يجري على أرض الواقع.
إن هايتي معروفة بوجود بعض القلاقل والجريمة فيها قبل وقوع الزلزال. ومن الواضح أن التوتر الذي ينجم عن الكارثة لا يحسن هذا الوضع. لذلك ليس من المفاجئ أن يكون الأمن إحدى المشاكل. وكبشر، نميل لأن تكون لدينا ذاكرة قصيرة.. فبعد الإعصار كاترينا، تعين إرسال الحرس الوطني لضمان الأمن (عمليات النهب إلخ مثلاً) لأن آلاف الأشخاص كانوا مسلحين وعلى استعداد لاستخدام أسلحتهم. وقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً لضمان استمرار أعمال الإغاثة. لم يكن التنسيق قوياً. والآن بعد سنوات من الإعصار كاترينا، ما زال آلاف الناس يعيشون في بيوت متنقلة تبعد آلاف الأميال عن بيوتهم في نيو أورليانز. ولذلك لا ينبغي أن نفاجأ بالفوضى المستشرية في هايتي. إن الأمور تسير بشكل جيد يثير الدهشة في واقع الأمر. إن الهايتيين شعب صبور ومعظم الأمور تسير على نحو جيد إذا أخذنا الظروف السائدة بعين الاعتبار.

السؤال الخامس: ما دور الإعلام في مثل هذه الكارثة؟
هناك حاجة إلى وسائل الإعلام في مثل هذه الكوارث للعمل على تدفق الأموال (زيادة الوعي بين الناس لكي يقدموا التبرعات). ولكن كما نعرف، فإن وسائل الإعلام تهتم بالمادة الجنسية لإثارة اهتمام الناس. وكثيراً ما ترى أنها بعد بضعة أيام تكون بحاجة إلى الأخبار ومن ثم فإنها قد تبدأ في توجيه الانتقادات لكي تحظى بالاهتمام من قرائها. وسيكون أمراً مثالياً أن يتم توجيه اهتمام وسائل الإعلام وطاقاتها إلى الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه في زمن الكوارث. إن لديها الموارد، وبالتالي فهي تستطيع المساعدة في تقييم الوضع (بواسطة الهيلوكبتر مثلاً). وهي تستطيع أن تركز أيضاً على الأوضاع بالغة الصعوبة التي يعمل فيها عمال الإغاثة (مثل معسكرات الخيام، عدم توافر الموارد، رداءة الاتصالات وتراجع مستويات السلامة، العمل على مدى 24 ساعة في اليوم، ما بعد الصدمات إلخ). وهي كثيراً ما تستخدم أيضا (وتزيد أسعار) العديد من الموارد القيمة التي يمكن تكريسها لنواح أخرى. هل يمكن توجيه طائرة الهيلكوبتر التابعة لوسائل الإعلام للاستخدامات الإنسانية لأن جميع الطرق مدمرة؟ وقد ذكرت التقارير أنه خلال التسونامي كان نحو ربع طائرات الهليوكبتر وسيارات الدفع الرباعي التي كان عمال الإغاثة بحاجة ماسة إليها يستخدم من قبل وسائل الإعلام وكبار الشخصيات. وقد شاهد الكثير من السياسيين والمشاهير والصحافيين يفعلون ذلك في هايتي. وفي بعض الحالات، فإن وجود وسائل الإعلام يؤخر جهود الإغاثة (التي سرعان ما يتم توجيه الانتقاد لها).

السؤال السادس: كيف يمكننا كأفراد أن نساعد على أفضل وجه؟ هل بعض التبرعات أفضل من غيرها؟
إن أفضل شيء هو التبرع بالأموال النقدية لمنظمة مترسخة وتعرف عملها (كالصليب الأحمر). إن النقدية دائماً إسهام عظيم ولا يوازيه شيء. إنه يعطي الوكالات الإنسانية المرونة اللازمة للعمل واتخاذ القرارات على الأرض مع استمرار تغير الأولويات. إن التبرعات العينية غير المطلوبة كثيراً ما تتداخل مع سلسلة الإمداد الإنسانية وتكون عنق الزجاجة الأكبر. فعلى سبيل المثال، يتم إرسال مواد من دون الإفادة عن محتوى حمولة الطائرة، وعدم وجود آليات للتفريغ، وأخذ الإمدادات غير اللازمة الأولوية بدلاً من المواد المطلوبة بسرعة كالأدوية. إن البضائع التي تقدم من دون أن تُطلب تدعى» الكارثة الثانية» من قبل المنظمات الإنسانية ولأسباب وجيهة. إن الخطر الكبير في هايتي هو أن تبدأ المنظمات والشركات بإرسال بضائع سوف تتداخل بشدة مع سلسلة الإمدادات الإنسانية. ولذلك لا بد من تكامل هذه التبرعات وهذا هو أكبر تحد تواجهه عمليات التنسيق في هايتي.

السؤال السابع: كيف يمكن أن نقرر الجهة التي نمولها؟
إن اتخاذ قرار بشأن الجهة التي نتبرع لها هو موضوع شخصي بقدر ما هو قرار مبني على المعرفة والاطلاع. ويميل الناس إلى التبرع لمنظمات يثقون بها وتمثل قيمهم، سواء أكانت تلك المنظمات اجتماعية أو سياسية أو دينية. هذا خيار شخصي. وبعدئذ يأتي بعدا الأثر والشفافية. وهنا ينبغي أن يتبرع الناس للمنظمات التي يشعرون بثقة أنها ستحقق الوعود التي قطعتها والقادرة على تزويدهم بإثبات معقول حول الكيفية التي استخدمت بها التبرعات بغية تحسين الوضع. وكما أوضحنا أعلاه، فإن الأفضل هو إعطاء الأموال النقدية للمنظمات الموثوقة وجعلها تقرر السبيل الأمثل لاستخدام التبرع.

السؤال الثامن: ما المراحل التي تمر بها جهود الإغاثة؟
تسير أولوية التمويل من الإنقاذ إلى الإغاثة وإلى التعافي. ونحن الآن في نهاية مرحلة الإنقاذ، وبالنسبة لمرحلة الإغاثة فهي تسير على نحو جيد. وقد تم توفير السبل الكفيلة بإيصال الإغاثة للمتأثرين، كما أن تدفقات الإمدادات آخذة بالوصول. أما مرحلة التعافي فسوف تستغرق أعواماً. ومن المأمول أن يساعد التعافي في تحسين الظروف للمستقبل. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن للمرء أن يساعد هايتي على إقامة مبان أكثر مرونة خلال التعافي؟ وكيف يمكن للمرء أن يطور القدرات المحلية (كالأشخاص المدربين محلياً على الاستجابة للكوارث)؟

السؤال التاسع: ما المعايير المستخدمة في تقرير ما إذا كانت جهود الإغاثة ناجحة؟
هناك سلسلة كاملة من المعايير. فهناك بعض المنظمات التي يوجد لديها نظام متطور نوعاً ما (بطاقة نقاط متوازنة مثلا) بمؤشرات رئيسية للأداء (عن الأسر التي قدمت لها أدوات البقاء الأساسية في أسبوع واحد على سبيل المثال). وهناك مقياس آخر يتمثل في تكلفة كل أداة بقاء تم تقديمها. وهناك منظمات أخرى لديها أنظمة غير رسمية. وفي جميع الحالات، فإن جميع المنظمات الإنسانية لديها طلبات كثيرة خاصة بالمساءلة من الجهات المانحة. وكثيرا ما تتم المبالغة بهذه الطلبات الخاصة بالمساءلة حول كيفية إنفاق الأموال، وبالتالي تصبح عبئاً بيروقراطياً ثقيلاً على المنظمات الإنسانية يتطلب موارد نادرة يمكن استخدامها بشكل أفضل في مكان آخر. وينبغي على الجهات الممولة أن تبقي في اعتبارها عدم تعقيد الأمور أكثر مما هي معقدة. إضافة إلى ذلك، بعد كل كارثة، هناك عديد من المدققين والتقارير التي تعدها الهيئات الاستشارية إلى جانب المدققين/التقارير الداخلية. وفي معظم الحالات، ليس هناك من داع لأن يقلق المرء، لأنه يتم تتبع التبرعات بعناية. لكن هذا لا يعني أن جميع الأنظمة تتسم بالكفاءة والفعالية. فالبعض فيها عظيم والآخر أقل جودة (ليس خلافاً للشركات الخاصة).

السؤال العاشر: هل هناك قائد لوجستي لتنسيق هذه العمليات؟
نعم، إن المجموعة اللوجستية الإنسانية هي نقطة الاتصال الرئيسية للمعلومات والقرارات بالنسبة للمنظمات الدولية المشاركة في جهود الإغاثة الإنسانية الكبيرة. وقامت الأمم المتحدة بإعادة تنظيم المجموعات القائمة (التي تشكلت في مجالات كالمجال اللوجستي، والصحة والتغذية... إلخ)، وتقوم الوكالات الريادية بعمل التنسيق لتحسين الرد المنسق على الكوارث. وقد عمل نظام المجموعات بصورة ممتازة في هايتي. إن التنسيق فيها أفضل بكثير مما كان عليه في الكوارث السابقة، لكن هذه كارثة فريدة من نوعها (لأنها دمرت كثيرا من الموارد الموجودة) لدرجة أن ذيولها لن تتكشف على الفور.
إن برنامج الغذاء العالمي يقود مجموعة اللوجستيات الإنسانية وتقوم هذه المجموعة بإصدار بيانات منتظمة على الإنترنت وتعقد الاجتماعات لمناقشة المسائل الأمنية، وتوفر المحروقات، والبنية التحتية (المطار، الميناء، الطرق، والمستودعات)، والأمور الحكومية (التأشيرات، الرسوم الجمركية، والتعرفات والتصاريح) وغيرها من التحديثات التي تتعلق بالأنشطة اللوجستية. وعلى سبيل المثال، عندما عهد إلى الجيش الأمريكي بتولي ضبط حركة النقل الجوي في مطار بور أو برنس، عرض موقع المجموعة الإلكتروني بياناً يوضح الإجراءات الجديدة التي سيتم اتباعها بالنسبة للرحلات الجوية القادمة إلى هايتي. ويقدم التقرير نفسه آخر التطورات فيما يتعلق بوضع المحروقات الخاصة بالأماكن والسيارات.

السؤال الحادي عشر: لماذا يقود الأمريكيون هذا القدر الكبير من جهود الإغاثة؟ ماذا عن القوات العسكرية من بلدان أخرى؟
الجواب المختصر هو أن البلدان تتمتع بالسيادة (كما أشرنا أعلاه)، ومن هذا المنطلق دعت هايتي الولايات المتحدة لإرسال قواتها لكي تضمن الأمن. وقد يؤدي هذا إلى وقوع بعض المشاكل من حيث إعطاء أولوية الهبوط للطائرات الأمريكية على سبيل المثال، (كما ذكر الفرنسيون) لكن أن يتم التنسيق وتحديد الأولويات على يد الجيش الأمريكي في المطار (مثلاً) أفضل من عدم وجود أي تنسيق بالمرة.
وبتفصيل أكثر، من المهم ملاحظة أولاً: أن القوات الأمريكية مجهزة تجهيزاً جيداً ومستعدة لتقديم الدعم اللوجستي والموجودات اللازمة لنشر العملية. بينما لا الولايات المتحدة ولا الحكومة الهاييتية لديها الموارد لتكريس كامل الوقت للأزمة. وتذكّر أن الأمم المتحدة تتعامل أيضاً في الوقت نفسه مع عديد من الأزمات الأخرى التي تجري في العالم. ثانياً، تقوم الولايات المتحدة بمراقبة المنطقة بصورة منتظمة ولديها تاريخ طويل من العلاقات الدبلوماسية مع هايتي. إن هذه الاستخبارات العسكرية، والسياسية، والاجتماعية يمكن استخدامها في هذا الوضع من أجل التخطيط والتنفيذ. أخيراً، هناك جالية هاييتية كبيرة تقيم بشكل قانوني أو غير قانوني في الولايات المتحدة، ويضغط أعضاء هذه الجالية منذ وقت طويل للحصول على وضع خاص على صعيد الهجرة استناداً إلى أحوال البلد الاقتصادية والسياسية قبل الزلزال. وقد تم رفض منحهم هذا الوضع باستمرار طيلة العام الماضي. لكن بعد انتشار أخبار الزلزال، تم تعليق عمليات ترحيل الهاييتيين من الولايات المتحدة لكن لم يتخذ أي قرار بشأن وضع الحماية المؤقت.
وهناك أيضاً قوات دولية أخرى مشاركة رغم أن ظهورها في الأخبار ربما كان أقل. فمثلاً هناك وجود قوي لقوات أمريكية لاتينية تراكمت لديها خبرات كثيرة في التعامل مع الكوارث في المنطقة. إن الإسهام العسكري موجود من البلدان في شتى أنحاء العالم. وهناك فرق عسكرية متخصصة تعمل في الاتصالات، وتقيم المستشفيات وتقدم المساعدة الطبية، وتوفر المياه والكهرباء إلخ.
قد تنشأ بعض النزاعات لأن الجنود يركزون على الأمن التام وليس على الاحتياجات الإنسانية، الأمر الذي قد يؤخر الجهود الإنسانية. ويتوقع من المنظمات الإنسانية أيضاً أن تظل محايدة وغير منحازة في جميع الأوقات. ولا ينبغي أن يأتي التعاون الوثيق بين الجنود والمنظمات الإنسانية على حساب الترخيص الإنساني للعمل (بحيادية ودونما انحياز)، ولذلك هناك ميزان حساس بين الأمن والاستعجال، وهي موازنة من شبه المستحيل على الرجل العسكري أن يحققها.

السؤال الثاني عشر: ما الذي تستطيع شركتي أن تقوم به؟ ليس لدينا عمل هناك لكننا نرغب في المساعدة؟
يعتبر النقد إسهاماً مهماً على الدوام، خاصة في المراحل الأولى. وبعدئذ استعد، وانتظر وانطلق. فمن المهم أن تكون الموارد جاهزة من أجل المساعدة وتحديد سبل الوصول إلى المستفيدين. لكن لا ينبغي أن يتم هذا بالتنافس مع الوكالات الإنسانية ومساعدات الإغاثة التي تحاول الوصول إلى المكان. وقد شاهدنا في كوارث سابقة وكالات الأنباء وكبار الشخصيات تتنافس ويتنافسون مع المنظمات الإنسانية على الوصول إلى الناس، وهذا عيب. فينبغي أن يكون الهدف مساعدة هذه المنظمات وليس التنافس معها.
وضع ثقتك بالمشاركين الإنسانيين ونسق معهم لتقديم وإرسال البضائع والخبرة (نعم، يمكن أن تكون هناك حاجة إلى الموظفين الفنيين والمتخصصين) وضعها تحت تصرفهم دعهم يعرفون أنك جاهز لمساعدتهم، وسيعرفون متى يمكنك أن تضيف أكبر قدر من القيمة.
وبغض النظر عن حجم إسهامك، ابق ملتزماً ومتواضعاً. دع المنظمات الإنسانية تتولى زمام القيادة وتواصل مع الناس بصورة مشتركة إذا كان لا بد من ذلك، بشأن إسهامك. وهناك خطر وقوع الشركات تحت إغراء انتهاز الفرصة لعرض علاماتها التجارية لوسائل الإعلام في الوقت الذي تؤدي فيه عملاً خيرياً. وهناك حالات محدودة جداً ساعد فيها هذا السلوك الشركة في المدى الطويل.
وكما أوضحنا أعلاه، فإن هذه فرصة للشركة لكي تساعد حقيقة على تنمية الاقتصادات المحلية (على سبيل المثال صناعة النسيج وصناعة الزراعة). إن قرب هايتي من أسواق كالسوق الأمريكية يوفر فرصة عظيمة لبناء القدرات المحلية وتستطيع بعض الشركات أن تساعد بالموارد (كالطائرات، والخبراء، ومعدات الاتصالات، والسيارات والأشياء الأخرى التي يمكن أن تكون نادرة في مرحلة الفوضى التي تعقب الكارثة)، وخاصة إذا كانت للشركات فروع محلية تجعل الموارد متاحة وجاهزة. وبعد هذه المرحلة ستكون المنظمات الإنسانية قد جلبت موارد كافية. لقد سمعنا الكثير في الأعوام الماضية عن شركات تستثمر في أسواق في «أسفل الهرم» وتطور نماذج عمل جديدة بهدف الوصول إلى الأهداف التنموية للألفية. إن هايتي الآن في موقع يتيح للشركات فرصة كبيرة لإعادة الإعمار على نحو مسؤول واضعة هذه النماذج في الاعتبار. من المؤكد أنه سيكون من الصعب العمل في هذا البلد ( حتى أصعب من الماضي) ولكن الحوار مع السياسيين والشخصيات الدولية ينبغي أن يساعد هنا.

السؤال الـ 13: هل تستطيع شركتي أن تعمل مع منظمة غير ربحية على الأرض من أجل المساعدة؟
من الأهمية بمكان أن تتكامل الجهود الخاصة مع الجهود والأنظمة الإنسانية. هذا هو التحدي. لقد تعلمت الأمم المتحدة دروساً من الماضي حول التعامل مع القطاع الخاص ووفرت موقعاً إلكترونياً للشركات لكي تتصل بها وتقيم تعاوناً مشتركاً. ولكن هذا ما زال بعيدا عن الكمال، ويتعين علينا أن نضع في حسباننا جسامة المهمة. وبصورة عامة، أدركت معظم المنظمات الإنسانية الحاجة للعمل عن كثب مع القطاع الخاص في الأعوام القليلة الماضية وقد أنشأت بعض المنظمات أقساماً للتركيز على العلاقات مع القطاع الخاص. في ضوء ذلك، نأمل في هذه الحالة أن تكون إقامة وإدارة التعاون مع الشركات أسهل مما كان عليه الأمر في الكوارث السابقة.

السؤال الـ 14: هل يمكن أن تصل مساعدات الشركات في وقت مبكر جداً في وضع يتسم فيه كل شيء بالاستعجال؟
نعم، في الحقيقة تعلمت الشركات في الاستجابات السابقة أن الترتيب والانتظار لبضعة أيام قد يساعد في إضافة مزيد من القيمة ويسبب قدراً أقل من التشويش. ويتم توظيف هذا الوقت للاستعدادات لكي تتمكن المنظمات غير الحكومية العاملة من تقييم الاحتياجات اللازمة تماماً والإبلاغ عنها من حيث الزمان والمكان. وكما لاحظنا على صعيد الوضع في هايتي، فإن بضعة الأيام الأولى يمكن أن تتسم بالفوضى العارمة لدرجة يصعب معها إدارة حتى أكثر التفاصيل عملية وأصغرها (مثل أمكنة النوم وكيفية التحرك ..إلخ).
إن الشركات التي يوجد لديها موظفون محليون أو مكاتب أو قدرات في البلد مهيأة أكثر من غيرها للمشاركة في المراحل الأولى. وعلى سبيل المثال، فإن شركة لديها فرع محلي يمكن أن توفر حيزاً مكتبياً وموظفين للمساعدة في المطار، كما فعلت شركة TNT أثناء تسونامي الذي وقع في المحيط الهندي. وأثناء الأزمة الإسرائيلية اللبنانية في عام 2006، قام الموظفون اللبنانيون العاملون في الخارج بمساعدة شركة Agility (شركة متعددة الجنسيات تعمل في المجال اللوجستي ومقرها في الكويت) في المرحلة الأولى وذلك عبر الانضمام إلى الوكالات الإنسانية العاملة على الحدود السورية في التحضير لتوزيع المساعدات.

السؤال الـ 15: هل نستطيع مساعدة هايتي بعد مرحلة الطوارئ؟ إننا نسمع دائماً تعليقات عن المساعدات التنموية. ما الفرق بين المساعدات الطارئة والتنموية؟
ستكون هايتي في حاجة إلى دعم كبير وطويل المدى قبل الوصول إلى نوع من الإحساس بالاستقرار. وفي الوقت الراهن، تتمثل الأولوية في التركيز على جهود الإغاثة ( أي تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان). وعما قريب سيتعين أن تتركز الجهود على إعادة إعمار البلد الذي سيستهدف الاقتصاد والنظام السياسي، والمسائل الاجتماعية كالصحة والتعليم وغيرها كثير. وتقع الجهود الأخيرة تحت مظلة المساعدات التنموية. وهناك قرارات واستثمارات ستؤثر في بنية النظام الذي تعمل الحكومة والمجتمع بموجبه. وبالمقارنة، من المتوقع أن تكون المساعدات الإنسانية حيادية وغير منحازة عند الاستجابة للمعاناة الإنسانية. ومن هذا المنطلق، فإنها لا ينبغي أن تؤدي إلى حدوث أية تغييرات هيكلية في النظام الوطني يمكن أن تغير الطريقة التي يعمل بها البلد.
إن كل كارثة تعتبر فرصة عظيمة لبناء القدرة. إذ يمكن أن يتم تدريب الكثير من أبناء البلد في هذا الوقت، ويمكن أن تكون هذه المهارات مفيدة جداً في المرة التالية التي تقع فيها كارثة. وفي الحقيقة، ينبغي توجيه مزيد من التركيز على نافذة الفرصة هذه. إن هايتي قريبة من الأسواق، وأهلها طيبون ومتعلمون، ما يجعل من الأسهل مساعدتها في التقدم إلى مستوى بعض الدول المجاورة لها (فمثلاً جمهورية الدومنيكان في موقع قوي نسبياً). وإذا عملت الحكومات ومنظمات المساعدات الدولية والشركات الخاصة معاً، فإن أمام هاييتي مستقبل مشرق.

الأكثر قراءة