سوق المال السعودية..الشفافية والتعميق
بدأ موسم الطروحات بعد أن تجاوزت سوق الأسهم السعودية تبعات الأزمة المالية على الأقل في الوقت الحاضر، وبدأت بوادر استقرار السوق في حدود 6500 نقطة مع الوعد بمزيد من الاستقرار، فالأسواق المالية ليست أسهما بل تنبع أهميتها كونها تهيئ فرصاً شبه متكافئة لجميع أفراد المجتمع الراغبين في توظيف مدخراتهم وتحقيق عوائد مستقبلية متى ما أتيحت المعلومة للجميع، ولا غرابة، فالسوق توفر السيولة اللازمة للمستثمرين ممن يحملون الأوراق المالية ويرغبون في قطعها اواستبدالها، وبذا تكون السيولة مُهيأة للمشاريع المتنوعة ذات العوائد وفي متناول أصحاب القرار الاستثماري. وبناء على هذا المفهوم، فمن المتوقع أن تتجاذب أسعار الأسهم بشكل ملموس لأي معلومة تصل إلى المتعاملين في السوق وتؤثر في قراراتهم الاستثمارية بالتزامن مع أهمية وفاعلية المعلومة. بيد أن الحاصل في العادة منافسة شديدة للحصول على المعلومات المهمة واستثمارها، وعليه لا يتحقق للمتعاملين أي ميزة على الآخرين غير الأرباح العادية، وإن حصل وتحققت أرباح غير عادية فإن مردها إلى السرعة في التصرف واتخاذ القرار الملائم، ولهذا وضعت الجهات المسؤولة عن الأسواق المالية ضوابط غاية في الدقة والشدة تجاه من يعمل على تسريب معلومة تستفيد منها جهة ما على حساب الآخرين. ونظراً لأهمية عامل الوقت فإن الوضع يتطلب عدم وجود فترة إبطاء بين وصول المعلومة وتحليلها واتخاذ القرار، وما قد يحمله من تأثير قوي في سعر السهم في السوق. وقد يكون من الصعوبة الإشارة إلى أهمية الشفافية دون النظر إلى تطوير السوق المالية من خلال إعطاء البنك المركزي الفرصة التامة في صنع القرار الاقتصادي وبما يخدم الاقتصاد الوطني لأن الحيادية في هذه الأوضاع تخدم في توجية السياسات الاقتصادية الوطنية الوجهة السليمة, التعددية المصرفية وأهميتها في توفير السيولة اللازمة، الاستثمار، تحويل الأموال، والكفاءة في إدارة الاكتتابات، مع التركيز على وجود أنظمة بنكية متطورة تسهم في رفع كفاءة وفاعلية السوق مايساعد على نجاحها، ومن الآراء المطروحة الاهتمام بنشر الوعي الاستثماري ليكون هناك تواؤم مابين الوعي الإستثماري وتطوير السوق المالية المحلية.
وفي محاولات جادة منها، حرصت هيئة سوق المال على استغلال الاستقرار النسبي للسوق لتبدأ رحلة تعميقها من جديد بعد ان أجبرتها الأزمة المالية على التهدئة فكان لها أن تتجاوب معها بتأجيل الكثير من الطروحات الأولية سواء كانت اكتتابات جديدة أم زيادات لرؤوس أموال شركات قائمة. أحد أهم الأسس التي تُبنى عليها الأسواق، الشفافية وقيمتها تتمثل في تمكين المستثمر أياً كان وضعه وحجمه في الحصول على المعلومة، ولهذا وضعت هيئة سوق المال الكثير من الأنظمة والقوانين للحد من قدرات المتلاعبين في الحصول على ميزة دون غيرهم قد لا يكونون أهلا لها. وفي محاولة لطرح العديد من صور الشفافية، نذكر منها الجدولة غير المنتظمة للطروحات، وما نشاهده اليوم في الحقيقة اقتناص للفرص المتاحة من هيئة سوق المال بغض النظر عن مدى تعافي الاقتصاد الوطني من تبعات الأزمة المالية، وعليه بدأ موسم عرض الأسهم بالجملة ويا له من موسم. أي بمعنى آخر أن سياسة الطرح التدريجي المنتظم والمُجدول سلفاً لأكثر من عام ليس لها مكان في حسابات سوقنا المالية بأي حال. أما الصورة الأخرى الأكثر وضوحاً، محدودية المعلومات الكافية عن الشركات المُزمع طرحها إلا من خلال الدعايات القوية لإنجازاتها التي تملأ صحفنا المحلية ويصعب التحقق منها، ولا شك أنه ينطبق عليها مقولة «مداح نفسه كذاب». بيد أن الصورة الأخرى أكثر قتامة وهي الأسس والمعايير السليمة التي تم بها تقييم الشركات. مع العلم أن الكثير ممن يتابع الشأن الإقتصادي يعجب أشد العجب من المبالغة في تقييم أصول بعض الشركات أو تلك التي لا تتعدى منافذها الخدمية والبيعية المدن الرئيسية وبمنتجات معروفة. هذا التوجه في الحقيقة لا يخدم القطاعات الإنتاجية الأخُرى البتة، كونها ستضع نصب أعينها علاوة الإصدار، وفي غالب الحالات لا تعكس أسهمها حقيقة نشاطاتها الفعلية وهذا فيه غرر ويترتب عليه تقدير خاطئ للناتج المحلي الإجمالي بأكثر من قيمته الحقيقية، ومن ثم تُبنى عليه تحليلات وتنبؤات مستقبلية خاطئة. ولعل التصدي لمثل هذه الإشكالات يتطلب جهداً كبيراً حتى لايدفع ثمنها إقتصادنا الوطني وتخطيطنا الاستراتيجي وقاعدته الأساسية توظيف الأيدي الوطنية، وعليه فالوضع يستلزم وجود هيئة وطنية تحت مُسمى هيئة المعلومات الاقتصادية، مستقلة تُعنى بتقييم الشركات والمؤسسات المالية وبحيادية بحيث تكون حلقة الوصل بين القطاعات الاستثمارية وبين هيئة سوق المال وغيرها من الجهات المُستفيدة، فعلى سبيل المثال يتم تقييم ومتابعة نشاط الشركات وتصنيفها وإحالتها إلى الشورى ومن ثم وزارة التجارة قبل موافقة هيئة سوق المال على طرحها وحتى بعد الطرح، وبذا سيتأثر سهم هذه الشركة أو تلك جراء هذا التقييم. كذلك وجود الهيئة سيضمن للسوق نوعا من الشفافية وتحقيق العدالة لصانعي القرارات بناء على دقة المعلومات، وتكون حافزاً للقطاع الخاص لبذل المزيد من الجهود الإنتاجية للحصول على مثل هذا التقييم، إضافة إلى حفظ حقوق الوطن والمساهمين من الهدر غير المُبرر.