القُدُرات والقُبُلات .. أين ولماذا؟

كنت قد تناولت في مقال سابق ثقافة التدليس التي عمت وطمت مجتمعنا، ولعلي اليوم أفصّل القول في تداعياتها، والتأكيد على وجود القدرات التي يحفل بها الوطن في كثيرٍ من القطاعات وهم الأصل، بينما الاستثناء هم أهل القُبُلات – وأرجو ألا أكون واهماً – أصحاب الُقُدُرات يعدون الإنجاز هو المحك الفعلي، تجدهم يعملون في صمت، يؤمنون بأن العمل والإنجاز هما قنطرة التقدم والرقي على الأصعدة كافة، ولذا تملؤهم الغبطة والسرور عند التقدم، والسعادة والحبور عند الإنجاز، لم ولن يكون همهم الأول الشهرة أو الحصول على مزيد من الأموال من أي وجهٍ كان شعارهم الصدق ودثارهم الديانة، مؤهلاتهم القوة والأمانة ''إن خير من استأجرت القوي الأمين'' هم بيننا ففتشوا عنهم . أما الفريق الآخر فهم فريق القُبُلات فريق يجيد فن (القُبَل) و(مسح الجوخ) لكنه يروغ عن الأمانة كما يروغ الثعلب، يظهرون كل أنواع الإخلاص والتفاني وهم أبعد الناس عنها، هم كالأفاعي.
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطبُ!

قد احترفوا التملق والتزلف والتسلق، وقد ألقوا بالأمانة والوطنية خلف ظهورهم، همهم تحقيق أكبر قدر من المكاسب الشخصية (النهابة) شعارهم أنا والطوفان من بعدي! ولعل طوفان جدة قد عرى شريحةً منهم! والعجيب أن هؤلاء ربما تمسحوا بالحديث عن (الوطن) والوطنية للنخر في جسد الوطن! لا تكاد منشأة أو مؤسسة تخلو من عصابةٍ منهم، أهدافهم الامتيازات المادية والبدلات الصورية والاستشارات الوهمية، واللجان الشللية، المهم امتصاص الميزانية! ويا لله حسن النية!
أهم أدوات هذا الفريق تلميع المنجزات وتفخيمها من خلال التغطيات الإعلامية وتنميق التقارير وتزويقها، وإهداء الشهادات والدروع، وتعويم الوسائل مع الغايات.
جاءت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمحاسبة المقصرين ومساءلة الفاسدين والقضاء على بؤر الفساد الإداري وذلك في سياق الإصلاح الإداري الذي هو هم كل الغيورين على الوطن ومقدراته ومكتساباته جاءت في أعقاب مأساة جدة لتؤكد على محاربة هؤلاء الذين ضيعوا بالفعل الأمانة و''إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة''.
إن توجيهات خادم الحرمين – حفظه الله – تحمل شفافية متناهية في محاربة الفساد الإداري ولذا جاء إطلاق وزارة الداخلية رقما هاتفيا خاصا (980) للإبلاغ عن الفساد الإداري والرشوة والتزوير. وأن المباحث الإدارية ستتولى استقبال مكالمات المواطنين والمقيمين عبر إدارة مختصة تبدأ عملها أولا بالتأكد من صحة البلاغات، ثم التحري الدقيق بشأنها ومن ثم ضبط المتورطين، وأن الإدارة تشكر كل من يقدم بلاغاً لها وتحتفظ بمعلوماته على أكمل وجه من السرية، ولأن كان الرقم 998 للإسعاف والرقم 999 للأمن من الأهمية بمكان فإن الرقم 980 لا ينقص أهمية عنها، فالصحة والأمن وصلاح الحال مقومات العيش الكريم الذي في ظله يكون الإنتاج والتنمية والتقدم.
كما نحن في حاجة ماسة إلى تفعيل الرقابة الذاتية وبناء الوازع الديني في نفوس الناس، بعيداً عن التأويلات والتمحلات هنا وهناك، فهذا هو بلسم الوقاية من هذه الآفات، ثم ما أحوجنا كذلك إلى تشريع العقوبات وسن الأنظمة الصارمة في محاربة الفساد وتطبيق أشد العقوبات على من تسول له نفسه المساس بمكتسابات الوطن ومقدراته، وأخيراً ما أحوجنا في هذا الصدد إلى إبراز القدوات. وبعد أرجو أن أكون أجبت عن سؤالي أين ولماذا؟

خاطرة:
أهاجك الوجد أم شاقتك آثار
كانت مغاني نعم الأهل والدار
وما لعينك تبكي حرقة وأسى
وما لقلبك قد ضجت به النار
على الأحبة تبكي أم على طلل
لم يبق فيه أحباء وسمار
بالله يا صبيتي لا تهلكوا جزعا
على أبيكم طريق الموت أقدار
عشنا زمانا سويا من مودتنا
فكم يؤرق بعد العز أدبار
(السباعي)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي