علماء المناخ والتلاعب بإحصائيات البيانات.. الأخلاقيات والتحقيق مع المتورطين
تعرض علماء المناخ في وحدة أبحاث المناخ في جامعة إيست أنجليا إلى الهجوم، بسبب التلاعب المزعوم في البيانات بعد نشر آلاف الرسائل الإلكترونية والوثائق. ونتيجة «لبوابة المناخ» تمت تنحية عدد من علماء المناخ المتورطين، أو يخضعون إلى تحقيق من قبل جامعتهم.
لماذا اختفت «فترة احترار العصور الوسطى»؟
يتفق معظم المراقبين على أن الرسالة الإلكترونية الأكثر ضرراً تلك التي أرسلها فيل جونز، رئيس وحدة أبحاث المناخ، وذلك في عام 1999، إلى ثلاثة من زملائه:
«لقد أتممت للتو ما وضعه مايك حول خدعة الطبيعة في زيادة درجات الحرارة الفعلية لكل سلسلة طوال الـ 20 عاماً الماضية (منذ عام 1981 فما بعد)، ومنذ عام 1961 التي وضعها كيث لإخفاء التراجع».
ما التراجع الذي يحاول العلماء إخفاءه كما هو واضح؟ يمكن إيجاد نقاش مفصل حول الموضوع في مقال كتبه مارك شيبارد. وسأقدم ملخصاً وجيزاً عن الحجج إلى أولئك الذين لم يلتفتوا إلى الأمر. وربما يساعد مقاله في أوروبا القارية، حيث بالكاد تتم مناقشة الجدل برمته في الصحافة المنتشرة هناك على الرغم من (أو ربما بسبب) مؤتمر كوبنهاجن.
والجهة المسؤولة البارزة عن التغير المناخي هي اللجنة الدولية بشأن التغيير المناخي. وتقدم هذه اللجنة توصيات السياسة إلى مسؤولي الحكومات. وفي أول تقرير تقييم لها حول التغير المناخي في عام 1990، نشرت اللجنة الدولية بشأن التغير المناخي رسماً بيانياً أظهر متوسط التغييرات في درجة الحرارة العالمية خلال الألفية الأخيرة. ويظهر الرسم البياني زيادة كبيرة في درجات الحرارة، من 900 إلى 1300، وتدعى فترة احترار العصور الوسطى. وتبع هذه الفترة عصر جليدي صغير حتى عام 1850، حين بدأت فترة الاحترار الحالية. ومن الواضح أنه إذا كانت درجات الحرارة في فترة احترار العصور الوسطى أعلى مما هي عليه اليوم، فإن الاحترار العالمي ليس من «صنع البشر»، أي، لا يمكن أن يكون نتيجة النشاط الاقتصادي، وإنما نتيجة قوى خارجية لا يمكننا السيطرة عليها.
وفي عام 2001، يظهر تقرير التقييم الذي صدر عن اللجنة الدولية بشأن التغير المناخي رسماً بيانياً مختلفاً للغاية، ولا يظهر فترة احترار العصور الوسطى، وإنما تراجع تدريجي في درجات الحرارة من 1000 إلى 1850، تتبعه زيادة حادة في درجات الحرارة، وعلى وجه الخصوص في النصف الثاني من القرن الـ 20. ويعتمد الرسم البياني على بحثين أجراهما مان إيه أل (1999)، وجونز إيه أل (1999)، وبريفا (2000). والرسم البياني الذي يتناسب مع درجات الحرارة بالشكل الأمثل من عام 1900 إلى عام 1980 (مان إيه أل. 1999) وهو الشكل الذي نشرته اللجنة الدولية بشأن التغيير المناخي في عام 2001 في الملخص لصانعي السياسة. وأصبح هذا الرسم البياني الذي يعرف باسم «عصا الهوكي الخاصة بمان»، شعار حركة ظاهرة الاحتباس الحراري من صنع الإنسان، ويتم نشره بشكل منتظم في الصحف (على سبيل المثال في صحيفة هيرالد تريبون الدولية، 8 كانون الأول (ديسمبر) 2009.
بناءً عليه، لماذا اختفت فترة احترار العصور الوسطى؟ لأن القياس الفعلي لدرجات الحرارة باستخدام موازين الحرارة بدأ فقط في عام 1850، وجميع بيانات درجات الحرارة للسنوات السابقة توجب تقديرها بواسطة وكالات مثل رواسب البحيرات، والأساسات الجليدية، والحفر الاستكشافية، وحلقات الشجر. ويتم جمع هذه الوكالات بعد ذلك في برامج كمبيوترية معقدة. وفي بعض الأحيان كانت الوكالات تعتمد على حلقات الشجر فقط. فعلى سبيل المثال ، تعتمد وكالة كيث بريفا على بيانات حلقة الأشجار الموجودة في منطقة البولار أورال (في جبال أورال الروسية).
وتظهر الرسوم البيانية الثلاثة بعامل ارتباط قوي بين الوكالات المستخدمة في الأبحاث، ودرجات الحرارة الفعلية من عام 1900 حتى عام 1960، وهو أمر لا يدعو إلى الدهشة حيث أنها تظهر من ملفات المصدر (تم الكشف عنها مع الرسائل الإلكترونية) من حيث أن هذه الوكالات التي لم تتناسب جيداً مع درجات الحرارة الفعلية تم تجاهلها بشكل متعمد. والمشكلة هي أن هذه الوكالات ليست مرتبطة فعلياً مع درجات الحرارة خارج فترة التقييم هذه. وعلى سبيل المثال، ففي حين أن درجات الحرارة الفعلية ارتفعت بعد عام 1960، تظهر وكالة كيث بريفا تراجعاً في درجات الحرارة. ولا بد أن التراجع ذاته حدث في أبحاث مان وجونز بعد عام 1980، الأمر الذي يوضح الآن ما كان جونز يعنيه في رسالته الإلكترونية. وتشتمل «الخدعة» على «إخفاء التراجع» بتبديل الوكالة مع درجات الحرارة الفعلية بعد عام 1961 في بحث بريفا، وبعد عام 1980 في بحثي جونز ومان. ويوضح ذلك الحقيقة المحيرة بأنه في جميع الأشكال تتوقف البيانات المبنية في عام 1980، ويتم تبديلها ببيانات حاسمة. وعلاوة على ذلك، على الرغم من أن البيانات الحاسمة متاحة منذ عام 1850 وحتى عام 1990، إلا أن هذه البيانات غير مستخدمة في الشكل 3. وأحد الأسباب المحتملة هو أنه كما هي الحال مع بيانات ما بعد عام 1980، فإن بيانات قبل عام 1900 لا تتطابق مع البيانات المبنية.
غير أن ذلك يعني بطبيعة الحال أن الوكالات في البيانات المبنية خاطئة، مثلما أن نوعية الوكالة تعتمد على قدرتها على التوقع خارج نطاق فترة التقدير. ومن شأن ذلك أن يجعل تحليل فترة ما قبل 1850 برمته غير ذي علاقة. وبعبارة أخرى، لا يثبت البحث أنه لم تكن هناك فترة احترار العصور الوسطى، وهو الشرط اللازم للادعاء بأن ظاهرة الاحتباس الحراري مدفوعة بالنشاط البشري. ولهذا السبب نرى أنه من غير المدهش أن العلماء يتلقون اللوم لأنهم تلاعبوا بالبيانات لإخفاء فترة احترار العصور الوسطى.
#2#
دروس من قطاع التمويل
إنني شخصياً أوصي بقوة بأن يستخدم مجتمع علماء المناخ «أفضل ممارسات» أكاديميي قطاع التمويل:
يجب إتاحة البيانات علنياً بتكلفة معقولة
في حين يحاول علماء المناخ تفسير درجات الحرارة، يحاول أساتذة التمويل تفسير أسعار الأسهم. وفي أوائل ستينيات القرن الماضي، أسست جامعة شيكاغو مركز أبحاث أسعار الأوراق المالية لجمع البيانات التاريخية بشأن أسعار الأسهم والمعلومات المالية الأخرى. وتتاح هذه المعلومات إلى جميع المؤسسات الأكاديمية مقابل رسم مدفوع. وعلى الباحثين في مجال المناخ القيام بالأمر ذاته. وعلاوة على ذلك، وكما يستخدمون الوكالات لقياس درجات الحرارة في فترة ما قبل عام 1850، عليهم أن يكشفوا كيف، ولماذا، تم اختيار هذه الوكالات، وكيف يتم جمعها في حسابات كمبيوترية. وهذه مسألة في غاية الأهمية، حيث إن أكثر المصادر شيوعاً لتقديرات درجات الحرارة في فترة ما قبل عام 1850 هي حلقات الأشجار. ولكن بالأخذ بعين الاعتبار أن عدد الأشجار غير محدد، فيبدو لي شخصياً أن بإمكانك أن تجد دائماً شجرة تعطيك النتيجة المرغوبة. وهذا بحسب اعتقادي الفرق الأساسي مع التمويل: نحن لا نحاول تقدير أسعار الأسهم إذا لم تكن هناك بورصة منظمة تعطي تسجيلات موثوقة. ويقلل هذا بشكل أساسي من إمكانية اختيار ما نريد والتلاعب بالبيانات.
يجب احترام البيانات
وليس النظريات
تعتمد نوعية النظرية على قدرتها على تفسير الحقائق. وبناءً عليه، حين لا تتناسب الحقائق مع النظرية، يجب تغيير النظرية، وليس الحقائق.
على سبيل المثال، يعتبر أحد أبرز النماذج المالية الحائز على جائزة نوبل هو نموذج تسعير أصل رأس المال. وحين تم اختباره لأول مرة باستخدام بيانات قبل عام 1970، وجد أنه يتسق إلى حد ما مع الحقائق، وأصبح لفترة ما الكأس المقدسة للتمويل. وعلى أية حال، حين مر الوقت، تم اكتشاف شواذ، وتم رفض النموذج واقتراح بدائل. وكان بعض هذه البدائل قد اقترحها الباحثون أنفسهم الذين قدموا الدعم التجريبي الأصلي لنموذج تسعير أصل رأس المال. وبناءً عليه، لا يوجد ما يدعو إلى الحرج فيما يتعلق بتغيير تفكيرك بعد أن ترى دليلاً جديداً.
إن طريقة العمل هذه تختلف تماماً عن ممارسات علماء المناخ التي تم الكشف عنها في تبادل الرسائل الإلكترونية في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، حسبما يقول أحد العلماء: «إن الحقيقة هي أننا لا يمكن أن نكون مسؤولين عن غياب الاحترار في هذه اللحظة، وهذا عار من حيثإأننا لا نستطيع».
كان بذلك يشير إلى حقيقة أنه منذ أن تم توقع زيادة الاحتباس الحراري في عام 1998، إلا أن درجات الحرارة العالمية تراجعت في واقع الأمر. وكانت الرسالة الإلكترونية نتيجة حقيقة أن بول هدسون، مراسل محطة البي بي سي بشأن التغير المناخي، أشار إلى ذلك الأمر. وبدلاً من وصف الأمر بأنه «عار» كان يجب على العلماء أن يرحبوا بالأمر على أنه تطور مشوق، ودعوة إلى إعادة المحاكاة. وربما أنها في بداية فترة من البرودة في درجات الحرارة العالمية، حسبما يشير بعض العلماء. لذا، دعونا نتمسك بسيارتنا الرياضية في اللحظة الراهنة.
لا تؤسس مؤسسات
تقرر ما إذا كان أي جدل أكاديمي مغلقا أم لا
لا توجد في مجال التمويل الأكاديمي مؤسسات مثل اللجنة الدولية بشأن التغير المناخي تقوم بالتقييم على فترات منتظمة ما إذا كان يجب قبول نظرية معينة على أنها حقيقة مطلقة. وفي كانون الثاني (يناير) 2001، صرحت اللجنة الدولية بشأن التغير المناخي بأن «هناك دليلا جديدا وقويا على أن معظم الاحترار الذي تمت ملاحظته خلال الأعوام الـ 50 الماضية سببه الأنشطة البشرية». وتبنى جميع أكاديميي العلوم على الصعيد الوطني والدولي نتيجة لذلك هذا الرأي. وبالنسبة لأكاديميي التمويل، فإن مثل ذلك الإجماع أمر غير عادي. ومن النادر أن يتم الإعلان أن المناقشات الأكاديمية في مجال التمويل «مغلقة». وعلى سبيل المثال، فإن أحد النقاشات في مجال التمويل التي استمرت لفترة طويلة للغاية حسبما أتذكر، ولن يتم التوصل إلى تسوية بشأنها على الإطلاق، هي ما إذا كانت البورصة تتسم بالكفاءة على صعيد المعلومات. ولا يمكن تخيل أنه بين فترة أخرى، يمكن أن تكون هناك مؤسسة رسمية تعلن حالة نظرية السوق الفاعلة، وتقرر أي الأبحاث ذات علاقة، وأي منها ليس كذلك. والخطر الماثل هو أن مثل تلك المؤسسات سوف يهيمن عليها أكاديميون يريدون الدفع باتجاه وجهة نظرهم تحديداً، والإعلان أن الجدل الأكاديمي مغلق.
إن الأدلة التي تتسق مع مثل ذلك السلوك من جانب اللجنة الدولية بشأن التغير المناخي يمكن الاستدلال عليها فوراً من حقيقة أن لا أحد من بين واضعي تقرير عام 2001 شكك في النموذج المعتمد. وفي واقع الأمر، أجد الأمر مزعجاً للغاية من عدم إصرار أي من العلماء (أو صانعي السياسة، أو أكاديمي العلوم الآخرين، والجمعيات العلمية التي تبنت رأي تقرير اللجنة الدولية بشأن التغير المناخي لعام 2001) على رؤية البيانات المبنية منذ عام 1980 حتى عام 2000، للتأكد ما إذا كانت الوكالات ذات صلة. ويبدو الأمر كما لو قمت باستخدام بيانات أسعار الأسهم منذ عام 1900 حتى عام 1980 لتصميم قانون تداول، ونشره في عام 2001، وبعدئذ لا يطلب المحكِم بأن أقوم بالتأكد بشأن ما إذا كان القانون سينجح منذ عام 1981 حتى عام 2000! والتفسير الوحيد لغياب عنصر الفضول بين العلماء وصانعي السياسة لا بد من أن يكون أنهم أحبوا صورة «عصا الهوكي» التي أظهرت أن الاحتباس الحراري في القرن العشرين لم يسبق له مثيل. وبناءً عليه، إذا أراد علماء المناخ استعادة الصدقية، فإنني شخصياً أوصي بأن يغلقوا اللجنة الدولية بشأن التغير المناخي. والبديل عن ذلك، يجب أن تحول اللجنة الدولية بشأن التغير المناخي نفسها إلى مجموعة ضاغطة تعمل لمصلحة الاحتباس الحراري الذي صنعه الإنسان، ويجب ألا تتظاهر بأن المقيم الموضوعي لأبحاث التغير المناخي.
لا تكن أسيراً لحركة سياسية أو صناعة معينة
على الرغم من أن عديدا منا يتم تمويله من قبل مؤسسات مالية، لكننا لا نمتنع عن توجيه الانتقادات إلى أولئك الذين يطعموننا. وعلى سبيل المثال، هنالك أبحاث لا تحصى تؤيد نظرية السوق الفاعلة التي تدّعي أن مديري المحافظ النشطة لا يولدون قيمة، وأن استراتيجية الاستثمار المثلى هي الاستثمار في صندوق مؤشر. وأثبت آخرون أن الاستحواذات تدمر القيمة بالنسبة للمزاودين، ويلومون في الغالب رسوم نجاح مصرفيي الاستثمار، فضلاً عن استخدام مضاعفات العوائد في التقييم. ولم يمنع هذا الانتقاد أساتذة التمويل من منحهم كراسي تمولها شركات إدارة الأصول والبنوك الاستثمارية. والسبب بحسب اعتقادي، هو أنه بغض النظر عما نقول أو نكتب، ليس له تأثير رئيسي على العالم الحقيقي. وفي واقع الأمر، هناك عديد من مديري المحافظ والمصرفيين الناجحين بشكل فاعل، ما زالوا يستخدمون المضاعفات الحسابية عند تقييم الشركات.
من ناحية أخرى، يتم أخذ علماء المناخ على محمل الجد من جانب السياسيين، وأنصار البيئة، ورجال الأعمال. وعلى سبيل المثال، بإمكان منتجي الطاقة البديلة الاستمرار في البقاء بفضل المساعدات الحكومية، والتنظيم، والضرائب على منافسيهم في قطاع الطاقة «غير البديلة». وسوف يتم تطبيق هذه السياسات الحكومية فقط إذا اقتنع الجمهور بأن ظاهرة الاحتباس الحراري مشكلة خطيرة من صنع الإنسان. وبناءً عليه، ربما يكون علماء المناخ أكثر رفضاً لمراجعة نظرياتهم إذا اعتمدت ثروات عديد من الناس على قبول هذه النظريات. وعلى ذلك، ربما تكون هناك رسالة أخرى: لا تأخذوا أنفسكم على محمل الجد للغاية، لكيلا يأخذكم الآخرون كذلك على محمل الجد للغاية.
* أستاذ التمويل في «إنسياد».