الأبعاد الاستراتيجية للصناعات الحربية
تابعت بإعجاب وتفاؤل مع كثيرين أخبار معرض القوات المسلحة للمواد وقطع الغيار الذي تنظمه وزارة الدفاع والطيران، الذي يهدف في المقام الأول إلى إدخال القطاع الخاص السعودي في الصناعة الحربية بشكل كبير، ولعل هذا التوجه يأتي امتدادا لما قامت به الوزارة من جهد في دعم القطاع الخاص السعودي للدخول في هذا القطاع، وما شهدته الحركة الاقتصادية في المملكة من خلال برنامج التوازن الاقتصادي مع الدول التي تتعامل مع المملكة في الأسلحة والمعدات الحربية، حيث كانت 35 في المائة من قيمة تلك العقود، تتم مع القطاع الخاص السعودي، وهي سياسة اقتصادية غير مسبوقة في القطاعات العسكرية بما يعود بالنفع على القطاع الخاص السعودي وعلى الاقتصاد, إضافة إلى البعد الاستراتيجي لتوطين صناعة الأسلحة التي لا يختلف اثنان على أهميتها من الناحيتين السياسية والأمنية للمملكة.
وبنظرة سريعة على فكره المعرض وعلى أبعاد توطين صناعة المعدات الحربية، فإن هناك جانبين رئيسيين مهمين يجدر التركيز عليهما، أولهما البعد الاقتصادي للتوسع وتوطين صناعة المعدات الحربية هو بعد متعدد الآثار ويشمل جوانب كثيرة من العجلة الاقتصادية نراها من جوانب مباشرة من زيادة في الناتج المحلي الإجمالي إلى إيجاد فرص وظيفية جديدة سواء على مستوى القطاع الخاص الذي بدوره سيقوم بالتوسع في التصنيع بناء على زيادة الطلب المحلي أو بصورة أدق، إحلال الطلب المحلي محل الاستيراد. هذا التوجه سيقود إلى توسعات كبيرة متوسطة وطويلة الأجل، وفي ضوئه فإن استحداث فرص وظيفية جديدة تعد مسألة محسومة سلفاً. البعد الاقتصادي لا يتوقف على المصانع، فكما هو معروف فإن الصناعات الحربية تعتمد بشكل كبير على البحث والتطوير, وهذا بدوره يعزز الشراكة مع مراكز البحث والتطوير القائمة أو التي قد تستحدث لتخدم هذا الهدف الاستراتيجي, وهذا بدوره يعطي بعدا جديدا لخلق الوظائف، أخيرا فإن مدخلات الصناعة الحربية أو الصناعات الأساسية والثانوية ستخلق دائرة اقتصادية متكاملة حول المصانع الحربية أو المعدات الحربية, وهذا البعد غير المباشر لصناعة المعدات الحربية.
كذلك فإن الدول تنفق ميزانيات كبيرة على معدات وآليات قواتها المسلحة، لذلك فإن توطين الصناعات الحربية سيوفر على الخزانة العامة تكلفة استيراد المعدات الحربية بالعملة الأجنبية, ما يعني زيادة في مستوى المعروض النقدي في الاقتصاد وتوازن أكبر لميزان المدفوعات، وهذه التكلفة تتضاعف بشكل كبير في حال حدوث مشكلات أمنية حربية على حدود الوطن أو حتى على الصعوبات التي تواجه عملية الاستيراد من زيادة في التكاليف وكذلك مخاطر الوقت والتأمين، ولنا في تجاربنا السابقة عبرة كبيرة على ما يمكن أن تكلفة الحروب وتأثير ذلك في الاقتصاد ومستويات الإنفاق الحكومي.
البعد الرئيس الثاني وهو الأمن القومي وتقوية المركز السياسي للدول، ما ينعكس على أمن بيئتها الاقتصادية وزيادة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية وعلى العملية الاقتصادية ككل، فالصناعات الحربية تعطي قدرا أكبر من الأمن وقدرا أكبر من الثقة على مواجهة الأزمات في حال حدوثها, وكذلك يسهم في المحافظة على الجاهزية الدائمه لقواتنا المسلحة، ولعل عامل الوقت واستمرارية التوريد يعتبران عنصرين مهمين في حال الأزمات. ولعل هذا الجانب ـ من وجهة نظري ـ يحمل أهمية كبيرة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
اليوم نبدأ بما يتجاوز 15 ألف قطعة عسكرية، ونسأل الله أن يتضاعف هذا الرقم خلال السنوات المقبلة لنرى ثمار هذا الجهد باختراعات سعودية، وكذلك أتمنى أن نرى مشاركة أكبر للتمويل على مستوى صناديق الدولة الاستثمارية, أو على مستوى مشاركة البنوك المحلية في تمويل المصانع القائمة أو الجديدة للقطاع الخاص ودعم تكتلات للشركات القائمة لدعم اقتصاديات الحجم. فهذه الصناعة تحديدا تعد خياراً استراتيجيا مهما تعود بالفائدة على الجميع من دون استثناء وتسهم ـ إن شاء لله ـ في دعم الموقع المهم الذي تحتله المملكة على المستوى العالمي سياسيا واقتصاديا.