اغتيال روح المنافسة .. هيئة الاتصالات نموذجاً

الأسبوع الماضي أصدرت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات قراراً عجيباً غريباً مفاجئاً، هذا القرار يلزم جميع مشغلي الهواتف المحمولة بإيقاف مجانية استقبال المكالمات خارج المملكة أو ما يطلق عليه «التجوال الدولي المجاني»!
بالنسبة لي كأحد عملاء شركة الاتصالات «الأم» بحكم تاريخها الطويل، وشركة الاتصالات «الحكومية» بحكم ملكية الحكومة 70 في المائة من رأسمالها، ورغم كوني أحد العملاء شديدي الولاء للشركة, إلا أني كمستخدم أولاً وكمراقب ثانياً لاحظت أن دخول شركة موبايلي على الخط أسهم في تحسين غير متوقع لخدمات الاتصالات المتنقلة في المملكة، بل تعدى الخدمات إلى التخفيض غير المسبوق للأسعار، طبعاً كان تطور الخدمات وتسابق تقنية المحمول اتجاها عالميا كما هو انخفاض الأسعار الناتج عن انخفاض التكلفة، لكني أجزم أن واقعنا اليوم سيكون حلماً لو لم تدخل «موبايلي» على الخط ، وهذا ليس قصوراً أو عيباً في شركة الاتصالات, لكنها المنافسة التي تصنع الأعاجيب، التي استفاد منها المستخدم النهائي للخدمة وبيئة الاتصالات ككل.
عدم اعتراض الشركات المشغلة (الثلاث) على قرار الهيئة بإيقاف خدمة التجوال الدولي المجاني لشركات الاتصال السعودية, يوجد الشك بأن هناك اتفاقا مبرما وراء الكواليس من الجميع أو من إحداها، طلباً لإيقاف الخسائر الكبيرة التي تتكبدها هذه الشركات نتيجة خسارة رسوم التجوال الدولي المجاني، أو لنقل الفرصة البديلة للربح من وراء استقبال المكالمات في التجوال الدولي، وسأتجاهل هذا الاحتمال في مقالي هذا لكنه سيبقى قائماً إلى أن يثبت العكس!
أجزم بأن الدخل الأكبر لشركات الاتصال المحمول وهو 80 في المائة, يأتي من الفئة الأقل عدداً وهم الـ 20 في المائة الذين تتجاوز فواتيرهم الشهرية الألف ريال ، وهؤلاء غالباً ما يكونون من العملاء كثيري السفر، وتمثل خاصية التجوال الدولي المجاني أهم ميزة لهم، وليس أدل على ذلك من قيام شركة الاتصالات السعودية بتدشين الخدمة لعملاء «التميز», وإعلانها ذاك تم بعد أيام معدودة فقط من إعلان شركة موبايلي تقديم الخدمة لعملاء «الراقي»، وإذا ما تم إلغاء الخدمة فيجب على هذه الشركات البحث عن مزايا أخرى تقدمها لهذه الشريحة.
إن تنافس مشغلي الهواتف المحمولة في المملكة يقوم على عاملين رئيسيين هما الخدمة والتسعير، والخدمات بحر لا أود الخوض في أمواجه، لكن التسعير كان ولا يزال عاملاً مهماً في اختيار العملاء الشركة المشغلة، وأتفهم تماماً قيام الهيئة بمنع الحرب السعرية بين المشغلين «خوفاً عليهم» من الخسائر! أو ما تطلق عليه الهيئة «المنافسة العادلة», لكن لا أتفهم أبداً أن تكون الهيئة أحرص على هذه الشركات من حرصها على مواطنيها، فالنتائج المعلنة لشركة الاتصالات السعودية وشركة موبايلي من أفضل النتائج المحققة على مستوى الشركات المدرجة في السوق، وبالتالي فلماذا تحميهم الهيئة؟ هل تحميهم من جشع المواطنين أم من جشع واستغلال العملاء؟! إنه أمر عجيب وغريب فعلاً!
لقد كان تصريح محافظ الهيئة صريحاً بأن القرار يركز على إعطاء الفرصة للمشغلين الجدد، إذن الهيئة تعلنها صراحة أنها حماية لشركة زين! حسناً إذا كانت الهيئة تظن أنها ستحميها بذلك القرار فهي مخطئة، فهي ستكون المتضرر الأكبر حيث تقوم استراتيجيتها على استفادة عملائها المنتشرين في أكثر من 20 دولة من خاصية التجوال الدولي المجاني، ليس في الاتصالات الواردة على أرقامها الخاصة بـ «زين السعودية» فقط, لكن على مستوى الاتصال المتبادل بين شبكاتها الأخرى المنتشرة في العالم، وليكن فلنفترض أنها ستحميها! فهي الشركة الوحيدة المشغلة التي تحقق خسائر بل خسائر باهظة, لكن هل تعتقد الهيئة أن المشكلة فيما أطلقت عليه الهيئة «توازن انخفاض الأسعار»؟ إذا كانت الهيئة تعتذر بذلك العذر فهي تضحك على نفسها أولاً وعلى شركة زين ثانياً وعلى المواطنين والمقيمين من العملاء ثالثاً وعلى السوق ككل رابعاً وخامساً وعاشراً! مشكلة «زين» الحقيقية والسبب الأول والأخير لمشكلاتها قيمة الرخصة الفلكية التي دفعتها الشركة نتيجة إساءة تقديرها قيمتها عندما نافست فيها! فلماذا تقوم الهيئة بحماية الشركة على حساب عملاء الشركات المشغلة الأخرى الذين يدفعون قيمة الرخصة التي سددتها شركت زين وقبضت الهيئة قيمتها عداً ونقداً؟!
لقد وافقت الهيئة على خاصية الاستقبال الدولي المجاني منذ أكثر من عام، في حين لم تذكر هيئة الاتصالات أي أسباب مقنعة لإيقاف هذه الخاصية أو مبررات إعادة تنظيمها، مع احترامي الشديد لما ذكر من عوامل أمنية واقتصادية وتنظيمية, فهو كلام مبهم! أما ما ذكرته الهيئة بأن مجانية خدمة التجوال الدولي والعروض المشابهة ستخلق حافزاً للمستهلكين خارج المملكة وداخلها, فهذا أمر متوقع، وعلى الشركات حماية نفسها من أي اختراقات من هذا النوع، دون أن يتم حرمان الأغلبية المحترمة لأسباب واهية تقوم بها الأقلية المشاغبة، لتظهر فيها الهيئة وكأنها المنقذ الحريص على مصلحة الوطن والشركات المشغلة على حساب المواطن المغلوب على أمره، الذي بدلاً من أن يجد هيئة تدافع عن مصالحه, إذ بها تساند شركات الاتصالات الديناصورية التي لا قبل للمستهلكين بمواجهتها.
لقد أبرمت شركات الاتصالات طوال الفترة الماضية منظومة متكاملة من الاتفاقيات لترتيب خاصية التجوال الدولي المجاني، ولم تعترض الهيئة طوال تلك المدة على ذلك .. فهل صحت الهيئة من سباتها العميق ووجدت أن هناك مخالفة للنظام؟!
لا أعتقد أن هناك جهة منظمة للاتصالات في أي مكان في العالم تقبل بأن تحد من الخدمات المقدمة من شركات الاتصالات لعملائها، فقط في السعودية ترى العجب، والحماية التي تتشدق بها الهيئة مقبولة عندما تكون الحرب السعرية تؤدي إلى إفلاس الشركات، لكن الهيئة في المقابل لا تمانع في إفلاس المواطنين على حساب الشركات التي تحقق أكبر ربحية في تاريخها.
هذا القرار يؤكد تخبط الهيئة في كثير من قراراتها، وعدم فاعليتها وقوتها في التطبيق، ويكفي أن نستعرض حادثتين صارختين في هذا الصدد، الأولى فتح نقل الأرقام بين المشغلين، الذي ما زال مكانك راوح وغير مفعل رغم تضرر بعض المشغلين وكثير من المواطنين نتيجة عدم إمكانية نقل الأرقام بين الشركات المشغلة، الحادثة الثانية موقف الهيئة من عرض شركة الاتصالات السعودية عند إعلان هديتها لعملائها «شهر الرسائل» و»شهر المكالمات»، والأسئلة التي تدور هنا من نوع لماذا؟ وكيف؟ ولمصلحة من؟ وهل المنافسة عادلة؟ وهل المعاملة متساوية؟ دون تفصيل لئلا نقع في المحظور!
ما ذنب العملاء؟ حسناً فلنفترض أني أحد عملاء هذه الشركات وعندما اشتركت في الخدمة واشتريت الشريحة، كانت الخدمة للتجوال الدولي مجانية، وفجأة وأنا خارج المملكة في رحلة عمل أو سياحة أو دراسة، وإذا بالخدمة المجانية تتوقف وأفاجأ بفواتير فلكية نتيجة قرار الهيئة! من المسؤول؟ وهل قرار الهيئة يعفي الشركة من المسؤولية؟ أم أن الهيئة تتحمل مسؤولية انقطاع الخدمة؟ وكل ذلك على حساب من؟ طبعاً على حساب المواطن المسكين قليل الحيلة الذي لا يجيد الشكاوى وليس لديه ظهر يحميه ولا هيئة تؤويه ولا وزارة للاتصالات تحمل همه.
وماذا عن الغرامات والعقوبات التي قد تتكبدها الشركات المشغلة نتيجة كسر اتفاقياتها مع المشغلين الآخرين حول العالم، من سيتحملها .. الهيئة أم الشركات المشغلة؟ يبدو لي أن الجواب سيكون لدى ديوان المظالم فقط.

أخيراً .. الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .. لا أجد حلا أسلم للهيئة من الرجوع عن قرارها الأخير، ولحفظ ماء الوجه يكفيها السكوت عن الموضوع، وتغريم الشركات المخالفة بضع مئات الآلاف من الريالات وكفى! .. كما هي عادتها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي