التحديات الاقتصادية للعقد المقبل!!
تَوجُه حكومتنا اليوم هو المحافظة على المكتسبات التنموية والعمل على تطويرها ورفع كفاءتها، وهذا بحد ذاته يُعتبر تحديا حقيقياً لأمة تصعد درجة من درجات سلم النمو والتطور. ولا شك أن أي مجهود حقيقي يعمل على تنمية هذا التوجه إنما يتطلب عزيمة صادقة وإيرادات كافية لخزانة الدولة لمواجهة المصروفات المُتزايدة. وأكثر من هذا فإن إدارة قطاعات الدولة ليست بالأمر السهل كما يتصوره البعض، فمهمة المسؤولين كبيرة وهي التأكد من إنفاذ ما تم تخطيطه بطريقة فعّالة، آخذين في الاعتبار أهمية عدم ازدواجية المهمات لدى الجهات المُنفذة، وحتى يتم ذلك، لا بد من العمل على استيعاب التصورات اللازمة لتفعيل مثل هذه القرارات التخطيطية ووضعها موضع التنفيذ. إن المسألة لاتقف عند هذا الحد، فأهداف التنمية الاقتصادية في بلد نفطي لاتختلف بأي حال من الأحوال عن مثيلاتها في البلدان المتقدمة، معدلات نمو حقيقية في الدخل الوطني وإعادة توزيعه من أجل خلق فرص عمل للمواطنين ومحاربة التخلف، والاستفادة القُصوى من إيرادات النفط من أجل خلق قاعدة إنتاجية تضمن استمرار رفاهية المواطن وتخفيف تقلبات أسعار النفط المُستقبلية. وفي هذا الإطار، فإن الإصلاحات الاقتصادية تعتبر الركيزة الأساسية لأي خطوة مستقبلية من أجل تحقيق الأهداف التنموية حيث من الأهمية بمكان تحرير أسعار بعض السلع حتى تتحدد أسعارها من خلال قوى السوق، عملاً بالمنظور الاقتصادي السليم، وهو أن ترشيد استهلاك سلعة «ما» إنما يتم من خلال تحرير سعرها وإلغاء الدعم الحكومي لها بحيث يتم القضاء على الهدر النسبي الناشئ من فُرط الاستهلاك نتيجةً لرخص السعر. غير أنه من الممكن القول، إن الهدف الرئيس هو علاج خلل ناشئ من عدم التوازن ما بين العرض والطلب وعلاجه يتم بتحرير الأسعار، لكن ونحن في خضم التخصيص نأخذ في اعتبارنا كذلك عددا من العوامل ذات التأثير الاقتصادي والسياسي وإيجاد آلية لتعويض من سيتضرر بحيث تتناغم مع سياسات قائمة على افتراضات مُعاشة وليست مثالية. ومن المعروف ضمن هذا السياق، أن العالم مر ويمر بفترات عصيبة كان لنا نصيب من ويلاتها ابتداءً من حربي الخليج الأولى والثانية، مروراً بالأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة لدول الجوار وما نتج عنها من مصاعب مالية جمة جراء القلاقل والحروب وانخفاض عوائد النفط وانتهاء بالأزمة المالية العالمية التي لا تزال تُلقي بظلالها على دول المنطقة والعالم بأسره. ونظراً لأهمية الدور الذي يقوم به التخطيط الاستراتيجي فلا بد لنا من العمل النموذجي المتكامل من أجل الوصول إلى مبتغانا، كون السنوات القادمة وفي ظل الأوضاع السياسية الحالية واعتمادنا على مصدر واحد للدخل، وكذلك غياب الرؤية الواضحة لمصادر التمويل الحكومي ستكون حُبلى بالمُفاجآت، وعليه فإن ما تم ويتم إنجازه من مشاريع ستكون في وضع حرج. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ونتيجة لانخفاض التعرفة الحكومية على الكهرباء فسيرتفع الطلب على هذه السلعة خلال العقود القادمة، حيث إن النمو السنوي للطلب على الطاقة يزيد بمعدل 8 في المائة سنوياً بسبب الزيادة السكانية وتسارع وتيرة النمو الاقتصادي وكذلك التوسع العمراني الأفقي، حيث إن ما تم صرفه على كهربة القرى والهجر في المملكة يناهز 8,2 مليار ريال عام 2009، وعلى هذا فإن تلبية الحاجات المستقبلية للكهرباء خلال السنوات العشر القادمة ستكون مصدر قلق إلا إذا توافرت استثمارات بحدود 100 مليار دولار. لا شك أن هذه المبالغ من الضخامة بحيث يصعب تلبيتها خاصة إذا علمنا أن هناك قطاعات أخرى هي بأمس الحاجة لمثل هذه المليارات..ما الحل؟ إدراكنا وتسليمنا بحقيقة وجود المشكلة سيكون المفتاح للحلول المثالية، لكن إجابة الاقتصاد الكلي تستوجب التنسيق الكامل للسياسات الاقتصادية المحلية في إطار نموذج اقتصادي كُلي يشتمل أساساً على مصادر التمويل المُؤكدة وأوجه الإنفاقات كون الاقتصاد الوطني مترابط الحلقات، وعليه فإن إهمال علاج خلل ما في قطاع سينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني ككل. من هذا المنظور، هناك تشابك شديد يصعب معه فصل الكهرباء عن القطاع السكني والتجاري أو حتى التعليمي وكما لا يمكن فصلها جميعا عن بقية قطاعات الاقتصاد الوطني. استراتيجيتنا يجب أن تعي الحقيقة المرة، وهي أن النفط سلعة محكوم عليها بالنضوب وإيراداتها ليست ثابتة وما لم نعمل على إيجاد البدائل من خلال استراتيجية تمويلية واعية فسنرد مستنقع الحلول المؤقتة. وهذه لن تجدي نفعاً في حل مشكلاتنا المزمنة التي ستزيد تعقيداً يوما بعد يوم. وجهات نظر أهل الاختصاص من مُختلف المشارب ستُعطي أفضل النتائج، من سيتحمل العبء الضريبي، والآثار الاجتماعية، النفسية، الثقافية، والبيئية المُترتبة على هذه القرارات. أيضاً، بعض القرارات الاقتصادية المتعلقة بتحرير أسعار بعض السلع سيكون لها مردود سلبي على الرأي العام ما لم نحرص على الاستفادة المُثلى من الدعم بعد تحرير بعض القطاعات بحيث يتم تحويله إلى قطاعات أكثر إنتاجية ومردودية من صحية، خدمية، وبنية تحتية اقتصادنا بأمس الحاجة لها.