للحد من الأخطاء الطبية .. هل يمكن اقتراح موسوعة طبية؟
لم يعد خافيا عن الأنظار ما يحدث من ممارسات طبية خاطئة، باتت تتكرر وتشهد تزايدا إحصائيا لا يقبل المماحكات والمساومات، و أن بقاء هذا الخلل التنظيمي والرقابي والتوعوي على وضعه، سيزيد المشكلة تعقيدا وسيجر الوضع الصحي إلى اتجاهات خارج نطاق السيطرة والثقة من تفاقم وتعظيم الإشاعات، وهذا ما حدث بالفعل من قريب في موضوع تشتت القناعات والثقة في قبول الآباء والمجتمع إعطاء حقن إنفلونزا الخنازير لإبناكم الطلبة أو لأنفسهم، بالرغم من كونه وباء مخيفا وخطيرا كما أعلنته منظمة الصحة العالمية في تهديده للملايين، والتي تراجعت أخيرا كما ورد، معترفة بغلوها في كيفية تسويقها للوضع بصورة كارثية، أربكت العالم وشدت الأنظار نحو الطريقة الفجة التي استخدمت فيها الإحصاءات والوفيات والمتابعة الدقيقة للوضع في دول العالم مقارنة بأمراض سابقة قد تكون أشد فتكا، فلم تكن المنظمة بالمستوى الذهني والتفكيري المحنك في التحسس لردود الأفعال المقابلة وعقلية البشر المنفتحة هذه الأيام لهذا التهويل، مما أوعز الجانب الاجتماعي والشارع أن يتصرف بتردد وطاعة لا إرادية بمساندة الشبكة العنكبوتية بالتعطيل.
الشيء بالشيء يذكر، موضوع العقلية الاجتماعية المنفتحة التي لا تخرج عن ناحيتين، الأولى ايجابية من ناحية النضج المعرفي المتواجدة بقلة والمحاربة بشدة، والاخرى سلبية متشتتة استعلائية إما استغلالية أو مستغلة ومستدرجة وهي السائدة في المجتمع، لذلك بدأت تلك العقلية السلبية تأخذ طريقها نحو الهيمنة، تاركة بصماتها السوداء على أرض الواقع الحياتي، في سيطرتها بشكل أوسع على الأوضاع من الإيجابية، في ظل الانتشار الواسع المعلوماتي والحرية الصحفية والإعلامية الإلكترونية، التي أخذت طريقها نحو النفوذ في تغيير وتوجيه الكثير من المسارات التي تظهر في بدايتها بهيكلة غير ما يتوقع أن تصل إليه في النهاية.
من هنا قد يأتي الحل حينما يأخذ الجانب التحليلي النفسي والسلوكي والاجتماعي مكانا في مؤسساتنا وتوجهات استراتيجيينا ومحللينا ومحققينا وقضاتنا، ويتسيد على الجوانب العفوية والارتجالية والاجتهادية الفردية في اتخاذ القرارات، قبل كيل التهم والتمادي في التشكيك والنيل من القدرات المتواجدة في محيطنا ومن ضمنهم الكوادر الطبية، وقبل أيضا إصدار العقوبات المغلفة بالعواطف والمدعومة بالإشاعات. لست هنا في تقليل المسؤولية وتبرئة المذنبين والمستهترين في السلك الطبي، وان كنا لسنا الوحيدين في العالم ممن لديهم من الأخطاء ما ليس لدى الآخرين وحتى في المجتمعات الغربية التي ينظر إليها بالكمال أو القرب منه من جراء الدقة والصرامة القانونية، بل اتجه للجانب العملي التخطيطي بعيدا عن النزاعات والملاسنات التي لن تجدي نفعا في الحد من التجاوزات والأخطاء، سوى أنها تارة تصعد وتارة أخرى تهبط وهكذا دواليك..!
استنادا إلى الكثير من التجارب الإدارية والتطويرية المستمرة التي تتخذها المنظومات والمؤسسات العملية العالمية منها نموذجا وسلوكا يتبناه كل عنصر فيها، يفضل أن تحذو وزارة الصحة بثقلها وبكوادرها وخبراتها وأجهزتها وتجهيزاتها وتتجاوز وتتخطى الروتين في خلق نموذج شبكي معلوماتي « موسوعة ويكبيديا طبية « مرتبط بكل الأقسام الطبية والعيادات والمختبرات والصيدلة بين القطاعين الأهلي والحكومي، ومدعوم بحضور دائم على مدار الساعة من قبل مستشارين متخصصين في كل قسم على طول وعرض المملكة، ضمن خطة ترسمها الوزارة للمساندة والدعم والتواصل وتبادل الرؤى، وخاصة قبل البت في الحالات المستعصية، عن طريق منتدى أو رسائل بريد إلكترونية موثقة حسب ما يكون مناسبا للتواصل السريع.
والموسوعة في الوقت نفسه تكون متاحة للمرضى في العيادات للاطلاع على المعلومات الخاصة بأمراضهم من حيث الإشارة والاستشهاد بها وطبع ونسخ ما يمكن طبعه ونسخه لهم من قبل الأطباء لاتباع التعليمات الموثقة وليست الشفهية التي يطلقها عادة الاطباء والصيدلانيون، وقد يكون هذا التواصل بين الأطباء والاخصائيين والمستشارين بكافة تخصصاتهم الطبية ومراتبهم مع بعض، تحت مظلة إدارة للتطوير المستمر في الوزارة للإدارة والمتابعة والرقابة، مدعوم بالتنافسية بين هؤلاء المختصين في إبداء آرائهم القيمة، التي يستوجب سن نظام للمكافآت والترقيات عليها وفقا لترتيبات معينة ومعتمدة، إضافة إلى إدراج نظام المنافسة الإحصائية والمعايرة الدورية (Benchmarking) بين المراكز والمستشفيات من حيث التبادل المعلوماتي وربطه بقلة الأخطاء الطبية، مع التفكير بجد لوضع هاتف موحد ذي تسعيرة مقبولة لمركز معلومات طبية لجدية الطلب، هدفه التوجيه إلى هؤلاء الإخصائيين والاستشاريين المقترحين على مدار الساعة من قبل المرضى الذين يرغبون التاكد لحالاتهم. قد يجدر التفكير في تأسيس منتدى دولي للتنافسية الطبية أسوة بمنتدى التنافسية الدولي الأول الذي يركزعلى الاقتصاد والاستثمار، يعنى بالقضايا الإدارية الطبية والنظريات التطويرية والمعايرات الإحصائية الدولية الدورية، التي تخدم المجال الطبي التنظيمي والأخطاء الطبية والتكنولوجيا الطبية والأبحاث المتعلقة بها والموسوعات الطبية ومجال تطورها، والسبل الكفيلة في تجاوز المراحل البطيئة والمتأخرة للتواصل مع العالم تنظيميا وهيكليا، مع التنويه بأن المنتدى ليس مؤتمرا طبيا خاصا بمواضيع وأبحاث طبية وعلاجية معينة، لكيلا تتشتت الموضوعية والتخصصية في الجذب والتشجيع والتنافس والاستفادة والتحصيل.
ومن أجل استخلاص العبر بشكل مرتب ومنظم مدعوم بالعمل والعلم النافع، فإنه من الجميل أن نرى نماذج تطويرية تغييرية حية لتوصيات معلنة تأخذ طريقها إلى التنفيذ بشكل متسارع، تضع المواطن في راحة نفسية لتصنع منه إنسانا واعيا ومتفهما بعيدا عن الهمز واللمز الذي ينتشر بين المجتمعات الفقيرة بشكل واسع، فنحن مجتمعات في ظاهرها غنية لكنها من ضعف الوعي وقلة الصبر ومن ثقافة الرفض في إفشاء الأخطاء ومرتكبيها جعلتهم فقراء بعيدين عن الواقع، فلعل الأمور من حيث ما نتمنى ونرغب قد غدت تتجه نحو التصحيح بعد ما تفشى الفساد وانطلقت الأصوات تنادي بنظام رادع، فلا ريب أن النصر حليف المؤمنين، والصبر على الأذى من سمات الصالحين الذين تبقى أفئدتهم تنير الطريق لكل ساع، فتهانينا ومطلبنا لمكافأة كل مسؤول شجاع جريء يقف بين الملأ يكشف أخطاءه ويلجم موظفيه العاصين وممثليه للعلاقات العامة الذين يتفننون نظير تقصيرا إدارتهم بصنع التروس والموانع.