ملايين العاطلين يمثلون جيل الفقراء الجدد في أمريكا

ملايين العاطلين يمثلون جيل الفقراء الجدد في أمريكا
ملايين العاطلين يمثلون جيل الفقراء الجدد في أمريكا

أصبحت قضية العاطلين وفاقدي الوظائف مواد دسمة للأطروحات التي تنشرها الصحف الأمريكية هذه الأيام، وأصبحت حقيقة ملموسة يعانيها الشعب الأمريكي والطبقات الوسطى منه في ظل الأرقام المخيفة التي تسجل في عدد العاطين عن العمل والباحثين عنه والذين فقدوا وظائف بسبب الأزمة المالية التي شهدها العالم أخيرا وأثرت في قطاعات مهمة في الاقتصاد الأمريكي، منها العقار، وشركات السيارات والبنوك حيث سجلت الإحصائيات الكثير من البنوك ذات الأسماء الكبيرة في عالم المال، إضافة إلى الخسائر التي سجلتها أسواق المال والبورصات. وهذا التحقيق الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الإثنين الماضي يتحدث عن القصص المأساوية التي يعانيها العاطلون الذين أصبحوا يشكلون جيلا جديدا من الفقراء الأمريكيين وفق تصنيف مختلف عن السابق.
يظل ملايين الأمريكيين بلا عمل حتى في الوقت الذي يُظهِر ويسجل الاقتصاد الأمريكي علامات مبدئية على التعافي، فإن الأضرار المترتبة على الناس بفعل الركود الاقتصادي مستمرة في التصاعد، بعد أن تفدت مدخراتهم وشارفوا على نهاية الاستفادة من عوائد البطالة التي تصرفها الحكومة لهم.
ويخشى الاقتصاديون من أن هذا الانتعاش الغض سيُخَلِّف عدداً كبيراً من الناس وراءه يفوق ما كانت عليه الحال في حالات الركود السابقة، حيث إنه سيخفق في خلق عدد كاف من الوظائف يكفي لامتصاص الأرقام القياسية الجديدة من صفوف العاطلين عن العمل لفترة طويلة.
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير خطير نشرته في عددها الصادر أمس الأول بقلم بيتر جودمان Peter S. Goodman كبير المحللين الاقتصاديين، إن هؤلاء الناس سنطلق عليهم تعبير «الجيل الجديد من الفقراء»، ونعني بهم الناس الذين اعتادوا فترة طويلة على وسائل الراحة التي تتسم بها حياة الطبقة الوسطى، والذين يعتمدون الآن على مساعدات الحكومة للمرة الأولى في حياتهم، وربما يستمر هذا الوضع لعدة سنوات مقبلة.
مع ذلك فإن شبكة السلامة الاجتماعية أخذت منذ الآن تُظهِر علامات على العسر الشديد. نحو 2.7 مليون أمريكي من العاطلين عن العمل سيخسرون معونة البطالة الشهرية التي يتلقونها من الحكومة قبل نهاية نيسان (أبريل) المقبل، إلا إذا اعتمد الكونجرس اقتراح الرئيس أوباما بتمديد فترة المعونة، وفقاً لما تقوله وزارة العمل الأمريكية.

#2#

جين آيزِن، (57 عاماً)، عاطلة عن العمل منذ أكثر من سنتين. وبعد أن توقفت دفعات المعونة الحكومية أخذت تعتمد على الجمعيات الخيرية التي تقدم المواد الغذائية للفقراء. تحولت آيزِن الآن إلى الدِّين، بعد أن كانت ذات مرة ممثلة تلقي النكات أمام جمهور من الحضور. وتقول:»إنني أدعو الله من أجل الشفاء. حين تنقطع بك السبل، فإن عليك أن تلجأ إلى من تعرف».
وعملت آيزِن معظم حياتها. أما الآن فهي واحدة من 6.3 مليون أمريكي عاطل عن العمل منذ ستة أشهر أو أكثر، وهو أكبر عدد منذ أن بدأت الحكومة في تسجيل الإحصائيات منذ عام 1948. هذا العدد يزيد على ضعف العدد الذي سُجِّل أثناء فترة الركود الاقتصادي التي تعد ثاني أسوأ فترة، والتي كانت في أوائل الثمانينيات.
في الركود الاقتصادي الحالي عانى أكبر عدد من الرجال فقدان الوظائف. لكن آيزِن تمتاز (بصورة سلبية) بأنها واحدة من مجموعة من النساء – تقع أعمارهن بين 45 عاما و 64 عاما ـ من العاطلات عن العمل اللواتي ارتفعت أعدادهن بسرعة.
وفي عام 1983، بعد الانتهاء من فترة من الركود الاقتصادي العميق، كانت نسبة النساء في تلك المجموعة تشكل 7 في المائة فقط من الأشخاص الذين ظلوا عاطلين عن العمل ستة أشهر أو أكثر، وفقاً لوزارة العمل. لكن في السنة الماضية كانت نسبتهن هي 14 في المائة.
واستهلكت آيزِن المعونة الحكومية عن البطالة مرتين في حياتها، قبل أن تعود إليها المعونة بفضل قرار التمديد من الحكومة الفيدرالية. في الأسبوع الماضي انتهت فترة المعونة الحكومية مرة أخرى. وهي تحاول مع زوجها تسديد التزاماتهما من خلال الراتب الشهري الذي يتلقاه زوجها (كبدَل عن الإقعاد) ومقداره 1595 دولاراً شهرياً. لكن إيجار شقتهما يبلغ 1380 دولاراً. وتقول: «هناك احتمال كبير جداً في أن نصبح من المشردين بلا مأوى».
وكل ركود اقتصادي يعمل على إخراج بعض الناس من فئة الطبقة الوسطى قبل أن يعاود الاقتصاد التوسع. معظم هؤلاء الناس يعودون إلى سابق عهدهم. وبعضهم تتحسن أحواله أكثر من ذي قبل. لكن يشعر بعض الاقتصاديين بالقلق من أن الأمر مختلف هذه المرة. هناك مجموعة غير عادية من القوى – بعضها كامن في طبيعة الاقتصاد المعاصر، وبعضها فريد يقتصر على الركود الحالي الذي يتسم بالعسر الشديد - ربما تجعل من الصعب بصورة خاصة بالنسبة للعاطلين عن العمل أن يجدوا طريقهم من جديد إلى حياة الطبقة الوسطى.
ويقول خبراء العمل إن الاقتصاد بحاجة إلى 100 ألف وظيفة جديدة كل شهر لمجرد امتصاص الداخلين الجدد إلى القوة العاملة. وحيث إن أكثر من 15 مليون شخص يعتبرون رسمياً عاطلين عن العمل، فإنه حتى الانتعاش الاقتصادي القوي يرجح له أن يخلف وراءه عدداً هائلاً من العاطلين عن العمل لعدة سنوات.
ويلاحظ بعض خبراء العمل أن حالات الركود الاقتصادي الشديدة تعقبها في العادة حالات من التوسع القوي، ما يشير إلى أن عمليات التوظيف النشطة ستُستأنَف قريباً. لكن تبقى هناك شكوك حول إذا ما كان بمقدور عمليات التوظيف الاستمرار فترة طويلة بما يكفي لامتصاص عدد قريب ولو من بعيد من الملايين العاطلين عن العمل في الوقت الحاضر.

ندرة جديدة في الوظائف

يؤكد عدد من خبراء العمل أن الطبيعة الأساسية لحركة الاقتصاد الأمريكي تغيرت بطُرُقٍ من شأنها أن تجعل الوظائف نادرة – خصوصاً بالنسبة لكبار السن من ذوي التعليم الضعيف مثل آيزِن، الذين لا يمتلكون إلا شهادة الدراسة الثانوية.
وعدد كبير من الشركات يتم امتلاكها الآن من المستثمرين المؤسسيين، الذين يحاولون استخلاص الأرباح السريعة، وهو أمر يتم تحقيقه في الغالب من خلال تقليص عدد الوظائف. كما أن الأثر المتراجع لاتحادات العمال يجعل من الأهون على أصحاب العمل تحويل العمل إلى الموظفين الذين يعملون بدوام جزئي أو بصورة مؤقتة.
وفي السنوات الأخيرة تحولت وظائف المصانع وحتى الوظائف المكتبية إلى البلدان ذات التكاليف المتدنية في آسيا وأمريكا اللاتينية. كما ساعدت الأتمتة في التصنيع على إلغاء 5.6 مليون وظيفة منذ عام 2000، خصوصاً الوظائف التي كانت في الماضي تؤمن الدخل للعمال غير المهرة.
ويوضح ألان سيناي، كبير الاقتصاديين العالميين لدى مؤسسة الأبحاث Decision Economics: «الأعمال والشركات الأمريكية تدور أساساً حول تعظيم قيمة المساهمين. بمعنى أنك من الناحية الأساسية لا تريد العمال. لذلك تقلص الشركات من عمليات التوظيف، وتحاول أن تجد المعدات الرأسمالية التي تصلح لتحل محل الوظائف».
وأثناء فترات التوسع الاقتصادي في الولايات المتحدة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت نسبة الزيادة السنوية في وظائف القطاع الخاص نحو 3.5 في المائة. وأثناء فترات التوسع في الثمانينيات والتسعينيات، ازداد عدد الوظائف بنسبة سنوية مقدارها 2.4 في المائة. وأثناء العقد الماضي، هبطت نسبة النمو في الوظائف إلى 0.9 في المائة سنوياً.
ويقول لاكشمان أتشوثان، العضو المنتدب لدى معهد أبحاث الدورة الاقتصادية Economic Cycle Research Institute، الذي يعمل كمؤسسة للأبحاث: «في كل حالة من حالات التوسع الاقتصادي كانت وتيرة النمو في الوظائف تشهد تراجعاً. وليس هناك ما يشير إلى أن هذا النمط في سبيله إلى التغير».
وقبل عام 1990 كان الاقتصاد يحتاج في المتوسط إلى 21 شهراً ليستعيد الوظائف التي فُقِدت أثناء الركود الاقتصادي، وفقاً لتحليل أُجرِي على بيانات وزارة العمل من قبل ’مشروع قانون التوظيف‘Employment Law Project ومن قبل معهد السياسة الاقتصادية Economic Policy Institute، وهو مؤسسة أبحاث تهتم بأبحاث القوة العاملة مقرها في واشنطن.
بعد فترة الركود الاقتصادي، في عام 1990 وفي عام 2001، مضى 31 شهراً و 46 شهراً قبل أن يعود التوظيف إلى معدلات الذروة السابقة. كان الاقتصاد في حالة نمو، لكن الشركات ظلت محافظة في عمليات التوظيف فيها.
وفي عام 2000 تم توظيف نحو 34 مليون شخص في وظائف جديدة وقائمة في القطاع الخاص، في نهاية ذيل التوسع، وفقاً لبيانات وزارة العمل. بعد ذلك بسنة، في وسط الركود الاقتصادي، هبط التوظيف إلى 31.6 مليون شخص. وحتى فترة متأخرة هي عام 2003، بعد أن أخذ الاقتصاد في النمو مرة أخرى، استمر التوظيف في القطاع الخاص في الهبوط، ليصل إلى 29.8 مليون شخص.
كان ذلك الانتعاش الاقتصادي تعافياً دون وظائف. كانت الشركات تستعيد قوتها، لكنها بكل بساطة لم تترجم ذلك إلى المزيد من العمل. هذه المرة، كما يقول اقتصاديو العمل، ربما يكون التوظيف واهناً بصورة خاصة.
من الناحية التقليدية هناك ثلاثة قطاعات كانت تتصدر طريق الخروج من الركود الاقتصادي، وهي: السيارات، بناء المساكن، والبنوك. لكن شركات السيارات تمر بفترة من التقلص، لأن الأسر التي تعاني ضائقة مالية فقدت جزءاً من قوتها الشرائية. كما أن بناء المساكن محدود بفعل المخاوف حول الإغراق من المساكن التي تسحبها البنوك من أصحابها لعجزهم عن تسديد دفعات القروض. صحيح أن البنوك في حالة توسع، لكن هذا يبدو أنه يعود بصورة كبيرة إلى الدعم الحكومي، الذي يجري سحبه في الفترة الحالية.
وفي الوقت نفسه فإن استمرار الألم من الأزمة المالية قلص من حركة المال إلى الشركات الصغيرة والمشاريع الجديدة، التي يغلب عليها أن تكون من المصادر الرئيسية للوظائف الجديدة.
إذا كان الاقتصاد سيتوسع من جديد دون إضافة عدد كبير من الوظائف، كما يتوقع سيناي، فإن ملايين الأشخاص الذين من قبيل آيزِن سيظلون يعتمدون على التأمين ضد البطالة، الذي يتعرض منذ الآن لضغط شديد للغاية.
وقال موريس إِمْسِلِم، ومدير للسياسة في مشروع القانون القومي للتوظيف: «لم يكن النظام مستعداً لواقع البطالة ذات الأمد الطويل. والآن حين تضيف الركود الاقتصادي الشديد، فإننا نجد أنفسنا أمام أزمة ذات أبعاد تاريخية».

برامج الحماية قليلة

يبين بعض خبراء الفقر أن شبكة السلامة الاجتماعية غير مؤهلة لتشكل وقاية من الآثار المترتبة على أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم. كما أن الخدمات الاجتماعية أقل انتشاراً مما كانت عليه الحال خلال الفترة الأخيرة التي شهدت ارتفاع معدلات البطالة إلى خانتين، في أوائل الثمانينيات.
وفي العام الماضي حصل ثلثا العاطلين عن العمل فقط على مبالغ الدعم المقدمة من حكومات الولايات، وفقاً لوزارة العمل. أما الثلث الباقي فإما أنه استهلك مبالغ العوائد، أو أنه لم تنطبق عليه الشروط اللازمة لتلقي المعونة، أو أن بعض الأشخاص لم يتقدموا بطلبات للحصول على المعونة.
ويشير راندي ألبِلدا، أستاذ الاقتصاد في جامعة ماساتشيوسِتس في بوسطن قائلا: لدينا مجموعات كبيرة من الناس لا تحظى بأية حماية اجتماعية. وهم يهبطون الآن في هذا العالم السفلي».
وإن الإصلاحات التي جرت في منتصف التسعينيات فرضت قيوداً على المساعدات النقدية للأمهات العازبات الفقيرات، وهو تغيُّر محمول على الافتراض القائل إن النساء يفضلن شيكات الرواتب على شيكات الرعاية الاجتماعية.
مع ذلك، مع ازدياد صعوبة الحصول على وظائف، ازدادت كذلك صعوبة تقديم الرعاية الاجتماعية. منذ عام 2006 قطعت 44 ولاية معونات الرعاية الاجتماعية عن أية أسرة يبلغ إجمالي دخلها 75 في المائة من مستوى الفقر، الذي كان في ذلك الحين يقتصر على 1383 دولاراً شهرياً للعائلة المكونة من ثلاثة أفراد، وفقاً لتحليل أجراه ألبِلدا.
من جهته، أوضح يموثي سميدِنج، مدير معهد أبحاث الفقر Institute for Research on Poverty في جامعة وسكونسِن في ماديسون: قائلا «لدينا شبكة سلامة قائمة على العمل دون وجود أي عمل. الناس الذين يتمتعون بقدر أكبر من التعليم والمهارات سيخرجون على الأرجح بشيء ما حين يشتد ساعد الاقتصاد. المشكلة في الأشخاص الذين حصلوا على قدر أقل من التعليم ومن المهارات. هؤلاء هم الجيل الجديد من الفقراء».
وهنا في مقاطعة أورانج، في الرقعة العمرانية الممتدة جنوباً من لوس أنجلوس، فإن معدلات البطالة طويلة الأمد تصل حتى إلى الأشخاص الذين كانوا في فترة سابقة يحصلون رواتب من ستة أرقام. هذه المنطقة تعتبر مركز أمريكا لصناعة القروض السكنية، وقد ازدهرت في طفرة العقارات وعانت الانهيار.
وكانت جانيت بوث (41 عاما)، قبل الاستغناء عن خدماتها قبل سنتين، تحصل دخلاً في حدود عشرة آلاف دولار شهرياً، من العمولات التي تتلقاها من عملها في بيع الأجهزة الإلكترونية إلى محال التجزئة. وهي أم عزباء لثلاثة أطفال، وتعيش في الفترة الأخيرة على ألفي دولار شهرياً (تتلقاها من إدارة مساندة الأطفال) ونحو 450 دولاراً أسبوعياً من التأمين ضد البطالة. لكن هذه السلسلة من الشيكات انقطعت بعد أن انتهى أجلها في الأسبوع الماضي.
وبالنسبة للسيدة بوث، كانت تعمل منذ أن كانت في طور المراهقة، حيث كانت تعمل في تنظيف المساكن تحت ضغط من والدتها حتى تستطيع الحصول على مصروفها. واليوم تدفع بوث القسط الشهري لقرضها السكني بمساعدة والدتها، التي تعيش نفسها على مدخراتها بعد أن تم تسريحها من العمل.
السيرة الذاتية للسيدة بوث مليئة بوظائف ذات رواتب جيدة. ويبدو عليها أنها من النوع الذي لن يعاني صعوبة كبيرة في الحصول على وظيفة. مع ذلك فإن جهودها في البحث عن عمل لمدة سنتين لم تخلف لديها سوى الإحساس بالقلق.
وهي ترسل أسبوعيا عشرات النسخ من سيرتها الذاتية، ونادراً ما تتلقى رداً. وهي تستجيب للإعلانات المنشورة على الإنترنت، لكنها تفاجأ بأن الوظائف المطلوبة هي من قبيل عاملات الهاتف للإجابة عن المكالمات غير المرغوب فيها، أو أشخاص لديهم استعداد لإرسال طرود غامضة من مساكنهم.
وهي تمضي فترة نهاية الأسبوع في صف دراسي في مدينة أناهايم، في برنامج تدريبي تموله ولاية كاليفورنيا، وهو برنامج يفترض فيه أن يؤمن لها عملاً في الإدارة الطبية. وحتى لو استطاعت الحصول على عمل فعلاً، فإنها ستكون محظوظة إن حصلت على أجر مقداره 15 دولاراً في الساعة.
في الأسبوع الماضي طبعت نشرات صغيرة تعلن فيها عن رغبتها القوية في تنظيف المساكن، وهي الوظيفة نفسها التي كانت تؤمن لها مصروفها الشخصي أثناء مرحلة الدراسة الثانوية، وتعتبر الآن السبيل الوحيد الذي تراه مناسب لإعالة أطفالها. وهي تعتزم وضع النشرات على مداخل المساكن في بعض الأحياء الأخرى.
وتقول: «لا أريد أن أعمل في تنظيف مساكن جيراني. أنا أعلم أنني سأتجاوز هذه المرحلة. من المستحيل أن أكون مشردة بلا مأوى وأعاني الفقر الشديد. لكنني أشعر بالخوف. وأنا أمضي ليالي كثيرة لم أستطع أن أذوق فيها طعم النوم».
وبالنسبة لعائلة آيزِن، فقد حل الفقر عليها بالفعل. خلال السنتين اللتين أمضتهما آيزِن دون عمل، استهلكت العائلة مدخراتها البالغة 24 ألف دولار تقريباً. وارتفع رصيد ديون العائلة من بطاقات الائتمان إلى 15 ألف دولار.
في كانون الثاني (يناير) تعطلت سيارتها، ما جعلها تطلب من الناس توصيلها في زياراتها إلى أحد مراكز التوظيف. كما أنها تفتقر إلى المال اللازم للانتقال إلى شقة أرخص. لكنها تمتلك سمتين مهمتين في حياتها، شخصيتها وحضورها. وهما سمتان كان يبدو أن فيهما الكفاية. لكنها تشعر الآن باليأس يحيط بها وهي تتحسر على حياتها الماضية. وهي على استعداد للقيام بأي شيء تقريباً. وتقول: «الآن لم تعد هناك وظيفة غير مقبولة. أية وظيفة ستكون وظيفة جيدة». وقد قدمت طلبات توظيف في كل مكان تستطيع التفكير فيه. لكن جهودها كانت عبثاً. وتضيف: «الناس ينظرون إلي الآن على أنني لم أعد صالحة للعمل. أعتقد أن السبب في ذلك هو سني ووزني. سألقي باللوم في ذلك على أكثر الجوانب افتقاراً إلى الأمن في حياتي».
تجد آيزِن نفسها الآن هي وزوجها في صحراء من البطالة، بعد أن ذهب راتبها وحل محله شيك بقيمة 702 دولار، من عوائد البطالة، مرة كل أسبوعين. حتى الآن تسلمت ما مجموعه 14 أسبوعاً من العوائد بعد أن خسرت عملها الأخير، ثم بعد ذلك حصلت على تمديد لمدة سبعة أسابيع.
خلال معظم تشرين الأول (أكتوبر) ومروراً بكانون الأول (ديسمبر) 2008، لم تتلق أي شيكات، حيث إنها كانت في انتظار فترة تمديد أخرى. ثم جاءت الشيكات من جديد، وبعد ذلك توقفت في أيلول (سبتمبر) 2009. ثم استعادت استلام الشيكات بفعل قرار التمديد قبل عيد الميلاد مباشرة.
وتعاني ابنتهما من مشكلات في ظهرها، وهي تعيش على شيكات التأمين ضد الإقعاد، ما يجعل الكنيسة هي الملاذ الأخير للعائلة.
وقالت آيزِن: «لم يكن يخطر ببالي قط أنني سأكون في وضع يضطرني إلى الذهاب إلى أماكن توزيع المواد الغذائية». لكنها تقف الآن في ساحة للسيارات تابعة لكنسية كالفاري تشابِل. وهي تتبادل الحديث مع بضع نساء في الصف، جميعهن بانتظار الدخول إلى مركز التوزيع.
حين يُنادى على اسمها، تدخل إلى غرفة لا توجد بها نوافذ، حيث تجلس امرأة على شفتيها ابتسامة ترحيب، وتعطيها ثلاثة أكياس تحتوي على مواد مثل: الجزر، البطاطس، الخبز، الجبن، وقطعة من اللحم المجمد. هذه المرة لم تتلق أي كيس من الفاصوليا. وتقول: «الحمد لله. لدي عشرة أكياس من هذا النوع من الفاصوليا، وليست لدي أدنى فكرة عن طريقة طبخها».
الإعلانات عن الوظائف المحلية غامضة بالقدر نفسه. على إحدى لوحات الإعلانات في مركز خدمات الوظائف والأعمال، كثير من هذه الإعلانات مكتوبة بلغة متخصصة يبدو كأنها تشير إلى وظيفة في المحاسبة أو الكمبيوتر.
وتعترف آيزِن: «لست مؤهلة لأداء أي من هذه الوظائف. حين لا يكون بمقدورك تحديد الوظيفة التي تقرأ الإعلان عنها، فإن هذه إشارة قوية تماماً».
مستشارتها في المركز تقول إن لديها وظيفتين محتملتين. عاملة قبض على الصندوق في أحد محال السوبر ماركت، أو وظيفة مكتبية ليلية في أحد الفنادق الصغيرة.
وتؤكد آيزِن قائلة: «سأرسل رسالة إلكترونية إليهما. وسأخبرهما أنني إنسانة تتمتع بمواهب مشرقة».

الأكثر قراءة