خطر «التعثر» يطارد المؤسسات المالية الإسلامية ويطوّق مصرفا خليجيا
صناعة التمويل الإسلامي على مشارف دخول فترة «حرجة» مع اقتراب حالات «التعثر» وللمرة الأولى من إصابة «مؤسساتها» بدلا من صكوكها!
فوجئت أوساط المال الإسلامية الأسبوع الماضي عندما منحت إحدى أهم وكالات التصنيف العالمية تصنيفا ائتمانيا يبتعد «درجة واحدة» عن تصنيف «متعثر» لأحد البنوك الإسلامية في البحرين، لتعلن الوكالة بذلك أن تبعات الأزمة المالية بدأت تضرب الأسس الأساسية لبعض بيوت المال الإسلامية، ولا سيما تلك الموجودة في الكويت والبحرين.
وحصل «بيت التمويل الخليجي» على تصنيف SD من ستاندرد آند بورز, الذي يعني أن البنك «تعثر» بشكل «اختياري» بعد أن أخفق في تسديد قرض كامل له يبلغ 300 مليون دولار، وذلك عندما وافق الدائنون على تمديد تاريخ استحقاق الدفعة الأخيرة من القرض (100 مليون دولار) لستة أشهر أخرى.
وحاول بعد ذلك «ستاندرد» تهدئة الأوساط المالية في الخليج عندما نفت في تصريحات صدرت من كبار مسؤوليها، حيث أوضحت لـ «الاقتصادية»، أن البنك الخليجي أصبح «متعثرا» في نظرها، مشددة على أن ما قصدته هو أن البنك أصبح «متعثرا اختياريا».
وهدأت الوكالة من حالة القلق التي انتابت بعض المستثمرين بأنه لا يوجد أي بنك خليجي «آخر» يقترب من التعثر، إلا أن الوكالة «أخلت مسؤوليتها»من بيوت المال الخليجية التي لا تقيمها».
وقال جان ويليم بلانتاجي، الرئيس الإقليمي للشرق الأوسط في وكالة ستاندارد آند بورز, إنه بخلاف «بيت التمويل الخليجي»، لا يوجد لدينا أي بنك خليجي يتمتع بتقييمات قريبة من التعثر أو تجعله في حالة تعثر. ولا نستطيع التعليق على أي بنك غير خاضع للتقييم (من قبلنا)، على اعتبار أننا لا نمتلك هذا النوع من المعلومات.
وقبل فترة ليست بالبعيدة، كان من النادر جدا أن تجد بنوكا إسلامية تحمل درجة استثمارية عالية المخاطر sub-investment grades في تصنيفاتها كما هي الحال مع «بيت التمويل الخليجي» و»أركابيتا». إلى ذلك سحب بنكان إسلاميان (شامل وأركابيتا) تصنيفاتهما الائتمانية وأنهيا عقودهما مع «ستاندرد» بعد أن أصرت الأخيرة على «شفافية» تصنيفاتها التي يعتمد عليها المستثمرون في قراراتهم الاستثمارية.
إثارة اللبس
أثار تصنيف «ستاندارد» «النادر» بعض اللبس في أوساط المصرفيين في صناعة المال الإسلامية، نظرا للوضع الحرج الذي يمر به أحد أهم البنوك الإسلامية. ويدور اللغط حول التصنيف الائتماني ما إذا كان «بيت التمويل» قد حصل على تصنيف «متعثر»، وهي آخر درجة في سلم التصنيف، أم لا.
وتعطي ستاندارد آند بورز المرتبة SD (التعثر الانتقائي) حين تعتقد أن الجهة الملتزمة بالواجب التعاقدي ستخفق بصورة انتقائية في تسديد الالتزامات المستحقة لإصدار معين أو لفئة من الالتزامات، مع استثناء الالتزامات التي تجعل المؤسسة مؤهلة رأسمالياً بموجب القوانين التنظيمية، لكنها ستستمر في تسديد دفعاتها المترتبة على إصدارات أخرى أو على فئات الالتزامات الأخرى في مواعيدها المقررة.
في حين، تمنح «ستاندارد» المرتبة D حين تعتقد أن التعثر سيكون تعثرا عاماً وأن الجهة الملتزمة بالواجب التعاقدي ستخفق في تسديد جميع (أو معظم) التزاماتها حين تصبح واجبة الدفع.
وعن تبعات التصنيف ( Dمتعثر) على أي مؤسسة مالية مرشحة للحصول علية، قال لـ «الاقتصادية» جون بورد مدير مركز ICMA للدراسات المالية في جامعة ريدينجز هينلي البريطانية «في كل مرة تقع فيها إحدى الشركات «في حالة تعثر» أو أنها «أصيبت بالتعثر» أو أنها «نجت من التعثر»، فإن هذا التقييم D يقول: «لا تثقوا بهذه الشركة، ومن غير المرجح أن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها، وإذا أقرضتموها مالاً فإن من غير المرجح أن تستعيدوه في المستقبل». ويواصل: «إن التصنيف SD يعني رفض الشركة أو عدم قدرتها على تسديد بعض التزاماتها، لكن البنك بصورة عامة يظل متسماً بالملاءة المالية. أما D يعني التعثر بشكل عام، حيث يعتبر البنك ككل أنه لم يعد يتمتع بالملاءة المالية».
وعما إذا كان «بيت التمويل الخليجي» أصبح غير قادرا على موافاة التزاماته المالية insolvent، قال محمد دمق المحلل في مؤسسة «ستاندارد آند بورز:»لا نعتقد ذلك, لكن البنك يعاني ضغطا شديدا بخصوص السيولة. ويعتزم البنك تنويع بعض استثماراته لتحسين وضع السيولة لديه».
تضرر السمعة
عن الأضرار التي تلحق بأي مؤسسة مالية تحصل على مثل هذا التصنيف، قال بورد: «إن سمعتك تضررت بصورة كبيرة، حتى ولو تمكنت من إعادة التفاوض (حول القرض). كذلك فإن إعادة التفاوض تعد من الأنباء السيئة (يقصد من وجهة نظر المستثمرين)، على اعتبار أن تكلفة الشروط الجديدة تكون في العادة مرتفعة إلى حد كبير، ولعل ذلك ما يفسر النسبة المرتفعة التي سيضطر «بيت التمويل الخليجي» إلى دفعها تسهيلات المرابحة هذه، التي تم تسعيرها بـ 5 في المائة فوق معدل الفائدة السائدة بين البنوك اللندنية (ليبور)».
استمرار لهيب الأزمة
سجلت الشركات عبر الخليج خسائر فاقت التوقعات في الربع الرابع بلغت أكثر من 3.5 مليار دولار، بحسب بحث أجرته صحيفة «ذا ناشونال» الإماراتية. ما يعني أن تبعات الأزمة المالية قد تستمر لعدة أشهر. وقادت المصارف والشركات العقارية موجة الخسائر التي اتضحت معالمها على الأسواق الخليجية في الأسابيع الماضية، بعدما لوثت معادلة إعادة جدولة القروض والمخصصات أرباح تلك المؤسسات.
وكانت «بيت التمويل الخليجي» قد أعلنت أخيراً عن خسائر تاريخية وصلت إلى 607 ملايين دولار في الربع الرابع، في الوقت الذي يقوم فيه البنك بتنظيف مخلفات الانهيار في قطاع العقارات من قيوده.
وقد سجل هذا البنك الاستثماري الإسلامي خسارة عن السنة بكاملها مقدارها 728 مليون دولار. وقامت صحيفة «ذا ناشونال» الإماراتية، بحسب بحثها، بمنح «بيت التمويل الخليجي» لقب «أكبر مؤسسة» تسجل خسائر ربعية عالية على مستوى الخليج.
كانت وكالة ستاندارد قد فاجأت المراقبين في صناعة المال الإسلامية عندما أصدرت في الأسبوع الماضي بيانا صحافيا من باريس ذكرت فيه أنها قررت تخفيض التقييمات الائتمانية لـ «بيت التمويل الخليجي» على المدى القصير وللأطراف التعاقدية من CC/C إلى SD/SD. أي أن البنك الإسلامي أصبح في نظرها «متعثرا اختياريا» بعد أن قرر التعثر «جزئيا» بقرض مرابحة له.
وقال إمانويل فولان، المحلل الائتماني لدى الوكالة: «يأتي تخفيض المرتبة الائتمانية إلى درجة SD/SD في أعقاب قرار البنك بتمديد تاريخ الاستحقاق لمبلغ 100 مليون دولار من أصل تسهيلات القرض الجماعي البالغ 300 مليون دولار، حيث إن هذا المبلغ كان واجب السداد بتاريخ 10 شباط (فبراير) 2010».
وتابع فولان: «من المفهوم لدينا أن «بيت التمويل الخليجي» حصل على الموافقة على التمديد الجزئي من جميع البنوك المشاركة في تسهيلات القرض. ومن المفهوم لدينا أن «بيت التمويل» حصل على التمديد الجزئي من خلال تنفيذ البند الخاص بالتمديد في اتفاقية القرض».
وأضاف»وبموجب معايير الوكالة فإننا نعد أن تمديد تاريخ الاستحقاق من قبل «بيت التمويل الخليجي» هو دلالة على الوضع المتعسر للبنك, ويعتبر بالتالي وكأنه بمثابة المتعثر، لأن تاريخ الاستحقاق الجديد يمثل تغيراً في الأحكام الأصلية الخاصة بمواعيد دفعات تسديد القرض الجماعي».
أثرت الأزمة المالية العالمية بقوة وأضعفت الوضع في كثير من القطاعات في منطقة لا يوجد فيها قدر يذكر من عمليات الإبلاغ المؤسسي وقلة الشفافية.
في البداية تبنى بعض البنوك استراتيجية الخضوع للتمحيص العام، وهو ما ساعدها على الحصول على أموال المستثمرين بأسعار رخيصة، لكنها ما لبثت أن أطفأت الأضواء حين تدهورت صورتها في أذهان الناس.
أركابيتا Arcapita، التي تعد من البيوت الاستثمارية الرائدة إلى جانب «بيت التمويل الخليجي»، بدأت عام 2009 بتقييم ائتماني بمرتبة BBB من وكالة ستاندارد آند بورز، لكن هذه المرتبة تم تخفيضها إلى BB-/B والآفاق سلبية، وذلك بسبب المديونية العالية للبنك وذلك بفترة وجيزة قبل قراره بسحب التصنيف. وحاولت الوكالة العالمية التبرؤ أمام المجتمع الاستثماري مما قد يحدث للبنك بعد سحب التصنيف، ما يعني أن «ستاندارد» «لن تقوم بعد الآن في رصد أعمال ووضعية البنك».
وكان بنك شامل المؤسسة الإسلامية الثانية التي تسحب تصنيفها من وكالة ستاندارد بعد حصوله على تقييم- BBB-/A مع نظرة سلبية له.
وما زالت المنطقة تعاني معضلة التشكيك في مصداقية وكالة التصنيف بعد أن تحصل المؤسسة المالية على تصنيف منخفض يحرجها أمام عملائها، مع العلم أن تلك المؤسسة هي التي تعاقدت في المقام الأول مع وكالة التصنيف.
يعلق أحمد عباس، المدير التنفيذي لمركز إدارة السيولة في البحرين، على التصنيف الائتماني الذي حصل عليه البنك البحريني بقوله: «نحن في عصر نجد فيه أن التقييمات الائتمانية ووكالات التقييم لا تصور على نحو شامل ومناسب الوضع الحقيقي للمؤسسات، خصوصاً النتائج الإيجابية التي حققتها استراتيجية «بيت التمويل الخليجي» وبرنامجه في إدارة رأس المال».
وهنا يقول جون ساندويك، مستشار إدارة الأصول والثروات الإسلامية في شركة John A Sandwick حين تكون الأمور طيبة فإن الشركات تطلب إجراء تقييم ائتماني لها في سبيل تخفيض تكلفة رأس المال وزيادة حجم التدفقات الاستثمارية عليها.
لكن حين تتراجع نوعية الائتمان تكون هناك معركة بين الشركة ووكالة التقييم. أولاً تحاول الشركة أن توضح لوكالة التقييم كيف أن جميع تقييماتها غير صحيحة، وأن الأمور أفضل بكثير مما يدل عليه ظاهرها. بعد ذلك تشعر الشركات بالغضب وتدين وكالة التقييم على أنها انتقائية وتفتقر إلى الإنصاف.
ويواصل في مقابلته الهاتفية مع «الاقتصادية» من جنيف:» أخيراً حين تنخفض المرتبة الائتمانية إلى درجات متدنية تماماً على نحو يصبح فيه هذا التصنيف مصدر إحراج للشركة، ومصدر تحذير للبنوك المقرضة، عندها تتبنى الشركة سياسة الرفض لهذا التصنيف, فالشركة تفترض أنه عندما تسحب تقييمها ويختفي، عندها سينظر إليها جمهور المستثمرين والمقرضين بنظرة تفاؤلية عالية. لحسن الحظ فإن المستثمرين والبنوك المقرضة ليسوا على هذا القدر من الجهل أو الابتعاد عن المنطق».
الخيارات المتاحة
المتاعب التي يعانيها «بيت التمويل الخليجي» تعطي لمحة نادرة عن الوضع الهش الذي تعانيه بيوت الاستثمار البحرينية في منطقة الأفشور، وتعطي فكرة عن الأضرار التي تتصاعد عبر أنحاء القطاع.
تضرر «بيت التمويل» بصورة قوية بفعل الانهيار في سوق العقارات في منطقة الخليج العربي، وفقاً لوكالة رويترز فإن إيرادات «بيت التمويل» تقلصت لتصل إلى 74 مليون دولار خلال الأشهر التسعة المنتهية في أيلول (سبتمبر) 2009، بعد أن حقق أرباحاً بلغت 555 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق.
لكن المحللين يقولون إن البنك لم يخرج بعد من ورطته، على اعتبار أن البنك في حاجة إلى إعادة هيكلة ديونه وكذلك جمع المال من خلال بيع الموجودات، أو من خلال تلقي المساعدة الخارجية إذا أراد أن يتجنب الوقوع في مزيد من متاعب التمويل.
البنك في حاجة إلى خطوط أعمال جديدة بعيدة عن قطاع العقارات المتضعضع، لكن الآفاق قاتمة أمام البنك بعد أن فشلت في كانون الأول (ديسمبر) الجهود لإنشاء مشروع مشترك مع بنك ماكواري الأسترالي للدخول في المصرفية الاستثمارية.