الصناعة الإسلامية ابتلعت «السم» من أسواق السندات الرأسمالية التقليدية

الصناعة الإسلامية ابتلعت «السم» من أسواق السندات الرأسمالية التقليدية

الأزمة المالية العالمية عمقت المطالبة والضغط على المصرفية الإسلامية في سبيل «العودة إلى جذورها» والابتعاد عن أنماط المصرفية التقليدية، لكن البعض يحذر من أن إدخال مزيد من «التجديد الإبداعي» على المنتجات يمكن أن يؤدي إلى إبعاد المستثمرين.

أكد رتشارد توماس، كبر التنفيذيين لبنك جيتهاوس، وهو بنك إسلامي بريطاني, أن الصناعة الإسلامية مهددة بالموت في المهد لكونها تناولت السم في طعامها من أسواق السندات الرأسمالية التقليدية، معتبراً أن الصناعة إذا أرادت الاستمرار والازدهار فإن عليها السير وفق الأحكام الشرعية.
ويشير مراقبون إلى حالات التعثر التي أصيبت بها الصكوك في الفترة الأخيرة، إلى جانب أزمة دبي، قوَّت ساعد المنتقدين للصناعة، الذين يجادلون بأن الأدوات الاستثمارية الإسلامية يمكن أن تتمتع بقدر أكبر من الصمود لو أن أوجه الشبه بين الصكوك والسندات التقليدية لم تكن قوية إلى هذا الحد.
ويخشى كثير من المصرفيين أن تؤدي «الإصلاحات الجذرية» في الصناعة إلى جعل المنتجات أقل جاذبية في عين المستثمرين الذين أصبحوا مترددين وغير راغبين في اتخاذ مخاطر جديدة والتعامل مع استثمارات تتسم باللبس في أعقاب الأزمة المالية، وذلك بحسب تقرير لـ «رويترز».
وبالتالي فإن الفقهاء المسلمين يعملون حاليا على مراجعة ممارسات اتفاقيات إعادة شراء الصكوك، والتمويل من خلال هيكل التورق (الشراء وإعادة البيع)، حيث إنهم يرغبون في توجيه الصناعة للتركيز أكثر من ذي قبل على المبادئ الشرعية القائمة على اقتسام المخاطر والإقراض القائم على الاقتصاد الفعلي.
وقال سافدار علم، رئيس قسم الهيكلة الإسلامية في بنك جيه بي مورجان في البحرين: «عودة الصناعة إلى جذورها ستؤدي إلى اتباع نهج مختلف نحو المخاطرة من قبل قاعدة المستثمرين. هذا التحول نحو منهج مختلف سيعمل على تغيير وجه المصرفية الإسلامية في البداية سيجعلها أكثر تحدياً، وهذا التحول هو أحد العوامل المساهمة في السبب الذي يجعل الصناعة بطيئة للغاية في تحمل واستيعاب هذا النوع من الانتقادات».

قرار أسهم في التراجع

الضغط لإصلاح المصرفية الإسلامية اكتسب زخماً حتى قبل اندلاع أزمة دبي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وتعمق أكثر من ذي قبل بسبب عوامل القلق بخصوص شركة نخيل، صاحبة أكبر إصدار للصكوك في العالم، ففي عام 2008 حكمت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بأن جهات الإصدار للصكوك القائمة على هيكل المضاربة والمشاركة لا يجوز لها أن تَعِد المستثمرين من البداية بإعادة شراء الصكوك بقيمتها الاسمية عند تاريخ الاستحقاق.
بموجب هيكل المضاربة، يقدم البنك رأس المال إلى أحد المشاريع، وفي الوقت نفسه تقوم الشركة صاحبة المشروع بإدارة الصفقة. ويتم اقتسام الأرباح وفقاً لنسبة محددة سلفاً، ويتحمل البنك أي خسائر مالية تنشأ عن ذلك. وفي هيكل المشاركة يسهم الطرفان في رأس المال، ويتم اقتسام الأرباح حسب نسبة متفق عليها، في حين أن الخسائر بتم اقتسامها بصورة عامة على نحو يتناسب مع المساهمة في رأس المال.
يقول المصرفيون إنه إلى جانب الركود الاقتصادي والجيشان العام في الأسواق المالية العالمية، فإن قرار هيئة المحاسبة أسهم في تراجع مبيعات الصكوك بنسبة تزيد على 50 في المائة عام 2008، حسب بيانات وكالة ستاندارد آند بورز.
وفي نيسان (أبريل) 2009 أصدر مجمع الفقه فتوى تحرم استخدام التورق المنظم، على اعتبار أنه «عملية خداع». وقد ألقت هذه الفتوى بظلالها على سوق المضاربة في السلع، التي تزيد قيمتها على 100 مليار دولار.
بعض الخبراء يصفون التورق المنظم، على النحو الذي يشيع استخدامه، على أنه مجرد معاملات ورقية خالية من العوائد الاقتصادية الفعلية، على الرغم من أنه يشبه في الظاهر سلسلة من عمليات بيع الموجودات.
يجادل المنتقدون بأن الممارسات التي من هذا القبيل، إلى جانب المبيعات القائمة على احتساب نسبة مئوية على التكاليف، (التي هي في رأيهم تضع الربح بديلاً عن الربا من حيث الاسم فقط)، هذه الممارسات تضفي على المصرفية الإسلامية سمة «التقليد المباشر»، وتعوق توسعها في أسواق خارج الشرق الأوسط وماليزيا.
قال منير خان، وهو شريك في شركة المحاماة سيمونز آند سيمونز في دبي: «يشعر الناس بالقلق فعلاً حول صدقية المصرفية الإسلامية. حسب رأي بعض الفقهاء الذين تحدثْتُ معهم فإن ما حدث هو أن الصناعة تحركت بقدر يفوق الحد في اتجاه السندات التقليدية، وأن التمويل القائم على الأسهم تُرِك في الخلف».

تركة عدم الثقة

يتوقع بعض الخبراء حدوث نقلة باتجاه مزيد من الصكوك القائمة على هيكل الإجارة. والإجارة هي هيكل استثماري يقوم فيه أحد البنوك الإسلامية بشراء الموجودات ثم تأجيرها للزبون مقابل رسم إيجار متفق عليه.
لكن الإدخال الواسع للبدائل التي من هذا القبيل يواجه عقبات كبيرة. خلال تاريخ المصرفية الإسلامية، تعرض تطوير المنتجات للإعاقة بسبب الافتقار إلى الفقهاء الشرعيين والعاملين في المصرفية الخاصة.
وقال أرمِن باربازيان، رئيس قسم المصرفية الإسلامية لدى بنك يو بي إس الاستثماري، في مؤتمر للمصرفية الإسلامية عقد في الفترة الأخيرة في المنامة: « تلقى النمو المساندة عن طريق أقسام السندات في الأسواق الرأسمالية في البنوك الدولية والمحلية والإقليمية، وهذه الأقسام المذكورة تستثمر في منتجات الدخل الثابت. المستثمرون الذين ساندوا نمو أسواق الصكوك هم كذلك المستثمرون في أسواق السندات الرأسمالية، وهذا يعني أن الصكوك، بفعل البنية التحتية ذاتها للسوق التي تساندها، لا بد لها أن تكون لديها حركة نقد قائمة على الدخل الثابت».
لكن الأمر الأهم حتى من ذلك هو أن المستثمرين ربما لا تكون لديهم الرغبة في تمحيص جوانب المنتجات الجديدة تماماً في الوقت الذي لا يزالون يعانون فيه الخسائر التي تكبدوها أثناء الأزمة العالمية.
لكن طالما ظلت المصرفية الإسلامية تكابد وتعاني تركة عدم الثقة التي خلفتها أزمة دبي، فإن المنتقدين على الأرجح سيستمرون في الضغط لإدخال مزيد من الإصلاحات.

الأكثر قراءة