بنغلاديش .. التمويل الإسلامي يتقدم
ما هي إنجازات المصرفية الإسلامية في بنغلاديش التي هي من أكبر البلدان الإسلامية في العالم؟ بوجود أكثر من 130 مليون مسلم، فإن الطلب على مثل هذا التمويل متوافر بصورة واضحة للعيان، ولكن هل كان هنالك تحرك كاف في جانب العرض لتلبية مثل هذا الطلب؟ يتولى عبد العوال ساركر، نائب المدير العام للاقتصاديات الداخلية والإسلامية في بنك بنغلاديش المركزي، في هذا المقال تقديم شرح عن إنجازات وتحديات هذه الصناعة في بنغلاديش في الوقت الراهن.
إن تطلعات بنغلاديش إلى وجود وإدارة نظام مصرفي قائم على التقيد بمبادئ الشريعة الإسلامية أصبحت أقرب إلى عالم الواقع في عام 1978، بعد أن عقد وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي مؤتمراً تناول تفاصيل العمل المصرفي الإسلامي. وقد أوصت منظمة المؤتمر الإسلامي في ذلك المؤتمر الدول الأعضاء فيها، بما في ذلك بنغلاديش، بتطوير أنظمة مصرفية إسلامية خاصة بها. وتنفيذاً لهذه التوصيات، شهدت بنغلاديش بعد خمس سنوات من انعقاد ذلك المؤتمر، ولادة أول بنك متقيد بمبادئ وتوجيهات الشريعة الإسلامية، حيث حمل اسم بنك بنغلاديش الإسلامي. وتم بعد ذلك افتتاح عدد من البنوك الإسلامية، بما في ذلك بنك ارافاج الإسلامي الذي افتتح في عام 1995، وبنك شاه جلال الإسلامي المحدود في عام 2001.
وحين لاحظت البنوك التقليدية في البلاد ذلك النجاح الذي حققته البنوك الإسلامية الجديدة، تحمست تماماً للبدء في تقديم خدمات ومنتجات بما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، إلى جانب استمرارها في خدمة زبائنها بالوسائل المصرفية التقليدية المعتادة. ويتمثل التركيز الرئيسي لمثل هذه البنوك بهذا الخصوص في المحافظة على الطابع الإسلامي للعمليات المصرفية لديها، وللخدمات المتخصصة التي تقدمها إلى عملائها.
وحرصت هذه البنوك على فصل رأس المال الخاص بالعمليات المصرفية التي تتقيد بمبادئ الشريعة الإسلامية عن بقية رأسمال البنك، كما اجتهدت، بصورة لافتة للعيان، في عمليات استقطاب وتوظيف الكفاءات القادرة على تناول، وإدارة مثل هذه العمليات المصرفية.
#2#
وتبين أن هذه البنوك، في سبيل ضمان تقيد عملياتها بمبادئ الشريعة الإسلامية، تحتاج ــ شأنها في ذلك شأن البنوك الإسلامية المتخصصة ــ إلى وجود مجالس رقابة شرعية قوية يكون من مهامها المساعدة في إعداد نماذج الاتفاقيات، وإقرار هيكل جميع العمليات المصرفية الجديدة، ووضع الخطوط الإرشادية الأساسية لعمليات التمويل الإسلامي. وهنالك مثال جيد على صعيد المؤسسات المالية التي تقدم في الوقت ذاته كلاً من الخدمات المصرفية الإسلامية، والنشاطات المصرفية التقليدية، وهو بنك برايم المحدود الذي يعتبر واحداً من كبار بنوك البلاد. وقد ظل هذا البنك الكبير يحافظ على تقديم الخدمات المتعلقة بهذين الخطين المصرفيين بصورة منسقة، ومتوازية منذ عام 1995.
إضافة إلى كل ذلك، قام بنك برميير المحدود، بفتح فرعين منفصلين له، ومتخصصين في تقديم الخدمات المصرفية حسب مبادئ الشريعة الإسلامية، وذلك إضافة إلى 25 فرعاً له تتولى تقديم الخدمات المصرفية التقليدية. وهنالك تطورات أخرى في غاية الأهمية على هذا الصعيد، إذ إن بنك الصادرات والواردات في بنغلاديش، تجاوز كل هذه التطورات، وحول نشاطاته المصرفية، بصورة كاملة، إلى نشاطات مصرفية تقدم الخدمات المصرفية المتقيدة تماماً بمبادئ الشريعة الإسلامية.
هنالك الآن في بنغلاديش ستة بنوك لا تقدم سوى نشاطات المصرفية الإسلامية، وذلك من بين 48 بنكاً عاملاً في البلاد. ولهذه البنوك المتخصصة في النشاطات المصرفية الإسلامية 350 فرعاً منتشرة في جميع أنحاء بنغلاديش. ولدى عشرة من بنوك بنغلاديش التقليدية نوافذ مصرفية إسلامية، حيث لديها ما يصل إلى 21 فرعاً متخصصاً في تقديم مثل هذه الخدمات. وتوظف صناعة المصرفية الإسلامية في بنغلاديش في الوقت الراهن نحو 14.000 موظف، أي أكثر من ثلث الموظفين العاملين في القطاع المصرفي الخاص، ونحو عُشر مجموع العاملين في النشاط المصرفي برمته على صعيد البلاد.
من الجدير بالملاحظة أن معظم مصادر تمويل العمليات المصرفية في البنوك الإسلامية في بنغلاديش يأتي من الودائع التي يتم قبولها في الأساس بما يتفق مع قواعد الوديعة والمضاربة. وقد أدت الاستفادة من الأموال العاملة في إطار المصرفية الإسلامية إلى إيجاد كثير من وسائل تقديم القروض المتوافقة مع مبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية. ونظراً لأن البنوك المتقيدة بالشريعة الإسلامية لا يمكنها التعامل بالفائدة المصرفية، فقد تمكنت من النجاح في ابتكار أنواع متعددة من التمويل الذي لا يستند إلى مبدأ الفائدة المصرفية. ومن هذه الوسائل الخاصة بالإقراض في هذه البنوك، المشاركة في الربح والخسارة القائمة على المضاربة والمشاركة، وتطبيق مبادئ المرابحة، وكذلك مبادئ الإجارة، وكذلك قواعد السلم، والاستصناع، إضافة إلى مبادئ المشاركة بالإنتاج الخاصة بكل من المزارعة، والمساقاة.
على الرغم من أن سوق المصرفية الإسلامية في بنغلاديش بدأت بقاعدة موارد محدودة للغاية، إلا أنها أظهرت مستويات عالية من التقدم خلال العقدين الماضيين، كما أن هذا التقدم الذي تحققه بصورة مستمرة يشير إلى وجود درجة عالية من القبول والرضا في صفوف جمهور المتعاملين مع هذه البنوك الإسلامية.
التمويل الإسلامي يتوسع
تماشياً مع النمو الاقتصادي الذي تحقق في بنغلاديش خلال عام 2008، واصلت البنوك الإسلامية، والفروع المصرفية التي تخدم خدمات التمويل الإسلامي توسعها، وزيادتها فيما يتعلق بحجم الموجودات، وعدد العمليات التمويلية، وأعداد ومبالغ الودائع التي تستقبلها تلك المصارف. وبحلول شهر سبتمبر من ذلك العام بلغت الودائع الإجمالية لدى المصارف الإسلامية 4.5 مليار دولار أمريكي، أي ما يمثل 24 في المائة من إجمالي الودائع المصرفية في بنوك القطاع الخاص في عموم البلاد، وكذلك 11 في المائة من إجمالي الودائع في النظام المصرفي ككل. وحجم الاستثمار في البنوك الإسلامية بحلول شهر سبتمبر 2008 بلغ 5.5 مليار دولار أمريكي، أي 27 في المائة من إجمالي الاستثمارات في القطاع المصرفي الخاص، أو 19 في المائة من إجمالي الاستثمارات المصرفية في البلاد.
إن السيولة المطلوبة حسب النظام للبنوك الإسلامية في بنغلاديش محددة بنسبة 10 في المائة منذ إنشاء بنك بنغلاديش الإسلامي في عام 1983. ولم يحدث أي تغيير في هذه النسبة لغاية الآن، بينما شهدت هذه النسبة لدى البنوك التقليدية تغييرات مستمرة، حيث تبلغ الآن 18 في المائة.
عقبات تواجه البنوك الإسلامية في بنغلاديش
واجهت البنوك الإسلامية في بنغلاديش مشكلة تتعلق بفائض السيولة، حيث كان الفائض 94.1 مليون دولار أمريكي في شهر سبتمبر من عام 2008، أي نحو 6 في المائة من موجودات البنوك الخاصة، وأكثر بقليل من 3 في المائة من موجودات جميع بنوك البلاد. وقد حدث ذلك بصفة رئيسية نتيجة عدم الاستجابة من جانب المقترضين الجيدين فيما يتعلق بالطلب على الائتمان، وكذلك نقص أدوات التعامل المصرفي البعيدة عن تقاضي الفوائد.
تركز معظم نشاطات البنوك الإسلامية في بنغلاديش في أيامنا هذه على نماذج التمويل الخاصة بالتأجير، والمرابحة، والبيع المؤجل، والإجارة. وتشكل هذه النشاطات المتنوعة نحو 75 في المائة من إجمالي الاستثمارات. وأثناء ذلك نجد أن النشاطات المصرفية الأخرى ذات العلاقة بالمضاربة، والمشاركة لا تشكل أكثر من واحد في المائة، نظراً لأن البنوك الإسلامية ترى في هذه النشاطات مجالات متزايدة المخاطر.
#3#
هنالك, إضافة إلى كل ذلك, ميل ملحوظ بصفة خاصة للمشاريع الكبرى، ولكبار العملاء، مع أن من المنطقي أن تكون الأولوية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لدى اتخاذ القرارات المتعلقة باستثمار الأموال الموجودة لدى البنوك الإسلامية. وإن ميل الأسواق المستمر نحو استثمارات الأجل القصير يظل يمثل مشكلة صعبة الحل. وتعتمد البنوك الإسلامية، على نطاق واسع للغاية، على كل من البيع المؤجل، والمرابحة في سبيل التمكن من منافسة البنوك التقليدية في البلاد، والسعي إلى الحصول على عوائد مضمونة للاستثمارات في نهاية المطاف.
هنالك مخاوف رئيسية بين العلماء المسلمين على صعيد بنغلاديش من أنه إذا تم استبدال الفائدة، على نطاق واسع بأداة أخرى مثل زيادة السعر، بحيث تؤدي الغرض ذاته، فإن هنالك خشية من أن الأمر يمكن أن يعالج الاسم فقط، دون أن يحل المشكلة ذات العلاقة بالمضمون الفعلي للنشاط المصرفي. وهنالك مخاوف كذلك من أن هذا النظام المعدل لن يكون مختلفاً عن النظام التقليدي حين يتعلق الأمر بقضايا الملكية. وكذلك، فإن تحريم الفائدة في الشريعة الإسلامية إنما يراد منه تحفيز الشرائح الإنتاجية ضمن الاقتصاد، وهو الأمر الذي يمكن أن يتحقق بصورة كاملة إذا تم الاجتثاث المطلق للنظام المصرفي القائم على تقاضي الفوائد، وذلك بنظام يقوم على قواعد مختلفة.
أما بالنسبة إلى عمليات جمع وحشد الموارد المالية من خلال عملية إصدار سندات إسلامية “صكوك”، فإنها ما زالت في مراحلها المبكرة للغاية، حيث إن بنك بنغلاديش الإسلامي هو البنك الوحيد، حتى الوقت الراهن الذي أصدر الصكوك تحت اسم سندات المضاربة الدائمة. ولم يقدم أي من البنوك الإسلامية، أو غير الإسلامية في بنغلاديش، لغاية الآن على إصدار الصكوك، أو أي من الأدوات المالية الأخرى على شاكلة الصناديق المتبادلة في الأسواق الرئيسية، والثانوية. ولا تزال تعتمد بصورة كاملة على الأموال المودعة. غير أن حكومة بنغلاديش أصدرت في عام 2004 صكوكاً تحت اسم الصكوك الإسلامية الحكومية الاستثمارية التي استخدمت المضاربة كهيكل عملي رئيسي تعمل وفقاً له. وكان الهدف من ذلك محاولة تلبية الحاجة المستحقة منذ فترة طويلة لأداة نقدية تستند إلى الشريعة، ويمكن استخدامها كورقة مالية متفق عليها للمحافظة على متطلبات السيولة القانونية، إضافة إلى توفير أداة للاستثمار، أو عمليات الشراء من جانب البنوك الإسلامية. وهذه السندات مفتوحة كذلك للاستثمار من جانب كل من الأفراد والشركات على حد سواء.
يمكن القول، على وجه العموم، إن حكومة بنغلاديش، والمنظمين الماليين، كانوا مرحبين بالنشاطات المالية والمصرفية القائمة على مبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية. وقد تم في عام 1990 إنشاء وحدة للاقتصاد الإسلامي في قسم الأبحاث في بنك بنغلاديش المركزي، وذلك بهدف إنجاز البحث التحليلي الخاص بالاقتصاد الإسلامي، والنشاط المصرفي والتمويلي المتقيد بمبادئ الشريعة الإسلامية. وقد جرى توسيع هذه الوحدة البحثية المتخصصة بصورة مستمرة، إضافة إلى زيادة المهام المناطة بها، بحيث أصبحت تعرف في أيامنا هذه باسم قسم الاقتصاد الداخلي، والإسلامي.
ويمكن الملاحظة بصورة عامة أن الجمهور العام في بنغلاديش يزداد اهتماماً بالتعامل مع البنوك ذات النشاطات والمعاملات المصرفية التي تراعي التقيد بأصول وقواعد الشريعة الإسلامية على جميع المستويات. وقد شهدت عاصمة بنغلاديش، دكا، انعقاد كثير من المؤتمرات، والمنتديات، والملتقيات، وكذلك ورش العمل الخاصة بتوضيح وتفسير مبادئ الشريعة الإسلامية ذات العلاقة بتنظيم النشاطات المصرفية. وتم كل هذا النشاط البحثي، والتثقيفي بتعاون وثيق مع بنك التنمية الإسلامية. وكان التركيز يتم بصفة خاصة على فهم واستكشاف ديناميكية هذه الصناعة المصرفية.
وعلى الرغم من عدم وجود قانون إسلامي مصرفي كامل لغاية الآن, لمراقبة ومتابعة نشاطات المؤسسات المالية التي تقدم خدمات المصرفية الإسلامية في بنغلاديش، فقد جرى تضمين عدد من المبادئ الإسلامية في النصوص المعدلة لقانون الشركات المصرفية في بنغلاديش لعام 1991. وما زال من المنتظر أن يقوم بنك بنغلاديش المركزي بإنشاء قسم منفصل يهدف أساساً إلى القيام بتنظيم عمليات سوق التمويل الإسلامي على نطاق البلاد ككل.
#4#
الحاجة إلى قانون إسلامي مصرفي كامل
يؤدي هذا الوضع إلى أن بنك بنغلاديش المركزي يقوم بدوره الرقابي، ويتولى متابعة نشاطات المؤسسات المالية المصرفية، وفقاً للإرشادات العامة التي يعمل بموجبها لتنظيم أمور المؤسسات المالية والمصرفية العاملة بالأسلوب التقليدي المعتاد. ولا يقوم بنك بنغلاديش المركزي، على سبيل الرقابة والمتابعة للمؤسسات المصرفية الإسلامية، سوى بمراجعة التقارير الصادرة عن مجالس الشريعة الخاصة بتلك البنوك. وأما الدور الرئيسي لبنك بنغلاديش المركزي المتمثل في تنظيم قطاع المصرفية الإسلامية في البلاد، فلا تزال قواعد العمل به قيد الإعداد حتى هذه اللحظة.
ويخضع المسؤولون عن هذه الأمور في بنك بنغلاديش المركزي في الوقت الراهن إلى عمليات تدريب، وإعداد شاملة في سبيل التأكد من قدرتهم على النهوض بهذه المهام الدقيقة في المستقبل. وتجري عمليات التدريب المتخصص هذه على الصعيدين المحلي، والخارجي، حتى يصبح هؤلاء الموظفون معتادين على منهجيات وطرق عمليات المصرفية الإسلامية، والجوانب المتخصصة في هذا الأمر ضمن الصناعة المصرفية على وجه العموم. وفي الإطار ذاته، ولتحقيق الأهداف نفسها، تولت أكاديمية المنظمين، بالتعاون مع معهد بنغلاديش للإدارة المصرفية، تنظيم عدد من البرامج، والدورات التدريبية بخصوص هذا الأمر.
وجه بنك بنغلاديش المركزي، إضافة إلى ذلك، خطاباً إلى القطاع المصرفي الإسلامي في البلاد، حيث حث العاملين فيه على معالجة عدد من القضايا الملحة التي تواجه هذه الصناعة المصرفية المتخصصة عن طريق المناقشة، ومن خلال التعاون فيما بينها. واستجابة للدعوة التي وجهها بنك بنغلاديش المركزي، تم تشكيل “المنتدى الاستشاري للبنوك الإسلامية” من جانب المشاركين في هذه الصناعة، حيث أسهم في تمهيد السبيل لإنشاء مجلس شريعة مركزي، كما أنه تولّى مساعدة الحكومة على إصدار صكوك المضاربة المذكورة أعلاه. وجرى كذلك إنشاء جهة استشارية أخرى في وقت لاحق هي “مجموعة التركيز على المصرفية الإسلامية”، هذه المجموعة التي تعمل ضمن نشاطات بنك بنغلاديش المركزي، وتركز كذلك على عملية تطوير الخطوط الإرشادية اللازمة لإنشاء المؤسسات المالية الإسلامية في البلاد.
من بين التطورات الحديثة المتعلقة بهذه الأمور التنظيمية على صعيد المصرفية الإسلامية دخول بنغلاديش في عضوية مجلس الخدمات المالية الإسلامية الدولية IFSB، وهو منظمة دولية لوضع المعايير الخاصة بهذه الأمور، مركزها في ماليزيا. وانطلاقاً من كل هذه التطورات فإنه سوف تتم إعادة تصميم إجراءات المراقبة الموجودة في الوقت الراهن في بنك بنغلاديش المركزي، حتى تكون متماشية تماماً مع أفضل الممارسات المالية الإسلامية الدولية.
مما لا شك فيه أن المعايير التنظيمية، والرقابية التي تعالج، على وجه الخصوص، الخصائص الفريدة لعمليات التمويل الإسلامي، ضرورية للغاية لتشجيع المرونة، والتنافسية في هذه الصناعة المصرفية في بنغلاديش. وفي سبيل تحقيق كل هذه الأهداف، فإن أعمال مجلس الخدمات المالية الإسلامية الدولية سوف تعمل كعنصر لتحفيز تطوير إطار تنظيمي أقوى، وأفضل فاعلية خاصة في القطاع المالي الذي يتقيد بقواعد الشريعة الإسلامية في بنغلاديش. وإضافة إلى ذلك، تم إنشاء “مجموعة كفاءة المصرفية الإسلامية” ضمن قسم التفتيش المصرفي لتطوير قوائم تدقيق الالتزام بالشريعة التي هي عبارة عن أداة لمساعدة مراقبي المصرفية الإسلامية في أداء المهام المنوطة بهم.
على الرغم من أنه تمت معالجة كثير من القضايا بما تستحقه من الرعاية والاهتمام، إلا أنه ما زالت هنالك عقبات كثيرة قبل أن تتمكن الصناعة المصرفية المتقيدة بمبادئ الشريعة الإسلامية من ممارسة كافة نشاطاتها، بكل طاقاتها الكامنة في بنغلاديش. وليست هنالك بعد أسواق مالية رئيسية، وثانوية للنشاطات المالية، كما لا توجد سوق للعمل بين البنوك الإسلامية. وحتى يصبح القطاع المصرفي الإسلامي في بنغلاديش متمتعاً بالسيولة، والكفاءة الضروريتين له، فإنه ما زالت أمامه مهمة تطوير أدوات مالية معيارية يتم التداول بها على نطاق واسع. ولا يزال هنالك غياب ملحوظ للتنسيق والتعاون المطلوبين بين المشاركين في هذه السوق.
أما ضمن البنوك ذاتها، فهنالك نقص في مستوى الإدارة الكفؤة للشركات، كما أن مستوى الشفافية القائم ليس كافياً فيما يتعلق بإعداد ورفع التقارير المالية، والمحاسبية. وتعود هذه العيوب الواضحة إلى غياب هيكل قانوني مخصص لهذه الأمور. ولا بد من ملاحظة أن بنك بنغلاديش المركزي بدأ في العمل على إعداد قانون للمصرفية الإسلامية، وذلك بدعم مالي يتولى تقديمه “برنامج البنك المركزي الخاص بالدعم” CBSB، وهو قسم تم إنشاؤه بإشراف من جانب بنك بنغلاديش المركزي لوضع وتنفيذ إصلاحات على نطاق القطاع المالي للبلاد.
#5#
على الرغم من وجود إدارة مكرسة تماماً ضمن بنك بنغلاديش المركزي كي تركز على التمويل الإسلامي، ممثلة بالقسم الاقتصادي الخاص الذي ذكرناه أعلاه، فإن بإمكان الجهات المسؤولة عن تنظيم هذا القطاع المصرفي الاستفادة من إدارة أخرى يتعلق عملها بقضايا البنوك بصفة خاصة، حيث إن باستطاعتها إنجاز عديد من الدراسات الميدانية، وكذلك القيام بجمع البيانات ذات العلاقة من المؤسسات المالية، إضافة إلى تولّي مهمة إعداد التقارير المتخصصة التي تعتمد على المعلومات المتوافرة.
هنالك، إضافة إلى كل هذه المتطلبات، حاجة ملحة إلى إنشاء مجلس شريعة مركزي للرقابة، وذلك لتوجيه، وكذلك لمراقبة العمليات المصرفية ضمن النشاطات التي تتولاها البنوك الإسلامية في بنغلاديش، وذلك بصورة مشابهة لما يتم تطبيقه في كل من إيران، وماليزيا، وباكستان. ويمكن لهذا المجلس كذلك أن يكون مثالاً تقتدي به المجالس الشرعية الرقابية الموجودة في البنوك فرادى، وهي تلك المجالس التي تعاني، على وجه العموم، نقصا ملحوظا على صعيد كل من التنسيق، والتنظيم، إضافة إلى متابعة ضعيفة للغاية لأمور التقيد بمبادئ الشريعة الإسلامية.
هنالك مشكلة صعبة أخرى تتعلق بشحة أعداد المؤهلين لتولي أعمال مثل هذه الرقابة على نشاطات المؤسسات المصرفية الإسلامية. ولا بد من معالجة هذه المشكلة الحيوية. وسوف تتحقق منافع عظيمة لهذه الصناعة المصرفية الإسلامية المتخصصة إذا تمت زيادة المبالغ المخصصة لأغراض البحث والتطوير، وكذلك زيادة الاهتمام بكل من التعليم والتدريب بهدف تعزيز إيجاد قوى عاملة ذات كفاءة عالية لتسيير أمور هذه الصناعة المصرفية الناشئة.
غير أن من المهام العاجلة للغاية، والقضايا التي تستدعي معالجة على وجه السرعة، مسألة تطوير وتحسين صورة البنوك الإسلامية، ونشاطاتها المتخصصة المتقيدة بمبادئ الشريعة. ولا بد من تصميم مثل هذه الاستراتيجية بدرجة عالية من الحرص والمتابعة، بحيث يتم توضيح طبيعة النشاطات المصرفية المتخصصة، والملتزمة للمؤسسات المالية الإسلامية، وبحيث تزداد قدراتها على الوفاء بالالتزامات المرتبة عليها، على نحو منظم، وبصفة قابلة للاستدامة والتطور. وعلى البنوك الإسلامية كذلك أن تظهر من خلال ممارستها خدماتها المصرفية المتخصصة أن الربح ليس غرضها الوحيد، إذ إن المبادئ الأخلاقية التي تنص عليها الشريعة تحث بصورة قوية ودائمة على العمل على اجتثاث الفقر. وعلى البنوك الإسلامية أن توجه مزيدا من الجهود لدعم البنوك الخاصة بمساعدة الفقراء من سكان الريف.
بنك غرامين والدكتور يوسف
وحتى يومنا هذا، فإن بنكاً واحداً في بنغلاديش يكرس كل نشاطاته العملية لتحقيق هذه الأهداف، وهو بنك غرامين الذي يعني القرية، أو الريف، في اللغة البنغلاديشية. وهو يقدم القروض، بشروط ميسرة للغاية، للفئات السكانية الأشد فقراً في المناطق الريفية دون أن يطالبها بتقديم ضمان، على الرغم من أنه يتقاضى ربا النسيئة. وقد تمكن هذا البنك لغاية الآن من مساعدة أكثر من 7.6 مليون مقترض تشكل النساء نحو 97 في المائة منهم. كما أن لديه 2535 فرعاً تخدم 83.343 قرية في بنغلاديش، بمعنى أن نشاطات هذا البنك الذي يركز في عملياته على القروض متناهية الصغر تغطي نحو 99 في المائة من المناطق الريفية في البلاد. وقد أدت نشاطاته، ونشاطات مؤسسه الدكتور محمد يونس، إلى حصوله على جائزة نوبل في عام 2006. غير أن البنك يعتمد في نشاطاته على تقاضي الفوائد، الأمر الذي يتنافى مع متطلبات الشريعة الإسلامية.
ولدى النشاطات المالية الإسلامية الموجهة إلى تقديم القروض التمويلية متناهية الصغر، فرصة للوصول، ومساعدة أشد الناس فقراً. وقد أنشأ بنك بنغلاديش المركزي برنامجاً مخصصاً للتنمية الريفية، بحيث يحاول مساعدة العاملين الراغبين في الحصول على القروض في القطاع الزراعي في المناطق الريفية. وهنالك تركيز خاص على تحقيق عديد من الأهداف الاجتماعية. ولا بد من استمرار العمل على تعليم وتدريب الأجهزة الوظيفية كي تظل قادرة على التعامل مع هذه القضايا بالغة الصعوبة.
ومن المتفق عليه أن قطاعاً مالياً راسخ القواعد أمر لا يمكن الاستغناء عنه في بلد ذي اقتصاد مماثل لاقتصاد بنغلاديش، حيث ما زال أمام هذا البلد طريق طويل وصعب كي يبلغ مستوى نضج الخدمات المصرفية الموجودة في ماليزيا، أو منطقة الشرق الأوسط.
وأياً كانت التطورات، ومهما كانت المتطلبات الخاصة بهذه الأمور، فإنه لا بد من استمرار التركيز على تقيد هذه النشاطات المصرفية بمبادئ الشريعة الإسلامية. ويتطلب كل ذلك أن تؤدي النشاطات المصرفية المالية إلى تحسين حياة بني البشر، والارتقاء بها.