على المؤسسات الإسلامية الاستعداد للسنوات «العجاف» والتعلم من قصة يوسف

على المؤسسات الإسلامية الاستعداد للسنوات «العجاف» والتعلم من قصة يوسف

عالم شرعي يطالب بأن تتخذ المصارف الإسلامية العبرة من قصة النبي يوسف عليه السلام، وذلك في كيفية تعاملها مع السنوات العجاف التي تطوقها.

طالب فقيه مصرفي بارز مؤسسات المال الإسلامية بأن تستعد لما سماه «السنوات العجاف» وأن تبدأ التخطيط لها مسبقا في «سنوات الرغد»، وهو ما يشير إلى وجود صعوبات مالية قد تلحق بتلك المؤسسات خلال الفترة المقبلة.
وقال لـ «الاقتصادية «الشيخ نظام يعقوبي: «لقد كانت البنوك الإسلامية تعيش سنوات عزها لمدة 30 عاماً، فأن يأتي عام واحد أو عامان أو أعوام عجاف .. يجعلنا نتأمل في قصة يوسف ونتعلم كيفية التخطيط للسنوات العجاف، وأن نعرف أنه كما تكون هناك سبع سنين خصب ورغد، فقد تكون هناك سبع سنين عجاف. فيجب علينا أن نتعلم التخطيط لهذا الأمر».
وجاءت تعليقات يعقوبي في رده على سؤال طرحته «الاقتصادية» عن وجهة نظره حول المصاعب المالية التي يمر بها أحد أهم البنوك الإسلامية وهو بيت التمويل الخليجي، الذي يعد هو أحد أعضاء مجلسه الشرعي.
إلى ذلك، استمرت ضغوط السيولة في تأثيرها في بيت التمويل الخليجي، بعد تعثر البنك الإسلامي وفي ظرف شهر عن تسديد قرض ثان له في الأسبوع الماضي. وكان هناك قرض «وكالة» إسلامي بقيمة 50 مليون دولار يستحق السداد في الثالث من آذار (مارس)، وسدد البنك منه فقط 20 مليون دولار.
وأعاد البنك جدولة القرض على شكل أقساط تستحق كل ستة أشهر، حتى سداد المبلغ بالكامل عام 2012. وقال خبراء في «ستاندرد آند بورز» إنه «بحسب معاييرنا فإن ذلك مساوٍ للتعثر، نظرا لأن تاريخ الاستحقاق الجديد يمثل تغيرا في الشروط الأصلية لتسديد هذه التسهيلات».
ويرى جون بورد مدير مركز ICMA للدراسات المالية في جامعة ريدينجز هينلي البريطانية أن وكالة التصنيف العالمية قدمت «تهديدا» مباشرا لبيت التمويل الإسلامي حول مسألة التفكير في التخلف عن سداد أي قرض مستقبلي له، مشددة على أن تلك الخطوة ستجبرها على منح البنك الإسلامي تصنيف «متعثر».
وقال جولكسين كاراجوز، محلل ائتماني لدى «ستاندارد»: «إن ذلك يعكس شكوكنا حول قدرة هذه المؤسسة على تنفيذ مخططها الخاص بتحسين وضع السيولة وتعزيز إيراداتها. ومن شأن التخلف عن موافاة الدفعات المالية الحالية أو الأخرى التي يقرر إعادة جدولتها، من شأن ذلك أن يقودنا إلى خفض تصنيف البنك إلى «متعثر» D.
من ناحيته، حصل بيت التمويل على ثاني تصنيف سلبي في ظرف أسبوع عندما منحه بنك SICO الاستثماري تصنيف «عالي الخطورة» High Risk مع نظرة سلبية على المدى القريب. وقال البنك في مذكره بحثية له، حصلت «الاقتصادية» على نسخة منها: «إن البنك الإسلامي كسر معدلات كفاية رأس المالي التي وضعها البنك المركزي البحريني وهي 12 في المائة، إلا أن نتائج السنة الماضية، كشفت أن هذا المعدل وصل إلى 12.9 في المائة».
وفي السياق ذاته، استمرت محاولات القطاع «المؤسسي» في تطمين المستثمرين الذين بدأوا بالقلق حول مصير استثماراتهم مع بيت التمويل الخليجي. حيث نفى هيثم طاهر رئيس مركز المعرفة للمالية الإسلامية لدى «ديلويت»، أن تكون المتاعب التي أصيب بها بيت التمويل الخليجي دلالة على وجود مخاطر نظامية systemic risk في صناعة المصرفية الإسلامية، كما أن ذلك لا يعني أن هناك «ضعفا» في صناعة التمويل الإسلامي.
وقال في مقابلته مع مجلة «أربيان بزنس»: «لا نزال نعتقد أن المصرفية الإسلامية ستظل في وضع إيجابي وتكون علامة على النمو في البيئة الصعبة. الصعوبات التي تواجهها بعض المؤسسات ليست من الظواهر الشائعة، كما أنها ليست علامة على أي اتجاهات عامة أو ضعف في صناعة المصرفية الإسلامية».
المشكلة في العقار

يقول محمد دمق المحلل في مؤسسة ستاندارد آند بورز إن الانكشاف الكبير - الالتزامات والتعاملات - لبيت التمويل الخليجي أمام قطاع العقارات هو أحد الأسباب وراء مشكلاته الحالية. هناك ضعف هيكلي آخر، يشترك فيه هذا البنك مع البنوك الشبيهة الأخرى، وهو الطابع قصير الأجل لعملياته التمويلية التي تصاحبها موجودات طويلة الأجل. من الواضح أن هذا يرتبط مباشرة بالأنموذج العملي والتوافر المحدود للتمويل طويل الأجل. مثال آخر هو بيت الاستثمار العالمي، وهو مؤسسة مالية تقليدية، وقد أصيب بالتعثر بخصوص بعض التزاماته بسبب التباين في مواعيد الاستحقاق بين موجوداته (ذات الأجل الطويل) وبين مطلوباته التي تكون في العادة قصيرة الأجل.
في حين يقول محيي الدين قرنفل، العضو المنتدب لشركة الجبرا كابيتال Algebra Capital في دبي: «لدينا الوضع نفسه من الظروف والأحوال في مختلف أنحاء المنطقة، سواء كانت الشركة عامة ومدرجة في البورصة أو لم تكن. هذا الوضع شائع للغاية حيث نجد أن الشركات ذهبت إلى الأسواق للحصول على تمويل قصير الأجل لكنها بعد ذلك وضعت موجوداتها غير السائلة (مثل العقارات) وهي أصول طويلة الأجل».

القيمة الصفرية

يقول بلايك قود، المحلل الاقتصادي لدى «ماركوام كابيتال» الأمريكية: «المشكلة الكبيرة في المصرفية الإسلامية هي تركيزها المفرط على قطاع العقارات. فهناك دائما خطورة إضافية في عدم تنويع استثماراتك».
وعندما سألت «الاقتصادية» الشيخ نظام يعقوبي عن مسألة انخفاض أصول بيت التمويل الخليجي، قال: «صناعة المال الإسلامية ليست ببعيدة عن صناعة المال العالمية. فهذه المؤسسات - يقصد الإسلامية - ماذا تفعل عندما تنخفض قيمة أصولها, وهو أمر ليس لهم فيه دخل مباشر».
وواصل: «معظم هذه الميزانيات نزلت أصولها، ولم يكن ذلك بسبب غش أو خيانة أو سرقة، كل الذي حصل هو انخفاض قيمة الأصول في السوق. فماذا أفعل أنا لو اشتريت أرضا في دولة ما من أجل إقامة مشروع عليها، ثم حصلت هذه الظروف وأصبحت قيمة الأرض «صفر»؟» فهل نلوم تلك المؤسسة أو الأخرى من دون ذكر أسماء؟».
من ناحيته أكد سليمان سوراني ، كبير المحللين لدى بنك SICO الاستثماري، أن بيت التمويل الخليجي دخل مرحلة «الوضع المالي المتعثر» وهي ما تعرف لدى الاقتصاديين بـ Financial distress, حيث يقول «من الواضح تماماً أن بيت التمويل الخليجي يمر بوضع مالي عسير، وهذا هو السبب في أن البنك اضطر إلى الذهاب إلى الأسواق للحصول على إعادة تمويل للدين بقيمة 100 مليون دولار في 10 شباط (فبراير) الماضي. لقد أصبح الوضع المالي الضعيف للبنك يعوق قدرته على الاضطلاع بجمع الأموال. وكما ذكرت في تقريرنا، فإن الضربة التي أصيبت بها سمعة البنك وصدقيته هي ضربة لا يستهان بها، خصوصاً أن السمعة مهمة تماماً في هذا النوع من الأعمال التي يمارسها البنك، وأعني بذلك جمع الأموال من العملاء ووضعها في مشاريع استثمارية تشتمل على مشاريع تطوير البنية التحتية وصفقات الأسهم الخاصة».
وعندما سألت «الاقتصادية» سوراني عما إذا كان بيت التمويل الخليجي يشكل «خطورة» على سوق المال الإسلامية، قال المحلل الائتماني: « بصراحة لا أرى أي خطر عام في ذلك، على اعتبار أن البنك لاعب صغير نسبياً في القطاع المصرفي البحريني. إذ تزيد موجوداته قليلاً على ملياري دولار، مقارنة بموجودات القطاع المصرفي البحريني ككل، الذي تبلغ موجوداته 250 مليار دولار. مع ذلك فإن هذا البنك كان يعتبر رمزاً للنمو في صناعة المصرفية الاستثمارية في البحرين، وكان يتمتع بمكانة تجعله أحد المراكز المالية النشطة في المنطقة, بالتالي فإن سقوطه سيكون بالتأكيد ضربة كبيرة لسمعة القطاع المصرفي البحريني، وربما يؤثر في نموها في المرحلة المقبلة».
وتساءل سوراني عن مشروعات مليارات الدولارات التي ارتبط مصير تطويرها بوجود بيت التمويل الخليجي، حيث يقول: «أعتقد أن الموضوع الأكثر أهمية هو موضوع مليارات الدولارات التي جمعها البنك على مدى السنوات الخمس الماضية. حسب التقديرات غير الدقيقة فإن بيت التمويل جمع ما بين أربعة إلى خمسة مليارات دولار على مدى السنوات الخمس الماضية لاستثمارها في عديد من مشاريع البنية التحتية، التي هي الآن في مراحل مختلفة من حيث الإنجاز والتطوير (مثلاً مدن الطاقة، والموانئ المالية، والمتنزهات الترفيهية، وما إلى ذلك). بيت التمويل الخليجي هو في الوقت الحاضر مدير المشروع لمعظم المشاريع المذكورة (التي يتولاها من خلال شركات وسيطة للأغراض الخاصة)، وبالتالي فإن مصير هذه المشاريع يعتمد على بقاء البنك على قيد الحياة».

تشديد المعاملات

عما إذا كان بإمكان المؤسسات المالية الإسلامية الخروج من دائرة ربط إصداراتها بموجودات عقارية، قالت وكالة فيتش لـ«الاقتصادية»: «بشكل عام، المؤسسات الإسلامية بحكم طبيعتها الخاصة يتعين عليها أن تركز على التعاملات القائمة على الموجودات (العقار)، وبالتالي فإن التمويل المرتبط بالعقارات (والاستثمار المباشر في الممتلكات) يغلب عليه أن يكون جزءاً أساسياً من نطاق منتجاتها, بالتالي سيكون من الصعب تماماً على المؤسسات الإسلامية أن تتجنب هذا الوضع، لكن لعلها تعمل على تشديد المعامِلات التي ترسم طريقة عملها».
يذكر أن بعض التنفيذيين طالبوا بالبحث عن موجودات جديدة تستطيع الصيرفة الإسلامية أن تقيم عليها هياكلها الاستثمارية، على اعتبار أن المستثمرين بدأوا يبتعدون عن العقارات بعد أن أصيب القطاع بضربة قوية أثناء الأزمة المالية.
وقال سافدار علم، رئيس قسم الهيكلة الإسلامية لدى بنك جيه بي مورجان: «هذا يعني أنه سيتعين على الصناعة أن تبحث بمنتهى الجد عن أنواع أخرى من الموجودات لاستخدامها في الصكوك».
من جانب آخر تستطيع الصناعة العثور على بدائل غير العقارات، مثل تمويل السفن واستئجار وتأجير السفن والطائرات.
وقال سمير عابدي، رئيس التمويل الإسلامي لدى شركة إرنست آند يونج: «هذه جميعاً مجالات متاحة، وهناك منتجات إسلامية تقوم على الإيجارات التي من هذا القبيل. ومن الممكن أن يكون هناك تركيز على هذه الموجودات في المرحلة المقبلة».
يمكن أن تشتمل الخيارات الأخرى على التوريق المالي للمقبوضات من قبل شركات الاتصالات وقطاع الخدمات، كما يقول عبد الرحمن طليفات، كبير التنفيذيين لشركة أليانتز تكافل.
يذكر أن القطاع الذي يعمل فيه، وهو صناعة التأمين الإسلامي، أو التكافل، يسعى جاهداً للعثور على فرص استثمارية طويلة الأجل. وقال لـ «رويترز»: «نحن نتحدث كثيراً عن مقبوضاتنا, وهي تعد فرصاً استثمارية طيبة للبنوك الاستثمارية، وبإمكانها تشجيع قطاعي الاتصالات والخدمات على التوريق المالي لمقبوضاتهما.

الأكثر قراءة