آراء حول حسن التصرف بخصوص المسؤولية الاجتماعية للشركات

آراء حول حسن التصرف بخصوص المسؤولية الاجتماعية للشركات

تمتد مساهمات بيتر دركر الواسعة للغاية في فكر وممارسة الإدارة لتشمل كذلك المسؤولية الاجتماعية على نطاق النشاطات العملية, وتعود كتاباته حول هذا الشأن إلى أكثر من 60 عاماً، ولكنها تظل صالحة لأيامنا هذه، على الرغم من كل آثار العولمة، وزيادة علاقات الارتباط بين النشاطات العملية والمجتمع. ويحاول هذا المقال، في المقام الأول، تحديد وشرح مبادئ دركر الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، ثم السعي إلى بيان آثارها في النشاطات العملية في أيامنا هذه، مع تأكيد على ممارسات التسويق.
إضافة إلى تسليط الضوء على أهمية أفكار دركر، فإن هذا المقال يهدف إلى التعريف بما لدى هذا المفكر الإداري من حدود على صعيد ممارسة المسؤوليات الاجتماعية للشركات. ويشار إلى ذلك هنا بتعبير «حسن التصرف المقيد». ويحاول المقال تفحص كيفية إنارة تفكير دركر للقضية الباعثة على التحدي بخصوص «كم هو القدر الكافي؟» فيما يتعلق بقضايا المسؤولية الاجتماعية للشركات، مثل تسويق الأغذية، وعلاقة ذلك بالسمنة، وتوفير أدوية الإيدز في إفريقيا، وكذلك سلاسل الإمدادات، وحقوق العمال.
وحرص دركر على الدوام على تأكيد اعتقاده بأهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات (والمؤسسات على وجه العموم). وأكد في كتابيه خلال مرحلة أعماله الأولى: نهاية الرجل الاقتصادي (1939)، ومستقبل الرجل الصناعي (1942)، على وجهة نظره الخاصة بالهدف الاجتماعي للنشاط العملي، وكذلك تناول الموضوع من خلال تفحصه للمسؤوليات الاجتماعية للإدارة.
وكتب دركر في عام 1974 كتاباً حول الإدارة يقع في 800 صفحة، حيث حدد فيه مهام، ومسؤوليات، وممارسات الإدارة، وخصص خمسة فصول متصلة منه للآثار الاجتماعية للمسؤوليات الاجتماعية. وظل خلال كتاباته الأخيرة ملتزماً بهذه الأفكار, وكان يتناول قضايا المسؤولية الاجتماعية للشركات بصورة مباشرة في بعض الأحيان، ولجأ إلى أساليب غير مباشرة في مناسبات أخرى من خلال وصفه لمفهومه الإنساني للإدارة، واهتمامه بالدور الاجتماعي لمسؤوليات الشركة، كما أكد على ذلك في أحدث كتبه «تحديات الإدارة في القرن الـ 21 « الذي ظهر في عام 1999.
ميّز دركر بين أنواع المسؤوليات الاجتماعية، حيث تناول تلك المتعلقة بالآثار الاجتماعية لما تقدمه الشركات إلى المجتمع، وتلك المرتبطة بالمشاكل الاجتماعية، وما يمكن أن يقدمه النشاط العملي إلى المجتمع. وتتجاوز الآثار الاجتماعية عنده مجرد المساهمة الخاصة لشركة ما، مثل تقديم الخدمات والمنتجات على نحو معتاد.
وهنالك في رأيه منتجات ثانوية لا يمكن تفاديها، وهي تلك الخاصة بخدمة المجتمع. وكان يدعو إلى تحديد الآثار الاجتماعية غير المرغوب فيها، كما يحث على التخلص منها على وجه السرعة، إذا لم يكن بالإمكان تحويلها إلى فرص نشاط عملي محققة للأرباح.
وكان يدعو الشركات في سبيل ذلك إلى البحث عن صيغة من التنظيم الذاتي، أو القبول بالتنظيمات الحكومية التي من شأنها توفير توازن مناسب لكل الأطراف ذات العلاقة بهذه العملية, وكان دركر يرى في المشاكل الاجتماعية فرصاً، حيث كان يقول إن للنشاطات العملية مسؤولياتها المتعلقة بالمشاكل الاجتماعية، ولكن لتلك المسؤوليات حدودها بهذا الخصوص.
وكان يجيب عن السؤال «متى نقول لا»؟ بقوله إن على الشركات أن تتوقف عن ممارسة المسؤوليات الاجتماعية إذا كانت تلك المسؤوليات تعوق تقدم الشركة في سبيل تحسين أدائها العملي, وكان يدعو إلى وقفها كذلك إذا تداخلت مع مسؤوليات أخرى على الحكومات أن تقدمها، كما أنه دعا إلى الابتعاد عنها إذا كانت تتم ضمن سلطات غير شرعية.
إنه يرى، على سبيل المثال، أن على شركات الأطعمة السريعة مسؤولية خاصة إزاء الآثار الاجتماعية المتمثلة في زيادة معدلات السمنة نتيجة لحملاتها الترويجية لمنتجاتها، وبالذات حين يتعلق الأمر بالأطفال.
ويرى دركر أن شركات صناعة الأدوية تمارس مسؤولية اجتماعية واضحة حين تعمل على تصنيع كل ما يمكن تصنيعه من أدوية في سبيل توفير الرعاية الصحية للجميع، حيث إنها تستجيب بذلك لعدد من المشاكل التي تعانيها المجتمعات.
وهذه الشركات ليست مسؤولة عن الميزانيات المحدودة الخاصة بتوفير الرعاية الصحية في البلدان النامية، الأمر الذي يعوق شراء الأدوية بالأسعار المحددة في الدول المتقدمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن عليها السعي إلى توفير كل ما يمكن توفيره من الأدوية الأساسية.
وتسلط كتابات وأفكار دركر الضوء بقوة على النشاطات العملية، ومختلف المؤسسات، وإداراتها، حيث تظل هذه الأفكار ملائمة لأيامنا هذه، كما كانت عليه قبل عدة عقود زمنية. ويمكن في بعض الحالات أخذ أفكاره كأمور مُسلّمٍ بها، على الرغم من أنها لا تأخذ بكل تفاصيل مفاهيم المسؤولية الاجتماعية للشركات كما هي عليه في أيامنا هذه. غير أن التمييز بين الآثار الاجتماعية، والمشاكل الاجتماعية يظل اعتباراً رئيسياً، كما أن محدودياته الثلاث الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات في استجابتها للمشاكل الاجتماعية، وهي الأداء، والكفاءة، والسلطة، لا تزال صالحة طالما أنها تقدم فهماً أساسياً، وإن كانت لا تمثل إجابة وافية عن سؤال: «كم هو القدر الكافي»؟

الأكثر قراءة