قمة كوبنهاجن.. الحوافز والخلافات من وجهة نظر شخصية

قمة كوبنهاجن.. الحوافز والخلافات من وجهة نظر شخصية

ممثلة في مجموعة من أعضاء الكلية، والطلبة، والخريجين، حضرت إنسياد قمة كوبنهاجن كمراقب رسمي، ويتأمل كليندورفر الذي ترأس وفد إنسياد، فيما تم، ولم يتم، إنجازه في القمة.
بدأت قمة كوبنهاجن حول المناخ في السابع من كانون الأول (ديسمبر) 2009، في أعقاب تبادل المراسلات الإلكترونية لوحدة أبحاث الطقس في جامعة إيست أنجيلا، والدعوات من جانب المتشككين في أحوال المناخ لإعادة فحص الأساس العلمي لاتخاذ الإجراءات للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري. ودام الجدل حول هذه القضية لساعات قليلة فقط في قمة كوبنهاجن، حيث لاحظت جميع الوفود التي تمثل 193 بلداً الإشارات الواضحة للغاية للتغير المناخي الذي يؤثر فعلياً في عديد من البلدان، وعلى وجه الخصوص البلدان النامية، وحقيقة أن العلم الذي ينطوي عليه التغير المناخي – في حين أنه غير مؤكد – كان ينذر على نحو كافٍ بضرورة القيام بإجراء فوري وملح. وحيث إن ذروة الاحتياطيات النفطية بدأت تتراجع، ووجود ضرورة ضمنية للتحرك في جميع الأحوال لمصادر جديدة من الطاقة، كان رد الفعل العام من جانب الوفود في قمة كوبنهاجن هو أن عدم المضي قدماً بإجراءات قوية لمنع العواقب الكارثية المحتملة على الكوكب نتيجة الاحتباس الحراري لن يكون أمراً حصيفاً، بل يتسم بعدم المسؤولية. ومضى المؤتمر سريعاً نحو الأجندة المتوقعة للأهداف التي يمكن تحديدها، وكيفية تمويل استراتيجيات التأقلم في العالم النامي، وكيف يمكن استغلال الأسواق لدعم الابتكار، وتطبيق أهداف تخفيض انبعاث الكربون على نحو فاعل.
ما الذي تم تحقيقه؟ استطاع رؤساء دول البرازيل، الصين، الهند، جنوب إفريقيا، والولايات المتحدة، عن طريق المفاوضات المباشرة، الاتفاق على القليل من المبادئ كما تم تسجيلها في الاتفاق الذي أطلق عليه «اتفاق كوبنهاجن» الذي وضعت الصيغة النهائية له في الساعات الأخيرة من قمة كوبنهاجن. ولم يتم تبني الاتفاق ذاته رسمياً من جانب أطراف المؤتمر، لكن تمت «الإشارة» إليه فقط من قبل الأطراف المجتمعة (وافقت جميعها، فيما عدا خمسة أطراف، على الصيغة النهائية للاتفاق). وفي حين أن الاتفاق مخيب لآمال عديد من وفود البلدان البالغ عددها 193 بلداً، بسبب فشله في تحديد أهداف معينة لتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، إلا أنه على الرغم من ذلك قدم بعض العناصر المهمة.
دعوني أشير إلى عدد قليل منها. أولاً، توصلت الصين والولايات المتحدة فعلياً إلى اتفاق من نوع ما، وأكد انهيار العائق في الدقائق الأخيرة في قمة كوبنهاجن بجهود الرئيس باراك أوباما، ورئيس الوزراء الصيني وين جياوباو، على الدور الحاسم للصين والولايات المتحدة في هذه المفاوضات، والفكرة الأساسية بأن البلدان البالغ عددها نحو 30 بلداً المسؤولة عن 90 في المائة من الانبعاثات العالمية التي يحدثها البشر، يجب أن تكون البلدان الأساسية التي يجب أن تتفق على خطوات عملية للمضي قدماً. وتم تنقيح فكرة «المسؤوليات المشتركة ولكن المختلفة» كجزء من التكيف مع التغير المناخي، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بمناقشات المساعدات المقدمة إلى البلدان النامية لكي تتكيف، وتمنع تجريد الغابات، بالتزامات جماعية تصل إلى 30 مليار دولار للفترة بين عامي 2010 و 2012، والهدف المتفق عليه بتقديم 100 مليار دولار بحلول عام 2020 لتوفير التمويل «لإجراءات التحسين المهمة» في البلدان النامية. وأخيراً، والأهم، ينص اتفاق كوبنهاغن على ضرورة إجراء تخفيضات مهمة في الانبعاثات العالمية، اعتماداً على العلوم المتاحة، مع الأخذ بعين الاعتبار تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية إلى مستويات تتسق مع المحافظة على الزيادات في درجات حرارة العالم بأقل من درجتين مئويتين.
على الرغم من أهمية هذه الخطوات للمضي قدماً باتجاه انبعاثات أدنى من الغازات الدفيئة عالمياً، إلا أن هناك بعض خيبات الأمل الفعلية لقطاع العمل في قمة كوبنهاجغن. وأكبر خيبات الأمل تلك هي عدم اليقين المستمر بشأن ما سوف تفعله الحكومات الوطنية والإقليمية المختلفة، أو يطلب منها أن تفعله في نهاية المطاف.
استمرت اللهجة العامة للنقاش في كوبنهاجن بأن تمثل محفظة للمناهج الوطنية إزاء انبعاثات الغازات الدفيئة، بدلاً من كونها اتفاقاً دولياً حول الأهداف، أو على تقييم الكربون، أو العناصر الأخرى الرئيسية التي من شأنها أن تسمح للشركات ذات الامتداد العالمي بأن تخطط للمستقبل. وفي حين أن منهج المحفظة هذا ربما يكون في النهاية المنهج المجدي الوحيد، إلا أنه سوف يواصل على نحو مفهوم، الإلقاء بظلاله على الاستثمارات الجديدة، وعلى وجه الخصوص في الصناعات التي تحتاج إلى طاقة مكثفة.
علاوة على ذلك، فإن طبيعة عدم اليقين هذه غير مستقة بالنسبة للمستثمرين الأوروبيين، ومن أمريكا الشمالية من عدة نواح مهمة. فاتفاق كوبنهاجن لا يذكر على سبيل المثال التعديلات الحدودية لمحتوى الكربون في السلع المتداولة دولياً (على سبيل المثال، المعادن، والأسمنت)، والتي يمكن أن تكون ميزة مهمة للشركات في البلدان التي ليست فيها أنظمة تسعير مدخلات الكربون (مثل الصين والهند) نسبة لتلك الشركات التي تعمل في بلدان لديها مثل تلك الأنظمة (مثل الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال). وإن إحجام البلدان النامية الأكبر عن الموافقة على التدقيق الدولي، ومراقبة المعايير، يزيد من تعزيز شكوك الشركات التي تحتاج إلى طاقة مكثفة فيما يتعلق بالمساواة بشأن تسعير مدخلات الكربون. وإذا أضفنا إلى هذا الأمر الضغوط للتحرك باتجاه أهداف أكثر تشدداً (على سبيل المثال الخطوة المقترحة لتخفيض نسبة 30 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة، من نسبة 20 في المائة بحلول عام 2020 من جانب الاتحاد الأوروبي)، فبإمكان المرء أن يرى سبب بقاء قادة الأعمال في غاية القلق بشأن استمرار عدم اليقين فيما يتعلق بدوافع الأرباح غير المتعلقة بالسوق بعد كوبنهاجن.
على الأرجح أن التداعيات الأهم لقمة كوبنهاجن على قادة الأعمال هي أهمية تحسين إدارة المخاطر في الشركات في كل قطاع من الآن فصاعداً. وسواء كان المرء مؤمناً، أم متشككاً إزاء علوم التغير المناخي، فمن الواضح أن كوبنهاجن تثبت تحركاً قوياً ومستمراً نحو الأمام من جانب المجتمع الدولي، والضغوط من جانب الجمهور القلق بشكل متزايد في جميع أرجاء العالم. ومما لا شك فيه في الغالب أن هذه التحركات والضغوط تؤدي إلى مزيد من التنظيم والالتزمات الوطنية والدولية في المستقبل المنظور.
سواء كنا جاهزين أم لا، فإن هذه التغييرات سوف تكون لها تداعيات هائلة على قطاع العمل. وبالنسبة للمستثمرين والمديرين، فإن مدى الاستعداد الجيد من جانب الشركات لاستيعاب عدم اليقين (على الصعيد السياسي والاقتصادي) الماثل في مجال التغيير المناخي، سيكون أمراً رئيسياً لربحية الشركات. وبالنسبة للتصنيع الذي يحتاج إلى طاقة مكثفة، فإن تطوير كفاءات جديدة في قياس الكربون وتداوله سيكون أمراً محورياً. وبالنسبة لتجار التجزئة، فإن تطوير رؤى متزايدة، وقياسات تشمل سلسلة الإمدادات بأكملها بشأن استخدام الطاقة، والكربون، والمياه سوف يكون أمراً مطلوباً لتلبية مطالب المستهلكين والمنظمات غير الحكومية لهذه المعلومات.
وبالنسبة لشركات التأمين والمؤسسات التمويلية، فإن متابعة وتقييم الطبيعة المتغيرة للمخاطر المتعلقة بالطقس، وتوفير خدمات إدارة المخاطر المناسبة، والمخاطر بنقل الأدوات إلى الشركات والحكومات سوف يقدم تحديات وفرصاً جديدة. وإن لدى شركات الاستشارات فعلياً حجماً كبيراً من العمل في مجال الاستدامة والتغير المناخي. وسوف تكون الشركات ذات الامتداد العالمي، وذات حصص كبيرة في الاقتصادات الناشئة شركاء في الانكشاف المتزايد لهذه البلدان أمام مخاطر التغير المناخي، والمنافع المتأتية من استراتيجيات التكيف. وبالنظر إلى نطاق هذه العواقب، فعلى قطاع العمل أن يلعب دوراً ناشطاً لإبقاء الاقتصاد العالمي على مسار يواصل تسهيل التجارة والأسواق، الروافع الكبيرة للثروة. وفي الوقت ذاته، علينا أن ندرك الدور الحاسم الذي سوف تلعبه بالضرورة المؤسسات السياسية والعلمية على الكوكب في صياغة القيود والحوافز التي من شأنها أن تساعد المواطنين والشركات على الانتقال من الاقتصاد الحالي الذي يعتمد على الوقود الأحفوري، إلى مستقبل مستدام. والأهم من كل ذلك، مدى تعقيد هذه المهمة، ولكن كذلك الرغبة في مواجهتها والمضي بها قدماً، وهذه هي الرسائل الأساسية التي خرجت بها قمة كوبنهاجن.

* بول آر كليندورفر، أستاذ التنمية المستدامة لكرسي دوبرول، وأستاذ الأبحاث المميز في إنسياد.

الأكثر قراءة