الجمعة, 2 مايو 2025 | 4 ذو القَعْدةِ 1446


للحد من العنف والجريمة.. نحتاج لأبحاث في صعوبات التعلم

يشرع البعض ونحن لسنا ببعيدين عنهم في وصف تنامي الجريمة والعنف والاختلافات البغيضة والفتن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والرمز إليها ونعتها بحالات غريبة ودخيلة على الشارع الاجتماعي، الذي لم يعهدها من قبل بهذا النمط والتمدد والانتشار السريع، بل أتصور وكثيرون أن الأمور وصلت إلى مراحل متقدمة من الانسلاخ والتجرد من الإنسانية والأخلاقيات والفضيلة، التي يفترض أن يتسابق إليها المسلمون في مجتمعات محافظة تحكمها الشريعة الإسلامية من حيث الشراهة في التمادي بالعنف المصاحب للجرائم والخلافات، وبلوغهم حدا من فقدان الرحمة وحتى التفكير فيها. فلا يمكن بأي حال من الأحوال غض النظر عن هذا الخلل الذي تعيشه المجتمعات، وما يترتب عليه من خوف مطرد ومصاحب لفقدان الراحة والطمأنينة والأمن والأمان.
فالنظر إلى أن عدم الاستقرار العالمي والسياسي والاقتصادي والعقدي الديني والاصطدام الطائفي والمذهبي أيضا في انضوائهم تحت مظلة تفاوت أسباب الانتهاكات للحياة البشرية غير كاف وحده لتحديد المسؤولية، وأن الضرب بالقوانين والتشريعات التي يتعرض لها الإنسان عرض الحائط، وتدك مضجعه من خلال انتهاك حقوقه، مضافا إلى الضغوط التي تهوي به إلى قاع الاكتئاب والانهزام النفسي لكونهم يوضعون أيضا ضمن الأطروحة السببية التي يشار إليها بالاعتلاء تأثيرا..! فالجواب الواقعي والعقلاني الذي يفترض أن يخرج؛ هو إنما هم ضمن المسببات في الخروج عن السياق النظامي للحياة المستقرة، وقليلا ما يأخذون في الحسبان بقوة كما يظهر في التقييمات والإحصاءات والتنبؤات لتنامي الجريمة والعنف والخلافات والفتن الداخلية، بل كثيرا ما تؤطر القضية بأطر عامة غير عميقة كالبطالة وقلة الوعي والفقر وضعف الوجود الأمني ومقررات التعليم والخطاب الديني المتشدد والتشريعات القضائية وغيرهم، وبغض النظر عن نسبة تأثيرهم على مجرات الأحداث الاجتماعية، فإنهم مسببات مع البقية من حيث التفاوت والتباين، ولكن ليسوا بالضرورة هم من الجذور الأساسية للمعضلة، أو من ضمن الأولويات في حال قيام الدراسات والتحليلات الموجهة علميا لحل القضايا الإجرامية والعنف من جانب، والخلافية والتشنجات الطائفية من جانب آخر من واقع متشابه ومرتبط ببعض من أجل التكامل والاحتواء.
من المفردات الدارجة كثيرا هذه الأيام التي يطلقها بعض من المحللين والكتاب والنقاد وحتى العامة والمتعلقة بالقضية المعنية في مقالنا هذا، هي ما تحويه مقررات التربية والتعليم ومدى تطورها ومواكبتها للمتغيرات الحياتية ودفعها للنمو العلمي والتقني والثقافي والتهذيبي في مجتمعاتنا، في تقييم الأوضاع الاجتماعية وحتى المراتب المتدنية التي نحتلها بين بقية الدول الناهضة، مع إغفال طرح جوانب تصحيحية عملية بعيدا عن التنظير من قبل المحللين والناقدين هؤلاء، والتي يمكن الخوض فيها من أجل تحسين الصورة والوضع الذي سيترجم لاحقا مدى تطورنا والتزامها بالمعايير العالمية والتنافسية، التي طالما يتم إشغالنا دوريا بنتائجها والتركيز عليها ضمن مواضيع أخرى حقوقية مرتبطة، تسيل لعاب المتربصين بنا وزعزعة استقرارنا ونمونا، بما يمكن تفاديها من خلال الجرأة والتحمل في بدء التغيير والتطوير، تزامنا مع سن القوانين الصارمة ضد المسيئين والجهلة النافذين الذين يقفون حيال أي تغيير وربطه بالتشريعات الدينية تارة، وبالتقاليد تارة أخرى ضمن آفاق فردية تتناقض مع سماحة الشريعة السماوية.
فلو دققنا التفكير والنظر نحو ما يتوجب علينا جميعا فعله وخاصة الباحثين وصناع القرار، باتجاه الحلول التوافقية والهادئة ذات البراهين الواضحة والجلية، بعيدا عن التخبط والصراخ والعويل والإحباط والانحراف عن المسارات المستقيمة، لوجدنا مسارا لم نسلكه بعد بعناية وتركيز، ولم نلملم ونجهز أنفسنا لنكون ضمن آخرين ربما سبقونا في ارتياده بتعمق، وهو البحث بدقة في كيفية تنظيف العوالق والشوائب من العقول للتمكن من تهيئتها للاستيعاب والإدراك الذهني، وذلك من خلال السيطرة على الصعوبات التي يواجهها العقل في التعلم والإدراك، ولا يقتصر هذا البحث على قطاع التربية والتعليم، بل يشمل المجتمع بكل نماذجه، لأنه يمثل الأسرة والمدرسة والشارع والمسجد والندوة والمنتدى والجمعية والعمل بكل مواقعه، فنحن نحتاج لدراسات تقصي واختبارات على عينات إجرامية وأخرى منحرفة أخلاقيا وغيرها ضالة عقديا، نحو طرح سؤالين مبدئيا لتحديد الكم والنسب..!
أولهما طلب التعبير عن النفس للتحليل النفسي والآخر لقياس مدى الاستيعاب لما يتم طرحه عليهم، فبالتأكيد من وجهة نظر التشابه بين الفئات لو تم اختبارهم، لتم التوصل لنسب عالية من تلك الصعوبات في التعلم وعدم الإدراك والتشتت في الانتباه، وهو ما تنتجه هذه العقول من التبعية للآخرين وللنفوس وللشهوات..! وإلا لما وصلنا إلى هذا المستوى من الهبوط والتخلف والجهل المركب وعدم الإحساس بالمسؤولية في تنامي حدة المشكلات والخلافات. ولا غرو ولا ضير أن يتم هذا الاختبار أيضا بشكل دوري على الطلبة والتلاميذ ودور الأيتام تحديدا لافتقارها إلى الروابط الأسرية، من أجل التقييم نحو وضع الخطط والترتيبات اللازمة للتصحيح مبكرا قبل استفحال الأمور من جيل إلى جيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي