فقهاء يبرئون ذمتهم بعد 10 حالات تعثر ويتهمون شركات المحاماة بالتلاعب

فقهاء يبرئون ذمتهم بعد 10 حالات تعثر ويتهمون شركات المحاماة بالتلاعب

كشفت قمة «يوروموني» العالمية حول المالية الإسلامية التي عقدت في لندن أخيراً عن «خفايا» قانونية ونقاط ضعف جديدة ضد حملة الصكوك الذين يستثمرون في تلك السندات، حيث ذكر عدد من الفقهاء أنهم «غضوا البصر» عن هذه الأمور خلال العامين الماضيين، إلا أن حالات التعثر العشر التي شهدتها السنة الماضية أجبرتهم على الخروج «علانية» بملاحظاتهم حول موقف حملة الصكوك الضعيف، وذلك من أجل تبرئة ذمتهم ونقل المسؤولية لشركات المحاماة «الصامتة» والمستفيدة من هذا الموقف.
وكان عدد من أبرز فقهاء الصيرفة الإسلامية في العصر الحديث، من بينهم المشايخ عثماني ويعقوبي وبكر، ناقشوا جانباً يتعلق بملكية أصول الصكوك من حيث انتقالها في العادة وبشكل قانوني إلى عهدة حملة الصكوك مع تسجيلها بأسمائهم لدى الجهات التنظيمية. ويرجع الهدف من وراء ذلك إلى ضمان رجوع حملة تلك السندات إلى هذه الأصول في حالة تعثر جهة الإصدار، بالنظر إلى أن حالات التعثر الأخيرة كشفت أن حملة الصكوك لا يملكون حق الرجوع إلى هذه الأصول، الأمر الذي يعني ضيــاع حقــوقهــم .. فكيف يطالبون بهذه الأصول وهم لا يملكون وثائق موقعة مع جهة الإصدار تثبت ملكيتهم لها؟
كما تكمن المشكلة الثانية في أن بعض حملة الصكوك هم من الأجانب وبعض الدول العربية التي لا تسمح للأجانب بتملك الأراضي التي ارتكز إليها إصدار الصك، ما يعني أنهم سيكونون في موقف ضعيف في حالة التعثر.
وقال مدثر صديقي، الذي يرأس قسم المعاملات الإسلامية في الشرق الأوسط في شركة دينتون وايلد سابت: «إنه من المفروض أن تكون إصدارات الصكوك مدعومة بأصول تعود ملكيتها إلى حملة الصكوك, فمعظم مجالس الشريعة يرون أن عملية البيع واتفاقية الشراء بين حملة الصكوك وشركة الأغراض الخاصة SPV كافية لإثبات ملكية هذه الأصول لحملة الصكوك».
وكشف صديقي أن سبب عدم تسجيل الأصول باسم حملة الصكوك يرجع إلى الرسوم العالية التي ربما تضطر جهة الإصدار إلى دفعها. حيث يقول: «لا تصر الهيئات الشرعية على بعض الأمور القانونية كتسجيل حق ملكية هذه الأصول لحملة الصكوك. ويرجع سبب عدم تفعيل ذلك إلى رسوم التسجيل والضرائب العالية. وإضافة إلى ذلك تفرض بنود وثيقة الصك بيع تلك الأصول إلى الشركة المصدرة. لكن عندما تكون هناك حالة تعثر، فإن شركة الأغراض الخاصة، التي تمثل حملة الصكوك، لن تكون في وضع يسمح لها ببيع تلك الأصول نظرا لأنها ليست المالك القانوني لهذه الأصول».
وطرح صديقي تساؤلا على الفقهاء في الجلسة حول إذا ما كان بإمكانهم الإصرار على عملية البيع « الحقيقية» بحيث تحصل شركة الأغراض الخاصة على الملكية القانونية لهذه الأصول.

الجدارة الائتمانية

هنا يقول محمد داود بكر:«معظم إصدارات صكوك الإجارة هي صكوك «مرتكزة «إليها الأصول التي تعرف عند أهل الاختصاص بـ Asset Based. ويرجع سبب ذلك إلى أن التصنيف الائتماني سيرتكز إلى الجدارة الائتمانية للجهة المصدرة، وليس على الأصل الذي سترتكز إليه الصكوك. لكن مع التوريق فإن التصنيف سيرتكز على جودة هذه الأصول التي تدعم الصك, ما يعني أن التصنيف سيكون منخفضا».
وحاول داود الدفاع عن موقف الفقهاء وكونهم لا يحمون حقوق حملة الصكوك المتعلقة برجوعهم إلى الأصول في حالة وقوع حالة تعثر, حيث يقول:» مع الصكوك التي تكون «مدعومة» بالأصول Asset Backed، فإننا نطلب من الجهة المصدرة أن تطلعنا على وثيقة نقل الملكية إلى حملة الصكوك. إلا أن هذا الإجراء في بعض دول العالم يكون مكلفا وغير مقبول من الناحية التشريعية. وضرب مثالا على ذلك بصكوك شركة الطاقة الأمريكية آيست كامرون التي لم تنتقل فيه ملكية الأصول إلى حملة الصكوك بسبب أن القانون المحلي لا يسمح بذلك».
واقترح داود حلا لهذه المعضلة وذلك أن يتعاون الفقهاء مع المحامين للخروج بإطار قانوني يمنع جهة الإصدار من وضع يدها على أصول الصكوك في حالة التعثر. واقترح الفقيه الماليزي الذائع الصيت الاستعانة بضمانات collateral من أجل حماية حقوق حملة الصكوك أمام الدائنين.
بعدها تسلم صديقي دفة الحديث وقال: إذا كان الفرق بين السند (الربوي) والصك هو أن الصك يرتكز إلى الملكية القانونية للأصول، سواء تملكت الأصل في نهاية الدفعات المالية كما في صكوك المضاربة أو عند إصدار الصك، لكن إذا لم تتمكن من الرجوع القانوني إلى هذه الأصول، عندها هل حققنا متطلبات الشريعة؟
وحاول الشيخ الشاب أزنان حسن الإجابة عن هذا السؤال، موضحا: «هناك مشكلات مع نوعية الصكوك «المرتكزة إليها الأصول». حيث هناك حالتان, الحالة الأولى هي مع صكوك الإجارة على سبيل المثال. فهناك شكوك فيما إذا كانت حقوق ملكية الأصول ومديونياتها liabilities قد انتقلت إلى حملة الصكوك. فالواقع يقول لنا إنه ليست هناك أي اتفاقية موقعة بين الطرفين تثبت ذلك, لكن إذا افترضنا انتقال مديونيات الأصول إلى حملة الصكوك، عندها عليهم أن يوقعوا على اتفاقية الوكالة agency agreement بحيث يديرون هذه الأصول بالنيابية عن جهة الإصدار, فبعض حملة صكوك الإجارة يواجهون مشكلة كبيرة نظرا لعدم انتقال الأصول بشكل قانوني إليهم».
وخلال قمة «يوروموني» التي عقدت الأسبوع الماضي، اعتبر عدد من التنفيذيين في المصرفية الإسلامية أن الأسواق العالمية أتعبها الإفراط في المخاطر واختلالات الثروات، مشيرين إلى أنه ينبغي لها أن ترحب بالمعايير الأخلاقية للاستثمار، القائمة على التعاليم الأخلاقية مثل الإنصاف والشفافية.
لكن المختصين حذروا من أن الصناعة في حاجة كذلك إلى ترتيب بيتها الداخلي، من خلال تنظيم وتوحيد الأنظمة التشريعية المبعثرة والخروج بمنتجات جديدة.
ويعتقد عدد من التنفيذيين أن القطاع فوَّت فرصة في الجيشان الحالي، من حيث إنه أخفق في اغتنام اللحظة بسرعة ليبين منافع الاستثمار القائم على «الاقتصاد الفعلي».
معلوم أن المصرفية الإسلامية التي تقوم بطبيعة الحال على الالتزام بالأحكام الشرعية في الإسلام، لا تقبل بفرض الفائدة الربوية، وتستلزم أن تقوم التعاملات على موجودات ملموسة، وتأمين بعض العزل من الاضطرابات في عالم الائتمان. كما أن المضاربات محرمة، وكذلك التعامل في العقود الآجلة، كما أنه لا بد من اقتسام المخاطر.
وبالنسبة إلى كثير من الناس فإن هذا يشكل نوعاً من التضاد مع المضاربات والإفراط في اتخاذ المخاطر، وهي من الأمور التي أسهمت في الجيشان العالمي الحالي.
هذا التردد حول أمور المستقبل يبرز مشكلة أساسية تواجه قطاع المصرفية الإسلامية، وهي عدم فهم مبادئها الأساسية، بخصوص الأمور الجائزة شرعاً، التي يقبل بها الفقهاء المسلمون في مختلف مناطق الاختصاص.
وقال مختار حسين، كبير التنفيذيين العالميين لبنك إتش إس بي سي أمانة: «لا نزال في غاية التشتت والتفرق, كثير من المؤسسات صغيرة وتعمل في بلد واحد أو من خلال منتج واحد».
وأضاف في تصريح لوكالة الأسوشيتد برس: «الصناعة لا تزال في حاجة إلى مزيد من الفعل وقدر أقل من المناقشات، وفي حاجة إلى مزيد من الانسجام والتوافق مع ما تريد تحقيقه على مستوى عالمي، وليس على مستوى محلي».
وتابع حسين: «الصناعة في حاجة إلى التصدي للافتقار إلى المنتجات التي تتعامل مع مخاطر إدارة السيولة، وبحاجة إلى مزيد من الابتكار في المنتجات بصورة عامة».
تشكل المصرفية الإسلامية في الوقت الحاضر 2 في المائة فقط من الموجودات المالية العالمية، أي نحو 820 مليار دولار، لكنها تنمو بمعدل سنوي مقداره 28 في المائة. معظم هذا النمو ينشأ ويتم تطبيقه في منطقة الخليج العربي وماليزيا، التي تعتبر عاصمتها كوالالمبور على نطاق واسع على أنها المركز التجاري النشط للصناعة.
لكن في حين أن الدول الغربية غارقة في الديون، فإن بعض الدول في العالم الإسلامي تجلس على أكوام من الأموال التي جنتها بسبب النفط، وهذه الأموال في حاجة إلى موطن، وهناك منذ الآن علامات على أنها تتوسع من مجرد سوق إقليمية متخصصة، فهناك شركتا إنشاءات من أوكرانيا قدمتا عروضاً في لندن سعياً وراء الأموال الشرق أوسطية، في ظل أحكام المصرفية الإسلامية، بهدف تمويل مشاريع كبيرة في البنية التحتية في كييف. كما أن اختيار لندن لاستضافة أبرز وأهم المؤتمرات السنوية للصناعة هو علامة على ارتفاع سمعة العاصمة البريطانية على أنها مشهورة بالابتكار في المصرفية الإسلامية.
وتساند الحكومة البريطانية هذه الصناعة المزدهرة، وهناك الآن عشرات من المؤسسات المصرفية الإسلامية في لندن تعرض مختلف المنتجات، بما في ذلك القروض السكنية، والحسابات الجارية، والتأمين والهياكل الاستثمارية التجارية، إلى سكان بريطانيا المسلمين البالغ عددهم مليوني شخص.
كذلك هناك توقعات أن بريطانيا ستصبح أول حكومة غربية تقوم بإصدار سندات سيادية إسلامية، أو ما يعرف بالصكوك.
يذكر أن الصكوك، على خلاف السندات التقليدية، تمنح المستثمرين حصة تتناسب مع ما لديهم من صكوك، في ملكية الموجودات الفعلية التي يقوم عليها هيكل الصكوك، مثل الأراضي المؤجرة، إلى جانب حقهم في الدخل الذي تولده الموجودات.
ومن شأن إصدار الصكوك أن يساعد على إحياء سوق وصلت في السنة الماضية إلى 100 مليار دولار، لكنها أخذت في التباطؤ بفعل التصحيح الذي حدث في القطاع العقاري في دبي.

الأكثر قراءة