جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ستقطع شوطاً بعيداً في اتجاه رعاية بيئة صالحة للإبداع

جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ستقطع شوطاً بعيداً في اتجاه رعاية بيئة صالحة للإبداع
جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ستقطع شوطاً بعيداً في اتجاه رعاية بيئة صالحة للإبداع

كل ما قيل عن الإبداع يبدو صحيحاً. وإذا أحسنته، فقد ينقل شركة أو حكومة أو بلداً من وضع عادي إلى مصاف العظمة. ولكن الإبداع لا يأتي بسهولة، وقد يكون السبيل إليه، في بعض المجالات، طويلاً وشاقاً.
خذ، مثلاً، الصناعات الدوائية التي قد تمتد فيها الفترة الزمنية بين استنباط الفكرة إلى «احتمال» صناعة الدواء إلى ما يراوح بين 20 و25 سنة، وفقاً لفرانز همر Franz Humer رئيس مجلس إدارة روش هولدنج Roche Holding. ولا داعي للقول إن الأمر يستلزم أيضاً «مبالغ طائلة» حيث يتطلب تطوير عقار واحد «ما يزيد على مليارات الدولارات» هذه الأيام.
ويقول همر، الذي كان مشاركاً في ندوة بعنوان «قيادة الإبداع» ضمن فعاليات قمة القيادة في الشرق الأوسط التي نظمتها إنسياد INSEAD أخيراً في أبو ظبي: «إننا لا نفهم الجسم البشري؛ وعلينا إجراء تجارب على أكثر من 15 ألف شخص قبل أن نعرف إن كان العقار ناجحاً أم لا».

#2#

«إن الإخفاق جزء من الإبداع؛ بل إننا نصادف الإخفاق في الإبداع أكثر مما نصادف النجاح. إذا نظرت إلى العشرة آلاف عالم الذين يعملون لحسابنا، فإن فرصة مشاركة أحدهم في خلق منتج ناجح تكاد تكون معدومة، ولكن تحديد العقار الذي ليس له نصيب من النجاح أكثر أهمية بالنسبة لهم من تحديد العقار الناجح».
لا يمتد الإبداع أجلاً طويلاً على الدوام. فالإبداع بالنسبة لشركة الاستثمار والتطوير السياحي في أبو ظبي، منتظر في إطار زمني محدد، هو عام 2018 على وجه الدقة. ويقول رئيس مجلس إدارتها تابلر لي Lee Tabler الذي كلف بمهمة تطوير مشروع جزيرة السعديات، والتي ينتظر أن تصبح مركز أبو ظبي الثقافي، إن شركته واجهت تحدياً يتمثل في تحسين الأرض غير المبنية التي تبلغ مساحتها 27 كيلومتراً مربعاً وتحويلها إلى منطقة مبنية مستدامة صديقة للبيئة وقابلة للاستمرار من الناحية التجارية. ولكنه واثق من أن كادر الشركة الفاعل، الذي يصل تعداد أفراده إلى 500 شخص من «المهنيين الخلاقين»، الموزعين بين اقتصاديين وكتاب وفنانين ومهندسين معماريين ومسوقين ومصورين ومصممين، قادر على الارتقاء إلى مستوى هذا التمرين الرهيب في الإبداع.
أما جو سعدي، رئيس مجلس إدارة «بوز آند كومباني» Booz & company للاستشارات الإدارية، فيقر أن دورة الإبداع تختلف باختلاف مجال العمل. ويضيف أنه بينما تقف التقنيات خلف كثير من الإبداع في أيامنا هذه، فإن ثمة إبداعاً خارج هذه البارامترات يرتبط بعضها بالمنتجات مثل سيارة تاتا نانو Tata Nano؛ وبعضها يكون إبداعاً مركّزاً كما لدى سلسلة ستاربكس Starbucks حيث القهوة ليست مجرد قهوة، بل نمط حياة؛ وبعضها الآخر ينطوي على إبداع في الآليات والتعهيد الخارجي، الذي يعتبر في حد ذاته طريقة أخرى لإنجاز مهمة من المهام على نحو مختلف تماماً.
ويضيف أن على المنطقة أن تبذل جهداً مركزاً لتعزيز نشاطات الأبحاث والتطوير فيها إن كانت ترغب في رعاية بذرة الإبداع في الشرق الأوسط. وكما صرح لمعرفة Knowldge التابعة لـ «إنسياد» على هامش القمة: «إن الشرق الأوسط متأخر في مجال تمويل الأبحاث والتطوير». تبلغ نسبة تمويل الأبحاث والتطوير في المنطقة، وفقاً لبعض المقاييس، نحو 0.1 في المائة مقارنة بـ 1.5 في المائة عالمياً. إذن فسيترتب على الشركات والحكومات أن تستثمر مستقبلاً في الأبحاث والتطوير بصورة أكبر، أو أن تقدم الحوافز الصحيحة وأطر العمل الحكومية لها».
وهو يحذر من أن الإبداع قد يُخنق أيضاً بفعل ما يدعوه تحديات التنوع والتحديات التعليمية، رغم وجود إجراءات لمعالجتها. ويعتقد أن مؤسسات تعليمية مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ستقطع شوطاً بعيداً باتجاه رعاية بيئة تساعد على الإبداع. «إن لم نبادر إلى تحديثٍ تعليمي، فلن نصل أبداً إلى نصبو إليه».
وتؤيد نجلاء العوضي، نائبة رئيس مجلس إدارة مؤسسة دبي للإعلام، الرأي القائل بقدرة جودة التعليم الفعلية على تعبيد الطريق أمام التفكير المبدع. «(إذا) أردت من الناس أن يبدعوا، فيجب أن يكون الناس قادرين على التفكير بطريقة ناقدة، وهذا مرتبط إلى حد بعيد بنظامنا التعليمي... بذرة الإبداع، إذا أردنا نشرها في مجتمعنا، فيجب أن يبدأ العمل من مؤسساتنا التعليمية».
 وهي تعتقد أيضاً أن قيادة الإمارات المبدعة تُحسِن إدارة تحديات التنوع. وتضيف أنه بالرغم من تمتع الإمارات بنسبة عالية من النساء البرلمانيات، فإن هذا لم يحدث مصادفة، بل كان ثمرة إبداع القيادة.
تجلى الإبداع في قطاع الإعلام، وفقاً لوجهة نظر العوضي، «في تزايد عدد الإماراتيات في هذا المجال، وأعدادهن المتزايدة حقاً في المناصب الرئيسية».
وبالرغم من جميع فضائلها، فإن عملية الإبداع تحتاج إلى التوازن. وهذا واضح بصورة خاصة في الدول النامية التي تتوق إلى الحصول على فرصة لمواكبة التطور.
ويشرح همر: «يحدث أحد أكبر الأخطار عندما تحاول الأمم الصاعدة حديثاً لعب دور رئيسي في الأبحاث والتطوير، لأنها لا تخضع إلى قواعد اللعبة نفسها. ولا سبيل إلى ذلك إلا من خلال تقييم الخبراء العالميين».
«على مجتمع العلوم، كما أعتقد، أن ينظم ذلك (بنفسه). ينجح الأمر إلى حد ما، وإن متأخراً في بعض الأحيان. انظر إلى قضية الاستنساخ في كوريا الجنوبية، التي لاقت ترحيباً في البداية ومن ثم، شيئاً فشيئاً، أدى تقييم الخبراء في الصحف الرئيسية العالمية إلى اكتشاف أنها كانت ملفقة. وأعتقد أن هذا كان بمثابة تحذير أيضاً للصينيين. وأرى أن إحدى مهام المجتمع العلمي في العالم بأسره هي التنظيم الذاتي في ذلك المجال».
بصرف النظر عن الحافز، ثمة قاسم مشترك بين كافة أشكال الإبداع: إن الدورة لا تتوقف أبداً. ويقول همر: «سينظر الناس بعد 50 عاماً إلى طريقة مزاولة مهنة الطب عام 2010 فيرون فيها شيئاً يشبه العصور الوسطى».
ويضيف أن الإبداع يجب أن يكون دائماً أول ما تفكر فيه أي دولة تسعى إلى تطوير نفسها. «فالدولة كالشركة، إذا لم تبدع، فإنها ستتراجع إلى الوراء في نهاية المطاف، لذلك فالإبداع من أجل المجتمع هو السبيل الأوحد نحو التقدم، ولعل ذلك يكتسي أهمية أكبر بالنسبة لمجتمع شاب كالمجتمع الإماراتي».

الأكثر قراءة