رواد أعمال الإنترنت يصنعون ولا يولدون
قلبت الإنترنت نمط حياتنا رأساً على عقب. وأصبح كثير منا يقرأ الأخبار من الإنترنت بدلاً من قراءتها من الصحف، وصار المعجبون يتواصلون مع فرقهم الموسيقية المفضلة على شبكات الموسيقى الاجتماعية بدلاً من محاولة الالتقاء بهم بعد حفلة موسيقية، كما أصبح في وسعنا الحصول على عروض مغرية من متاجر كبرى ونحن مرتاحون في منازلنا.
وأسس كيفن رايان Kevin Ryan، خريج ماجستير إدارة الأعمال دفعة عام 90، ورائد أعمال الإنترنت المدمن، أعمالاً في جميع هذه المجالات وأكثر. ويقول رايان: «يستطيع أي شخص أن يصبح رائد أعمال إنترنت. إن رواد أعمال الإنترنت يصنعون ولا يولدون، لأن الحاجة أم الاختراع. فمثلاً، يؤسس شخص لا يستطيع الحصول على الحذاء الذي ترغب فيه شركة أحذية. إنهم يرون فرصة. وأنا ببساطة أتابع ما يحدث خارج نطاق شبكة الإنترنت، وأرى إن كنت أستطيع القيام به من خلالها».
#2#
لقد بادر رايان، المدير التنفيذي السابق لشركة دبل كليك DoubleClick، محرك الإعلان على الإنترنت، إلى تأسيس شركة أو شركتين سنوياً خلال الأعوام الأربعة الماضية بالاشتراك مع دوايت ميريمان Dwight Merriman، المدير الفني السابق لدبل كليك، الذي عمل بصورة رئيسية في الجانب الفني لهذه الشركات.
وبما أن الإنترنت بيئة غير محدودة، فعوائدها المحتملة ضخمة. هذا إذا اكتسبت المال أصلاً. لقد كان النجاح حليفاً للشركات الست التي أسسها رايان. فما السر إذن؟
يجيب رايان: «ليس ثمة وصفة ناجحة بعينها: كل ما تحتاج إليه هو فكرة جيدة وأشخاص رائعون».
لقد غيرت الإنترنت قواعد اللعبة بأسواقها غير المحدودة وتكاليف تأسيسها المنخفضة. فماذا تحتاج إذن لتصبح رائد أعمال في مجال الإنترنت؟
الخطوة الأولى:
الخروج بفكرة
ابدأ بالمستهلك، كما يشرح رايان. اخلق شيئاً جذاباً يؤمن حاجة من الحاجات أو يحل مشكلة. ويقول: «تتوجه شركة جيلت جروب Gilt Groupe إلى الذين يحبون الأزياء باهظة الثمن التي لا يستطيعون شراءها. ولدى بعض العلامات التجارية مخازن في سان دييغو مليئة ببضائع ترغب في التخلص منها قبل قدوم الموسم الجديد. ليس ما نفعله عملياً إلا الجمع بين هذين الطرفين».
كان الوضع مختلفاً مع شركة جن تن 10Gen. ويقول: «عندما تطلق موقعاً إلكترونياً لشركتك، وتواجه بعد ذلك مشاكل متزايدة، فإن السبب يعود إلى قاعدة البيانات. لقد نجحنا في خلق نوع جديد من قواعد البيانات التي يمكن التحكم في حجمها بسرعة أكبر وبتكاليف أقل».
من جهة أخرى، فشركة شوبويكي Shopwiki التي أسسها عبارة عن محرك بحث للتسوق يمكنه أن يجد أي شيء وكل شيء على الإنترنت. إن كنت، مثلاً، ترغب في معرفة أي متجر يبيع ملصقاً إعلانياً للاعب كرة قدم أوروبي مشهور. يشرح رايان: «لا يُظهر shopping.com لك سوى متجرين. ومن الطبيعي وجود عدد أكبر من المحال التي تبيع هذا الملصق. ويعود هذا لأن shopping.com لا يُظهر سوى المتاجر التي تدفع له مقابل إدراجها. ويوجد، فعلياً، 25 متجراً يبيع هذا الملصق. وهكذا فإن شوبويكي Shopwiki نموذج آخر لشركة تؤمن حاجة مختلفة».
متى يتضح إذن أن فكرة من الأفكار يمكن أن تتحول إلى أعمال ناجحة؟ يجيب رايان: «لا أجري أبحاثاً موسعة إطلاقاً، ولا أنظم جداول. لقد واظبت على متابعة التوجهات على الإنترنت مدة 15 عاماً. ولا أحتاج إلا إلى مجرد الشعور بوجود سوق، وبوجود مستهلكين يرغبون في منتج كهذا. ومن ثم أشمّر عن ساعد الجد».
الخطوة الثانية:
بناء الفريق
إن الفريق الجيد شرط أساسي لنجاح الشركة. بادر رايان عندما أسس جيلت، مثلاً، إلى توظيف أفضل المديرين الذين أثبتوا نجاحهم في مجال التجارة الإلكترونية والأزياء وسلع الرفاهية. كانت خبراتهم متنوعة، ولكنها مناسبة لهذا النوع من الأعمال، وكان أحدهم يكمل الآخر.
يقول رايان: «إن توظيف أشخاص جيدين أمر صعب عندما تؤسس أعمالاً كأعمالي، لأنك يجب أن تقنعهم بالانضمام إلى شيء جديد تماماً».
ويضيف: «يجب أن تقنع الناس بترك وظائفهم، وبكسب مقدار أقل من المال. وكثير من هذا يعتمد على فعالية المدير التنفيذي للشركة وقوة شخصيته وثقته بنفسه. ليس القيام بذلك سهلاً، ولا يستطيع أي شخص فعله».
إن أول من يوظّفه رايان هو المدير الفني ومهندسو الإنترنت «لأن الجوانب التقنية عموماً تستغرق الزمن الأطول عند تأسيس شركة إنترنت».
الخطوة الثالثة:
تنمية الأعمال
يبدأ رايان عادة بمبلغ 500 ألف دولار من مال المؤسسين الخاص، ومن ثم يبني المنتج مع فريق يتراوح عدد أفراده بين خمسة إلى عشرة أشخاص يعملون في المشروع مدة ستة أشهر تقريباً. ويقول: «أشغل خلال ذلك الوقت منصب المدير التنفيذي، وأعيّن بعد ذلك شخصاً آخر لتولي المسؤولية من بعدي. ومع نمو الأعمال، نجمع الأموال من خلال شركات مشاريع مغامرة».
تتباين طبيعة أعمال رايان كثيراً، اعتماداً على نوعها. وتتطلب الميزانية التشغيلية في جيلت مثلاً مبالغ ضخمة للبضائع المعدة للبيع. وتتطلب ذا بزنس إنسايدر Business Insider، وهي مزيج بين مدونة وصحيفة إلكترونية تجمع وتحلل أبرز أخبار الشبكة، رأسمالاً أقل لأنها «لا تتطلب سوى صحفيين يكتبون المحتوى».
كما أن متطلبات قوة العمل تتفاوت أيضاً. ولا يعمل، مثلاً، في جن تن، المشروع المغامر الأحدث لرايان الذي يساعد المطورين على بناء تطبيقات شبكية ذات طبيعة تقنية بحتة، سوى ثمانية موظفين. ولا يعمل في ذا بزنس إنسايدر التي تستقبل نحو 2.5 مليون زائر شهرياً سوى 20 موظفاً، بينما يعمل في جيلت أكثر من 300 شخص.
العائدات
تراوح العائدات، وفقاً لرايان، بين صفر وعشرة ملايين دولار. لقد بدأت جن تن حديثاً بجلب الإيرادات مع أنها تأسست في الفترة نفسها التي تأسست فيها جيلت التي يصل إيرادها حالياً إلى 170 مليون دولار ويتوقع أن يصل إلى 500 مليون دولار في العام المقبل
وتحتاج شركة إنترنت، وفقاً لخبرة رايان، إلى نحو ثلاث أو أربع سنوات كي تتساوى أرباحها مع نفقاتها. «وكثير منها لا ينجح في هذا. وأعتقد أن نصف أعمال الإنترنت لا تتمكن من الوصول إلى هذا الهدف».
ويضيف أن أعمال الإنترنت إما أن تنجح حقاً، وتعود على مؤسسها في هذه الحالة بأكثر من 50 ضعفاً من الأموال التي استثمرها، أو تفشل ليخسر معظم أمواله أو كلها. «لقد كنت محظوظاً لنجاح جميع الشركات الست التي أسستها ولاستمرارها في العمل. لقد بعت إحداها حتى الآن. وعندما أسست الشركات الست، توقعت فشل اثنتين أو ثلاث منها ونجاح اثنتين، ولكن أداءنا أفضل من ذلك حتى الآن».
من الصعب تعريف الربحية، كما يقول رايان. فلدى أمازون Amazon هامش ربح يصل إلى 6 في المائة، بينما يبلغ هذا الهامش لدى إي بيه Ebay نحو 2 أو 3 في المائة. فشركات الإنترنت تختلف كثيراً فيما بينها. وفي نهاية المطاف، فإن ما تجريه هو مقارنة بين أعمال بيع بالتجزئة لكنها على الإنترنت.
سلاح ذو حدين
إن أفضل ميزة يتمتع بها بنـــاء أعمــال على الإنتــرنت هــو إمكانية توسيعه بسهولة من دون حاجة إلى كثير من رأس المال. وأما الجانب السلبي فهــــو عــــدم حـاجته إلى رأسمــــال ضخــــم ما يجعـــل أي شخـــــص قـــادراً على ممارسته.
يقول رايان: «إن المنافسة حامية الوطيس. كان الجميع، قبل عامين، يفكر في تأسيس أعمال على الإنترنت. وأنا سنوياً أتنافس مع مئات من رواد الأعمال الأذكياء الذين يأتون بأفكار. ولا يمكنهم العمل في مجال التقنية الحيوية أو التقنية النظيفة، لأن تلك الشركات تتطلب رأسمالاً هائلاً».
هل يحصل رايان على ميزة بفضل سجل إنجازاته الرائعة؟ يجيب: «لا، خذ مثلاً أكبر عشر شركات إنترنت، مثل جوجل Google وياهو Yahoo وأمازون وسي نت CNET وحتى دبل كليك. لم يتأسس أي منها على يد شخص ذي إنجازات سابقة ممتازة».