أهي مجرد تمثيلية؟

أهي مجرد تمثيلية؟

كانت البداية بائسة لما تم وصفه بأنه استئناف متفائل لمحادثات السلام، وإن بصورة غير مباشرة، بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحت رعاية وسطاء أمريكيين. فلم يكد نائب الرئيس الأمريكي، جو بيدن، يبدأ زيارته لإسرائيل للتبشير بعهد جديد من المصالحة وحسن النية حتى تم الإعلان عن أنه سيتم بناء 1600 منزل للمستوطنين اليهود على الحافة الشرقية للقدس التي ضمتها إسرائيل التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمتهم المستقبلية. واتحد الفلسطينيون في غضبهم. ووصف صناع السلام في الخارج هذه الخطوة بأنها أسوأ نذير. ''ودان'' بيدن بحدة هذه الخطوة واصفا إياها بأنها ''إحدى الخطوات التي تقوض الثقة التي نحتاج إليها الآن''. وسمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان يبدو مرتبكا، لمساعديه أن يزعموا بصورة خرقاء أنه لم يكن على علم بالقرار. وفي اليوم التالي اعتذر وزير الخارجية، معترفا بأن التوقيت غير مناسب، لكنه قال إن الإعلان مجرد خطوة ''روتينية فنية''. وبالطبع زاد كل هذا الشكوك حول جولة المحادثات الجديدة الموعودة.
ولا تزال نوايا نتنياهو غامضة, فلا يزال تقبله فكرة تعايش إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب، الذي أعلنه في خطاب في جامعة بار إيلان في حزيران (يونيو) الماضي، محاطا بشروط توحي، في نظر الكثيرين، أنها مجرد خدعة تكتيكية, وليست محاولة للتوصل إلى صفقة دائمة. وعلى الرغم من أنه شعر بالحرج من نوايا وزارة الداخلية المعلنة لبناء منازل يهودية في القدس الشرقية، إلا أنه لم يفعل شيئا لإلغاء القرار أو توبيخ الوزير. ولم يبذل أيضا جهدا جديا لكبح عمدة القدس المتحمس، Nit Barkat، الذي يشجع المستوطنات اليهودية في المناطق التي كان يسكنها الفلسطينيون سابقا.
ومن غير الواضح ما إذا كانت محادثات ''التقريب'' ستختلف كثيرا عن الجهود التي بذلها أخيرا المبعوث الأمريكي، جورج ميتشل، الذي يقوم برحلات مكوكية بين الطرفين منذ أكثر من عام. وسيتم عقد الاجتماعات الآن بين كل من الطرفين والأمريكيين، كل منها على حدة، لكن ليس بصورة مباشرة بعدُ بين الطرفين. ويلمح بعض الإسرائيليين إلى أن المفاوضات قد تحدث في المبنى نفسه, لكن في غرف مختلفة. والأسوأ بالنسبة إلى الفلسطينيين هو أن نتنياهو انتزع، كما يبدو، تأكيدا من الأمريكيين (قبل الإحراج الذي تعرض له بيدن) بأن التنازلات التي قدمها سلفه، إيهود أولمرت، للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لن تكون نقطة انطلاق المفاوضات الجديدة. وبدلا من ذلك، سيعود الطرفان إلى ''خريطة الطريق'' القديمة التي وضعها جورج بوش قبل سبع سنوات. وقد وافقت عليها إسرائيل في ذلك الوقت، برئاسة أرييل شارون، بشكل عام لكن مع قائمة طويلة من التحفظات. ويحث الرئيس شمعون بيريز، رئيس الوزراء السابق، نتنياهو على أن يكون مرنا، وأن يتخلى، كدلالة على جديته، عن بعض شركائه المتشددين في التحالف ويجلب حزب كاديما من الوسط إلى الحكومة. ويقود حزب كاديما وزيرة الخارجية السابقة، تسبيي ليفني، التي أحرزت تقدما متواضعا في المحادثات السابقة مع الفلسطينيين. وقد يحدث هذا. لكن لا يتوقع أحد تقريبا إحراز أي تقدم إذا لم يحدث. من جانبه، يخشى عباس أن يكون نتنياهو غير راغب في ذلك وألا يكون لدى الأمريكيين النفوذ الكافي لتحقيق حل الدولتين. ويدرك الزعيم الفلسطيني مدى ضعفه. وكان أول طلب له هو أن توقف إسرائيل بناء المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية. لكنه ربما يعتقد بينه وبين نفسه بأن التفاوض على حدود جديدة سيكون أكثر إنتاجية باعتبار ذلك خطوة أولية. وهو يأمل أن تفكر إسرائيل بتحفيز من أمريكا، حتى تحت رئاسة نتنياهو، في الانسحاب إلى حدود 1967، طالما أن تبادل الأراضي يترك الجزء الأكبر من المستوطنين الإسرائيليين في منازلهم داخل الحدود المعدلة.
وحين تحدث الطرفان معا في آخر مرة بصفة رسمية، اقترح عباس مقايضة 1.9 في المائة من الضفة الغربية بمساحات مماثلة من إسرائيل، في حين عرض سلف نتنياهو، إيهود أولمرت، 6.5 في المائة (واقترح لاحقا نسبة أقل). ويتطلع الفلسطينيون إلى ميتشل كي يجرب حظه في تضييق الفجوة، الأمر الذي قد يعطي الزخم للمفاوضات الأوسع نطاقا. ولإقناع الإسرائيليين، قد يكون عباس أكثر وضوحا مع شعبه فيما يتعلق باستعداده لمقايضة الأراضي. وإذا كان نتنياهو يريد إيجاد حسن النية، يمكنه أيضا منح السلطة الفلسطينية برئاسة عباس سلطة أكبر في نسبة الـ 60 في المائة من الضفة الغربية التي لا تزال تحت سيطرة إسرائيل. ويمكنه السماح للفلسطينيين بالبدء بمزيد من المشاريع هناك ووقف الهدم الإسرائيلي للمنازل الفلسطينية. ويمكنه تقليل عدد الغارات العسكرية الإسرائيلية والتوغل داخل مدن الضفة الغربية التابعة للفلسطينيين والسماح لمزيد من سكان الضفة الغربية من الفلسطينيين بزيارة المقدسات الإسلامية في القدس. وإذا كانت محادثات التقريب لا تؤدي إلا إلى إطالة زمن المأزق، سينخفض مخزون أمريكا ـ وباراك أوباما ـ في المنطقة بصورة أكبر. وسيزيد انعدام الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد يثير هذا انتفاضة أخرى مثل تلك التي اندلعت بعد فشل محادثات كامب ديفيد عام 2000. ويقول أحد المفاوضين الفلسطينيين بمرارة: ''الأمر أشبه بنكتة, فنحن في مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين منذ 17 عاما، وكل ما استطعنا الاتفاق عليه هو عدم الالتقاء بصفة رسمية''.
وبناء على اقتراح الجامعة العربية التي تضم 22 دولة، والتي أيدت بصورة متشائمة خطة التقريب في اجتماع في القاهرة، ستدوم المحادثات أربعة أشهر فقط. وإذا توقفت، يقول بعض الدبلوماسيين العرب إن الجامعة قد تسحب عرضها لعام 2002 بقبول سلام شامل مع إسرائيل مقابل انسحابها إلى حدود 1967. ويقول العرب إنهم قد يتراجعون عن تأييدهم للمحادثات. وشعرت حماس، الجماعة الإسلامية الفلسطينية التي ترفض رسميا قبول وجود إسرائيل، بالسعادة بسبب إحراج بيدن

الأكثر قراءة