خبراء: المصرفية «الاستثمارية» الإسلامية تحتضر .. ولا بد من نموذج جديد
أكد مصرفيون لـ «الاقتصادية» أن ما يُعرف بنموذج المصرفية «الاستثمارية» الإسلامية Investment Banking قد بدأ يعاني ودخل مرحلة الاحتضار في الخليج، مشيرين إلى أن نموذج عملهم أصبح «غير قابل للدوام»، وأن أسواق القروض والدخل الثابت ستظل بصورة كبيرة مغلقة في وجوههم إلى حين يحَسِّن القطاع من شفافيته ويعمل على تطوير نموذج عملي جديد.
واستشهد المراقبون بالخسائر التي سجلتها البنوك الاستثمارية الإسلامية في الآونة الأخيرة كبنك أركابيتا، وبيت التمويل الخليجي الذي منحته صحيفة «ذا ناشونال» الإماراتية، لقب أكبر مؤسسة تسجل خسائر ربعية عالية على مستوى الخليج. مع العلم أن خسائره عن سنة كاملة بلغت 728 مليون دولار. وتأتي تلك التعليقات في ظل تواتر التقارير عن تأثر أرباح 17 مصرفا إسلاميا مدرجا في الأسواق الخليجية، وذلك بحسب مذكرة بحثية أعدتها شركة بيت الاستثمار العالمي «جلوبل» الكويتية، وكشفت المصادر ذاتها أن هذه البنوك الاستثمارية بدأت في الاتجاه نحو الاستعانة بنموذج مصرفية «التجزئة» من أجل تخفيف ضغط السيولة.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
أكد مصرفيون لـ «الاقتصادية» أن ما يعرف بنموذج المصرفية «الاستثمارية» الإسلامية Investment Banking قد بدأ يعاني ودخل مرحلة الاحتضار في الخليج، مشيرين إلى أن أنموذج عملهم أصبح «غير قابل للدوام»، وأن أسواق القروض والدخل الثابت ستظل بصورة كبيرة مغلقة في وجههم إلى حين أن يحَسِّن القطاع من شفافيته ويعمل على تطوير نموذج عملي جديد.
واستشهد المراقبون بالخسائر التي سجلتها البنوك الاستثمارية الإسلامية في الآونة الأخيرة كبنك أركابيتا، وبيت التمويل الخليجي الذي منحته صحيفة «ذا ناشونال» الإماراتية، لقب «أكبر مؤسسة» تسجل خسائر ربعية عالية على مستوى الخليج. مع العلم أن خسائره عن سنة كاملة بلغت 728 مليون دولار. وتأتي تلك التعليقات في ظل تواتر التقارير عن تأثر أرباح 17 مصرفا إسلاميا مدرجا في الأسواق الخليجية، وذلك بحسب مذكرة بحثية أعدتها شركة بيت الاستثمار العالمي «جلوبل» الكويتية، وكشفت المصادر ذاتها أن هذه البنوك الاستثمارية قد بدأت في الاتجاه نحو الاستعانة بنموذج مصرفية «التجزئة» من أجل تخفيف ضغط السيولة. حيث تعتمد مصرفية التجزئة على ودائع العملاء لتمويل محفظة قروضها.
وقال جون ساندويك، مستشار إدارة الأصول والثروات الإسلامية في شركة John A Sandwick إن «نموذج المصرفية «الاستثمارية» الإسلامية في حالة احتضار، وزاد «لكن هذا لا يعني أننا لم نشعر بأن هذا هو الذي سيحدث. أي شخص كان ينظر بعمق في بيانات الدخل المقدمة من البنوك الاستثمارية الإسلامية الكبيرة في الخليج كان بإمكانه أن يعلم منذ سنوات أنها كانت تعمل من خلال نماذج غير قابلة للاستدامة»، وأيده في ذلك سليمان سوراني، كبير المحللين لدى بنك SICO الاستثماري.
حيث قال: «إنني أتفق معك حول أن (نموذج المصرفية الاستثمارية الإسلامية) أصبح غير قابل للدوام والاستمرار في ظل هذه الأوقات العصيبة. والواقع أن التطور السلبي على مدى السنتين السابقتين جعل نموذج المصرفية الاستثمارية المعروف غير عملي، وذلك بالنظر إلى الهبوط الحاد في نشاط الأسواق الرأسمالية، من قبيل عمليات الاندماج والاستحواذ، والخدمات الاستشارية، والاكتتابات العامة الأولية وما إلى ذلك. الشركات التي من قبيل بيت التمويل الخليجي وبنك إثمار في البحرين سيتعين عليها الآن أن تعيد ابتكار طريقة عملها من أجل البقاء على قيد الحياة في هذه الأوقات العسيرة».
ودائع العملاء
من المتعارف عليه أن بنوك التجزئة تعتمد على ودائع عملائها لتمويل محفظة قروضها والاستفادة من الفائدة التي تجنيها من هذه العمليات كربح صاف لها. وعلى العكس من ذلك، يعتمد نموذج الصيرفة الاستثمارية على سوق الجملة Wholesale Market لتمويل عملياته. إلا أن هذه السوق تعتمد على عمليات تجارية مع البنوك وليس الأفراد. ما يعني أن هذه البنوك الاستثمارية معرضة لضغط في سيولتها مقارنة ببنوك التجزئة.
وبسبب ذلك، تحاول بعض البنوك الاستثمارية في الخليج إنشاء بنوك تجزئة تابعة لها من أجل تخفيض ضغط السيولة. حيث يمكن للبيوت الاستثمارية أن تحول نفسها إلى بنوك للتجزئة تمتلك موارد مستقرة للتمويل، من خلال ودائع العملاء. مثلاً يعمل بنك إثمار في الوقت الحالي بصورة نشطة ليحول نفسه إلى أحد بنوك التجزئة من اندماجه مع بنك شامل، وهو بنك التجزئة الإسلامي المملوك له بالكامل. لكن هذه السبيل مفتوحة فقط أمام البنوك التي تسهم في ملكية بنوك التجزئة، على اعتبار أن البنوك الأخرى لا يرجح لها أن تجمع الأموال اللازمة لعمليات الاستحواذ أو إنشاء بنوك تجزئة جديدة في سوق تنافسية.
انكشاف السعوديين على بنوك «الأفشور»
بيت التمويل الخليجي، شأنه شأن بنوك «الأفشور» الأخرى في البحرين وهي البنوك المعفاة من الضرائب، أصيب بأضرار كبيرة بسبب انتهاء طفرة العقارات في المنطقة، التي بدأت بانفجار الفقاعة في دبي في عام 2008، وتعتمد بيوت الاستثمار «الأفشور» في البحرين على ترتيب عمليات التمويل للمشاريع العقارية وصفقات الأسهم الخاصة.
وكانت بيوت الاستثمار الكويتية هي الضحايا الأولى في منطقة الخليج للأزمة المالية العالمية، حيث أصيب بعضها بالإعسار على بعض سنداتها في عام 2008، لكن الأثر التام للأزمة في بلدان الخليج الأخرى لم يظهر إلا بصورة بطيئة في منطقة لا يوجد فيها قدر يذكر من الشفافية لدى الشركات.
بنوك «الأفشور» الاستثمارية في البحرين كانت في الغالب تجمع الأموال من الشركات العائلية ومن الأشخاص من ذوي الثروات الطائلة في بلدان الخليج العربي، خصوصاً في المملكة، التي يسافر إليها المسوقون الاستثماريون عبر الجسر الذي يربط البحرين بالسعودية. وليس من المستغرب تحقيق هؤلاء السعوديين خسائر كبيرة في محافظهم من جراء انكشافهم على البنوك الاستثمارية البحرينية.
وبحسب «رويترز»، فقد أنشأت بنوك «الأفشور» والبيوت الاستثمارية في البحرين موجودات تزيد قيمتها على 150 مليار دولار، من خلال التعامل وتقديم الخدمات إلى السعودية الغنية بالنفط، وإلى أماكن أخرى في المنطقة.
إنقاذ القطاع
البحرين من البلدان الصغيرة المنتجة للنفط، وتعتبر بصورة عامة لا تتمتع بالموارد اللازمة لجلب الأموال إلى داخل قطاعها البنكي الأفشور. وقد نُقل عن رشيد المراج محافظ مصرف البحرين المركزي في أيلول (سبتمبر) قوله إن المصرف المركزي ليس لديه استعداد لإنقاذ القطاع، وقال إن المساهمين هم المسؤولون عن مساندة البنوك. وقد لا تكون عمليات الاندماج والاستحواذ سبيلا لخروج بنوك الاستثمار الإسلامية من أزمتها، على اعتبار أنه يُنظَر إلى كثير من البنوك على أنها امتداد لمجموعات من عائلات الأعمال التي يملكها مؤسسوها، الذين يعتبرون أنهم يكتسبون الهيبة والمكانة حين يمتلكون بنوكهم الخاصة بهم.
استئمان البنوك على أموال الناس
يقول ساندويك في مقابلته الهاتفية مع «الاقتصادية»: «البنوك التي تصدر سندات عامة لا بد لها من الحصول على تقدير لجدارتها الائتمانية، وأن يتم ذلك بصورة منتظمة ومنهجية. لقد رأينا أحد البنوك الكبيرة وهو يطلب من وكالة التقييم سحب جميع تقييماتها. وقد فعل البنك ذلك بعد أن شاهد مرتباته الائتمانية وهي تهوي من BBB+ إلى BB ومن ثم إلى B-. هذا أمر مؤسف.
بعدها شن ساندويك، الذي يعمل على إصدار صكوك لجهة سعودية، شن انتقادا لاذعا على البنوك الخليجية التي يستأمنها الناس على أموالهم، والتي تقوم بسحب وإلغاء تصنيفاتها بعد أن تنحدر جدارتها الائتمانية. حيث يقول: من الواضح أن البنك (الذي يسحب تصنيفه) يفعل ذلك لحماية مصلحته الذاتية، وهذا تصرف يفتقر إلى الأمانة والصدق. حين نتعامل مع أموال الناس فإن كل بنك من البنوك جميعاً في حاجة إلى تقييم جدارته الائتمانية. إن المودعين في حاجة إلى علامات ودلائل لترشدهم إلى واقع حال هذه البنوك حين تعاني من متاعب. وينبغي أن تظل التقييمات دائماً خط الدفاع الأول المتاح للعامة في سبيل حماية أنفسهم من البنوك المدارة بطريقة سيئة».
ضلوع الإعلام
أشار ساندويك، الذي تستعين البنوك الإسلامية بخدماته الاستشارية، إلى أن الإعلام يتحمل جزءا من المسؤولية. حيث يقول: «فقد أعطت مكانة «السوبرمان» لكثير من الأسماء الكبيرة في المصرفية الاستثمارية الإسلامية، جوائز مثل «المصرفي الإسلامي للعام». واليوم نحن نشهد المدى الأجوف لما كانت عليه البنوك التي أعطيت الجوائز بسببها. في إشارة من المصرفي الأمريكي لدور الإعلام في نشر صورة «براقة» عن بعض الشخصيات المصرفية، الأمر الذي أسهم في اجتذاب أموال الأثرياء الخليجيين حولهم».
الأزمة العالمية تكتسح نموذج عملها
بيوت الاستثمار «الأفشور» في البحرين حصدت الأموال أثناء طفرة النفط التي دامت خمس سنوات، لكن أثر الأزمة المالية العالمية على منطقة الخليج العربي اكتسح الأنموذج العملي الذي كان يعتمد على تحصيل الرسوم من عمليات جمع الأموال لتنفيذ المشاريع العقارية ومشاريع الأسهم الخاصة.
انفجرت فقاعة قطاع العقارات في دبي في أواخر عام 2008، حيث هبطت الأسعار بصورة حادة في الإمارة، ما أدى إلى تقييد النمو في الأسواق الأخرى في المنطقة، بما في ذلك البحرين.
ومع تراجع أسعار النفط تمسك المستثمرون بأموالهم خلال معظم عام 2009، ما أدى إلى انهيار سوق عمليات الطرح للمشاريع العقارية في المنطقة، حيث يعتمد أنموذج المصرفية الاستثمارية على ضمان وتنظيم عمليات الاكتتاب التي تتم في المنطقة.
لا تزال السيولة وفيرة في المنطقة، لكن بيوت الاستثمار في حاجة إلى العثور على المنتجات المناسبة وقنوات التوزيع اللازمة للاستفادة من هذه السيولة.
وقال الخبراء إن منتجات إدارة الموجودات الإسلامية تمتلك إمكانيات قوية، لكن الصناعة كانت تعرض حتى الآن منتجات تتعلق بالعقارات والأسهم الخاصة، وتفتقر إلى مكونات الدخل الثابت المهمة، والتي تعد أساسية في منتجات إدارة الموجودات التقليدية.
كذلك يُنظَر إلى المملكة على أنها السوق الوحيدة التي توجد فيها عمليات مصرفية للتجزئة، والتي يمكن من خلالها توزيع منتجات المصرفية الاستثمارية.
جفاف السيولة
وعن جفاف السيولة الذي تعاني منه البنوك الاستثمارية بقيادة بيت التمويل الخليجي، يقول محمد دمق المحلل في مؤسسة ستاندارد آند بورز: «نعتقد أن مشكلات السيولة التي تحدثتَ عنها لا علاقة لها بالطابع الإسلامي لهذه المؤسسات. على سبيل المثال فإن بيت الاستثمار العالمي، وهو عبارة عن بنك تقليدي، أصيب هو كذلك بالتعثر من حيث تسديد الالتزامات المترتبة عليه. هناك بنوك استثمارية تقليدية أخرى في منطقة الخليج العربي تواجه قدراً كبيراً من الضغط على سيولتها في الفترة الماضية (مثال آخر هو إنفِستكورب).
وواصل: «الصعوبات التي تعانيها هذه المؤسسات تنبع من الحقيقة القائلة إن وضعها التمويلي قصير الأجل وقائم على تعاملات الجملة (بمعنى أن التمويل لا يتم من خلال ودائع زبائن التجزئة)، في حين أن موجوداتها لديها تواريخ استحقاق طويلة وهي في العادة غير سائلة. ومع وقوع الأزمة العالمية الاقتصادية والمالية، وجدت هذه المؤسسات أنفسها في وضع جعل من الصعب عليها إعادة تمويل الديون أو إعادة الحصول على الأموال، حيث إنها بلغت تاريخ الاستحقاق ومن الصعب أن تخرج من بعض الاستثمارات في سبيل تحرير بعض السيولة، وذلك بسبب جفاف السيولة في السوق وبسبب تراجع قيم الموجودات. كما أن وضعية التمويل بالنسبة لبنوك التجزئة في منطقة الخليج العربي تتألف في معظمها من ودائع الزبائن (سواء زبائن التجزئة أو الجملة)، وهذه الودائع رغم أنها بطبيعتها قصيرة الأجل إلا أنها تستمر في الترحيل والتجدد من فترة إلى أخرى. بصورة إجمالية، نعتقد أن البنك الذي يتم تمويله من خلال ودائع الزبائن يتعرض لخطر أقل من حيث التمويل والسيولة مما عليه الحال في البنك الاستثماري، الذي يتم تمويله في العادة عن طريق ودائع الجملة».
في حين يرى ساندويك أنه بصورة خاصة كانت هذه البنوك تكاد تعتمد في كامل دخلها على الإيرادات المتحصلة من بيع الموجودات وليس من إدارة الموجودات القائمة. حيث يقول: «في البداية كانت تعلب الصفقات وتبيعها للمستثمرين الأثرياء الذين كانوا راغبين بشدة في الدخول بقوة في مشاريع الأسهم الخاصة Private Equity . البنوك الاستثمارية الإسلامية كانت تنمو بسرعة تفوق الحد إلى درجة أنها لم تكن تنتظر وتصبر حتى تأتي أموال المستثمرين في الأسهم الخاصة. إضافة إلى ذلك فإن المستثمرين الخاصين أنفسهم أبطأوا من استثماراتهم في البنوك الاستثمارية الإسلامية. وهذا أمر يمكن رؤيته بمنتهى الوضوح في الميزانيات العمومية للشركات الكبيرة، حيث حلت القروض بين البنوك وإصدارات الصكوك محل العملاء الخاصين كمصدر للأموال الجديدة».
وعن مقارنة ما آل إليه حال المصرفية الاستثمارية مع مصرفية التجزئة، يقول ساندويك: «لكن لحسن الحظ لم يكن الضياع مصير كل شيء. صناعة المصرفية الإسلامية للتجزئة تسير سيراً حسناً، ورغم بعض الخسائر فإننا لا نشهد فيها ولو من بعيد مقادير الخسائر الهائلة التي شهدتها البنوك الاستثمارية الإسلامية. البنوك التجارية الإسلامية التي حاولت دخول المصرفية الاستثمارية الإسلامية أصبحت تفهم الآن مدى خطورة وأذى نموذج الأسهم الخاصة بالفعل».
ويرى ساندويك أن المصرفية الاستثمارية الإسلامية ستتعلم بشكل قاس درس إدارة مخاطرها، حيث يقول: «الفن الحقيقي للأعمال المصرفية هو إدارة المخاطر. تشتمل إدارة المخاطر على فهم جميع السيناريوهات، والاستعداد لها. ومن الواضح أن البنوك الاستثمارية الإسلامية الكبيرة أُخِذت على حين غرة، بعد أن جف منها المال، في وقت لم تعد تجد فيه مكاناً لاقتراض أموال إضافية».