نبحث عن تحقيق رؤية النمو المدفوع بالمعرفة في الإمارات
يعزى الفضل في الرخاء والانسجام والتنمية الحديثة التي تميز الإمارات هذه الأيام إلى رؤية الشيخ زايد، هل تعتقدون أن رؤيته وإصراره على قيم العمل الجاد والتعليم ما زالت تؤثر في أبناء الإمارات من البالغين؟ وكيف تضمنون تناقل هذه القيم؟
ـ بالتأكيد، ما زالت رؤية الشيخ زايد والقيم التي غرسها تؤثر فينا هذه الأيام. فقد كان يؤمن بالإنسان، وبأننا نعيش في عالم يساعد فيه الجميع بعضهم البعض من أجل المصلحة العامة. فعلى سبيل المثال، عندما ترأس الحكومة وأصبح رئيساً للدولة، بدأ يعمل على حماية البيئة: من حيث حظر قطع الأشجار والنباتات، وفرض قيود على الصيد وعلى شركات صيد الأسماك التي كانت تريد أن تصيد الأسماك في مياهنا. إذن، هذا يدل على أنه كان حريصاً على حماية البيئة والحياة البرية, ولذلك غني عن البيان أنه كان يولي الإنسان رعايته.
وكان يؤمن أيضاً أيماناً قوياً بالتعليم، واعتاد زيارة كثير من المدارس والمؤسسات التعليمية. وفي سالف الأيام، كانت الأسر تنظر إلى أبنائها كمصدر للاستثمار لمساعدتهم في الزراعة، وصيد الأسماك وما إلى ذلك. ولذلك وفي سبيل تشجيع الأسر، وخاصة في المناطق الريفية، على إرسال أبنائها إلى المدارس، كان رحمه الله يقدم لها الحوافز مثل صرف المرتبات والملابس والأغذية إلى أن بدأ الناس يدركون أهمية التعليم.وأنا أتذكر من تجربتي الشخصية أنني كنت أطلب منه باستمرار أن أرافقه إلى الأماكن التي يذهب إليها. كنت صغيراً جداً وكان يقول لي: عندما تتعلم تلاوة القرآن الكريم (وهي الطريقة التي كان يتعلم بها الناس في ذلك الوقت) تستطيع أن تأتي معي. لذلك، أكملت قراءة القرآن وقلت له: أريد أن أذهب معك. فقال: عندما تكتب لي خطاباً تستطيع أن ترافقني. إن هذا يعطيك انطباعاً عن مدى أهمية التعليم بالنسبة إليه. لم يفعل هذا معي فقط، بل مع كل من كان حوله من أجل تشجيعهم على التعليم. وكان يقول إن أفضل استثمار لأي بلد هو الاستثمار في رأس المال البشري، وهو الاستثمار الذي لا تنخفض قيمته.
لقد كان مدرسة بالنسبة إلينا جميعاً. كان يقود بالنزاهة والشرف ورعاية الآخرين. وعندما كان يسمع بوقوع كارثة، كان أول المبادرين لتقديم العون والمساعدات حيثما كانت. لم يكن يفرق بين الجنسين أبداً. وكانت الشيخة فاطمة بنت مبارك تقف إلى جانبه دائماً، وقد دعما قضية المرأة معاً. إننا فخورون لعدم وجود أحكام وأنظمة في الإمارات تميز بين الجنسين، وإن جميع الفرص لدينا متاحة للذكور والإناث على حد سواء. ولذلك، فإنه ما زال يعيش معنا، بمعنى أننا ما زلنا نحاول الاستمرار في عمل الأشياء التي نعرف أنه كان يحبها. لقد كان بالنسبة إلينا معلماً وأبا البلد، وراعياً، وكانت لديه قيادة قوية كانت تجعل الأشياء تحدث، إضافة إلى كونه ذا رؤية.
وهنا يحضرني مثال بسيط. فعندما تولى الشيخ زايد منصبه، كانت أبو ظبي بلدة صغيرة، وكانت الشوارع الرئيسة الموجودة هذه الأيام ذات مسربين. وقد تأكد رغم إنشاء مسربين أن هناك حيزاً يمتد من المسربين إلى المباني بمسافة تزيد على 200 متر على كل جانب. وأتذكر أننا كنا نمشي على الرمل لكي نصل إلى المباني البعيدة. والآن، فإننا ندرك مدى بعد نظره، ولولا بعد النظر ذلك لما تمكنت أبو ظبي من توسعة الشوارع. وقد امتد بعد نظره إلى الكثير من المجالات الأخرى، ومنها السياسة والاقتصاد. وعلى سبيل المثال، كان يذهب إلى البنوك لإعطاء الضمانات للناس لكي يقوموا بالبناء.
وإذا كنت تتذكر، خلال الكساد العظيم، كانت العاصمة موجودة، وكانت الصناعة موجودة لكن شيئاً لم يتحرك. وبدأ روزفلت في حينه بجعل الناس تحرك الأرض من مكان لآخر لا لشيء إلا لخلق النشاط. وقد حاول زايد أن يعمل الشيء نفسه. كان يريد أن يعمل الناس من تلقاء أنفسهم، أن يقوموا بالعمل الزراعي وأن يستصلحوا الأراضي، وأن يشتروا السيارات الخاصة بهم، وقد أوصلنا هذا إلى ما نحن عليه اليوم. ولذلك فإنها قفزة عظيمة للأجيال.
وأفكر في التعليم كذلك، فما زلنا نعيش بمقاييسه ومبادئه وننقلها إلى أبنائنا. وعندما تبني أساساً قوياً، فإن هذه القيم تظل موجودة وتنتقل إلى جيل جديد.
في المضي قدماً، في اعتقادكم ما أهم الأولويات والتحديات للنظام التعليمي في سبيل تمكين مواطني الإمارات من المشاركة في الاقتصاد الجديد للبلاد والاقتصاد العالمي؟
ينبغي أن يتغير التعليم الآن. فمنذ زمن أرسطو ونحن معتادون أسلوب التعليم الذي يقوم فيه الأستاذ بإخبارك عن الموضوع وعليك أن تحفظه لكي تنجح في الامتحان. والآن بسبب التغيرات السريعة على صعيد التكنولوجيا والعولمة، فإن العالم يصبح أصغر وهناك احتياجات مختلفة. ولا نستطيع أن ندرس الطلبة موضوعاً واحدا. وأفضل نظام في رأيي هو الذي يتعلم فيه الطلبة مواضيع عديدة في آن واحد, وذلك لإعطائهم الأساس الذي يمكنهم من مواصلة تعليمهم إذا رغبوا في التخصص.
ونريد أيضاً أن نغرس التعليم المستقل، وأن نجعلهم يشعرون أنه مسؤوليتهم ولا ينبغي أن نطعمهم بالملعقة. وفي الحقيقة، إذا نظرت إلى معنى كلمة تعليم باللغة اللاتينية، فإن معناها الاستخلاص. دعهم يناقشوا ويجادلوا ويتعلموا من خلال أساليب كدراسات الحالات. وينبغي ألا يكون هناك احتكار للتفكير في أي شيء. الماضي جميل وبطبيعة الحال ينبغي أن نتعلم عن الماضي، ولكن لا يوجد حدثان متطابقان تماماً. لقد تغيرت الظروف، وكما قال آينشتاين ذات مرة فإن مجموع واحد وواحد ليس اثنين بل اثنان زائداً الزمن.
إن من أسوأ الأمور بالنسبة لأي تعليم هو أن تدخل مخافة الله في ارتكاب خطأ. إن هذا لا يعمل إلا على إعاقة الرؤية وروح الإبداع والابتكار وينتج (روبوطات) تحفظ عن ظهر قلب لكنها ليست من المبتكرين الذين لديهم الثقة والقدرة على العمل كفريق وعلى القيادة.
وينبغي علينا اليوم أيضاً أن نغرس فكرة أنه بغض النظر عن قوة إيمانك، يتعين عليك أن تصغي للآخرين لأن الآخرين كذلك لهم الحق في أن تكون لديهم وجهات نظر مختلفة. من الجميل أن تكون لديك معتقدات ومبادئ، ولكن من المهم أيضاً أن يحترم كل منا آراء الآخرين المختلفة.
باعتبارها كلية عالمية للأعمال لديها حضور متزايد في أبو ظبي والمنطقة، فإن إنسياد ملتزمة بقيم التنوع وتعدد الثقافات. كيف ترون دورنا واسهامنا في نمو واستراتيجية الإمارات والمنطقة؟
ـ إننا محظوظون بوجود إنسياد وغيرها من المؤسسات الشهيرة التي لها سجل ثابت في الإمارات. إن هذا يزودنا بموارد بشرية هائلة في مختلف المجالات، ممن يستطيعون بخبرتهم أن يسهموا في تقدم المعرفة ليس بالنسبة للإمارات ولكن بالنسبة للمنطقة. وستصبح الإمارات العربية المتحدة مركز التعليم وفي نهاية المطاف مركز البحث. وهذا أحد الدوافع الرئيسة للشيخ محمد بن زايد الذي يؤمن إيماناً قوياً بالبحث.
إنه مما يعود بالنفع على الجميع أن نوجد مجتمعاً يقوم على المعرفة, لأن هذا هو السبيل الوحيد للمنافسة في العالم. لا يمكنك أن تنافس بالثروة والموارد الطبيعية وحدها. إن المعرفة تمكنك من المحافظة على مواردك، وحمايتها واستخدامها، وعلى المضي قدماً في عالم معولم ومتغير. وفي اعتقادي أيضاً أن من المهم أن يتم العمل معا مع الجامعات المحلية. إن إيجاد التعاون بين المؤسسات لكي نعمل معا، سيمكننا من تجنب الازدواجية. وهناك جهود تبذل حالياً لتسهيل تبادل المعلومات. إن هذا الشكل الجديد من أشكال التعاون صحي وممتاز لأنه يمكننا من استخدام الموارد على نحو أفضل وستكون النتيجة أقوى بكثير. وسيعمل هذا بدوره على تقدم مسار المعرفة. الشيخ نهيان مبارك آل نهيان هو وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الإمارات. وهو أيضا مستشار لمؤسسات التعليم الثلاث التي تحظى برعاية حكومية في الإمارات، وهي جامعة الإمارات التي تأسست عام 1976 وكليات التكنولوجيا العالية التي تأسست عام 1988، ورئيس للمؤسسة الثالثة وهي جامعة زايد التي تأسست عام 1998.