كيف يؤثر التنويع في مواقع العمل في البنيات الرئيسية؟
إن التنويع كمحرك رئيسي للاقتصاد العالمي في أيامنا هذه، سواء كان نابعاً من ثقافة ذكورية - أنثوية، أو كان متعدد الثقافات، يزداد تأثيراً في تكوين القوى العاملة، وكذلك في إظهار تركيب المجتمع على النطاق الواسع. ولكن في ظل زيادة معدلات البطالة بسبب الأزمة الاقتصادية، فإن أهداف الشركات المتعلقة بالتنويع في العالم المتقدم، على الأقل، تعيش وضعاً كارثياً، إذ إن القوى العاملة تظل دون حوافز محركة، كما أنها تبقى مضللة، وجاهزة للقفز في اتجاه أي مجال عمل جديد. فكيف يمكن للشركات تعديل أوضاعها تبعاً لذلك، وهل يمكن أن تظل المحافظة على تنوع قوى العمل بمثابة أحد الموجودات، أو المطلوبات بخصوص الأمور الرئيسية في بيئة العمل السائدة؟
وعقدت إنسياد، بالتعاون مع سودكسو، ومركز سياسة حياة العمل، جلسات عمل خاصة بمعالجة هذا الأمر في باريس في أوائل الشهر الحالي، حيث ترأست الجلسات هيرمينيا إيبارا، أستاذة السلوك التنظيمي، ومديرة مبادرة القيادة في ''إنسياد''. وشاركت في الجلسات كذلك الرئيسة التنفيذية لـ ''سودسكو''، ميشيل لاندل، والاقتصادية سيلفيا آن هيوليت، من مؤسسة مركز حياة العمل، حيث تترأس مجموعة ''استنزاف الأدمغة الخفية'' التي تضم 50 شركة عالمية رئيسية ألزمت نفسها بقضايا المرأة، والمواهب متعددة الجنسيات.
وتقول إيبارا ''إن الأزمة الاقتصادية العالمية جعلت الشركات بعيدة عن قضايا التنوع ودعم المرأة في العمل، حيث إنها تركز في الوقت الراهن على المشاريع مضمونة النجاح التي تعمل على زيادة القيمة المضافة، وبالتالي فإن مبادرات التنوع ربما تصبح ضحايا مباشرة للأزمة الاقتصادية العالمية''.
وتضيف ''إن الشركات تهتم في أيامنا هذه بجانب النشاط العملي المرتبط بالتنويع، حيث إن العلاقة بين التنويع وتحقيق النتائج الرئيسية معروفا بصورة كافية''.
إن علاقة الارتباط هذه، إضافة إلى الابتكار، وسعة التصور الخلاّق، تطلبت حلولاً للمشكلات، وتفكيراً خارج نطاق المنظورات المحددة. وهو أمر معروف تماماً لدى ''سودسكو'' التي هي شركة دولية ذات جذور فرنسية، وتقدم خدمات التغذية، والخدمات الإدارية للمطاعم، والمدارس، والمستشفيات، والسجون، ومؤسسات حكومية أخرى في 131 ألف موقع في 80 بلداً.
وتضم هذه الشركة العالمية 380 ألف موظف يخدمون نحو 50 مليونا من العملاء يومياً. وتقول الرئيسة التنفيذية لهذه الشركة ''إن دمج العاملين من خلفيات ثقافية متعددة يعتبر من الأمور التي لا يمكننا استبدالها في شركتنا''. وقد أمضت الرئيسة التنفيذية المخضرمة 25 عاماً من العمل المستمر في هذه الشركة، إذ تقول إن التنويع، ودمج قدرات وطموحات العاملين، أمر أساسي للشركة، إذ أنها طبقت كل السياسات الداعمة لهذا التوجه، ونفذت العمليات المساندة له. وفي الشركة مسؤول كبير متخصص في قضايا التنوع، هو روني أراند.
إن تجمع المواهب الدولية في مواقع العمل هو في حد ذاته تنويع. ''وإذا نظرت إلى كل من يعمل في العالم ممن يحملون شهادة البكالوريوس، أو درجات علمية أعلى منها، فإن 17 في المائة من هذا التجمع هم من الرجال البيض. وأما البقية فنساء، أو أشخاص من ثقافات وأعراق أخرى. ويزداد عدد النساء العاملات في الولايات المتحدة في أيامنا هذه على عدد الرجال العاملين''.ومع ذلك، فإن هنالك فروقاً في المناصب، والأجور والرواتب، بين الطرفين، وكذلك بالنسبة إلى مستويات الرضا عن العمل منذ بدايات العمل في أغلب الحالات، حيث أشار تقرير هارفرد بيزنس ريفيو الذي شاركت فيه ''إنسياد'' إلى ''أن النساء على وجه العموم يكتسبن دخلاً أقل، ويتم توظيفهن في الأعمال الأدنى أجراً، كما أنهن، على وجه العموم، أقل رضاً عن وظائفهن''.وهنالك تركيز كبير على فصول تعليم التفاوض في ''إنسياد''، لأن التفاوض قضية بالغة الأهمية، بحيث يتأكد الموظف من أنه يحتل الوظيفة المناسبة لدى عمله في إحدى الشركات، كما يتسلم الراتب الصحيح، ويحصل على صفقة العمل المناسبة. وإن الأوضاع السائدة في معظم الشركات في الوقت الراهن لا تساعد كثيرين على تحقيق مثل هذه الشروط التعاقدية في العمل. وهي كذلك لا تعمل على دعم الخريجين، كما أنها ليست من العوامل المساعدة للشركات ذاتها، إذ أن هذه الشركات تحصل من خلال هذا النوع من الممارسات على سمعة رديئة لا تفيدها.
ويضاف إلى كل ذلك تراكم كبير من عوامل عدم اليقين التي كانت نتيجة مباشرة للأزمة الاقتصادية الحالية، إذ أن المرء يشاهد حرباً على أولئك الجريئين الذين يختارون الإقدام على مزيد من مخاطر النشاط العملي، الأمر الذي يبعدهم عن تحقيق أهدافهم، ويترك المجال مفتوحاً أمام مدرسة الإدارة الحذرة. ويظهر البحث الذي ورد في كتاب هيوليت بعنوان ''المواهب العليا: المحافظة على ارتفاع الأداء حين يتراجع النشاط العملي''، أن هنالك مستويات متزايدة من محاربة الإقدام على المخاطر، نظراً إلى الإهمال الذي يعاني منه كبار المنجزين من جانب الشركات. وإن مخاطر هروب هذه المواهب إلى أمكنة أخرى تظل قضية واقعية، حيث لا يمكن استعادتها فيما بعد. وتتحرك هذه المواهب في عدة اتجاهات، ونحو جهات أقل مخاطرة، وكذلك فإن أعداداً من الموهوبين تتجه لكي تصبح من أصحاب المشاريع حديثة التأسيس.
ويشير البحث المتعلق بهذا الأمر لدى كل من إيبارا، وهيوليت، إلى أن فرق العمل التي تضم ما نسبته 50 في المائة من النساء، تظل أعلى إنتاجية، مع قلة عدد النساء اللاتي يقدن مثل تلك الفرق العملية على صعيد الشركات عالمياً. وهنالك غياب ملحوظ للنساء على مستوى المراكز التنفيذية في أغلب النشاطات العملية على النطاق العالمي.وتقول إيبارا ''أنجزنا للتو دراسة حول كبار التنفيذيين على المستوى العالمي في العقد الأول من القرن الحالي، حيث إن عدد النساء في مثل هذه الفئات العليا من الإدارة ما زال قليلاً للغاية، إذا كانت هنالك 29 امرأة فقط من بين ألفي من شاغلي المناصب الإدارية العليا. ولم تكن هذه النتيجة مفاجئة للجهات التي أجرت هذا البحث. وكان أكثر من نصف هذا العدد من النساء من جهات خارج مجالس إدارة الشركات المعنية بهذه الدراسة''. يعني كل ذلك أن التقاليد العملية القائمة في إدارة الشركات ما زالت موجودة، رغم كل هذا الحديث عن التنوع، وعن إدارة الشركات. ولم تكن هنالك مناقشات لهذا الأمر بالذات على مستوى جلسات العمل هذه. وتفشل النساء كثيراً في محاولاتهن صعود السلم الإدارة، وصولاً إلى المناصب التنفيذية العليا في الشركة التي يعملن فيها. وتميل صفة الاستفادة من المعلومات الداخلية إلى العمل في صالح الذكور الذين يتقنون مثل هذه الأساليب في النشاطات العملية.ويقول أحد كبار مسؤولي الشركات في هذه الجلسات في معرض تعليقه على مسألة الاستفادة من المعلومات الداخلية، ''من الطبيعي أنك حين تسعى إلى توظيف أناس في الشركة، فإنك تميل إلى اختيار الموظفين الذين هم على شاكلتك. وعليك أن تعترف بأن هذا العالم يسود فيه الرجال''، وإن ظل حريصاً على الدفاع عن مواقفه الشخصية بهذا الخصوص، حيث يقول ''إذا لم نرغم أنفسنا على التفكير بشكل مختلف، فإن التغير المطلوب سوف يستغرق وقتاً طويلاً، ولذلك فإنني أؤمن بتحديد الأهداف، والدفع بالأمور صوب الإنجاز، لأن ما يتم قياسه يتم إنجازه. وأعتقد أن التنويع، بكل أبعاده، أمر أساسي، ومهم للغاية للشركات في أيامنا هذه، لأنه يجلب إليها الإبداع، والتطور الخلاّق الذي تحتاج إليه''.
لكن هل يختلف التنويع في أيامنا هذه عن العمل المصمم في الماضي، أم أنهما قضية واحدة اختلفت فيها التسمية، وهل لم يتغير شيء رئيسي منذ السبعينيات؟
تقول هيوليت ''لم يعد ذلك نقاشا نابعا عن نقطة ضعف، بل إن الأمر منطلق من اختلاف في الأعداد، ومصادر القوة، وحجم الطلب، أو الإبداع المتعلق بالمواهب. وإن التنوع أمر حيوي تماماً، وليس مجرد قضية جانبية عادية، بل إنه المسار العام للأمور''.