حين يكون إطعام الجياع أمرا سياسيا
لقد تم إنشاء برنامج الأغذية العالمي من قبل الأمم المتحدة عام 1962 بهدف إنقاذ الأرواح، ونما منذ ذلك الحين ليصبح برنامجا عملاقا لتقديم المساعدات، محسودا ومكروها بالقدر نفسه تقريبا من قبل عديد من نظرائه الأصغر. وهو يقول إنه يطعم 90 مليون شخص سنويا في 73 دولة. إلا أن بعضهم يتساءل عما إذا كان يلبي دائما المثل العليا لمهمته الإنسانية.
لا بد أن برنامج الأغذية العالمي معتاد على الانتقادات الحادة، خاصة لعملياته في إفريقيا. والشكوى الرئيسة هي أن المساعدات الغذائية توجد ثقافة الاعتماد على الغير بين الفقراء. ويوظف برنامج الأغذية العالمي أعدادا كبيرة من رجال الصحافة في مقره في روما ودول أخرى للدفاع عنه. ومع ذلك، أثارت الفضيحة الأخيرة المتعلقة بعمله في الصومال توتره. فقد اتهم في تقرير داخلي للأمم المتحدة بالفشل في إيصال الطعام إلى الصوماليين الجياع. ويقول التقرير إن التواطؤ المنظم بين بعض الموظفين المحليين في برنامج الأغذية العالمي وأعضاء الميليشيات الإسلامية وناقلي الغذاء أدى إلى تحويل ما يصل إلى نصف الأغذية التي يشحنها إلى الصومال، حيث ذهب بعضها إلى الجهاديين. وقد نفى برنامج الأغذية العالمي بشدة مزاعم الفساد هذه، لكنه توقف عن العمل مع ثلاثة من مقاولي النقل يزعم أنهم متورطون في تجارة الأسلحة.
ومن الصعب معرفة الحقيقة, فزيارة الصومال أمر محفوف بالمخاطر. وتتم إدارة عملية برنامج الأغذية العالمي في الصومال من نيروبي، عاصمة كينيا المجاورة. وعليه التعامل مع القراصنة في البحر والجماعات المسلحة على الأرض. ونشب خلاف بين البرنامج وجماعة شباب المتشددة، المتحالفة الآن مع القاعدة، ونتيجة لذلك لم يعد برنامج الأغذية العالمي يوفر الطعام لمليون شخص من أصل ثلاثة ملايين صومالي في حاجة إليه.
والخطر على برنامج الأغذية العالمي أن يعوق الخلاف المتعلق بعمله في الصومال عملياته الضخمة في إثيوبيا والسودان وكينيا والكونغو وغيرها عن طريق إثارة دعوات لمزيد من التدقيق هناك أيضا. وتمثل إمدادات السودان وحدها مبلغ 635 مليون دولار من الأموال التي أنفقها برنامج الأغذية العالمي في إفريقيا جنوب الصحراء عام 2008 البالغة 2.2 مليار دولار. ولطالما اشتبه الدبلوماسيون هناك في أنه يتم سحب المساعدات الغذائية من قبل المسؤولين في جنوب السودان والجماعات المسلحة في دارفور، غربي السودان.
ويخضع مجال المساعدات الغذائية إلى إفريقيا لمزيد من التدقيق في الآونة الأخيرة بعد صدور تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC يقول إن ما يصل إلى 95 في المائة من الأموال المقدمة لشراء الغذاء للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون خلال المجاعة المروعة في إثيوبيا عام 1984 ـ 85 استخدمت، في الواقع، لشراء الأسلحة. ويقول برنامج الأغذية العالمي إن مشاركته كانت ضئيلة في تلك الفترة، فقد كان يوفر الغذاء للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة. ونفت المؤسسات الخيرية الدولية هذه القصة. ويخشى Bob Geldof، الموسيقي الذي ينظم حملات لمكافحة الفقر، أن يتم استغلال هذه المزاعم من قبل أولئك الذين يريدون قطع المساعدات.
إلا أن المتمردين المعنيين، الذين يتحدرون من المقاطعة الشمالية، Tigray، يديرون إثيوبيا منذ عام 1991. ويواجه رئيس الوزراء، Meles Zenawi، أحد زعماء المتمردين عام 1984، تهمة استخدام المساعدات الغذائية الآن لشراء الدعم قبل الانتخابات المقررة في 23 أيار (مايو). ويقول المحققون في مجال حقوق الإنسان، بمن فيهم أولئك التابعون للحكومة الأمريكية، إنهم قاموا بتوثيق حرمان أنصار المعارضة من الطعام وغيره من المنافع. وتنفي الحكومة الإثيوبية هذا، وتقول إن مزاعم BBC نابعة من خصم سياسي لـ Zenawi.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إنه يرحب بأي تحقيق في أنشطته في الصومال. ويصر Josette Sheeran، أحد المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية يترأس الآن المؤسسة: ''إن وحدة منظمتنا هي الأهم''. وتوفر أمريكا نحو ملياري دولار من ميزانيته العالمية البالغة خمسة مليارات دولار، معظمه على شكل أكياس من الأغذية الأمريكية الفائضة. إلا أن برنامج الأغذية العالمي ـ ومتمردي حركة شباب الصومالية ـ يفضل أن تعطي الحكومة الأمريكية المال، كما يفعل الأوروبيون، الذي يمكن حينها استخدامه لشراء الأغذية المحلية، وبالتالي مكافأة المزارعين الذين ينتجون فائضا. ووافقت إدارة جورج بوش على ذلك, لكنها لم تتمكن من إقناع الكونجرس بالموافقة.
وبصرف النظر عن الادعاءات المتعلقة بدوره في الصومال، فشل برنامج الأغذية العالمي حتى الآن في تحقيق هدفه للتبرعات لهذا العام. لذا سيتم خفض الوجبات المدرسية وغيرها من البرامج. ومن غير المرجح أن تكون أمريكا سخية في تقديم المساعدات المالية مثل سخائها في تقديم المساعدت العينية. وقد يتم أيضا تخفيض مساهمة أوروبا البالغة مليار دولار. وميزانية برنامج الأغذية العالمي لهذا العام لإفريقيا جنوب الصحراء البالغة 2.6 مليار دولار ينقصها 1.1 مليار دولار. والتوقعات المستقبلية المتعلقة بإنتاج إفريقيا كئيبة. وسينخفض ناتجها من الأغذية بنسبة الخمس خلال العقود الأربعة الماضية، وفقا لتقديرات المعهد الدولي للسياسات الغذائية في واشنطن. وهو يقول إن التغير المناخي سيجعل الطعام أكثر ندرة في الدول شبه القاحلة مثل السودان. وستظل مسألة كيفية إطعام الجياع قائمة