المعارضة في حالة انتظار
لو كانت هناك جائزة أوسكار للشخصية السيئة، لا شك أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، سيفوز بها, فمنذ الانتخابات المتنازع عليها في حزيران (يونيو) الماضي التي ولدت حركة معارضة خطيرة، لم يظهر الرئيس الاستقطابي سوى ثقة زائدة بالنفس، ولم يتردد في الإعلان عن نظام عالمي جديد على الرغم من انزلاق العاصمة، طهران، إلى الفوضى. والآن، بما أن المعارضة في حالة ركود والغرب غير قادر، كما يبدو، على كبح تقدم إيران نحو الاكتفاء الذاتي النووي، يعلن قادتها بتفاؤل انتهاء الأزمة. وعادت الجمهورية الإسلامية ثانية إلى إظهار مشاعرها المعادية للغرب ولإسرائيل في جميع أنحاء العالم.
واعتقال عبد الملك ريجي في الشهر الماضي، الذي نفذ مقاتلوه من جند الله تفجيرات واغتيالات في الجنوب الشرقي للدولة باسم جماعة Baluchis التي ينتمي إليها، وهي أقلية عرقية سنية تنتشر على الحدود مع باكستان، أدى إلى كثير من تهنئة الذات من موقع سلطة. وظهر ريجي، دون لحيته المميزة، أمام كاميرات التلفزيون الإيرانية و''اعترف'' بتلقي المساعدة من العدو اللدود، أي أمريكا. وسخر أحمدي نجاد من الأمريكيين بسبب نهجهم الأخرق في التعامل مع الإرهاب، وقال: ''إذا أردتم اعتقال الإرهابيين، تعلموا من إيران''.
وعموما، يبدو أن أحمدي نجاد يحب استفزاز الولايات المتحدة أكثر من التودد إليها بتردد، مثلما كان يفعل في هذا الوقت من العام الماضي, ففي زيارته الأخيرة إلى سورية، الحليف العربي الوحيد لإيران، أعلن ظهور شرق أوسط جديد دون إسرائيل، وشبّه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، التي طلبت من إيران أن تنأى بنفسها عن إيران''، مثل ''والدة زوجة الابن''، التي تعد في العائلة الإيرانية رمزا للعجز الذي يمكن تجاهله بسهولة.
ولا يكاد يمر أسبوع دون أن تتفاخر إيران بإحراز تقدم تكنولوجي آخر: إطلاق أرنب إلى الفضاء، صاروخ أرض أرض جديد، والأهم من ذلك، تخصيب اليورانيوم من قبل إيران إلى درجة أعلى من قبل ـ ما يقرّب الدولة من القدرة على صنع قنبلة نووية، إذا أرادت. إلا أن أحمدي نجاد يقول إن مكانة الدولة كقوة عظمى تعتمد على سماتها الإنسانية والثقافية.
وما يحافظ على هذا الغلو هو الشعور أن الميزان انقلب لمصلحة السلطات. ويعتقد قادة إيران أن الذكرى السنوية هذا العام لثورة عام 1979، في 11 شباط (فبراير)، حين تتجمع حشود ضخمة لإظهار دعمها للنظام، تثبت وتؤكد ''فتنة'' المعارضة. وقد ظل عديد من المتظاهرين المعتادين من المعارضة في منازلهم بسبب خوفهم الذي نشأ من الترهيب والعنف المنظم على مستوى رسمي الذي دام عدة شهور. وواجه أولئك الذين جازفوا وخرجوا حضورا عسكريا مخيفا.
وفي هذا الأسبوع، أعلنت السلطات أحكاما بالإعدام على ستة أشخاص تمت إدانتهم بتهمة ''شن حرب على الله'' خلال مظاهرة في كانون الأول (ديسمبر). وتدفقت قوات الأمن إلى الشوارع لضمان ألا تستغل المعارضة مهرجان المفرقعات التقليدي، الذي يحتفل به الإيرانيون عن طريق القفز فوق النيران وإشعال المفرقعات. وقد أعلن خامنئي بالفعل أن مثل هذه الاحتفالات غير مشروعة دينيا.
وبالنسبة إلى عديد من أنصار الحركة الخضراء، كما أصبحت تعرف تيمنا بلون حملة زعيمها الصوري مير حسين موسوي، يعد 11 شباط (فبراير) الوقت الذي يصبح فيه انتشارها وعدم مركزيتها وانعدام قيادتها عبئا. ولم تعد أساليب المعارضة القديمة في استغلال العطلات الرسمية لتحقيق مآربها ناجحة. ويقول أحد المتظاهرين الدائمين: ''إذا كانت هناك استراتيجية جديدة، ليس من الواضح من أين ستأتي''. وعلى الرغم من النداءات المتكررة من قبل المتشددين لاعتقال موسوي وحليفه الرئيسي مهدي كروبي، رئيس البرلمان السابق الذي رشح نفسه أيضا للرئاسة في حزيران (يونيو)، إلا أنهما لا يزالان طليقين. إلا أن أيا منهما لم يقترح نهجا جديدا.
علاوة على ذلك، ربما تكون الحركة قد فقدت الدعم الواضح من أقوى مناصر لها، الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني, فعلى الرغم من أنه لا يزال العدو اللدود للرئيس، لكن يبدو أنه رضخ للمطالب بأن يقف إلى جانب النظام ككل. وقامت صحيفة Kayhan المتشددة التي انقلبت ضد رفسنجاني بنقل باحترام آرائه حول إقبال الموالين في 11 شباط (فبراير)، الذي صوره بأنه رد على ''هجوم'' العدو على المبدأ الذي يدعم الدستور الديني، ولاية الفقيه.
ويتلقى الرجل الذي يشغل هذا المنصب، المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، مزيدا من عبارات الولاء المتملقة. فقد عزا الأميرال الأعلى في الدولة نجاح إيران في بناء أول سفينة حربية إلى تشجيع خامنئي. والاجتماع السنوي الأخير لمجلس الخبراء، المكلف بانتخاب وتقييم المرشد الأعلى، كان يبدو أشبه باجتماع سوفياتي لكن من دون الفودكا. ووجد تقريره حول أداء خامنئي أن ''الحكمة والكفاءة سمتان واضحتان فيه إلى درجة سامية''.
ومع ذلك، لا تزال أسس الدولة الإيرانية الأيديولوجية مزعزعة منذ الاضطراب في العام الماضي, فالفساد والخلافات والقصور الإداري تجعل الإصلاح أمرا مستحيلا تقريبا. والاقتصاد الإيراني لا ينمو، في حين أن التضخم، الذي يبلغ الآن 8 في المائة على أساس سنوي، قد يزيد ثلاثة أضعاف نتيجة لميزانية أحمدي نجاد الجديدة التي تحد من الإعانات.
إضافة إلى ذلك، تضررت قوة أمريكا الناعمة. وخوفا من استثماراتها الأمريكية، توقف عديد من كبريات شركات الاتجار بالنفط في العالم عن بيع البنزين إلى إيران، التي تعني طاقتها التكريرية المحدودة أن تعتمد على المستوردات. وربما تثير الأقليات العرقية والدينية المشكلات مرة أخرى. وفي الجنوب الشرقي، يشعر عديد من جماعة Baluchis التي ينتمي إليها ريجي بالتوتر والقلق. وفي الغرب، ينظر الأكراد في إيران، الذين معظمهم من السنة، بعين الحسد عبر الحدود إلى الحكم الذاتي الذي يتمتع به أبناء عمومتهم العراقيون الأكراد.
وهكذا يبدو أن السلطات في الوقت الراهن تشعر بالراحة, إلا أن وقاحتها تخفي مواطن ضعف قد يتم اكتشافها في الوقت المناسب. والمعارضة في حالة غليان. ولا يبدو أن أحمدي نجاد المغرور وأيضا نظام دولته في وضع آمن