الخطوات الصحيحة
في ذروة الأزمة المالية في العام الماضي، كان من السهل رؤية كيف يمكن أن تسبب ويلات الاقتصادات الشيوعية السابقة مشكلات كبيرة لبقية دول أوروبا. فقد أقرضت البنوك الغربية بصورة متهورة بالعملة الأجنبية لشركات وأسر متضررة جراء الركود. ولو هرب الجميع باتجاه المخرج في وقت واحد، بحيث يتخلون عن الأصول ويتوقفون عن الإقراض، ستكون النتيجة مذبحة في الداخل والخارج. وكانت هناك أيضا احتمالية مخيفة وهي حدوث أزمة عملة. ولو تم إجبار لاتفيا على فك ربط عملتها باليورو، قد ينهار جيرانها من دول البلطيق أيضا. وكان مزيج الحكومات الضعيفة والناخبين الغاضبين يثير تشاؤم بعض المعلقين، بمن فيهم '' الإيكونوميست''، بما فيه الكفاية للقلق بأن تكون فاتورة إنقاذ الأعضاء الجدد من الشرق كبيرة بما فيه الكفاية لتهديد الاتحاد الأوروبي.
وقد صمدت الاقتصادات الشيوعية السابقة حتى الآن في وجه العاصفة. لكن لا تزال أوروبا الشيوعية السابقة تكافح لحل المشكلات الخاصة بها: شيخوخة القوى العامة والمسؤولين المتسلطين والبنية التحتية السيئة. لكن لم يتخلف أحد عن السداد ولم تحدث أعمال شغب في أي دولة. فقد تم اتخاذ خطوات صحيحة ـ وهي تحمل في ثناياها دروسا للدول المضطربة في أوروبا الغربية.
غاية في السهولة
إن أحد أسباب الثروة النسبية للدول الشيوعية السابقة هي أنها ليست كتلة متجانسة تعاني جميعها بالطريقة نفسها. ولم يكن لدى كثير من الدول الأخرى ديون ضخمة مثل تلك التي أدت إلى تعثر هنغاريا، ولم تعان كثير منها عجز الحساب الجاري الذي جعل لاتفيا ضعيفة جدا. ونجت سلوفينيا وسلوفاكيا من مضاربي العملات بسبب كونهما في منطقة اليورو. أما بولندا، أكبر الدول الجديدة في الاتحاد الأوروبي، فهي في فئة خاصة بها: بفضل الحكم الجيد والحظ الحسن، كانت بولندا الاقتصاد الأوروبي الوحيد الذي حقق نموا اقتصاديا مبهرا عام 2009. باختصار، بولندا وأستونيا وبلغاريا مختلفة في أساليبها بقدر فرنسا وفنلندا واليونان.
وتستحق المنظمات الدولية بعض الثناء أيضا. فقد ساعد البنك الأوروبي للإعمار والتنمية على تحقيق استقرار بنوك المنطقة، حيث جمع المقرضين الأجانب معا لضمان تخفيض الديون بصورة منظمة بدلا من حدوث فوضى. وأدركت المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي أن المشكلات خارج منطقة اليورو ربما تسبب مشكلات داخلها. وساعدت قروضهما الرخيصة الدائنين الأجانب والدول على حد سواء. وأثبت صندوق النقد الدولي أنه منظمة جماعية مرنة، وليس المؤسسة الصارمة غير الودية التي رفضها قادة الاتحاد الأوروبي بحماقة كمصدر لمساعدة اليونان وغيرها من الدول الأعضاء المضطربة في اليورو.
ومع ذلك، فإن الفضل الأكبر يعود إلى مرونة وتعقل السياسيين والمواطنين في المنطقة. فقد أثبتت حكومات الأقلية التي تبدو ضعيفة في مناطق مثل هنغاريا ولاتفيا أنها قادرة على إحداث تعديلات مالية هائلة. وعلى الرغم من أخطائها، إلا أن اقتصادات شرق أوروبا أظهرت أنها أكثر مرونة في أسواق العمل وفي ما تنتجه من عديد من الدول الأعضاء الأقدم في الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، كانت تخفيضات الإنفاق وزيادات الضرائب ورفع سن التقاعد في بعض الدول الشيوعية السابقة أكثر وحشية من أي إجراء فكرت فيه اليونان أو إسبانيا حتى الآن.
وهذا مفيد لعديد من الدول التي لا يزال عليها أن تغير التوقعات العامة بما يكفي لجعل التغييرات الهيكلية الكبيرة والمؤلمة أكثر قبولا. ويبدو أن اليونان وغيرها من دول البحر المتوسط في منطقة اليورو ـ إسبانيا والبرتغال وحتى إيطاليا ـ أكثر ضعفا اليوم من أوروبا الشيوعية السابقة. وعليها أن تنظر نحو الشرق بحثا عن العلاج