تذاكر إلى المرحلة الأخيرة
من المقرر أن يصل وفد رفيع المستوى من الباكستانيين إلى واشنطن لاستئناف ''الحوار الاستراتيجي'' مع أمريكا في 24 آذار (مارس), ووصل الباكستانيون إلى طاولة المفاوضات بالقوة لحضور ما يبدو أنه جلسة تخطيط للجولة الأخيرة في أفغانستان. فقد اكتسبوا مقعدهم على طاولة المفاوضات بفضل عملية اعتقال عبد الغني بارادر نائب زعيم حركة طالبان ومجموعة من رفاقه ذوي الرتب العالية أخيرا. وسيشمل الوفد الباكستاني، بقيادة وزير الخارجية، قائد الجيش ورئيس وكالة التجسس التابعة للجيش، وكالة الاستخبارات الباكستانية. ورفعت أمريكا مستوى تمثيلها في المحادثات، التي تم عقدها آخر مرة في منتصف عام 2008، من مستوى نائب وزير الخارجية إلى وزير الخارجية. ومن المفترض أن يشمل الحوار مجموعة كبيرة من القضايا الثنائية، بما في ذلك مساعدة الاقتصاد الباكستاني الضعيف، بل حتى، كما تطمح باكستان، التكنولوجيا النووية المدنية. إلا أن مستقبل أفغانستان هو الموضوع الأكثر إلحاحا، وفي باكستان يسيطر الجيش القوي ووكالة الاستخبارات الباكستانية على هذه المسألة. وتعتقد باكستان أن الأمريكيين بدأوا يدركون خوفها من التطويق: ارتقاء الهند في الشرق، والعلاقات الغامضة مع إيران إلى الغرب، والنفوذ الهندي المتزايد في أفغانستان إلى الشمال الغربي.
وفي حين يعد بعضهم اعتقال بارادر من قبل باكستان إشارة إلى تحولها الاستراتيجي ضد وكلائها الجهاديين السابقين، إلا أن المرجح أنه محاولة من قبل وكالة الاستخبارات الباكستانية لانتزاع السيطرة على الموقف التفاوضي لطالبان. فقد كان بارادر يقدم مقترحاته مباشرة لحكومة حميد كرازي في كابول ـ متجاوزا باكستان.
ووفقا لأحد كبار المسؤولين الباكستانيين، فإن اعتقال بارادر هو نصر مزدوج لباكستان. فقد ألقت القبض على أحد أعضاء طالبان حين أصبح مثيرا للمشكلات. وكانت تأمل الفوز بالاستحسان لأنها ضيقت الخناق على قادة التمرد، ملبية بذلك المطالب القديمة من التحالف بقيادة حلف شمال الأطلسي والحكومة الأفغانية.
وبدلا من ذلك، وجدت نفسها محط الانتقاد مرة أخرى، على الرغم من التراجع عن إنكارها الذي أصرت عليه منذ عام 2001 بأن هناك قادة لطالبان الأفغانية على أراضيها، وعلى الرغم من اعتقالها أحدهم. وتشير بعض التقارير إلى أن كرازي يشعر بالغضب لأن رجله المفضل من طالبان محبوس في السجن. ويقال إن قوى إقليمية أخرى، مثل الهند وإيران وروسيا، تشعر بالخوف لأن باكستان تولت مكانة قيادية في المفاوضات الأفغانية. ووفقا لأحمد رشيد، المراقب المخضرم لأفغانستان، فإن تجدد اهتمام باكستان بالتدخل في شؤون جارتها قد يشعل فتيل منافسة إقليمية على النفوذ التي قد تدفع أفغانستان ثانية نحو الحرب الأهلية مثل تلك التي عانتها في التسعينيات، بين الوكلاء المدعومين من قوى خارجية. لقد تطور موقف باكستان. فبدلا من رؤية طالبان البشتونية العرقية باعتبارها أفضل أمل لها في حكومة صديقة في كابول، يفضل صنّاع السياسة الآن أن تكون طالبان جزءا من حكومة أفغانية ذات قاعدة أوسع. ولعلها أدركت أخيرا أن المتطرفين الذين يمارسون سلطة لامتناهية من كابول يصدرون الكوارث عبر الحدود المسامية التي يتشاركون فيها. وبالتالي تحتاج باكستان أيضا إلى صلات مع عناصر من غير طالبان في أفغانستان.
وتتخذ أمريكا موقفا أكثر تشددا من معظم شركائها، بما في ذلك بريطانيا، في السعي إلى إضعاف التمرد، وقد يشمل ذلك إغراء بعض قادة التمرد على تغيير ولائهم، قبل النظر في المحادثات مع قيادة طالبان. لكن يجري الآن التزاحم على التسوية السياسية بما أن أمريكا تخطط لتخفيض عدد قواتها العام المقبل. والمطلب الأساسي لباكستان هو أن يكون أي نظام مستقبلي في كابول صديقا لباكستان، وتعني بذلك ألا يكون مقربا جدا من الهند. ويعتقد باكستانيون أنهم على وشك إقناع أمريكا بأنهم يحملون مفتاح استقرار أفغانستان.
إلا أن تكلفة سياستهم تجاه أفغانستان في الوطن هائلة للغاية. ففي الأيام الأخيرة الماضية، استأنفت طالبان الباكستانية، وهي أساسا نسخة طبق الأصل عن الحركة الأصلية، حملتها الإرهابية في جميع أنحاء الدولة. وعلى الرغم من أن الجيش الباكستاني تغلب على طالبان المحلية في المحافظة الحدودية الشمالية الغربية والمناطق الحدودية، إلا أن معقل باكستان لا يزال يعاني أقرانهم المتطرفين، مثل حركة جيش محمد وحركة عسكر طيبة. وقد لاحقتهم القوات الأمنية، لكن لا يزال يتم التسامح مع الجماعات الجهادية ''التقليدية'' التي تنتج الإرهابيين المحليين. ولا يزال دور باكستان في أفغانستان، الذي تمت رعايته من قبل وكالة الاستخبارات الباكستانية غامضا. وتظهر استطلاعات الرأي أن الأفغان العاديين لا يزالون يشعرون باستياء بالغ من تدخلاتها. وقد تعتقد باكستان أنها تناور القوة العظمى الأمريكية للتوصل إلى اتفاق يرضيها؛ إلا أن هذا قد يصعّب تبديد شكوك الأفغان العاديين تجاهها