غياب الاستثمار المؤسسي في سوق الأسهم جلب الخسائر للمستثمرين الأفراد
حمّل محمد القويز الخبير السعودي في الاستثمار المالي والعضو المنتدب والشريك المؤسس لشركة دراية المالية، انعدام الشفافية في سوق الأسهم السعودية وغياب التداول المؤسسي مسؤولية جلب الخسائر للمستثمرين الأفراد في السوق المحلية.
وأوضح القويز أن نسبة التداول المؤسسي في سوق الأسهم السعودية لا تتجاوز 5 في المائة، في حين أنه تفوق 75 في المائة في السوق الأمريكية، ما يعني زيادة المخاطر في سوق الأسهم السعودية وتأثر المستثمرين الأفراد بالتذبذب وعدم الاستقرار الذي تشهده السوق بسبب غياب الاستثمارات المؤسسية. وتوقع القويز في حديث له مع «الاقتصادية» أن تشهد الفترة المقبلة توجه نسبة أكبر من المستثمرين لجهات الاستثمار المؤسسي الأكثر استقراراً، وأن تشكل الصناديق الاستثمارية شريحة أكبر من عالم الاستثمار، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن عديدا من الأسواق التي مرت بتجارب مقاربة للمملكة صعوداً وهبوطاً، أثبتت أن المستثمرين يعودون بعد فترة لتوظيف مدخراتهم مع جهات الاستثمار المؤسسي، مما يمكنهم من التركيز على أعمالهم اليومية بدلاً من إضاعة أوقاتهم أمام شاشات الأسهم. ودعا القويز إلى ضرورة العمل لإيجاد سبل تكفل لشركات الوساطة المالية الأقل تنافسية في السوق السعودية الاندماج أو تكوين الاتحادات فيما بينها لزيادة تنافسيتها مع ضمان استمرارية الخدمة النوعية. إلى التفاصيل:
كيف تصف نمو الطلب على الصناديق الاستثمارية في السعودية؟ وما سر النظرة السلبية التي يحملها المستثمرون تجاه الصناديق خلال الفترة الأخيرة؟
على مدى السنوات الخمس الماضية ارتفعت أصول صناديق الاستثمار من 60 مليار ريال إلى 89 مليار ريال، بمعدل نمو سنوي 8 في المائة تقريباً، بينما انخفض مؤشر سوق الأسهم السعودية في الفترة ذاتها من 8200 إلى 5600 بمعدل انخفاض سنوي 7.4 في المائة. وهذا يدل على أن قطاع الصناديق الاستثمارية مستمر في النمو على المدى الطويل، إلا أن أصول صناديق الاستثمار شهدت انخفاضاً في الفترة الأخيرة نظراً لسحوبات عدد من المستثمرين الناتجة عن خيبة أملهم من أداء هذه الصناديق ومن الاستثمارات عموماً.
ما السبب وراء خيبة الأمل هذه؟
الحقيقة هناك عدة أسباب لخيبة أمل المستثمرين، أبرزها عدم فهم الكثير منهم أن أداء الصندوق زاد أو قل، فإنه يدور في أفق السوق الذي يستثمر فيه، فالعديد من الأفراد استثمروا في صناديق الأسهم السعودية متوقعين أنها ستحقق الربح في سنوات الرخاء وأنها لن تتعرض لأي خسائر في سنوات الانخفاض، أي أنها استثمارات شبه مضمونة، كما كان هناك غياب للاستشارة المستقلة لدى معظم الشركات الاستثمارية التي ركزت على بيع المنتجات الرائجة دون إعطاء وزن لمدى تناسب هذه المنتجات مع حاجات المستثمر وقدرته على تحمل المخاطر.
هل كان أداء الصناديق الاستثمارية في الفترة الأخيرة مقنعا بما فيه الكفاية لتطلعات المستثمرين؟
لقد قمنا في «دراية» بحصر أداء مختلف صناديق الأسهم السعودية منذ بداية عام 2002 إلى منتصف عام 2009, وحسبنا متوسط أداء جميع تلك الصناديق، ومن ثم قارنا أداءها بأداء مؤشر السوق ككل، ووجدنا أن متوسط أداء الصناديق في تلك الفترة قد تغلب على أداء السوق بصفة عامة، حيث كان متوسط الأداء السنوي للصناديق 15.5 في المائة، بينما كان متوسط الأداء السنوي للسوق ككل في الفترة ذاتها 12.5 في المائة، وهذا يعني أن من استثمر 100 ريال في السوق ككل في بداية الفترة كان سيحصل على 257 ريالا في نهاية الفترة، لكن الشخص الذي استثمر في صناديق الأسهم السعودية كان سيحصل على 317 ريالا خلال الفترة نفسها.
وحرصنا في هذا التحليل على ألا نختار صندوقاً بعينه، بل أخذنا متوسط أداء مختلف صناديق الأسهم السعودية الموجودة في بداية الفترة لكيلا يكون التحليل منحازاً لصندوق معين، إضافة إلى أنه إذا كان أداء الصناديق أفضل من السوق خلال تلك الفترة، فيمكن استنباط أن أداء بقية المستثمرين (معظمهم من الأفراد) كان أسوأ من السوق خلال الفترة ذاتها (ذلك لكي تكون محصلة أداء الصناديق وأداء الأفراد هي الأداء الفعلي للسوق).
وهذه النتيجة متوقعة إلى حد ما بالنظر إلى أن معظم الصناديق الاستثمارية تتمتع بخبرات وكوادر وموارد مالية ومصادر معلومات أفضل من معظم المستثمرين الأفراد، ما يعطيها ميزة نسبية في مجال الاستثمار لتحقيق عوائد أفضل.
إذن ما توقعاتكم لأداء سوق الصناديق مستقبلا؟
تمثل صناديق الاستثمار في الأسهم السعودية حالياً أقل من 2 في المائة من الرسمله السوقية لسوق الأسهم المحلية، بينما تصل هذه النسبة إلى 9 في المائة بالنسبة للدول النامية الأخرى, و20 في المائة بالنسبة للدول المتطورة، لذا فمن المتوقع أن تشكل الصناديق الاستثمارية شريحة أكبر من عالم الاستثمار مع توجه نسبة أكبر من المستثمرين لجهات الاستثمار المؤسسي الأكثر استقراراً، مع ملاحظة أن عديدا من الأسواق الأخرى التي مرت بتجارب مقاربة للمملكة صعوداً وهبوطاً ، بينت أن الناس يعودون بعد فترة لتوظيف مدخراتهم مع جهات الاستثمار المؤسسي ما يمكنهم من التركيز على أعمالهم اليومية بدلاً من إضاعة أيامهم أمام شاشات الأسهم.
رغم التبعات الناتجة أحيانا من هبوط مؤشر سوق الأسهم، إلا أن مغريات الربح السريع أبرز ما يميز تلك الأسواق، ولكن ما أبرز مزايا الصناديق الاستثمارية؟
الحقيقة تتعدد مزايا الصناديق الاستثمارية، فلديك مثلا اقتصادات الحجم, التي من خلالها يستفيد المستثمر في صناديق الاستثمار من المزايا المحققة من ضخامة أحجام رؤوس الأموال المستثمرة، التي غالبا ما تكون أكبر من تلك التي يمكن أن يستثمرها كل فرد وحده، إضافة إلى متطلبات رأسمال قليلة، كون المبلغ الأدنى للاستثمار بالصناديق منخفضا عادة ما يتيح لصغار المستثمرين شراء أسهم الصناديق بكميات تناسب دخلهم، إلى جانب الإدارة المحترفة للصناديق, وتمكنها من توظيف مديري استثمار محترفين، يتمتعون بدراية وخبرة ومهارات أكثر في عالم الاستثمار, إضافة إلى كونهم متفرغين تماما لاستثمار أصول الصناديق.
ولعل من أهم مزايا الصناديق مسألة تنويع الأصول, فالصناديق لها القدرة على تنويع أصولها على عدد من الأسهم بسبب اقتصادات الحجم التي تتمتع بها ، أما أهم مزاياها راحة البال، حيث تبقى دوما أقل مخاطرة.
هل كان لتلك المميزات دور في زيادة عدد الصناديق المصرحة لها في السوق السعودية؟
بالتأكيد، فعند تجاوز أعداد الصناديق لـ 250 صندوقا استثماريا في نهاية الربع الأخير من عام 2009 ، وتجاوز حجم استثماراتها 93 مليار ريال سنلاحظ ازدياد أصول الصناديق من 60 مليار ريال منذ عام 2004، أي بمعدل زيادة تجاوزت 8 في المائة سنويا، بينما حقق مؤشر سوق الأسهم انخفاضا في الفترة ذاتها، مما يدل على توجه نسبة أكبر من الاستثمارات عبر السنوات الخمس الأخيرة نحو الصناديق الاستثمارية، ولكن بالطبع لا تزال نسبة انتشار الصناديق الاستثمارية ضئيلة مقارنة بما يمكن أن تصل إليه.
يعد إقبال المستثمرين الأفراد على صناديق الاستثمار ضعيفا نوعا ما، مما قد يسهم في ارتفاع مخاطر الاستثمار الفردي في السوق، ما نصيحتكم لتجنب هذه المخاطر؟
من المعروف أن المستثمر الفرد أكثر تذبذباً بطبعه من المستثمر المؤسسي وبالتالي فهو أكثر عرضة للانجراف مع موجات الجشع في أوقات الرخاء والذعر في أوقات الشدة التي هي من سمات الأسواق العالمية، ولنا في ذلك مثال في الولايات المتحدة التي هي عقر دار الأزمة المالية الحالية والأكثر تأثراً بوطأتها، ولكن بالرغم من ذلك فإن سوق الأسهم الأمريكية انخفضت بنسبة نحو 45 في المائة في عام 2008، أي كانت أفضل أداء من السوق السعودية في العام نفسه بما يفوق 10 في المائة، بالرغم من أن السوق السعودية كانت أقل تعرضاً للأزمة الاقتصادية العالمية من الولايات المتحدة.
وأحد الأسباب لهذه المفارقة هو أن ما يفوق 75 في المائة من التداولات في السوق الأمريكية من مستثمرين مؤسسيين بينما النسبة في المملكة لا تتجاوز 5 في المائة، لذا فإن زيادة نسبة المستثمرين المؤسسيين يزيد بطبيعة الحال من استقرار الأسواق.
كم وصل عدد الاتفاقيات التي تم توقيعها من قبل «دراية» مع البنوك والمؤسسات الاستثماري حتى الآن؟
لقد قامت شركة دراية حتى الآن بتوقع اتفاقيات مع ثماني شركات استثمارية هي: «سامبا المالية»، «صائب بي إن بي»، «إتش إس بي سي»، «العربي للاستثمار»، «جدوى للاستثمار»، «الأهلي كابيتال»، «الراجحي المالية»، ومجموعة بخيت، بحيث يمكن للمستثمر الاستثمار في كافة الصناديق الاستثمارية الخاصة بها والتي يزيد عددها عن 75 صندوقاً، وذلك من خلال موقع واحد وحساب واحد مع «دراية»، وبهذا أصبح لدى «دراية» أكبر تشكيلة من الصناديق الاستثمارية في المملكة والشرق الأوسط، وقريباً ستطلق «دراية» أول خدمة تداول تمكن المستثمر الفرد من التداول في أسواق متعددة من حساب وموقع واحد.
ما الدور الذي تقوم به «دراية المالية» تجاه توعية المستثمر الفرد، وما معايير التوعية التي تعتقدونها؟
في «دراية»، نعمل جاهدين على توعية عموم المستثمرين، إذ نؤمن بأن زيادة الوعي وتوفر المعلومة الصحيحة سيساهم بتجنيب المستثمرين الأفراد من تكرار الخسائر الفادحة التي وقعت بهم في الفترات الماضية، وجهودنا التوعوية مبنية على سبعة أسس ومبادئ أساسية من أهمها: الالتفات لأهمية الادخار في تحقيق الأهداف المالية على المدى الطويل، وضرورة البدء بالادخار مبكراً (عن طريق برامج التحويل الدوري من الحساب التي توفرها معظم البنوك)، وذلك بدلاً من الاعتماد على العوائد الاستثمارية كالمصدر الوحيد للزيادة في المال، وأهمية الاحتفاظ برباطة الجأش وعدم الانجراف لغريزتي الجشع (في أوقات رواج الأسواق) أو الخوف (في أوقات الانخفاض)، والموازنة المستثمرة بينهما.
كما تتضمن الأسس الرئيسية التي نبني عليها جهودنا التوعوية، أهمية التنويع في أسواق مختلفة وفئات استثمارية متعددة عملاً بالمثل: لا تضع البيض كله في سلة واحدة، أهمها الاستثمار للمدى الطويل وعدم التركيز على المضاربة، خصوصاً مع غياب المعلومة، الخطورة الكبيرة للتداول بتسهيلات، إضافة إلى أهمية الالتفات للمخاطر بنفس الأهمية التي يوليها الفرد للعوائد، والتأكد من أن مخاطر الاستثمار وأفقه الاستثماري مناسب للشخص.
ـ أخيرا كيف ترون حجم المنافسة بين شركات الوساطة المالية؟
المنافسة دائماً تصب في مصلحة المستثمر، فهي تؤدي لزيادة البدائل الاستثمارية وتقديم خدمات مبتكرة وتخفيض الأسعار، وعلى سبيل المثال، قبل إطلاق «دراية» لخدماتها لم تكن هناك أي جهة واحدة تقدم كافة المنتجات الاستثمارية للمستثمر تحت سقف واحد، ولا شك أن في ذلك نقلة نوعية من ناحية التسهيل على المستثمر وتحقيق الراحة له بدلاً من عناء التعامل مع جهات عدة، مما جذب العديد من المستثمرين للتعامل معنا بحثاً عن التبسيط وراحة البال.
ولولا عناية الله ثم زيادة المنافسة لما تمكنت «دراية» وغيرها من الانطلاق في السوق بمنتجات مبتكرة تقدم إضافة نوعية للمستثمر، ولكن على الرغم من فائدة المنافسة إلا أن لها دائماً ضحايا، لذا لا بد من العمل على إيجاد سبل للشركات الأقل تنافسية من الاندماج أو تكوين الاتحادات مما يزيد تنافسيتها مع ضمان استمرارية الخدمة.