أمين عام الغرفة التجارية: تعيينه وصلاحياته

الغرفة التجارية الصناعية في مدينة جدة أقدم الغرف التجارية السعودية وتأتي في المرتبة الثانية، بعد غرفة تجارة الرياض، من حيث عدد المشتركين فيها. ومنذ بضع سنين أصبحت أكثر الغرف التجارية السعودية عرضة للخلافات بين أعضاء مجالس إدارتها، فعقب بدء ولاية كل مجلس إدارة جديد ينشب خلاف بين أعضاء المجلس حول بعض المسائل والأمور، يظهر على صفحات الصحف ويتناوله بعض الكتاب بالتعليق ويصبح حديث الوسط الاقتصادي، وأحدث مثال على ذلك الخلاف الذي نشب في الآونة الأخيرة بين رئيس مجلس الإدارة الجديد الأستاذ صالح عبد الله كامل وبعض أعضاء مجلس الإدارة, فطبقاً لما تداولته بعض الصحف أن عشرة أعضاء بعثوا خطاباً لرئيس المجلس يطالبونه فيه بمنحهم صلاحيات إدارية، ويعترضون على الطريقة التي عين بها الأمين العام للغرفة، ويطالبون بإعادة هيكلة إدارة الغرفة, وأن الأستاذ صالح كامل رد عليهم برسالة يستنكر فيها أساليب التحزب والتكتل وينفي عن نفسه الاستئثار بالصلاحيات وأنه لو كانت لديه رغبة في الانفراد بالصلاحيات لأبقى لنفسه ذات الصلاحيات التي كان يتمتع بها من سبقه من رؤساء الغرفة.
وفي تصريح صحافي منسوب لأحد أعضاء مجلس الإدارة قال إن هدف الخطاب الذي وجهه الأعضاء العشرة إلى رئيس مجلس الإدارة هو (وضع آلية لاختيار أمين عام الغرفة ومنح مجلس الإدارة الصلاحية في تعيين الأمين). وقد وصف قرار تعيين الأمين العام بأنه (قرار استراتيجي للغرفة ولا بد أن يتم بطريقة مقننة).
عندما قرأت هذا القول تساءلت على الفور، هل يعقل أن الأعضاء العشرة، ومنهم من كان أميناً عاماً للغرفة، لا يعلمون أن نظام الغرف التجارية الصناعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/60 وتاريخ 30/4/1400هـ قد حدد طريقة تعيين أمين عام الغرفة؟َ!... أم أن الخلاف في الواقع يدور بين رغبتين بشأن هذا المنصب؟!... رغبة بعض الأعضاء في إقالة الأمين العام الحالي المستشار القانوني مصطفى أحمد كمال صبري وتعيين أمين عام جديد بدلا منه. والبعض الآخر لا يرى ضرورة لهذا الإجراء لأن الأمين العام الحالي قائم بعمله على الوجه المطلوب ولا يوجد مسوغ لاستبداله بآخر.
من خلال متابعة ما نشرته الصحف حول هذا الموضوع أرجح الاستنتاج بأن الأمر لا يتعلق بوضع آلية لاختيار الأمين العام كقاعدة عامة مجردة وأن المسألة تتعلق بتصادم الرغبتين المشار إليهما آنفاً لأن بعض الصحف المحلية سبق أن نشرت قبل مدة وجيزة خبراً منسوباً لمصدر في غرفة جدة بأن مجلس الإدارة قرر تعيين أمين عام جديد بدلاً من الأمين العام الحالي ثم نفى رئيس مجلس الإدارة هذا الخبر، الأمر الذي يرجح الاستنتاج بأن من له مصلحة في إقصاء الأمين العام الحالي هو الذي يسرب للصحف مثل هذه الأخبار غير الصحيحة.
ومهما يكن من أمر، فلعل من المناسب أن أوضح هنا الأحكام المنصوص عليها في نظام الغرف التجارية الصناعية المتعلقة بتعيين الأمين العام. لقد نصت المادة (30) من النظام المذكور على أن (يعين مجلس الإدارة أميناً عاماً للغرفة يكون مسؤولاً عن سير أعمالها الإدارية والمالية، وله حق حضور اجتماعات مجلس الإدارة دون أن يكون له صوت معدود في المداولات).
وتقضي المادة (27) من النظام المذكور بأن (تصدر قرارات المجلس بالأغلبية المطلقة لعدد الحاضرين، فإذا تساوت يرجح الجانب الذي فيه الرئيس).
مما تقدم يتضح أن النظام حدد آلية تعيين أمين عام الغرفة بأن يتم تعيينه بقرار من مجلس الإدارة يصدر بالأغلبية المطلقة لعدد الحاضرين، وبالتالي فليس ثمة حاجة إلى وضع آلية جديدة لتعيين الأمين العام بل إن مجلس الإدارة لا يملك من الناحية القانونية صلاحية وضع آلية جديدة مغايرة للآلية التي وضعها النظام. وهنا قد يسأل سائل هل تنتهي ولاية الأمين العام إذا انتهت ولاية مجلس الإدارة وتم تعيين مجلس إدارة جديد؟.... الجواب من وجهة النظر القانونية يكون على التفصيل التالي:
1- لم يرد نص في نظام الغرف التجارية الصناعية يوجب انتهاء خدمة الأمين العام بانتهاء مدة مجلس الإدارة، بل إن النظام المذكور لم يحدد البتة مدة معينة لشغل منصب الأمين العام. وبالتالي فإن مدة شغل هذا المنصب تحكمها قواعد وأحكام نظام العمل لأن الأمين العام للغرفة التجارية يعد موظفاً في الغرفة وتخضع علاقة العمل التي تربطه بالغرفة لأحكام نظام العمل والعمال ونظام التأمينات الاجتماعية، ويقوم قرار التعيين مقام عقد العمل إذا لم يتم إبرام هذا العقد.
2- إذا تم تعيين الأمين العام لمدة محددة انتهى شغله لهذا المنصب بانتهاء هذه المدة طبقاً للفقرة (1) من المادة (55) من نظام العمل التي قررت بأن ينتهي عقد العمل المحدد المدة بانقضاء مدته، فإذا استمر طرفاه في تنفيذه عُد العقد مجدداً لمدة غير محددة.
3- إذا لم يحدد قرار تعيين الأمين العام مدة شغله هذا المنصب، أصبحت هذه المدة غير محددة وفي هذه الحالة وبناء على حكم المادة (75) من نظام العمل لا يجوز إنهاء خدمات الأمين العام أو فصله إلا بناء على سبب مشروع، فإذا فصل الأمين العام لسبب غير مشروع فإنه طبقاً للمادة (77) من نظام العمل يحق له المطالبة بتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء هذا الفصل وتقدر هيئة تسوية الخلافات العمالية هذا التعويض على نحو يراعى فيه ما لحقه من أضرار مادية وأدبية حالة أو احتمالية وظروف الإنهاء. وطبقاً للمادة (78) من نظام العمل يجوز للأمين العام الذي يفصل من عمله بغير سبب مشروع أن يرفع دعوى أمام هيئة تسوية الخلافات العمالية للمطالبة بإعادته إلى العمل.
والأمين العام الحالي تبوأ منصبه إبان ولاية مجلس الإدارة السابق، أي أن رئيس مجلس الإدارة الجديد الأستاذ صالح كامل لم يعينه، كما أنه لا يملك صلاحية عزله من غير سبب مشروع، ولذلك فقد تساءل الأستاذ صالح كامل في رده على رسالة الأعضاء المعترضين قائلاً (أما بخصوص الأمين العام ... فهل عرض عليكم شيء في هذا الأمر حتى الآن لنتحدث عنه أو نتناقش بخصوصه).
تبقى نقطة أخيرة وهي القول إن قرار تعيين الأمين العام هو قرار استراتيجي للغرفة. وهذا القول ينطوي في تقديري على وصف غير دقيق ولا ينسجم مع طبيعة مهام وظيفة الأمين العام، فالأمين العام لا يملك صلاحيات رسم السياسات ووضع البرامج والخطط، فطبقاً للمادة (24) من نظام الغرف التجارية الصناعية يختص مجلس الإدارة بمهام تصريف شؤون الغرفة وله جميع الصلاحيات لتحقيق أهدافها ويصدر ما يراه لازماً من لوائح مالية وإدارية وتعليمات. وله تشكيل اللجان وتفويض الصلاحيات لضمان سير العمل في الغرفة. أما صلاحيات الأمين العام فهي إدارية تنفيذية حددتها المادة (31) من النظام المذكور، حيث قررت أن يختص أمين عام الغرفة بما يلي:
أ - تنفيذ قرارات مجلس الإدارة.
ب - تنفيذ الأعمال التي يكلفه بها رئيس المجلس.
ج - مراقبة موظفي ومستخدمي الغرفة في أداء أعمالهم وتقديم تقرير عن كل منهم في نهاية كل سنة مالية.
د - إعداد مشروع الميزانية والحساب الختامي.
هـ - اتخاذ الإجراءات اللازمة لانعقاد الجمعية العمومية ومجلس الإدارة.
في الختام أقول إن منصب أمين عام الغرفة التجارية هو منصب إداري تنفيذي له صلاحيات محددة نظاماً ولا يصح أن يكون شغله محلاً للأهواء الشخصية، فالكفاءة والجدارة والاستقامة ينبغي أن تكون أساس اختيار الأمين العام. وشهادتي في الأمين العام الحالي لغرفة جدة قد تكون مجروحة بسبب صلة القرابة التي تربط بيننا إلا أن واقع سجله يثبت أنه بحكم تخصصه العلمي في مجال القانون عمل في الإدارة القانونية في الغرفة وترأسها ردحاً طويلاً من الزمن قبل أن يتبوأ منصب الأمين العام وأنه عمل في الغرفة نحو 30 عاماً أي أنه خبير بعملها وشؤونها وليس من الإنصاف ولا من مصلحة الغرفة استبداله بغيره بلا سبب مشروع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي