مقارنة ثم استهلاك ثم اقتراض ثم.. ورطة!

في الأسبوع الماضي تقدم لي شخص «ولنسمّه أحمد» طالباً المشورة المالية، فذكر أنه يحصل على راتب ممتاز لم يكن يحلم به قطّ (وقدره ثمانية آلاف ريال شهرياً)، ولكنه لم يعد يكفي لسد حاجاته حيث إنه ينفد منذ الأسبوع الأول من الشهر. ولدى سؤاله وجدت أن مصاريفه الحالية لم تكن كبيرة بأي حال. ولكن القاصمة أتت عندما سألته إن كانت لديه قروض، فوجدت أنه مدين لبنك التسليف بمبلغ 20 ألف ريال (قسطه الشهري 900 ريال)، ومدين للبنك بمبلغ 13 ألف ريال (قسطه الشهري 630 ريالا)، كما أنه مدين لبطاقة الفيزا بمبلغ 11 ألف ريال (قسطه الشهري 550 ريالا)، ومدين لبطاقة الماستركارد بمبلغ 5,500 ريال (قسطه الشهري عليها 230 ريالا)، كما أنه مشترك في جمعية بمبلغ أربعة آلاف ريال (ويدفع لها شهرياً 200 ريال)، ولديه سيارة بالتقسيط تبقى من قرضها 50 ألف ريال (قسطها الشهري 1,900 ريال)، كما أنه يدفع إيجارا للبيت قدره 20 ألف سنوياً (فيجنّب له شهرياً 1,700 ريال). وللإخوة الذين لا يوجد بجانبهم آلة حاسبة، فإن مجموع هذه الأقساط المختلفة يبلغ 6,110 ريالات. أي أن أحمد أصبح مجبراً على العيش على أقل من 1,900 ريال شهرياً لجميع مصاريفه! للأسف مشكلة (أحمد) تتكرر كل يوم. فلماذا حل ذلك به؟ وكيف لنا أن نتجنب مصيره وحاله العصيب؟ الإجابة في نظري تكمن في مثال بسيط: لنفترض (من باب التبسيط) أن هناك فقط ثمانية مجالات للصرف (وهي المسكن، السيارة، الخدمات، السفر، المأكل، الالتزامات الاجتماعية، الملبس، والترفيه). ولنفترض أيضاً أن هناك شخصان لهما نفس الدخل ولكن أولويات كل منهما تختلف عن الآخر، فالأول (ولنسمّة «الكشخة») يصرف الكثير على السيارة ولكنه لا يصرف إلا القليل على الفئات الأخرى، والثاني (دعنا نسميه «الفلّة») يصرف الكثير على السفر والترفيه ولكنه لا يعير اهتماماً للمصاريف الأخرى. ولكن مع احتكاكهما ببعض، يبدأ «الكشخة» يلاحظ أن صديقه يصرف أكثر منه على السفر والترفيه (دون أن يلاحظ أنه يصرف أقل منه على سيارته)، ونظراً لأنه يعلم أن دخلهما متماثل، فإنه يحس بالضغط لأن يزيد صرفه على السفر والترفيه ليتماشى مع صاحبه (مما يؤدي لزيادة مصروفه الكلي).
أما «الفلّة» فهو الآخر يلاحظ تفوق صاحبه عليه في مستوى سيارته (دون أن يلاحظ أنه يصرف أكثر من صاحبه على السفر والترفيه)، فيحس هو الآخر بالضغط لأن يستبدل سيارته بأخرى تتماشى مع مستوى رفيقه مما يزيد من مصروفاته. وهكذا تستمر الحالة بحيث يجذب الشخص الذي يصرف المبلغ الأكبر على مجال معين الآخرين لمجاراته غير مدركين أنهم يصرفون أكثر منه على مجالات أخرى، مما يؤدي لأن تأخذ مصاريف الجميع بالتوسع شيئاً فشيئاً. وفي السابق كان هذا الوضع يستمر حتى يصل الأفراد لحدود إمكانيتهم المالية فيتوقفون عن الصرف عند هذا الحد رغماً عنهم. ولكن مع توسع مجال القروض الشخصية وبطاقات الائتمان أصبح بمقدور الشخص الاستمرار في تلك الدوامة التوسعية في المصاريف حتى يجد أنه حفر لنفسه حفرة من الديون أصبح من الصعب خروجه منها.
وفي هذا الصدد أتقدم ببعض التوصيات لعلها تساعدني وإياكم على أن نتجنب مصير صديقنا أحمد، أولاً ابتعد عن المقارنات!! فالمقارنات هي الوسيلة الأسهل للدخول في دوامة التوسع في المصاريف. والإنسان مجبول على المقارنة في المواضع التي يقل فيها عن غيره دون الالتفات للمجالات التي يزيد فيها على غيره، مما يجعل المقارنات أحادية المنظور وتؤدي في العادة إلى دفع المرء لمزيد من الاستهلاك.
ثانياً: تجنب القروض الاستهلاكية وقروض بطاقات الائتمان كما تتجنب الداء، وتذكّر دائماً أن بطاقتك الائتمانية لا توفر لك النقد المجاني! أنما تسهّل عليك الاستهلاك وتؤدي بك لحفرة من الديون يصعب عليك الخروج منها. ثالثاً: إذا وجدت نفسك أسير الديون (كما حصل لصاحبنا أحمد) فعليك أن توحّد قروضك كلها بأن تأخذ قرضاً واحداً تسدد به جميع ديونك الأخرى لتتمكن من إعادة جدولتها بقسط واحد يمكنك تحمله وبسعر تمويل معقول (إذ إن بطاقات الائتمان عادة ما تفرض رسوم تمويل تزيد على 30 في المائة سنوياً).
ورابعاً أعط للادخار الأولوية نفسها التي تعطيها للاستهلاك. فلا تدخر ما يتبقى بعد الصرف، إنما اصرف ما يتبقى بعد الادخار. وذلك لأن مجالات الصرف عادة ما تكون ظاهرة للآخرين مما يجعلها مجالاً خصباً للمقارنات وبالتالي للضغوط التوسعية، بينما الادخار أقل ظهوراً للعيان مما يجعله أقل عرضة للمقارنة أو المنافسة، وبالتالي فالادخار أكثر عرضة للإهمال في سبيل مجالات الصرف الأكثر عرضة للمقارنات. وخامساً على الجهات التنظيمية المساهمة بشكل أكبر في توعية الأفراد بمخاطر القروض ومساعدتهم وتقديم المشورة لهم للخروج من دوامة الديون إما عن طريق إعادة الجدولة أو تخفيض تكلفة الإقراض أو غيرها. ومن الجهات المهمة في هذا الصدد هي الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية «سمة» التي بإمكانها استخدام قاعدة بياناتها الائتمانية لبناء مركز متكامل لخدمة المقترضين، كما يمكن لمؤسسة النقد تحميل تكلفة هذا المركز على البنوك والمصارف المختلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي