فقهاء الهيئات الشرعية للبنوك يرفضون إجازة «الربح المتغير»

فقهاء الهيئات الشرعية للبنوك يرفضون إجازة «الربح المتغير»
فقهاء الهيئات الشرعية للبنوك يرفضون إجازة «الربح المتغير»
فقهاء الهيئات الشرعية للبنوك يرفضون إجازة «الربح المتغير»

علمت «الاقتصادية» من مصادر قريبة من صناعة المرابحات الإسلامية أن مجموعة من الفقهاء المؤثرين، الذين يوجدون في معظم الهيئات الشرعية للبنوك السعودية، قرروا في آخر اجتماع لهم رفض إجازة منتج المرابحات «بربح متغير»، وذلك بعد أشهر قليلة من نشر «الاقتصادية» سلسلة من التحقيقات الصحافية حول المخالفات الشرعية التي ترتكب مع المرابحات «الصورية».

وطالب حينها بعض الأصوات الإصلاحية بتحرك الفقهاء للجم هذه المخالفات بعد أن أصبحت الحجة قائمة عليهم، مع ضرورة إيجاد منتجات بديلة عن مرابحات السلع الدولية.

وبالعودة إلى الاجتماع، فقد رفض عدد من الهيئات الشرعية التابعة للبنوك الإسلامية فكرة قدمها أحد الفقهاء وعضو في إحدى هذه الهيئات الشرعية تجيز إجراء المرابحات بربح متغير، وأكد عدد من الفقهاء أن معلومية الثمن هي ركن من أركان عقد البيع وبالتالي فإن تغير الربح في المرابحات يترتب عليه أن يكون الثمن مجهولا.

وقال لـ «الاقتصادية» مصدر مطلع، إن الاجتماع الأخير، الذي نظمه أحد البنوك السعودية بمشاركة مجموعة من الفقهاء، ناقش مسألة واحدة فقط تتعلق بإجازة إجراء المرابحات بربح متغير التي طرحت من أحد أعضاء الهيئات الشرعية المشاركين في الاجتماع.

في مايلي مزيد من التفاصيل:

بعد اكتشاف خفايا المخالفات الشرعية في المرابحات الصورية، فقهاء سعوديون يختلفون فيما بينهم حول منح الإجازة الشرعية لمنتج المرابحات «بربح متغير».

علمت «الاقتصادية» من مصادر قريبة من صناعة المرابحات الإسلامية أن مجموعة من الفقهاء المؤثرين، الذين يتواجدون في معظم الهيئات الشرعية للبنوك السعودية، قرروا في آخر اجتماع لهم رفض إجازة منتج المرابحات «بربح متغير»، وذلك بعد أقل من أشهر بسيطة على نشر «الاقتصادية» سلسلة من التحقيقات الصحافية حول المخالفات الشرعية التي ترتكب مع المرابحات «الصورية».

#2#

وطالب حينها بعض الأصوات الإصلاحية بتحرك الفقهاء للجم هذه المخالفات بعد أن أصبحت الحجة قائمة عليهم، مع ضرورة إيجاد منتجات بديلة عن مرابحات السلع الدولية.

وبالعودة إلى الاجتماع، فقد رفض عدد من الهيئات الشرعية التابعة للبنوك الإسلامية فكرة قدمها أحد الفقهاء وعضو في إحدى هذه الهيئات الشرعية تجيز إجراء المرابحات بربح متغير، وأكد عدد من الفقهاء أن معلومية الثمن هي ركن من أركان عقد البيع وبالتالي فإن تغير الربح في المرابحات يترتب أن يكون الثمن مجهولا.

وقال لـ «الاقتصادية» مصدر مطلع إن الاجتماع الأخير الذي نظمه أحد البنوك السعودية بمشاركة مجموعة من الفقهاء ناقش مسألة واحدة فقط تتعلق بإجازة إجراء المرابحات بربح متغير التي طرحت من أحد أعضاء الهيئات الشرعية المشاركين في الاجتماع.

وعلمت «الاقتصادية» من مصادرها أن الفقيه الذي قدم مقترحا بإجازة المنتج وعارضه زملاؤه الآخرون، يعد من أبرز فقهاء الجيل الثاني من الصيرفة الإسلامية.

وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم ذكر هويته نظرا لعلاقته المباشرة بهذه الصناعة، أن الفكرة لم تلق القبول من قبل الفقهاء المشاركين ويعود ذلك إلى أن معلومية الثمن تعد ركناً من أركان عقد البيع، فيما البيع بربح متغير يترتب عليه أن يكون الثمن مجهولا وهو ما يعني أن العقد يفقد ركناً من أركانه، وبيّن المصدر أن ملف هذه القضية أغلق نهائياً.

نفى تجاهل مجمع الفقه

ونفى المصدر نفسه أن يكون عقد اللقاء بهذه الطريقة فيه إساءة لأي جهة أخرى، وقال «علينا أن نعرف أن الاجتماع لم يكن لكافة الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية، وليس له أي علاقة بتجاهل مجمع الفقه الإسلامي وقراره الأخير بشأن تحريم التورق، بل العكس علينا الترحيب بتوسيع دائرة النقاش, فكلما توسعت كانت النتائج مجدية أكثر، ومن سمات الشريعة الإسلامية عدم وجود المركزية، مجمع الفقه يرحب بمثل هذه اللقاءات لأنها تسهل له الطريق، وما يحدث أن المجمع يعقد مؤتمرات بالتعاون مع البنوك وهيئاتها الشرعية مثل مصرف فيصل الإسلامي في البحرين، وزارة الأوقاف المغربية، البنك المركزي الماليزي، البنك الإسلامي للتنمية، وكان دائماً ما يحرص على طرح أي موضوع على جدول أعمال دورته القادمة يعقد لها مؤتمرات بقدر ما تحتاج تحضيرية لمناقشتها والتوصل إلى توصيات تعرض على المجمع الفقهي فيكون الرأي أكثر نضجا وأخذ حظه من النقاش وتبادل الآراء ويشارك فيه أكبر عدد من المتخصصين والفقهاء».

#3#

من جانبه أوضح الدكتور سامي السويلم الخبير في الاقتصاد الإسلامي أن السبب وراء فكرة إجراء المرابحات طويلة الأجل بثمن متغير هو الحاجة إلى التمويل طويل الأجل، مشيرا إلى أنه في التمويل التقليدي يتم منح القروض طويلة الأجل عائدة بفائدة متغيرة أو عائمة، بمعنى أنه قبل بداية كل فترة يتم تحديد الفائدة للفترة القادمة، ويتم تغييرها قبل الفترة التي تليها، وهكذا.

ومن هنا طرح السؤال هل يمكن استخدام نفس الأسلوب في المرابحة طويلة الأجل، وهل يصح البيع بثمن مؤجل على أن يكون هامش الربح متغيراً؟

وأضاف «المتفق عليه في الفقه الإسلامي أن هذا لا يجوز لعدة اعتبارات: الأول أن العوض لابد أن يكون معلوماً أو ممكناً العلم به عند التعاقد، وهنا العلم بالثمن الإجمالي متعذر عند التعاقد لكلا الطرفين، ثانياً الثمن المؤجل دين في الذمة, والدين في الذمة لا يقبل الزيادة لأن أي زيادة بعد نشوء الدين تصبح ربا.

فلا يجوز زيادة الثمن بعد التعاقد لأن هذا من الربا.

وفي التمويل طويل الأجل يتم تثبيت الفائدة للفترة الأولى عند التعاقد، ثم يتم زيادتها أو نقصها بحسب الفائدة في السوق في نهاية الفترة لتدفع في الفترة التي تليها.

وإذا طبق هذا المنهج في المرابحة فهذا يعني أن الثمن يزيد بعد التعاقد وهذا ربا، ثالثاً لا خلاف بين الفقهاء أن البيع مع ترديد الثمن لا يجوز، مثل أن يقول أبيعك السلعة على أن الثمن 100 لمدة شهر أو 120 لمدة شهرين، دون تحديد الثمن عند التعاقد.

فإذا كان هذا لا يجوز مع أن الثمن الأعلى يقابله تأخير في الأجل وهذا من مصلحة المدين، فترديد الثمن دون تأخير الأجل لا يجوز من باب أولى لأنه زيادة محضة دون أي مصلحة للمدين.

سرية الاجتماع

عن سبب «السرية» التي صاحبت جوانب الاجتماع وكونه عقدا بعيدا عن أعين الإعلام، على الرغم من أهمية القضية التي يتم مناقشتها، أوضح المصدر أن الندوة التي عقدت في الرياض كانت تناقش مسألة فنية لا تصلح لأن تناقش أمام الرأي العام، ولم تكن هناك سرية متعمدة وعدم دعوة الصحافة لحضور هذا الاجتماع، وأضاف «أحياناً لابد من مناقشة بعض الأمور بهدوء, وهذا المنهج قد يكون مفيداً في بعض الأوقات».

وعن مبررات حجة الفقيه السعودي الذي دعا إلى إجازة المرابحات بثمن متغير، قال المصدر : من أهم المبررات التي طرحها مؤيد الفكرة هو نظرية البيع بالسعر، هناك في الإسلام ما يسمى بالبيع بالسعر وهو أن تبيع السلعة بسعر السوق، تأخذها بحسب السعر الموجودة فيه اليوم، واستندوا إلى رأي شيخ الإسلام الذي يرجح نظرية البيع بالسعر ويدافع عنها وهي رواية عن الإمام أحمد موجودة في الفقه الإسلامي، بمعنى أن الشخص يستطيع أن يشتري سلعة ولا يسأل عن سعرها على أساس أن يتم تسجيل السعر مثل أي شخص آخر تباع له السلعة نفسها، لكن ابن تيمية نفسه ـ رحمه الله ـ بين أن البيع بالسعر يجب أن يكون بسعر موجود حين العقد ووقت العقد ولو شاء المشتري أن يعلم هذا السعر يستطيع ذلك، لكن كون المشتري لا يرغب في معرفة السعر من تلقاء نفسه وواثق بالبائع فإن الأمر لا بأس فيه، وهناك اطمئنان بأن الأسعار مستقرة وغير متقلبة بما يضر, لكن هذا المبرر لا ينطبق على البيع بربح متغير، فالبيع بهامش متغير هو في المستقبل ولا أحد يعلم قيمته لا البائع ولا المشتري فإذا ارتفع الهامش أصبح في مصلحة البائع، وتضرر المشتري وإذا انخفض الهامش حصل العكس.

وأكد السويلم أنه لا توجد هيئة شرعية سواء في المصارف المحلية أو الأجنبية تجيز التعامل بهذا النوع من المرابحات بربح متغير، مع التأكيد بأن هناك بدائل أفضل تحقق المقصود من الحماية من تقلبات البيئة الاقتصادية دون الوقوع في هذا الإشكال, مبيناً أن نسبة التمويل طويل الأجل محدودة في المصارف التجارية، حيث تبلغ بالنسبة للمصارف في المملكة في حدود 20 إلى 25 في المائة، بينما النسبة الكبرى 75 إلى 80 في المائة عبارة عن تمويلات قصيرة ومتوسطة الأجل.

المرابحات الصورية

يأتي ذلك بعد أن كانت «الاقتصادية» عمدت في وقت سابق إلى نشر سلسلة من التحقيقات حول المرابحات الصورية وأنماطها الأربعة، مساهمة في إثارة حراك شرعي حول تقنين استخدام هذه المنتج، يذكر أن وسطاء البنوك في الأسواق الدولية استغلوا فتوى «إجازة» منتج المرابحة التي أصدرها الفقهاء قبل نحو عقدين من الزمن وبنوا من خلالها سوقا لهذه السلعة تقدر بأكثر من 100 مليار دولار.

وبعد ذلك طفت على السطح تفاصيل أخرى حول هؤلاء الوسطاء الغربيين.

حيث أبلغ «الاقتصادية» في حينها عالم شرعي على اطلاع واسع بتعاملات البنوك الإسلامية مع البورصات الدولية أن بعض وسطاء البنوك الغربيين في بورصة لندن للمعادن LME ينفذون ما يعرف بالبيع على المكشوف Short-Selling - المحرم شرعا- مع مرابحات السلع، من دون علم المؤسسات المالية الإسلامية بذلك.

وعن جهود البنوك في كشف هذه المخالفات، كشف ناصر اللاحم، خبير في المصرفية الإسلامية، أن بعض البنوك الخليجية أرسلت ممثلين من هيئاتها الشرعية إلى بورصات السلع الدولية، إلا أن المفاجأة كانت في كون هؤلاء الممثلين «غير مؤهلين فنيا للوصول إلى حقيقة ما يجري» من خفايا في هذه الأسواق، من قبل وسطاء البنوك الذين يمارس بعضهم البيوع المحرمة مع المرابحات الصورية.

في حين قامت الهيئات الشرعية, بحسب اللاحم، التي ساورها الشك في هذه الأسواق بـ «إلزام» البنوك بإجراء المرابحات على السلع المحلية.

وذكر اللاحم أن «المشكلة تكمن في أن بعض الهيئات الشرعية تفتقد المهنية في عملها، وذلك كونها قائمة على أشخاص يؤدون هذا العمل وهم أصلا غير مؤهلين لإجراء عمليات التدقيق الداخلية والمراجعة الشرعية الصارمة.

وأشار إلى أن التحقيقات الأخيرة المنشورة حول المرابحات الصورية «تثبت أن الشك في هذه المعاملات كان «في محله» ولا يمكن الوثوق بالبورصات العالمية التي لا تأخذ الضوابط الشرعية على محمل الجد».

ويرى الناصر أن التحقيقات التي نشرتها «الاقتصادية» حول المرابحات الصورية أصبحت بمثابة «الحجة على الهيئات الشرعية التي لم يعد لديها ما تحتج به في هذا الخصوص من دعوى الجهل بالممارسات أو عدم القدرة على مراقبتها».

بل إن ذمة الهيئات الشرعية، والحديث للاحم، «لن تبرّأ» بعد أن أصدرت فتاويها «بالموافقة على منتجات التورق والمرابحات الدولية».

وتلا ذلك تصريحات من مصادر قريبة من الهيئات الشرعية بالبنوك في المنطقة، تفيد بأن الإدارات العليا في البنوك الخليجية «غير متحمسة» لفكرة إيقاف التعامل مع بورصة لندن للمعادن أو تشديد الرقابة على العقود المبرمة مع الوسطاء الغربيين أو حتى إيجاد مدقق شرعي تناط إليه مهمة تتبع صفقات المرابحات الدولية للتأكد من مطابقتها للشريعة.

وأشاروا إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لتمسكهم بهذا الموقف يكمن في متانة النظام القانوني البريطاني الذي يتميز بسرعة فصله في قضايا التعاملات المالية، خصوصا أن بعض صفقات المرابحة الواحدة تصل قيمتها إلى عشرات الملايين.

وتأتي تلك التطورات بعد أن طالب بعض الباحثين في المصرفية الإسلامية في السعودية بأن يتحرك فقهاء المجالس الشرعية لإبراء ذممهم حول الفتاوى التي منحوها للبنوك بإجازة مرابحات السلع الدولية، قبل أن يستغل بعض وسطاء البنوك الغربيون اتساع سوق المرابحات الدولية ، لتنفيذ بيوع صورية ومحرمة (مثل البيع على المكشوف) باسم هذه السلعة التي تعد من الأساسيات التي ترتكز عليها هذه الصناعة.

ويتناقض «صمت» بنوك المنطقة عما يجري في بورصة لندن للمعادن، مع قرار البنك الإسلامي الآسيوي، الذي يتخذ من سنغافورة مقرا له، عندما أعلنت إدارته بأنها تنوي إيقاف التعامل مع البورصة البريطانية نظرا لأن بعض معاملات (المرابحة) لا تمتثل للشريعة.

المرابحة نظريا

كثيراً ما تستخدم المعادن أساساً للمرابحة في السلع، ولكن في الحقيقة - بحسب مختصين - ربما لا تكون هناك أشياء فعلية داخلة في هذه العملية.

وفي عقد المرابحة بالسلع، يستخدم البنك فائض سيولته لشراء السلعة بطريقة تتفق مع أحكام الشريعة، وتشتمل هذه العملية على شراء سلعة من السلع كالمعادن التي يملكها بنك آخر لمدة زمنية محددة مسبقاً، وبعائد محدد سلفاً، وبعد ذلك يبيع المشتري تلك السلعة بالسعر السائد، ويكون مديناً للبنك بالسعر المحدد الذي اشترى السلعة به، بعدها يسدد العميل تكلفة السلعة للبنك مضافاً إليها أتعاب البنك أو «ربح معين» في وقت لاحق.

وبهذه الطريقة، يحقق البنك ربحاً وفي الوقت نفسه يكون المشتري قد حصل على التمويل من البنك.

ولكن على الصعيد العملي، فإن السلع في كثير من هذه العمليات لا تنتقل من جهة إلى أخرى، وأحياناً لا تكون هناك سلع بالمرة، بل هي مجرد تدفقات نقدية بين البنوك والوسطاء.

الأكثر قراءة