صناديق التحوط الإسلامية.. تعاملات ربوية واستغلال سيئ للمبادئ
في الوقت الذي تظهر فيه المصرفية الإسلامية كبديل حقيقي عن زيف المصرفية الكسرية (أي القائمة على إبقاء كسر من رأس المال في خزينة البنك)، من الضروري أن تكون الأسس متينة. هذا يعني أن المضمون يجب أن يهيمن على الشكل، على نحو لا يبقي أية أسباب أو حجج لتوجيه الاتهامات إلى المصرفية الإسلامية على أنها تقوم على الخدع التسويقية. المنتجات الاستثمارية الأخيرة، في الوضع التي هي عليه، تبدو باستمرار بعيدة كل البعد عن الموجودات الحقيقية ودون أن تكون لها أية منفعة واضحة تعود على المجتمع. ويبدو لنا أن بعض صناديق التحوط الإسلامية مليئة بالتعاملات الربوية والمضاربات، وإن كان ذلك يأتي من خلال شكل جذاب يسهل تقَبُّله.
تقليد في غير محله
عبر التاريخ كان من الطبيعي تقليد ثقافة القوى المهيمنة في عصر معين، اعتقاداً من الناس أن هذه الثقافة هي مثال يحتذى ويبلغ مرحلة عالية من التطور والعمق. وفي الأزمنة الحديثة نرى تقليد الغرب في فن العمارة وطرائق الحياة اللبرالية. ولكن ما يدل ظاهره على أنه بَرَّاق وتقدمي أخذ يظهر منذ الآن على أنه سطحي وأن أوانه مضى وانقضى. الأمر الجميل في الأزمة الائتمانية هو أنها عملت على تعرية هذه الحقائق القبيحة والكشف عنها. الآن فقط نستطيع أن نفهم السبب في تحريم الربا، حيث خلقت القيمة الزمنية للنقود نمواً مزيفاً، وحولتها أثناء ذلك من خادم إلى سيد.
لسبب لا نعلمه لا يزال هناك اعتقاد أن المنتجات المالية الغربية هي منتجات رائدة، أو أن التعقيد علامة على الذكاء. الشعور الحقيقي الذي يجب أن يكون موجوداً هو شعور المصرفيين بالحرج بسبب الطبقات المتراكمة من الديون الثقيلة التي قاموا بتعليبها وبيعها، ولا بد لهم من العودة إلى البساطة والشفافية. أصبحت صناديق الاستثمار بعيدة تماماً عن الهدف الحقيقي للمال، وهو المساعدة على إنجاز التعاملات في العالم الحقيقي. كلمة «مبتكرة»، حين تطلق على المصرفية الإسلامية، تتحول الآن إلى وصف في غير محله أو مسرحاً للاقتتال بين التفسيرات الليبرالية والمحافظة. إنها تذكرنا بفقاعة الدوت كوم، حين كان أي شخص لا يشارك في هذا المفهوم يُعتبَر عتيق الطراز مصيره الانقراض. لا بد لنا أن نَحْذَر من اللغة المعسولة التي تورطنا وتجعلنا نحتال على القواعد، خصوصاً حين تكون العوائد المالية مغرية إلى حد كبير.
أنموذج سرطاني
المصرفية الغربية تواجه الانقراض في النقطة التي كانت تُعتبر فيها جوهر التطور. في العصر الفكتوري كانت أسواق الأسهم تزاوج بين المستثمرين وأصحاب المشاريع، ما أدى بالتالي إلى أن تكون المكافأة هي خلق موارد للأرباح على الأسهم وليس النمو الرأسمالي. بطبيعة الحال كانت هناك حالات من الهلع، ولكن ثبات معيار الذهب ساعد الشركات على توليد حركة نقدية حقيقية، وكان يتم تدويرها وتعاد إلى الاقتصاد. وكان رأس المال المغامر هو مصدر الابتكار الحقيقي، الذي أفاد الأمم الغربية فائدة عظيمة في الماضي. الأمر الذي يؤسف له تماماً هو أن الشراكات التي من هذا القبيل بالضبط لا تشكل إلا الأقلية في التعاملات المالية الإسلامية.
إن الديون، كالشياطين، تأتي في عدة صور مصحوبة بتوأمها المزعج: الربا. أخفقت البنوك التقليدية لأنها يسرت دخول إغواء خلق الائتمان في سبيل الحصول على حصاد من الأموال التي يبدو أنها سهلة. وكما يحدث بالضبط مع العملة الورقية التي تطبع دون غطاء حقيقي، فإنه يتم تخفيضها، وكذلك نشاطات البنوك ضلت الطريق عن هدفها السليم. المصرفية الغربية الآن هي مسألة لصالح طرف واحد، حيث يعمل الاختلال في المخاطرة والمكافأة على تفضيل الشركات. وفي حين أنه ليس في مصلحة البنك أن تكون لديه القروض الرديئة، إلا أن البنوك في نهاية الأمر تأخذ عوائد مضمونة أثناء حياة الشركة، ولكنها تأخذ أول قطعة من جثمانها إذا تعرضت الشركة للهلاك.
التحوط
من الناحية التاريخية تتسم صناديق التحوط بجوانب إيجابية معقولة وقدر يسير من الجوانب السلبية، وتدار في العادة من خلال هذا المزيج النادر الذي يتألف من المديرين الاستثماريين المهرة الذين هم كذلك من أصحاب المشاريع. كانوا يستحقون مكافآت عالية لأنهم كانوا يتخذون مخاطر محسوبة هم وعملاؤهم. مرة أخرى نراهم تحولوا بصورة بعيدة كل البعد عن شكلهم الأصلي وعكسوا نسبة المخاطرة والربح بحيث تكون لصالح المدير على حساب المستثمر. هذا الأداء لم يكن فظيعاً فحسب، وإنما وقع المستثمرون المتعاملون مع هذه الصناديق في حبال نظام من البوابات يتألف من طريق ذي اتجاه واحد، وهو أن الدخول سهل ولكن الخروج ليس بالأمر الهين. مفهوم التحوط أدى إلى الشعور بالكسل، ما أتاح المجال لقدر يفوق الحد من تراكم المخاطر استناداً إلى قدر يفوق الحد من الافتراضات. ما زاد في تعقيد هذا الأنموذج الهزيل هو أن الأوراق المالية نفسها التي تقتنيها صناديق التحوط هي بحد ذاتها موبوءة بجوانب الخداع والتحايل من الشركات. كان من شأن انقلاب المد المالي الكشف عن عُرْي هذا التحايل الصريح إلى جانب الاستغلال السيئ للمبادئ والممارسات المحاسبية. لا شك أن ذلك كان مدفوعاً بالصراع في خيارات الأسهم، وهو الشكل الأقصى لذوبان قيمة الأسهم من بين يدي المساهمين.
حكمة الإسلام
إن الأحكام الشرعية في الإسلام ما هي الا وقاية إيجابية ضد المسار العملي المقضي عليه بالفشل. بالنسبة للعدد القليل من المصرفيين الغربيين الذين لديهم معرفة بالمصرفية الإسلامية، كثير منهم عالقون في العقلية القديمة، التي تقوم على تعليب المنتجات في سبيل اقتناص الأموال من الشرق الأوسط. منذ فترة قريبة فقط نشأت أقلية مستنيرة بهدي الإسلام ولديها دور أرحب لتقوم به. ولكن الأسس يجب أن تكون متينة، وهذا هو السبب في أن الجدال الصريح في غاية الأهمية في هذه المراحل المبكرة من التطور, إذ الملاحظ أن تفسير السوابق الواهية في كثير من الأحيان هو القاعدة وليس الاستثناء.
يعطينا التاريخ أمثلة ممتازة عن الأزمات وحالات الفوضى التي كانت معاصرة للحضارة الإسلامية. كانت الكنيسة المسيحية في العصور الوسطى تمقت الربا. وكما هي العادة دائماً فإن الطريق إلى جهنم محفوفة بالنوايا الحسنة، ودخل فيروس الربا عالمَ المسيحية من خلال عملية من التعاملات المتعددة والفورية تعرف باسم «مجموعة العقود الثلاثية contractum trinius». (مجموعة تتألف من ثلاثة عقود، هي عقد الاستثمار، وعقد البيع مقابل ربح، وعقد التأمين. وكان الهدف من هذه العقود في النهاية هو تحصيل فائدة على القرض تحت مسميات مختلفة). لم تكن لهذه المجموعة من قيمة في العالم الفعلي إلا إقراض المال مقابل فائدة معينة. وقد أصدرت الكنيسة نتيجة لذلك قراراً يقضي بوضع سقف لأسعار الفائدة التي تعتبر ربوية ومجحفة، ولكن هذا القرار لم يكن له أثر يذكر، على اعتبار أن الدفاعات ضد الربا كانت قد اختُرِقت قبل ذلك بفترة طويلة. يجدر بنا أن نعلم أن الربا يشبه الفيروس الذي يتكاثر مرات كثيرة بمجرد اختراقه للنظام. لذلك فإن مستوى التحمل في مواجهة الربا لا يمكن أن يكون إلا الرفض التام أو عدم الرفض على الإطلاق.
الخلاصة
حاول البعض التقليل من متانة المبادئ الإسلامية من خلال وضعها في سياق القرن السابع للميلاد. وهم يقصدون بذلك ضمناً أنهم أكثر تطوراً.. ولكن الحكمة صحيحة في كل الأزمان، وبالتالي فإن الاستهانة بما أنتجه السلف هي نوع من النظرة الفوقية.. ولا بد للمستثمرين المسلمين التمسك بصلابة مبادئهم حين يستمعون إلى المواعظ والنصائح التي يلقيها عليهم الأشخاص الراغبون في بيع منتجاتهم الاستثمارية. هناك بالتأكيد مكان للمنتجات البديلة، بالنظر إلى التركيز المفرط على الأسهم في المحافظ الإسلامية والقدر الزائد عن الحد من الالتزامات في بلدان منطقة الخليج العربي بصورة عامة. ينبغي أن يكون هناك تنوع مع التعامل الفعلي بموجودات فعلية، واستثمارات مربحة وشراكة مفيدة من خلال رأس المال المغامر. إن استخدام أدوات استثمارية مثل عقود مقايضة العائد الكلي يعمل بصورة غير مباشرة على انكشاف المستثمرين أمام عوائد يعتبر مَصْدرها بكل وضوح نوعاً من المضاربة والتكهن. حين يركز المستثمر على حلقة واحدة فقط تبدو حلالاً في السلسلة الاستثمارية وفي الوقت نفسه تجاهل جوانب الحرام فيها فإن هذا يقوض صدقية الصناعة ويضعف الأسس التي تقوم عليها.
المدير التنفيذي لشركة بيرتش أسيتس ليمتد ومؤلف كتاب الانهيار الأخير
من مجلة «أربيان بانكنق آند فينانس»