رأس المال البشري.. التحديات التي تواجه آسيا
بينما يستمر التراجع الاقتصادي في كونه نقطة تركيز رئيسية لدى التنفيذيين من الدرجة الثالثة، فإن الحاجة إلى اجتذاب المواهب والاحتفاظ بها تظل قضية مهمة. وينطبق ذلك بصفة خاصة على آسيا، حيث تساعد دول نامية فيها مثل: الصين والهند، على دفع تعافي الاقتصاد العالمي. ويعتقد نارايان بانت، أستاذ الاستراتيجية، والعميد السابق للتعليم التنفيذي في «إنسياد»، أن الشركات تفكر بالفعل في حاجاتها من الموارد البشرية حين تعود الاقتصادات إلى النمو. وبالتالي، فإن السؤال هو: إذا كان لديك عدد كبير من الموظفين، فهل بإمكانك الاحتفاظ بهم، حتى يكونوا جاهزين لأداء المهام حين يبدأ الاقتصاد في استعادة عافيته؟ وهو يعتقد أن هذه النقطة تجتذب كثيرا من تركيز معظم الشركات.
قيل للمشاركين في قمة الموارد البشرية التي عقدت في الآونة الأخيرة في سنغافورة، حيث كان بانت مسؤولاً عن تسهيلات تقديم المحاضرات، وشرحها، إن على الشركات أن تضمن مشاركة موظفيها في شؤونها من خلال إدراك متطلباتهم المتعددة، والتصرف وفقاً لذلك، إذ إن وسيلة جعل الناس منخرطين في العمل هي معرفة ما يوّلد القيمة لديهم، وتوفير فرص التطوير الذاتي، وإتاحة مجالات السفر، وتحقيق التوازن بين متطلبات العمل والحياة، والنظر إلى مختلف الأبعاد، إضافة إلى المكافآت. وإن فهم أبعاد القيمة أمر مهم للمجموعات المتعددة من الموظفين، وكذلك لإعداد حلول تناسب مختلف المجموعات، الأمر الذي يبقي على مشاركة الموظفين في الشؤون المتعددة لمنظماتهم وشركائهم.
غير أن الشركات في آسيا لا تقوم بما يكفي لمعرفة الاختلافات في حاجات الموظفين، وتقسيم الموظفين إلى شرائح بصورة سليمة. إلاّ أن من الأمور المشجعة أن بعض الشركات الكبيرة يقوم بشيء من ذلك.
ويلاحظ بانت كذلك أن الشركات تحاول اجتذاب الموهوبين من خلال ممارستها مسؤولياتها الاجتماعية. وقد تزعم هذه الجهود، هاريش ماناواني، الرئيس التنفيذي في شركة يونيلفر لشؤون آسيا، ووسط وشرق أوروبا، حيث يؤمن بفكرة «إجادة العمل عن طريق إجادة الأداء».
ويعتقد بانت أن مبادرات ممارسة المسؤولية الاجتماعية بحاجة إلى الظهور من خلال النشاطات العملية، وإلا فإنها سوف تبدو ظلاً باهتاً للأوقات الجيدة. ولذلك فإنه إذا حرصت الشركة على ضرورة إشعار العاملين فيها بأنهم يقومون بعمل جيد، فإن توفير فرص ممارسة المسؤولية الاجتماعية من جانبهم، يعتبر وسيلة مهمة لتحسين الالتزام، والإنتاجية، الأمر الذي سوف تكون له انعكاسات إيجابية على النشاط العملي برمته.
وهنالك من يقولون إن مزيدا من ممارسات المسؤولية الاجتماعية يؤدي إلى تقليل الأرباح. غير أن ذلك في رأي بانت، كلام سخيف، حيث إن مزيدا من ممارسة المسؤوليات الاجتماعية يساعد على زيادة تحسين الأداء، وتقديم صورة جيدة عن الشركات عموماً.
من الذين شاركوا في تلك القمة كذلك، صني ?يرجيش، الرئيس التنفيذي بتجارة السلع في شركة Olam الدولية، الذي أكد أن مبادرات ممارسة المسؤولية الاجتماعية تدوم إذا ساهمت في زيادة تحقيق الأرباح. وهو مهتم بصفة خاصة بتلك المبادرات ذات خاصيتين معينتين هما تعزيز نمو النشاط العملي، والتعلق بأمور تعرفها الشركة بصورة جيدة. ولذلك يقول إن شركته لا تدخل نطاق برنامج مكافحة الإيدز، على الرغم من أن هذا المرض يؤثر سلبياً على كثير من المزارعين في مناطق عمل الشركة، بل إن الشركة تسعى، بدلاً من ذلك، إلى زيادة قدرات المزارعين على الحصول على عوائد زراعية أعلى، الأمر الذي يعود بالنفع في نهاية الأمر على الشركة ذاتها.
ودار في إطار مناقشات القمة كذلك نقاش حول ضرورة تفكير الشركات محلياً، واتخاذها الإجراءات عالمياً. ويرى الخبراء المشاركون في القمة أن فعل الشراء يتم على الدوام من جانب جهة محلية. ومع ذلك، فإن سعة نطاق العمل الخارجي للشركات تساعدها على التفوق، وتحقيق الميزات النسبية المقارنة على النطاق المحلي.
ورأى المشاركون في هذه القمة كذلك أن التفكير في التحديات بهذه الطريقة يمكن أن يزيد طاقات الموظفين بوسائل تولّد القيمة في الوقت الذي يشاركون فيه في دعم المراكز الخارجية لشركاتهم، ومنظماتهم. ويعتقد المشاركون كذلك أن هذا الأمر يساعد كثيراً على استدامة عمل ونشاط الشركات التي تحاول أن تقدم حلولاً عالمية لأناس هم في حقيقة الأمر زبائن محليون.
جائزة رأس المال البشري
لقد استطاعت شركة Accenture India التفوق على 43 شركة آسيوية في الحصول على جائزة رأس المال البشري. وتنتمي هذه الشركات التي نافستها على هذه الجائزة إلى سبع من دول هذه المنطقة. وقال بانت معلقاً على ذلك خلال حديث له مع مجلة «إنسياد نولدج» «كثيراً ما تخفق الشركات في مشاركة موظفيها بتطلعاتها التوسعية الخارجية، حيث لا تقدم لهم الأدوات التي تضمن زيادة القيمة. وتشتكي فرق عمل المبيعات الخارجية لدى الشركات، في أحيان كثيرة من أنها تضطر إلى اتباع أساليب بيع غير متزنة إزاء زبائنها المحليين. وإن من شأن الفوز السريع بالأسواق المساعدة على تبني استخدام أدوات مبيعات تتناسب أكثر من متطلبات المستهلكين على النطاق المحلي».
ويقول بانت «إنك إذا مكّنت أي شخص من تبني حلول تناسب المتطلبات المحلية، فإنك تجعله يشعر بشعور جيد، وبأنه أكثر قوة، كما أن الإثارة والطاقة تزداد لديه». وفي مجال آخر أبدى موافقته على شيء من المشاركة الإدارية بين الشركات في آسيا, كما اقترح هيس فوهوا، الرئيس التنفيذي لبورصة سنغافورة.
وعلق كذلك على الشركة الهندية الفائزة بجائزة الموارد البشرية فقال «إن الأمر الذي شد انتباهي في هذه الشركة هو الطريقة التي تعمل بها طرق التعليم والإرشاد الإداري فيها. وأعتقد أنها قوية تماماً بهذا الخصوص، وأن لدى الشركة كل الوسائل التي تمكنها من النجاح في هذه الأمور. ومما يعجبه في ذلك أن كلاً من المرشدين الإداريين، والموظفين الذين يتلقون إرشاداتهم، يحصلون على تقييماتهم الخاصة بإنجاز ذلك، ودعم هذا النوع من العلاقات. غير أن الجانب الأهم في ذلك هو أن هذه العلاقة تم تصميمها لتمكين متلقي الإرشادات من تحقيق أهداف تنميتهم الذاتية، هذه الأهداف، وتلك التطلعات الشخصية التي كانت في صلب عملية التعليم والتوجيه التي كانت قوية للغاية. وكان التركيز يتم بصفة خاصة على طبيعة تطلعات العاملين، وكيفية تحقيقها في إطار عمل الشركات.
وهنالك شكوى عامة من أن معظم القرارات يتم اتخاذها خارج نطاق الاجتماعات، وبالتالي فإن دور المجتمعين يكون مجرد وضع بصمة أختامهم على تلك القرارات. وهنالك ظاهرة في آسيا تقول إن رؤساء العمل يتخذون قراراتهم الفعلية قبل أشهر عدة من الاجتماعات التي يفترض أن تتم خلالها مناقشة اتخاذ مثل تلك القرارات. ودعا المشاركون في القمة إلى زيادة مساهمة الموظفين في عملية اتخاذ القرارات. يضاف إلى ذلك أن الموظفين يأتون إلى الاجتماعات وهم يشعرون بالإرهاق، وبعدم الرغبة في الدخول في التفاصيل التي تؤدي إلى قرارات عملية مستنيرة.
وهنالك وزن كبير يعطى للمجتمع، ولأمور الانسجام في اتخاذ القرارات على صعيد كثير من الشركات العاملة في آسيا. ويوجد ذلك بصورة تبدو متناقضة على صعيد الشركات القوية ذات الملكيات المتوارثة. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح على صعيد الممارسات الإدارية العامة في تلك الشركات، مع أنها ليست من الأمور الواضحة للمراقبين العرضيين.
وكان هنالك سؤال مهم حول كيفية تمكن الشركات من التغلب على تناقض دفع قوة التغيير في الوقت الذي تحافظ فيه على شعور من الاستقرار بين الموظفين. ويرى فو هوا أن على الشركات دعم التغيير التطوري، والتمسك بالقيم والثقافة التي تعتبر من الأمور المشتركة بين الموظفين.
ويوافق بانت في هذا الصدد على أن من المهم للشركات إدارة التغيير بينما تحافظ على شعور الاستقرار لدى موظفيها. غير أنه يلاحظ أن بإمكان الشركات إجراء تغييرات إضافية بسيطة لفترة ما إلى أن يحين وقت إجراء تغييرات كبرى، على غرار تبديل أطقم الإدارة، وتغيير البنية الإدارية بصورة عامة. وقد وردت أوصاف لمثل هذه التغييرات بخصوص طول فترات التغيير، وما يحدث من طفرات تغييرات مفاجئة.
ويرى بانت أن العمليات الحالية لإعداد المديرين أكثر تقبلاً لفكرة التغير المستمر، بالمقارنة بما كان سائداً لدى الأجيال السابقة التي كانت تميل إلى قياس نجاحها بمساحات المكاتب التي تشغلها في شركاتها. ولا يعتقد بانت أن الموظفين يتوقعون بقاء الشركات على حالها، كما أنهم لا يرون أن البيئة المحيطة بالعمل سوف تبقى دون تغير.
ويعلق بانت على القضايا الرئيسية التي برزت من هذه القمة بقوله إن فكرة ألا تقوم الشركات بمعاملة موظفيها كما لو أنهم كيانات متطابقة تماماً، تصبح أكثر رواجاً في ظل تزايد التركيز على التقسيم الحذر للموظفين إلى شرائح، الأمر الذي يؤدي إلى تبني استراتيجيات انخراط مختلفة في التعامل مع الشرائح المتعددة.
وتعلمت الشركات كذلك أن زيادة قوة معرفة عامليها الخارجيين بشؤون إدارة العمليات الخارجية، تتطلب كذلك تمكينهم من التفكير على النطاق المحلي، بينما يحصلون على منافع كونهم جزءا من مؤسسة عالمية. وإن الحصول على مكاسب واضحة من ذلك يتطلب أن تدير الشركة قدراتها اللوجستية بصورة سليمة حتى يتمكن أولئك الموظفون في الخارج من العمل مع بعضهم بعضا. غير أن الدرس الأكبر، كما يقول بانت، هو أنه لا يوجد أستاذ إداري بارز في أي مكان من العالم لديه كل الإجابات عن القضايا الخاصة، والتحديات التي سوف تواجهها آسيا في المستقبل. ويعود الأمر لأولئك الذين يعملون في آسيا لتجربة وابتكار أفضل الحلول التي يمكن أن تكون ناجحة لديهم.