التورق حلال .. والخلاف فيه بين العلماء على أصله أو تطبيقاته

التورق حلال .. والخلاف فيه بين العلماء على أصله أو تطبيقاته

نظم بنك الرياض لقاء مفتوحا بين هيئته الشرعية وعدد كبير من المواطنين والمهتمين والعملاء في الخبر، تناول قضايا المصرفية الإسلامية بداياتها وانتشارها الواسع ومواجهتها للتحديات والأزمات المالية العالمية واكتسابها زخما جديدا، ما جعلها في عين العاصفة ووضعها في موضع التحدي المهني والشرعي والقانوني.

في هذا اللقاء أوضح الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع رئيس الهيئة الشرعية في بنك الرياض، أن هناك اتجاها عالميا نحو تطبيق المصرفية الإسلامية، خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية التي واجهتها عديد من دول العالم، وذلك نظرا لما أثبتته المصرفية الإسلامية من ثبات في هذه الأزمة.

وقال المنيع خلال اللقاء ــ الذي شارك فيه الشيخ عبد الله المطلق عضو الهيئة الشرعية في البنك، والدكتور محمد القري عضو الهيئة الشرعية في البنك، وحضور أسامة بخاري المدير الإقليمي للبنك في المنطقة الشرقية، وسامي العثمان مدير المصرفية الإسلامية في بنك الرياض، إضافة إلى عدد كبير من المهتمين والمهتمات في هذا المجال ــ إن المصرفية الإسلامية بدأت ضعيفة، ولكن بتوفيق الله وسعي الرجال المخلصين للقضاء على الربا والتركيز على المصرفية الإسلامية، انتشرت انتشارا كبيرا ليس على المستوى المحلي فحسب، وإنما على المستويات الخليجية والعربية والعالمية.

وقال المنيع إن المصرفية الإسلامية أصبحت موجودة في أوروبا، أمريكا، الصين، اليابان، أستراليا، وغيرها من دول العالم، كما أن بعض الرأسماليين أصبحوا هم أنفسهم ينادون بالتعامل بالمصرفية الإسلامية، وذلك نظرا لكون المصرفية الإسلامية تعني أن يكون التعامل تعاملا حقيقيا ليس مبنيا على وهم وتوهمات مستقبلية، وإنما يجب أن يكون مبنيا على حقائق فيما يتعلق بالشراء وفيما يتعلق بضرورة ملكية من يبيع، وفيما يتعلق بضرورة أن يعلم المشتري من حيث رؤية ما اشتراه والبعد عن أية صفة توقعه في الجهالة ومن حيث تحديد الثمن، بحيث لا يكون الثمن مبنيا على نقليات مالية قد تزيد أو تنقص بعد تمام العقد نفسه، وهذا يعد خطأ ويعد من أكبر ما يجلب الضرر والغبن والجهالة وما يتعلق بالتعامل الربوي والتعامل القماري ونحو ذلك.

دور المجتمع

وبين الشيخ المنيع أن أغلبية البنوك المحلية التي كانت في الأصل بنوكا ربوية، أصبحت تتجه في الوقت الراهن بشكل جاد نحو المصرفية الإسلامية، حتى أن بعض هذه البنوك أصبحت تتعامل بالمصرفية بشكل كامل، وعلى سبيل المثال بنك الرياض تدرج حتى أصبح لديه حاليا 112 فرعا يطبق المصرفية الإسلامية، أي ما يعادل 75 في المئة من فروعه، وهو الآن في اتجاه تطبيق المصرفية الإسلامية في النسبة المتبقية من فروعه على مستوى مناطق السعودية، قائلا “قامت المصرفية الإسلامية قياما نحمد الله سبحانه وتعالى على تيسيره وتيسير نشاطه بعد أن كانت حلما من الأحلام ووهما من الأوهام التي يتوهمها كثير من المتشائمين ومن الساخرين من المناداة بهذا الاتجاه المبارك، الذي هو محاربة من الله ومن رسوله ومن عباده المؤمنين للربا وأصحابه”، مؤكدا أهمية الدور الذي يقوم به أفراد المجتمع في الضغط على البنوك والمصرفيات في الاتجاه إلى الضوابط الشرعية في العمليات المصرفية، الأمر الذي أدى إلى تحول بنوك بكامل فروعها إلى التعاملات المصرفية الإسلامية واهتمام بقية البنوك والمصارف بالضوابط الشرعية في تعاملها وتأسيسها مصارف مستقلة تقدم الخدمات المصرفية بالضوابط الشرعية.

التورق

وفيما يخص التورق قال الشيخ المنيع “الإنسان حين يحتاج مبلغا من المال لأي سبب من الأسباب، فهو أمام أربعة اتجاهات لتوفير هذا المبلغ، حيث تتمثل الحالة الأولى في أن يجد من يعطيه هذا المبلغ كتبرع، وهو أمر نادر الحدوث، أما الحالة الثانية أن يأخذ هذا المال من شخص على هيئة قرض حسن، وهو أيضا أمر نادر لكوننا في زمن شحيح، أما الحالة الثالثة أن يأخذ هذا المبلغ من بنك تمويل ربوي، ولكن في هذه الحالة لعنه الله هو والبنك الذي تعامل معه وجميع من عمل في هذا التمويل، وفي الحالة الرابعة أن يلجأ إلى التورق الذي يستطيع من خلاله قضاء حاجته دون حرج، وهو سلعة معلومة، وثمن معلوم، وتكون فيه السلعة مملوكة لدى المالك، والتورق ليس نازلة فقهية جديدة وإنما هو مسألة موجود التعامل بها في عهد أصحاب رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم.

ودعا الشيخ المنيع جميع المتعاملين مع المصرفية الإسلامية لدى البنوك إلى عدم توكيل البنوك سواء في البيع أو الوساطة، وأن يأخذ العميل تفويض تسلم من البنك لسلعته المباعة له، والمتفق عليها بينه وبين البنك، ومن ثم تسلمها أو بيعها، وأن يتلمسها ويراها، على الرغم من جواز توكيل البنك، ولكن ذلك لقطع الشائعات التي تدور حول عدم تعامل البنوك بالشكل الصحيح في مثل هذه المعاملات، وأنه ليس لديها مصرفية إسلامية، وأنها لا تملك السلع التي تبيعها، ولا يوجد لديها إلا الربا وأوراق يوقع عليها العميل، مشددا على أنه يجب أن تكون السلعة المبيعة مملوكة لدى البائع قبل البيع ووقت التنفيذ، وبيع غير الملك باطل.

قراءة جميع أوراق المعاملات

وعلى الصعيد ذاته أكد الشيخ الدكتور عبد الله المطلق عضو الهيئة الشرعية في البنك، أن التورق حلال، والخلاف فيه بين العلماء إنما هو خلاف على أصل التورق أو تطبيقاته، مشددا على أنه يجب على جميع عملاء البنوك عند التعامل مع البنك، قراءة أوراق جميع المعاملات جيدا قبل التوقيع عليها، سواء عند التمويل أو الاستثمار.

وقال المطلق “إن تطبيق المصرفية الإسلامية في البنوك أكبر شاهد عليه هو العملاء أنفسهم، الذين من واجبهم إذا لاحظوا أي شيء في تعاملات هذه البنوك في هذا المجال أو أشكل عليهم أي أمر إبلاغ الهيئة الشرعية في هذه البنوك”.

المسؤولية المشتركة

من جهته أوضح الشيخ الدكتور محمد بن علي القري عضو الهيئة الشرعية في البنك، أن جميع البنوك الإسلامية بلا استثناء تعمل بالتورق، والخلاف فيه ليس أكثر من مزايدات، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن المسؤولية مشتركة بين الجميع، ولا شك أن الهيئة الشرعية تقع عليها مسوؤلية كبيرة في هذا الجانب، ولكن العملاء أيضا مسؤولون في حال وجود أي مخالفة من البنك، ويجب عليهم إبلاغ أعضاء الهيئة الشرعية في البنك.

الوصول لمنتجات مصرفية شرعية

يشار إلى أن الوصول إلى المنتجات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية يعد بالنسبة لكثير من الناس في المملكة وخارجها أمرا في غاية الأهمية، ولهذا السبب عكف بنك الرياض على تصميم مجموعة خاصة من المنتجات والخدمات الإسلامية التي تشمل المعاملات المصرفية اليومية والتمويل والحلول الاستثمارية لعملائه من الأفراد والشركات، إذ وضع بنك الرياض إدارة المصرفية الإسلامية لديه كجهة متخصصة ومسؤولة عن تقديم الاستشارات والحلول المناسبة لتخطيط ومتابعة تنفيذ وتطوير نشاطات المصرفية الإسلامية، وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة ووفقاً للتوجهات الاستراتيجية وخطط الأعمال المقررة في البنك، وكذلك تطوير وطرح منتجات وخدمات مصرفية مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية ومتابعة التطبيق، مستعينة بنخبة رائدة من المتخصصين، إضافة للعمل على تسويقها بالتعاون مع إدارات الأعمال ذات العلاقة بالعملاء في البنك، كما أن هناك لهذا الجانب هيئة شرعية مستقلة للمصرفية الإسلامية تتكون من نخبة من العلماء الأفاضل، يعهد إليها مراجعة أعمال المصرفية الإسلامية في البنك والإشراف عليها للتأكد من الالتزام بأحكام وضوابط الشريعة الإسلامية. وتضطلع الهيئة الشرعية ببيان الحكم الشرعي فيما يقدم لها من منتجات وخدمات إسلامية، وإصدار القرارات والفتاوى الشرعية بشأنها، حيث تتألف الهيئة الشرعية للمصرفية الإسلامية في بنك الرياض من ثلاثة أعضاء هم الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع رئيساً، وعضوية كل من الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق، والشيخ الدكتور محمد بن علي القري.

الأكثر قراءة