الأحد, 20 أَبْريل 2025 | 21 شَوّال 1446


السياسات الإدارية وتأثيرها في بيئة العمل

لا يختلف اثنان واعيان مستشعران ما يمر به الوضع العملي والاقتصادي من تقلبات خطرة، تهز الحياة الكريمة وتخيفها من المستقبل المجهول، الذي تواجهه الشعوب والمجتمعات في أرجاء المعمورة، في أن بيئة العمل لها دور إيجابي مهم في مسيرة النمو والتطور والإبداع، ولها دور آخر سلبي في مسيرة التخلف والضمور والتراجع نحو الاقتيات على بقايا المستثمرين لتكاسلنا وما يتركونه لنا من الفتات.
ورأفة وتذكيرا بحال ما يعيشه المتكبرون والمتغطرسون والمتسلطون من الغرور وجنون العظمة، في سبيل النهوض بهم والأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، والصحوة قبل التعثر والسقوط والحرمان؛ يجدر التنويه إلى أن حياة البشر مليئة بالكثير من العِبَر التي أنتجتها العقد والتناقضات، والأمثلة حية تسير بيننا وفي دمائنا وعقولنا من التنوع البيئي العملي المثخن بالجراح أكثر مما هو معنون بالسعادة والأفراح، التي يشيب الرأس عند قراءتها والتمعن في مفرداتها ومغزاها وتبعات الأخذ بها من جانبي الفائدة ومضادها.
ومن العِبَر الشيقة التي تشد القارئ إليها، ما يحويه الوضع المتأزم في التعامل مع سياسة الأفاعي (Snake Policy)، من حيث تصنيفها إلى نوعين يمثلان واقعا حياتيا نعيشه، ويدخلان في دائرة التصوير والتعبير والمجاز في التطبيقات العملية بين الموظفين والعمال بالنسبة للمراتب التي يمثلونها، في كيفية التعامل فيما بينهم ومع بعضهم البعض بريبة وبدهاء للإثارة والاستعداء، أو في الإقصاء والعزل إلى أن ينهاروا وتتلاشى قوتهم وإبداعهم.
بالفعل لو دققنا وركزنا فِهْمَنا لوجدنا أن هناك تشابهاً قريباً مع الصنفين المنوه إليهما في تصرفاتنا، والذي يوضح الفطرة التكوينية لحياة الأفاعي الوحشية، ومدى السُّمِّية والخطورة التي تصاحب التعامل معها ومحاولة إيذائها، تتمثل في ردة أفعالها العدوانية الدفاعية، التي تتخذ بعض الدول ذات التواجد الكثيف من الأفاعي في محيطها كأستراليا وأمريكا، سياسات إرشادية وتوجيهية وخطوط هواتف ساخنة للتعامل مع الأزمات والطوارئ نحوها، والنوع الآخر من الأفاعي التي تتصرف بغرابة حيال فقدانها التمييز مع الوقت بين أعضائها، وكأنهم أفاعي أُخرى يعيشون معها، لتنقض عليهم دون وعي في التهامها لذيلها، وهو نوع يسمى الثعبان الريجي (Reggie Snake) يعيش في كاليفورنيا- في أمريكا «يفقد عقله ويلتهم مع الوقت ذيله».
والتمثيل الإداري في سياسة الأفاعي الوحشية التشبيهية قد تكون نتاجاً تحولياً لفشل سياسة توزيع الأدوار الإدارية التفويضية الصحيحة، المسماة بسياسة الفريق الواحد في الاتفاق وترحيل الأدوار، كردة فعل وحشية وتحول من عدم القدرة على التقيد، وغياب التناغم والانسجام بين الأطراف على تطبيق وتنفيذ سياسة التفويض المبرمجة، إلى سياسة الأفاعي في الحذف المتبادل والخنق والترحيل المدججة.
وفي حقيقة غير مرضية تقصف بمجتمعنا وتؤجل عطاءنا ونماءنا، مرتبطة بأوضاعنا البيئية العملية والحقوقية المتعثرة والاقتصادية المهتزة، تكمن في عدم الاستفادة التامة من المناسبات الثقافية والعلمية، كالتقارير والتصنيفات والمسوحات والمؤتمرات والمنتديات العالمية التي تعتني بالقضايا الإدارية والتنموية والإبداعية والتطويرية والتنافسية، التي تأتي وترحل دوريا لتنقل لنا صورا وتجارب، أمضى منظروها سنين عدة من الشد والمد والجذب، إلى أن أينعت ونضجت وثبتت أو قاربت أن تكون نظريات وحقائق علمية لا فرضيات. تساؤلات كثيرة يجب أن تطرح وتتردد على الأذهان من أجل مواكبة الأزمان، مفاد البعض منها يكمن في؛ هل أوجدت تلك المناسبات لها موقعا وموقفا ثابتا في مسير حياتنا مهيئا للانطلاق؟ أم أنها أصبحت من المظاهر والمفاخر الجوفاء، ومِعولا للحفر والنقش في بُنانا التحتية وفي ضمائرنا للبكاء على إضاعة الوقت والحق، وفي وضعنا عرضة للازدراء؟
ولدغدغة المشاعر من بعيد، سنطرق باب القيم الرفيعة من صِيَغ الكياسة والفطنة والفراسة التي يحرص عليها العاملون الموهوبون، وتنساق إليها النفوس المتلهفة نحو الوصول إلى القمة، والخلاص من المِحَن والغُمَُة، ترفُّعا وابتعادا عن آفة المحاباة والدلال، التي تؤرق المخلصين بالظُلمَة، وتقوم النفوس تؤرخها وتصوغها بأحرف من ذهب كلما اشتدت وضاقت حياتها، بعد أن انهالت عليها الفتن وتكالبت عليها المجون، لعلها تستنفر من بؤسها وتشحذ هممها لتقوى عزيمتها من جديد، وتفتح الأبواب لطرد السواد من أمامها، لترى النور قبل أن يُجهز عليها وتُقَيَّد بالحديد، فهي لحظات قد تعيد النفس إلى حياتها وانتعاشها وقوتها في ذروة النضج والفطنة، وقد تهوي بها في دهاليز معتمة في دورة الهتك والغفلة، بعد أن يرتد عليها صوتها في صدى متقطع من بعيد، يُسَلِّيها وينتهي بها في طابور وحيد، والخوف أن تتركها مع الشيطان يحاورها ويزفها إلى نهايتها، ليخرجها من قوتها ويسوقها تتلاطم بين القضبان والجريد.
فمن أراد أن يختبر نفسه ويقيمها في أي وضع وصلت إليه بعد أن توقفت رسائل الود والعطف التي اعتادت عليها من الساعي، فلينظر إن أصبحت لم تعد تميز بين الاتجاهات ولا الفصول ولا الشمس والقمر من ويل ما تجرعته من سم الأفاعي، أو أنها لم تعد تجرؤ حتى في سرد الشعر الذي ستُنعى به بعد احتضارها من الناعي، فإن فعلت لتمت محاكمتها على ذنب لم تقترفه، سوى أنها ناشدت أن تتهيأ قبل أن ينهال عليها التراب الجماعي، فهذا هو الوقت الحق للتغيير والتصحيح في تصرفاتنا وظلمنا لأنفسنا وغيرنا، والنهل من القيم الحميدة ومن فكر الداعي، فالحياة مازالت مليئة بالخير والعطاء والتوجيه الذي يتبناه المسؤول المخلص الراعي، والكل ينتظر بشغف لتحرك أوسع للحقوق الإنسانية والعمالية، والنيل من الفساد ومكافحته في خروج هيئته العليا التي ستُنقِّي الوضع الاجتماعي..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي