هل إفريقيا مجرد قصص حول الأمراض والفقر أم عطش الصين إلى المواد الخام والطاقة؟

هل إفريقيا مجرد قصص حول الأمراض والفقر أم عطش الصين إلى المواد الخام والطاقة؟

حين تنصت إلى هيئة كلية انسياد، وخريجيها، وشركائها، فسوف تدرك أن إفريقيا لم تعد مجرد قصص حول الأمراض، والفقر، والبؤس، والمساعدات الإنسانية. أو حول عطش الصين إلى المواد الخام والطاقة، بينما يشتري اليابانيون والكوريون الأراضي في إفريقيا لزراعة المواد الغذائية الخاصة بهم. وفي يومنا هذا، فإن إفريقيا كذلك عبارة عن قصص حول الاستثمار والنمو على نطاق عالمي.
ويقول لويك سادوليت، المدير الأكاديمي لمبادرة إفريقيا التابعة لانسياد، وهي جزء من مركز الابتكار الاجتماعي في كلية انسياد: ''أمام انسياد فرصة فريدة للمشاركة في التنمية الاقتصادية لإفريقيا. ومما لا شك فيه أننا فعالون هناك في قطاعات ذات علاقة بدفع النمو الاقتصادي: الرعاية الصحية، والتكنولوجيا، الطاقة، الأعمال الزراعية، المصرفية، والتمويل''.
إن طلبة انسياد المشاركين في برنامج الماجستير في إدارة الأعمال الاختياري يحصلون على الخبرة في إفريقيا. ويضيف ادوليت قائلاً: ''نحاول أن نكون حاضرين مادياً – إننا على أرض الواقع في جنوب إفريقيا، وفي غانا، ومع الطلبة في كينيا... ونعقد شراكات مع شركات فعالة في المنطقة والأسواق الإفريقية: فودا فون ، على سبيل المثال. ونعقد شراكات مع العديد من بنوك نيجيريا، ويرسل العديد من البنوك في جنوب إفريقيا أشخاصاً للمشاركة في برامجنا التعليمية التنفيذية. فمجموعة سوير – التي تمتلك خطوط كاثاي باسفيك الجوية، وتيتلي تي، على سبيل المثال – لديها العديد من التنفيذيين الذين يأتون من إفريقيا للمشاركة في برنامج سوير للإدارة المتقدمة في إنسياد''.
تضيف راديا بيج، مديرة مبادرة إفريقيا: ''إن ما نحاول أن نفعله في مبادرة إفريقيا هو مساعدة الشركات لتقديم المساعدة إلى قيادات هذه البلدان لكي تفطم نفسها عن المساعدات''. ويقول لوك فان واسنهوف، المدير الأكاديمي لمركز المبادرة الاجتماعية في انسياد، إن قطاع العمل بحاجة إلى بعض التوجيه لتوليد الأرباح في أماكن مثل إفريقيا، ويضيف: '' لا يعني مجرد أن تكون مدركاً أنك تستطيع أن تعدل استراتيجيتك، أو أن تطور منتجات جديدة، أو تأسيس نوع القادة الذين تحتاجهم، وما إلى ذلك''. وإن مستثمري الأسهم الخاصة الذين لديهم تاريخ من العمل في إفريقيا يدركون ذلك فعلياً. ويقول إبراهيم ساجنا، الشريك المؤسس لمجموعة بلاكثورن، التي تم تأسيسها في بداية عام 2009 ،على أساس عقد من الخبرة السابقة لساجنا كمستثمر جدي في صناعات كبيرة الحجم في إفريقيا: ''إن إفريقيا قصة تتحسن بشكل متزايد''. وتحدث ساجنا إلى طلبة الماجستير في إدارة الأعمال هذا الشهر خلال الأسبوع الإفريقي في الكلية حيث قال: ''إن إفريقيا تستفيد مجاناً من قصة أخرى، وهي انفجار الأسواق الناشئة''.
كجزء من دعم شراكة الأسواق الناشئة لإفريقيا في عام 1999، جمع ساجنا ومجموعته 400 مليون دولار لتوظيفها في إفريقيا على مدار خمس سنوات، والاستثمار في نحو 15 شركة. ويقول ساجنا: ''كانت أول شركة استثمرنا فيها في عام 2000 هي سيل تيل (شركة هواتف جوالة)، حين كان لديها 50 ألف مشترك في شتى أرجاء البلاد. وحين خرجنا بعد خمس سنوات، كان لدى سيل تيل أكثر من خمسة ملايين زبون – من الزبائن المحليين – وكان معظم الكادر الوظيفي من الأفارقة. واسترد المستثمرون ما بين أربعة إلى ثمانية أضعاف الأموال التي استثمروها''. ويستثمر ساجنا، وهو مواطن من السنغال يعيش الآن في لندن، في الصناعات كبيرة الحجم في الأساس – الاتصالات، والبنية التحتية، والنفط والطاقة. ولكن بصفته عضو مجلس إدارة اختصاصيي تمويل المشاريع الصغيرة، ميكني للاستثمارات، فإنه يتطلع كذلك بحذر إلى تمويل الجهود الاستثمارية الأصغر حجماً التي تخدم سكان الريف في الصحراء الإفريقية. وفي معظم الحالات، يعني هذا إعطاء الأموال مباشرة إلى الناس. ويوضح بقوله: '' إنك تستغل فعلياً أموال التنمية التي تملكها لإدارة نشاط عملي. ولديك نوع ما من رجل أعمال مشروع صغير، وفي هذه الحالة فإنك لا توفر رأس المال إلى الفرد لكي يستهلكه، بل إنك تدفع لشخص ما لإدارة نشاط عملي، ولكي ينتج''. وتعتبر معدلات التخلف عن السداد على هذه الأنواع من القروض المقدمة إلى المشاريع الصغيرة متدنية بشكل مدهش، عند نحو 2 في المائة، وفقاً لأرقام البنك الدولي. فما هو السبب؟ يقول ساجنا: ''لأنه إذا توقف الشخص عن السداد، فإنه سوف يتوقف عن رؤية الأموال ترد إليه''.
ويعتمد خريج انسياد، سمير حاجي، بنفسه على هذا النوع من الهيكل الاستثماري لتمويل المشاريع الصغيرة لكي يجعل مشروعه الذي أسسه حديثاً، نورو لايت، ناجحاً. وبتقديم أموال التأسيس إليه من البنك الدولي، كان باستطاعة حاجي أن يكمل دراسة الجدوى، وتجربة ميدانية، وتصميماً للمنتج لما يعتبر في الأساس ضوءاً ''يخدم هدفاً وحيداً'' – وحدة ''إضاءة'' إل إي دي يمكن إعادة شحنها، وتستخدم بمفردها، أو كمجموعة، لتضيء مكتب الطالب أو البيت بأكمله. وفي قارة مثل إفريقيا، حيث أقل من نسبة 10 في المائة من السكان يمكنهم الحصول على الكهرباء، وحيث النوع الرئيسي للإضاءة هو الكيروسين، فإن حاجي يعتقد أن اختراعه سوف ينجح بالتأكيد.
ويشير ساجنا: ''إن متوسط الراتب اليومي في هذه المنطقة من العالم هو نحو دولار واحد فقط ، وتبلغ تكلفة الكيروسين نحو دولار للتر الواحد، وهو يشكل مخاطر على الصحة، وغير آمن. ويدفع الآخرون باتجاه استخدام المصابيح الشمسية، غير أنها غير فعالة، ومكلفة: تبلغ تكلفتها نحو 20 دولاراً، ونحو 18 في المائة فقط من استيعابها يمكن تحويله إلى كهرباء''. ويمكن إعادة شحن نظام حاجي باستخدام لوح شمسي، غير أن مصدر إعادة الشحن الرئيسي هو ''قوة دفع الدواسة بواسطة القدم'' – مولد يمكنك تشغيله بالدفع على دواسة مثل الدراجة الهوائية. ويشير حاجي قائلاً: ''يستغرق الأمر نحو 20 دقيقة لإعادة شحن 5 مصابيح ، وكل مصباح منها يعمل لمدة 40 ساعة، وهذه وسيلة فعالة للغاية''.
ويأخذ حاجي اختراعه نورو إلى الأسواق من خلال مشروع ريفي: يشتري رجال الأعمال المحليون مولدات حاجي، وأكبر عدد ممكن من أدوات الإضاءة المختلفة بالأموال الأساسية من خلال بنك تمويل المشاريع الصغيرة المحلي. ويبيعون المصابيح إلى الزبائن، ثم يحصلون منهم على تكلفة إعادة الشحن – تكلفة إعادة شحن الهاتف الجوال ذاتها تقريباً (أي نحو 20 سنتاً للشحن الكامل). إن الهوامش الربحية التي يحصل عليها حاجي من بيع المصابيح صغيرة بحد ذاتها، غير أن بيع كميات ضخمة يعوض عن ذلك. وفي بعض الحالات على سبيل المثال، يبيع حاجي كميات من أجهزة الإنارة الخاصة به إلى المؤسسات الخيرية ومنظمات مثل اليونسكو، التي تعطي بدورها الأجهزة إلى الأسر المحلية. يقول حاجي: ''نأمل في نهاية المطاف أن يشجع ذلك الأسر لتشتري بدورها مصابيح إضافية، ونرغب في أن نلتقط ثانية بعض ما يتقاضاه رجل الأعمال لإعادة شحن هذه المصابيح، وهذه ممارسة معيارية بين شركات الهواتف المحلية التي تحقق الجانب الكبير من عوائدها من برنامج إعادة شراء الأسهم في الشركات. وبعد ذلك نحصل على أرصدة الكربون لأن أجهزتنا تمنع في واقع الأمر انبعاثات الكربون – وهو أمر لا يمكنك أن تقوله بشأن استخدام الكيروسين''.
كان حاجي يعمل من خلال مبادرة إفريقيا الخاصة بانسياد، ومركز الابتكار الاجتماعي، لجلب منتجه إلى السوق، وتأمل الكلية في أن تنجز دراسة حالة حول ذلك، وتستغل خبرة حاجي كأداة تعليمية.
يعالج فان هاسنهوف قضايا المنتج هذه بشكل منتظم. ويقترح قائلاً: ''أنت تنظر إلى كيفية الحصول على دواء جديد ضد الملاريا لقرية نائية في إفريقيا. وتواجه مشاكل تسويقية، ومشاكل في التسعير، ومشاكل في الإدارة، ومشاكل لوجستية، وأخرى تتعلق بتكنولوجيا المعلومات، وسلوك المستهلكين..''.
ويوضح ساجنا: ''لديك كذلك قضايا المخاطر التي يجب أن تعالجها، وحيث أن المستثمرين في إفريقيا ينتظرون استفادة مجانية، فإن لديك نحو ستة استثمارات من أصل عشرة لا تعتبر أفكاراً استثمارية جيدة فعلياً لأسباب عديدة: قمت بتعيين الفريق الخاطئ، أو فرضيتك الاستثمارية كانت غير صحيحة، وحالياً هناك فترة انكماش في الاقتصاد، وليست لديك الإمكانيات الإضافية''، حسبما يشير، ويضيف: ''غير أن إفريقيا بحد ذاتها قصة تنمو''.

الأكثر قراءة