اقتصاد المعرفة منح رواد الأعمال أداة جديدة لتغيير المجتمع
يجدر برواد الأعمال الباحثين عن فرص النمو أن ينطلقوا من تحديد ''مواضع الألم'' في المجتمع. هذا ما يقوله بروفيسور ''إنسياد'' سوبي رانجان وشانتانو براكاش مؤسس شركة إيديوكومب سوليوشنز Educomp Solutions التعليمية الهندية.
وقال براكاش لـ ''معرفة'' التابعة لـ ''إنسياد'' على هامش قمة القيادة في الشرق الأوسط: ''أعتقد أن فكرة إيديوكومب الكبيرة تتلخص في وجود كثير من الثغرات في النظام التعليمي الحالي. فالطلاب يشعرون بالإحباط لأنهم لا يحصلون على تعليم يسلّحهم جيداً في عالم شديد التنافسية. كما يشعر آباؤهم بالإحباط أيضاً لأنهم يرغبون في جني عائد على استثمارهم في تعليم أبنائهم. أما المدرسون، فمحبطون أيضاً لأن عدد طلبتهم يزداد، بدون أن يحصلوا على رواتب جيدة''.
وسعياً منه إلى معالجة هذا الجانب من المعاناة، أنشأ براكاش شركة إيديوكومب أواسط تسعينيات القرن الماضي ليصبح أحد أصغر المليارديرات سناً في الهند. تتخذ ''إيديوكومب'' شعاراً لها هو: ''ما يمكن للتعلم أن يكون''. وتقدم الشركة إلى آلاف المدارس في الهند، حلولاً تعليمية مرتكزة إلى التقنية، وخدمات أخرى، كما تشترك في تدريب المدرسين والمهنيين.
ويقول براكاش: ''أعتقد أن النظام يعاني خللا وظيفيا أساسيا. ومن هنا وجدنا فرصة، وقلنا إن ثمة طريقة أفضل لإنجاز الأعمال. وقررنا الاستعانة بالتقنية كسبيل لتحسين النظام الحالي. وهكذا ظهرت بعض إبداعاتنا في مجال التعليم باستخدام الوسائط المتعددة، بل حتى باستخدام التعليم عن بعد''. وينظر سوبي رانجان، بروفيسور ''إنسياد'' في الاستراتيجية والإدارة، إلى شركة إيديوكومب على أنها مثال جيد لمؤسسة استخدمت الخيال للإبداع وللتوفيق بين الأداء والتقدم. وتعتبر شركات مثل تويوتا، وجنرال إلكتريك، وبيبسي، مثالاً لمؤسسات تضيف إلى المعلومات والحوافز عاملاً إنتاجياً ثالثاً، قد يكون أكثر أهمية، ألا وهو الخيال الذي يجري توجيهه لمعالجة مواضع الألم في المجتمع.
وخاطب رانجان قمة ''إنسياد'' للقيادة قائلاً: ''يعاني المجتمع من عدد من مواضع الألم. قد تكون تغير المناخ، أو التمييز بين الجنسين، أو الصحة والبدانة. ويمكننا استخدام معيار (ما يجب أن يكون) من أجل توجيه خيالنا''.
''ينبغي مقارنة وضع العالم حالياً بكيف يجب أن يكون. هذا هو معيار الخيال. فالتقدم يعني ردم الهوة بين وضع العالم الفعلي، وبين كيف يمكن نقله خطوة إضافية إلى الأمام نحو ''ما يجب أن يكون''. ذلك هو معيار التخيل الذي تستخدمه مؤسسات الأعمال تلك''.
يقول رانجان إن الخيال أكثر أهمية من الإبداع. ومن أهداف التعليم المهمة تشجيع وإلهام الخيال بشأن كيف يمكن أن يكون العالم وكيف يجب أن يكون.''الإبداع مهم، ويرتبط عادة بإبداع المنتجات والآليات. أما الخيال، فيرتبط بإبداع الهدف. ما هو الهدف؟ هل يشمل محتوى اجتماعياً؟ هل يمكننا إعادة ربط هذه الآلية التي تدعى الرأسمالية بالمجتمع؟ هل يمكننا التوفيق بين السوق والمجتمع ضمن نموذج أكثر تطوراً من الرأسمالية؟''.
يقول رانجان إن النموذج الاقتصادي يتغير من النموذج المعتد بذاته، أي من الرأسمالية الذرائعية، إلى الرأسمالية الموضوعية، التي تقرن بين المجتمع والسوق. وهذا جوهرياً تعميقٌ لدور المواطنة المؤسساتية لدى مؤسسات الأعمال.
ويضيف: ''في حين ينطلق رواد الأعمال الذين يعملون بأسلوب شومبيتر من تحقيق الأرباح، فإن رائد الأعمال الذي يعمل بأسلوبي ينطلق من آلام المجتمع. إنه ينظر إلى مواضع الألم في المجتمع ويتساءل: كيف يمكنني الاستثمار في معالجتها؟''. وذلك تماماً ما فعله براكاش، الذي أسس شركة يبلغ رأسمالها السوقي حالياً نحو 1.5 مليار دولار.
''أدير شركة يجري تداول أسهمها، وتتمتع بمضاعف ربح جيد. إننا شركة عالية الربحية. وتفوق نسب العائد على رأس المال المستثمر 35 في المائة. ولدينا نسبة 50 في المئة من هامش الربح قبل اقتطاع الفائدة والضرائب والاهتلاك وحسم قيمة القروض''.
وصرح لـ ''معرفة'' قائلاً: ''ليست الأرباح هي التي تقودنا، لكننا مستمرون بفضلها''.
''لا شك في ضرورة جني الأرباح، فنحن شركة؛ ولكننا نرغب في إعادة استثمار تلك الأموال في ابتكار منتجات أفضل وفي التخفيف من حدة الانقسام الاجتماعي الموجود حالياً. ولو لم نكن نجني الأرباح لما تمكنا من فعل كثير مما نجحنا بإنجازه حالياً''.
ورغم أن عائلات كثيرة مستعدة لدفع مبالغ أكبر، فإن الطلاب يدفعون من دولارين إلى أربعة دولارات شهرياً مقابل مواد التعليم. ويؤكد براكاش أنه ''قرار أعمال صائب... تخفيض الأسعار هذا لأنك عندما تخفض السعر، تصل إلى منعطف يقترب بك من الاستهلاك الضخم. أعتقد أن القرار الفعلي الذي نتخذه في عقولنا هو: هل يمكننا صناعة منتج يتمكن جميع الطلاب في الهند من استهلاكه؟ وعندما تضرب الأعداد الكبيرة حتى بسعر أخفض، تحصل على مقدار أكبر من المال. لذلك، أعتقد أننا نخدم جميع المعنيين بأعمالنا من مستثمرين وحملة أسهم ومستهلكين''.
ورغم عدم سعي براكاش إلى زيادة الأرباح إلى الحد الأقصى، فإنه لا يرى في نفسه رائد أعمال اجتماعياً.''إنني أعتقد جازماً أن على أعمال المستقبل، التي تعمل في مجالات كالتعليم أو الصحة أو التقنية النظيفة، أن تتخذ قراراً مهماً بشأن طريقة تسعير منتجاتها وتقديمها على نحو يلبي طموحات المستهلكين. ومن خلال تلبية طموحات مستهلكيهم من حيث السعر والنوعية وغيرها من البارامترات، فإن هذه الأعمال تلبي، في الوقت ذاته، آمال مستثمريها وحملة أسهمها''.
ما نصيحته لباقي رواد الأعمال؟ فتشوا عن مواضع الألم في المجتمع.
إذا ألقيتم نظرة على العالم تجدون أفكاراً وفرصاً قد تساوي مليارات الدولارات، وخصوصاً في مواضع الألم الاجتماعية الكبيرة. أنا رائد أعمال في مجال التعليم، وأقول إنني قد أستطيع بسهولة إيجاد ثماني أو عشر أفكار يمكن للمرء أن يعمل على تقديمها. وتتعلق هذه الأفكار بتغيير الصفوف المدرسية، والتعلم الإلكتروني، والتعليم المهني، والتعليم العالي، والتعليم الفردي''.
إن الإمكانات غير محدودة. وطالما أن العالم دخل مرحلة اقتصاد المعرفة، وأصبح رأس المال الفكري أكثر أهمية من رأس المال المالي، فقد منح ذلك رواد الأعمال أداة جديدة تمكنهم من تغيير المجتمع. وأظنك تستطيع تغيير المجتمع نحو الأفضل ونحو جني الأرباح في الوقت نفسه. ولست مضطراً للاختيار بينهما.