مقترح لإعادة تصميم المقابر لحفظ كرامة الأموات وتسهيل الزيارة الشرعية
كرم الله ـ سبحانه وتعالى ـ بني آدم في حياتهم الدنيا وبعد مماتهم, ومن عدل الله ورحمته أن جعل كبيرهم وصغيرهم وغنيهم وفقيرهم يتساوون في القبر, وهو أول منزلة للإنسان لحياته الآخرة. وأكدت الأحاديث النبوية على مكانة وحرمة القبر وكرامة الميت.
في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ « لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر» أخرجه مسلم.
وفي حديث آخر عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «لئن أمشي على جمرة أو سيف أو خصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق» رواه ابن ماجه وصححه الإمام الوادعي.
في منطقة الجوف مثلا هناك مقبرة القرعا تتزاحم القبور وتتلاصق وتداس القبور السابقة بالأرجل من المشيعين الجدد ـ حتى إن كان من دون قصد ـ لعدم وجود الفراغ الذي يسمح بأعمال الدفن والتشييع.
#2#
وليس هذا فقط بل إن أبوابها مفتوحة للحيوانات السائبة وما تقوم به من تدنيس لا يليق بمقابر المسلمين فهل هذا يتوافق مع كرامة وحرمة القبر؟! الذي يجب أن يكون محفوظا ومنزها عن أي تدنيس من البشر والمخلوقات كافة.
إن زيارة القبور سنة نبوية حث عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: «زوروا القبور فإنها تذكرة للآخرة», وقد وضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صخرة على قبر عثمان بن مظعون ـ رضي الله عنه ـ وقال « أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي».
وهذا يؤكد جواز وضع علامة تحدد القبر وصاحبه لتسهل زيارته والدعاء له.
وهنا ننتقل إلى وضع آخر يسيء إلى مقابر المسلمين ألا وهو علامات التحديد لأصحاب القبور فتجد قطع الحديد ومخلفات علب المياه وأصباغ وغيرها كثير لأجل تحديد صاحب القبر مما يدخل التشويه على منظر المقابر.
من حق الجميع تحديد قبور ذويهم لزيارتها والدعاء لهم, كذلك فمن الأولى تنظيم القبور وتهيئتها لتكون محققة ومراعية لحرمة القبر وكرامة الميت ودالة على صاحب القبر من خلال تخطيط يحقق جميع هذه المتطلبات وفق ما سمح به الشرع الإسلامي لقبور المسلمين وليس وفق اجتهادات أضاعت السنة بدوافع منع وقوع المحظور ودرء المفاسد.
فالأصل في السنة في هذا سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما ورد فيها من الأحاديث التي تنهى وتحذر من تعظيم القبور أو تمجيد قبور الصالحين فيها.
فقد ذكرت أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما بها من صور، فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم «أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً أو صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق من عباد الله».
وقد اتفق الفقهاء في المذاهب الأربعة على عدم جواز البناء على القبور أو تعليتها أو تجصيصها أو تزيينها, وأجاز الأحناف والمالكية والحنابلة تعليم القبر بعلامة الخشبة والحجر ونحو ذلك استنادا لما فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قبر ابن مظعون .
أما الكتابة على القبر كعلامة تحمل اسم صاحبه فقد اختلفت عليها الاجتهادات بذلك استدلالاً بحديث لجابر بن عبد الله الذي رواه مسلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم «نهى عن تجصيص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» وزاد الترمذي (وأن يكتب عليه) .
فقد ذهب الحنفية إلى أنه لا بأس بالكتابة إن احتيج إليها حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن القبر . وقال ابن عابدين في حاشيته: «.. النهي عن الكتابة وإن صح فقد وُجِدْ الإجماع العملي بها, ويستند مما أخرجه أبو داوود بإسناد جيد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حمل حجرا فوضعه عند رأس عثمان بن مظعون وقال «أتعلم بها قبر أخي ..... », فالكتابة هنا طريق يعْرف بها القبر حتى لا يضيع الأثر فهي محل إجماع عملي على الرخصة بها إذا كانت الحاجة داعية إليها, بينما الكتابة بغير عذر فلا تجوز بل هي مكروهة.
وقد روى مسلم هذا الحديث دون قوله (أن يكتب عليه) «التي وردت في رواية الترمذي».
ومع ذلك درج غالبية المسلمين في الأزمنة الأخيرة على تعليم القبر بلوح يكتب عليه اسم الميت, وقد رآه ابن عابدين إجماعا عمليا على الرخصة في الكتابة إذا كانت الحاجة داعية إليه حتى لا يذهب الأثر ويمتهن, فمسألة كتابة الاسم على القبر داخلة في باب الاجتهاد بين الفقهاء.
يقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني «واستثنى بعض العلماء كتابة اسم الميت لا على وجه الزخرفة بل للتعرف قياساً على وضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحجر على قبر عثمان بن مظعون .. قال الشوكاني «وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور .. المعرفة فحينئذِ يجوز كتابة الاسم بقدر ما تتحقق به الغاية ألا وهي التعرف عليه بسبب كثرة القبور والأشجار مثلاً.
إن من المعلوم من الدين أن للميت حرمة كما هي للحي, فقد روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال «كسر عظم الميت ككسره حياً».
ولكون زيارة القبور سنة فمن المهم معرفة صاحب القبر المراد زيارته والدعاء له وحفظ حرمة القبر من خلال تنظيم وترتيب يسمح بعدم إيذاء أصحاب القبور, كما بالتنظيم المقترح اليوم الذي هو عبارة عن صفوف طولية محاطة بمسارات مشاة بعرض (1.5) م وممرات تحيط بكل قبر بعرض متر لتُسهِلْ حركة التشييع وأعمال الدفن ومظلة بكل صف لجلوس المحتاجين، إضافة إلى ممر لسيارة لكل صف بعرض أربعة أمتار.
وهنا تكون القبور محددة حسب ترتيب ومصانة عن الدوس عليها وتتحقق حرمتها بإغلاقها عن الحيوانات السائبة ويشرف على المقبرة حارس يتولى إدارة الدخول إليها.
أما ما يخص تحديد علامات لأصحاب القبور فيمكن أن يكون بوضع أسمائهم على النواصيب أو أرقام مرتبة حسب المسارب التي يكون بها القبر، خاصةً أن هذا الإجراء يخدم عدة نواح دينية ودنيوية, فعند الرغبة لاحقاً في التقصي لأي متوف يمكن الرجوع لجثمانه بسهولة عند تحديدها بأسماء أو أرقام وتهيئة المقبرة لتكون معلما يحافظ على كرامة المتوفين كما نصت عليه الأحاديث النبوية.
وبشأن تعليم القبور بأسماء أصحابها فقد وردت اجتهادات فقهية مختلفة، فقد قال الشيخ ابن باز «لا تجوز الكتابة عليها ... أي على القبور» لأن ذلك من أنواع الغلو وقد يفضي إلى محظورات شرعية.
ونقل الشيخ ابن عثيمين عن الشيخ السعدي أنه قال «المراد بالكتابة ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من عبارات المدح والثناء لأن هذه هي التي يكون بها المحظور أما التي بقدر الإعلام فلا تكره».
وقد قال الشيخ الألباني «إذا كان الحجر لا يحقق الغاية التي من أجلها وضع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحجر ألا وهي التعرف عليه وذلك بسبب كثرة القبور مثلاً وكثرة الأحجار المعرفة فحينئذِ يجوز كتابة الاسم بقدر ما تتحقق به الغاية المذكورة والله أعلم».
وقد ذكر المركز الدولي للأبحاث والدراسات «مراد « في دراسة عن المقابر أن قبر الشيخ صالح بن عثمان القاضي شيخ العلامة ابن سعدي في عنيزة عليه لوح حجري مكتوب عليه اسمه.
وكذا قبر الشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
ومما سبق يتضح لنا أن المقابر تحتاج إلى تصحيح في تنظيمها بما يحفظ حرمتها وكرامة الأموات فيها.
وهذا وضع عام للمقابر في المملكة حسبما اطلعت عليه وليس مقصوراً على منطقة دون أخرى.
وهنا تبرز الحاجة الدينية والدنيوية لتعمل الجهات المختصة من أمانات، وجهات دينية لتعديل مقابر المسلمين بما يليق بحرمتها وكرامة الأموات.
وترتيب يحقق التعرف على أصحاب القبور، لزيارتهم والدعاء لهم مع إغلاقها لتنظيم الدخول إليها.
ومنع دخول الحيوانات لها إضافةً إلى وضع مسارب وصفوف للمقابر تمنع الدوس على القبور وتعليمها بترقيم أو بأسماء, والأسماء أفضل كعلامات تمييز لتظهر بمنظر لائق لا يوحي بأي تعظيم لأصحابها وفي تصوري أن هذا المقترح التنظيمي يفي بالغرض.
مشعل بن عبد الرحمن المويشير
الجوف