مبدأ الملك عبد الله في مفهوم الحوار المفتوح بين المنتجين والمستهلكين عزز الاستقرار في أسواق النفط العالمية
عد خبير في صناعة النفط العالمية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز،من أقوى المساندين للحوار بين البلدان المنتجة والمستهلكة للنفط.
و نوّه الدكتور بسام فتوح مدير برنامج النفط والشرق الأوسط في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، بالحنكة الدبلوماسية والدور الحيوي الذي لعبه الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، وذلك إبان جهوده التي صاحبت إعلان «كانكون» الوزاري.
وقال الفتوح في حوار مع «الاقتصادية» للتعليق على توصيات منتدى كانكون للطاقة الدولي: إن إقناع 66 دولة بالموافقة على التوصيات الواردة في هذا المؤتمر تتطلب جهداً كبيراً، والتزاماً راسخاً، ومهارات دبلوماسية غير عادية من جانب الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز.
و ثمن فتوح دور وزراء الطاقة ورؤساء الوفود المشاركة في مؤتمر كانكون في دعم وتأييد مبادرة المملكة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين في جدة عام 2008، في وقت الذروة التي وصلت إليها الأسعار رغم أن المملكة بلد مصدر ومستفيد من ذلك الارتفاع غير المنطقي للأسعار.
وقال فتوح خلال الحوار: «إن السعودية في وضع يؤهلها لإنشاء بورصة نفط عالمية. وعن الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة. أوضح أستاذ التمويل في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، أنه ليس من الواضح للسعودية تحقيق هدف التنويع من خلال الاستثمار في الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة، على اعتبار أن المملكة لا تتمتع بميزة تنافسية واضحة في هذه المجالات.
#2#
إعلان كانكون لم يركز على تنظيم السوق ولا على التدخل فيها باعتبارها سياسات يُنصَح بها للتصدي للتقلب في أسعار النفط، رغم التغطية المسبقة إلى أن المنتدى سينظر في موضوعي التنظيم والتدخل. كذلك تعهد المنتجون والمستهلكون للطاقة بمزيد من التعاون، وطالبوا بالشفافية في الأسواق للتصدي للتقلب في أسعار النفط، هل هذا التقلب يعد ضاراً بالنمو الاقتصادي؟ وما رأيك في الإعلان؟
هناك عدة جوانب إيجابية في إعلان كانكون الوزاري. فهو يعزز الالتزام بالحوار بين البلدان المنتجة والمستهلكة للنفط، ويحافظ على طابعه غير الرسمي في الوقت الذي يؤكد فيه الحاجة إلى الحوار الموجه نحو تحقيق مزيد من النتائج. كذلك يطالب الإعلان بالتعاون بين المنتدى الدولي للطاقة ومنظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة، ويؤكد أن المنتدى لا يتعدى على دور الوكالة الدولية أو أوبك، ويضمن أنه لن يكون هناك تكرار للجهود بين المنظمات المختلفة.
من جانب آخر يطالب الإعلان بوضع ميثاق للمنتدى الدولي للطاقة، وهو أمر مهم من شأنه تعزيز المنتدى، وضمان استدامته، ويزوده بمصدر مستقر ومعروف من التمويل، على نحو يمكنه من لعب دور المسهِّل الحيادي للحوار.
فيما يتعلق بالتقلب في أسواق الطاقة، إضافة إلى القضايا الخاصة بتعزيز الشفافية وجمع البيانات على نحو أفضل من ذي قبل من تحسين «مبادرة بيانات الطاقة المشتركة» هناك جانب مهم للغاية في الإعلان، وهو التأكيد على تثبيت استقرار التوقعات قصيرة الأجل وطويلة الأجل في السوق. يستطيع المنتدى أن يلعب دوراً في تثبيت استقرار التوقعات من خلال إنشاء إجراءات الثقة بين البلدان المنتجة والمستهلكة، وتعزيز الفهم المشترك لوجهات النظر بخصوص التحديات التي تواجه أسواق الطاقة، ونشر المعلومات الرئيسية المهمة فيما يتعلق بالتكاليف والاستثمارات في قطاع النفط والطاقة البديلة.
الملك عبد الله يعد من أقوى المدافعين والمؤيدين لمنتدى الطاقة الدولي. ومنذ انعقاد مؤتمر الطاقة في جدة في عام 2008، حيث لم يكن هناك حوار يذكر بيــــن الأطــــــــــراف، دعــــــا المـــــــــــلك عبد الله إلى حوار مثمر بين البلدان المنتجة والمستهلكة للنفط. والآن بعد سنتين ، ومع إعلان كانكون، رأينا كيف أن 66 بلداً جاءت لتعلن عن علاقة تعاون جديدة ستؤدي إلى مزيد من تبادل المعلومات ومن الشفافية في سوق النفط، قبل سنوات لم يكن هناك أي حوار على الإطلاق بين البلدان المنتجة والمستهلكة للنفط. أما الآن فإننا نرى قدراً كبيراً من التغير. سؤالي: ما مدى تقيـــــــيمك لرؤية الــملك عبد الله حول أهمية الحوار منذ انعقاد مؤتمر الطاقة في جدة ونضج هذا الحوار في إعلان كانكون؟
#3#
يعد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من أقوى المساندين للحوار بين البلدان المنتجة والمستهلكة والمنتدى الدولي للطاقة. وقد أدرك منذ فترة طويلة أن استقرار أسواق النفط هو هدف مشترك يجمع بين المنتجين والمستهلكين. وفي مناسبات كثيرة كان يؤكد أن الحوار المفتوح والصادق بين المجموعتين من شأنه تعزيز الاستقرار في أسواق النفط الدولية. ومما يدل على هذه الرؤية مطالبة السعودية بعقد لقاء في جدة عام 2008 يجمع بين البلدان المنتجة والمستهلكة بهدف مناقشة الزيادات الحادة في أسعار النفط. وبذلك أرسلت السعودية إشارة قوية إلى السوق بأنها تشعر بالقلق الشديد حول الزيادات الحادة والتقلب الكبير في أسعار النفط، وأثر ذلك في النمو والطلب في الاقتصاد العالمي. هذا الاجتماع أرسل إشارة قوية إلى السوق، ما ساعد على تغيير التوقعات لدى المشاركين في السوق. بالمثل، حين انهارت أسعار النفط، أرسل الملك إشارة قوية بأن معدل 75 دولاراً للبرميل هو سعر عادل.
بعد أن كان الحوار شبه معدوم بين البلدان المنتجة والمستهلكة للنفط قبل اجتماع الطاقة في جدة، إلى نضج في إعلان كانكون، نستطيع أن نستنتج مدى نجاح الدبلوماسية النفطية السعودية.
وجه الملك عبد الله بتشكيل مجموعة عاملة تحت مظلة الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي، وقد تم تشكيل اللجنة الإشرافية العليا برئاسة السعودية ممثلة في الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز. سؤالي : ما تعليقكم على الدور الذي لعبه الأمير عبد العزيز في الإشراف على تفعيل الحوار ونضجه، والذي تحقق في إعلان كانكون؟
لعب الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز دوراً حيوياً في الإشراف على إتمام وإنجاح الحوار بين البلدان المنتجة والمستهلكة. لاحظ أن إقناع 66 دولة بالموافقة على التوصيات الواردة في إعلان كانكون يتطلب جهداً كبيراً، والتزاماً راسخاً، وصبراً يفوق الحدود، ومهارات دبلوماسية غير عادية من جانب الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز. جانب مهم من هذا النجاح يعزى إلى قدرته على إقناع أعضاء الوفود من البلدان المنتجة والمستهلكة بالمنافع التي تعود عليهم من الحوار المشترك بين المنتجين والمستهلكين، وأنه حين تكون أمانة المنتدى الدولي للطاقة تتمتع بقوة أكبر وتمويل جيد, فإن من شأن ذلك التوصل إلى أحكام تعزز من استقرار سوق النفط. كذلك فإن سمو الأمير، بصفته رئيس مجموعة التوجيه رفيعة المستوى، كان يعزز ويشجع استقلال عمل مجموعة الخبراء.
أكد وزراء البلدان المنتجة والمستهلكة للنفط في كانكون أن الوقود الأحفوري سيشكل حصة الأسد من عرض الطاقة لعدة عقود مقبلة، رغم أن الطاقة المتجددة ستلعب دوراً متزايداً. لكن هل تعتقد أن البلدان الخليجية المنتجة للنفط ينبغي عليها أن تخصص بعض الموارد لتطوير موارد الطاقة الصديقة للبيئة؟
تنويع الاقتصاد هو من الأولويات القصوى للمملكة. وهو يعتبر استراتيجية أساسية لتحقيق أهداف النمو المستدام والمستقر، ويعزز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، ويولد الوظائف للآلاف من الأشخاص الداخلين إلى سوق العمل سنويا. كذلك فإن التنويع يعتبر أساسياً لتعزيز تكامل المملكة ضمن الاقتصاد العالمي من خلال قنوات تختلف عن تصدير النفط الخام والمنتجات البترولية. لكن ليس من الواضح إن كان من الممكن تحقيق هدف التنويع من خلال الاستثمار في الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة، على اعتبار أن المملكة لا تتمتع بميزة تنافسية واضحة في هذه المجالات. السياسة الاقتصادية الحالية تركز على إنشاء صناعات تركز إلى التصدير، وتتغذى على موارد رخيصة نسبياً للطاقة (وهي المصدر الأساسي للميزة التنافسية التي تتمتع بها المملكة)، وهي موارد تستفيد من القيمة المضافة لموارد الطاقة من خلال توسيع سلسلة الطاقة في النشاطات التي تأتي بعد عملية الإنتاج.
وبالنسبة لمعظم البلدان تعتبر التغيرات المناخية قضية أمنية شبيهة بأمن الطاقة. من المهم أن تتكيف السعودية مع الواقع الجديد، الذي تكون فيه التغيرات المناخية أهم محرك للسياسة، مع ما يترتب على ذلك من مضامين على الطلب على الأجل البعيد. هذا يتطلب من المملكة أن تصبح شريكاً نشطاً وبنَّاءً في دفع أجندة التغيرات المناخية. الدور البناء الذي تقوم به المملكة في المبادرة العالمية لاحتباس الكربون هو مثال طيب على ذلك.
وفقاً للكلمة التي ألقاها في المكسيك عبد الله البدري، الأمين العام لمنظمة أوبك، تشعر الأخيرة بالقلق من أنها يمكن أن تنفق مبالغ ضخمة في استثمارات تهدف إلى زيادة القدرة الإنتاجية ، على نحو يفوق كثيراً ما تدعو الحاجة إليه، وذلك لعوامل اللبس حول الطلب. وأضاف: «هناك احتمال حقيقي للغاية أنه سيكون هدر للموارد المالية حين تُنفَق على طاقة إنتاجية لا حاجة لها». بصفتك من المراقبين، هل ترى أن هذه المخاوف لها ما يبررها؟
خلال السنوات القليلة المقبلة ستواجه أوبك بعض الخيارات الصعبة. هناك جوانب كبيرة من اللبس تحيط بالتطور المستقبلي للطلب، الذي يتأثر بعدد كبير من العوامل المترابطة من داخل سوق النفط وخارجها. ربما تتحقق التوقعات التي ترى أن الطلب العالمي على النفط سيستمر على مسار نشط يتسم بمعدلات نمو عالية، لكن هذه النتيجة ليست أمراً مقضياً. ينبغي على البلدان المصدرة للنفط أن تحتسب ضمن توقعاتها إمكانية تحول السياسة باتجاه مغاير، وحدوث نكسات في التنمية، وصدمات تأتي من خارج سوق النفط، وأن تستكشف دور الآثار التي يلعبها السعر والدخل على الطلب طويل الأجل على النفط. ما يدعو للأسف, أن هذا لم يحدث حتى الآن، وهناك قبول دون تحفظ لوجهة النظر التي تتوقع أن يستمر النمو النشط في الطلب على النفط. ويؤمن الناس على نطاق واسع بالقصص التي تروى الآن عن أن تعطش الصين والهند للنفط يستحيل أن يتم إطفاؤه. في وجه عوامل اللبس التي من هذا القبيل، تستطيع أوبك أن تقرر تأجيل قرارات الاستثمار إلى حين وصول معلومات جديدة حول ظروف وأحوال السوق، من قبيل المعلومات حول الطلب العالمي المتوقع والإمدادات النفطية من خارج أوبك. المشكلة الرئيسية في وجهة النظر ذات الأجل القصير هي أن الظروف الصعبة في السوق (من حيث عدم وجود إمدادات كافية) بسبب تراجع الاستثمار تؤدي إلى ثلاثة أمور: تزايد متسارع في أسعار النفط، وزيادات مفاجئة حادة ومتكررة أكثر من ذي قبل في الأسعار استجابة للصدمات، وارتفاع نسبة عدم الاستقرار في الأسعار والتقلبات الحادة. السلوكيات التي من هذا القبيل في أسعار النفط لها آثار مباشرة ومهمة على الطلب طويل الأجل على النفط، من خلال آثار الأسعار ووقعها على النمو، ولكن كذلك من خلال الآثار غير المباشرة، على اعتبار أن حركات السعر المذكورة ستؤدي إلى تغير في سلوك المستهلكين وتسارع الابتكارات التكنولوجية، وتزايد نشاط السياسة الحكومية الرامية إلى استخدام بدائل عن النفط.
بالنظر إلى هذه العواقب، فإن من المهم المحافظة على السياسة الحالية الرامية إلى ضمان أن تظل الإمدادات متوافرة بصورة جيدة في سوق النفط والمحافظة على مستويات معينة من الطاقة الاحتياطية في وجه حالات الانقطاع المفاجئة. بطبيعة الحال هذه السياسة تأتي مقابل تكلفة معينة، مع وجود خطر بأن أوبك بصورة عامة والسعودية بصورة خاصة يمكن أن تبالغ في استثمارها في الطاقة الإنتاجية. بالتالي فإن الحاجة تدعو إلى إجراء تحليل شامل لتقييم عوامل المفاضلة بين منافع وتكاليف السياسة التي من هذا القبيل على المدى القصير وكذلك على المدى الطويل.
في عام 2008 أطلقت السعودية مبادرة لإنشاء صندوق لأوبك بمليار دولار، وعرضت 500 مليون دولار لمساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع أسعار النفط المرتفعة. بعد ذلك دعم روبرت زوليك، رئيس البنــك الدولي، مبادرة الــــــملك عبد الله التي ترمي إلى توفير الطاقة للبلدان الفقيرة، وسيخصص البنك مليار دولار لدعم المبادرة. كما تعلم فإن اقتران ارتفاع تكاليف الوقود والطاقة له أثر مدمر على البلدان الفقيرة، ويقول خبراء آخرون إن المبادرة من شأنها أن تساعد أكثر من 100 بلد على تنفيذ مشاريع جديدة للطاقة. ما رأيك في الدور الـحيوي الذي يلعبه الملك عبد الله في الاستفادة من فائض الطاقة في مساعدة البلدان الفقيرة؟
تلعب مبادرة الملك عبد الله دوراً مهماً في التخفيف من الافتقار إلى الطاقة من خلال تدوير جزء من عوائد النفط في سبيل تعزيز التنمية في البلدان الفقيرة والاستثمار في مشاريع مرتبطة بالطاقة. وإضافة إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية، فإن هذه المبادرة لها كثير من الآثار الجانبية الأخرى، بما في ذلك توسيع الطلب على أنواع الوقود الحديثة، على اعتبار أن معظم النمو في الطلب على النفط سيأتي من البلدان الفقيرة من خارج منظمة أوبك.
هل ترى أن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والبلدان الأخرى لتقليص اعتمادها على النفط والتحول نحو مصادر وقود نظيفة يمكن أن يخلق عدم الاستقرار واللبس فيما يتعلق بالطلب على النفط؟
السياسات الخاصة بالتغيرات المناخية وأمن الطاقة، إذا طبقت في الولايات المتحدة والبلدان المستهلكة الأخرى، سيكون لها أثر لا يستهان به في الطلب على النفط. كثير من الدراسات التي تناولت بالتحليل الأثر المحتمل في أسواق النفط من قبل بروتوكول كيوتو والأهداف المناخية طويلة الأجل، هذه الدراسات توصلت إلى أن السياسات المناخية ستؤدي إلى تراجع في عائدات البلدان المصدرة للنفط، رغم أن تقديرات الأرقام التي تعطي حجم العوائد الضائعة تتغير بصورة لا يستهان بها من دراسة لأخرى، ويعتمد ذلك على هيكل الأنموذج الرياضي والافتراضات الضمنية التي يقوم عليها.
لكن من المهم أن ندرك أن هناك قدراً كبيراً للغاية من اللبس فيما يتعلق بتنفيذ أو عدم تنفيذ السياسات المختلفة، والأثر الذي تنطوي عليه السياسات التي من هذا القبيل على الطلب طويل الأجل على النفط. المبالغ الكبيرة التي تستثمرها الحكومات في الأبحاث والتطوير، والحوافز المالية للأشكال البديلة من الطاقة، وتقليص الاعتماد على النفط، هذه كلها ليست بالأمور الجديدة على الأجندة السياسية. قدمت الحكومات تعهدات مماثلة بالاستثمار والحوافز في القرن الماضي لكن لم تكن هناك نتائج ملموسة.
مع ذلك فإن من المهم أن نلاحظ هذين الأمرين: الأول هو أن الضغط في سبيل إعادة هيكلة مزيج الطاقة بعيداً عن النفط لن يختفي. إذا استثنينا المخاوف حول التغيرات المناخية، فإن توافر مصادر بديلة جاهزة، مثل الفحم الحجري، سيضع مزيدا من الضغط في سبيل إعادة هيكلة مزيج الطاقة بعيداً عن النفط في كثير من البلدان. الآخر هو أن آثار السياسات في الطلب على النفط، حتى حين يتم تطبيقها على نطاق واسع، لن تؤدي إلى الاضطراب والانقطاع في سوق النفط. لكن أثر هذه السياسات تراكمي وعلى الأرجح لا يمكن عكسه إلى الوراء، وبالتالي لا يمكن تجاهله على المدى الطويل.
يبدو أن هناك إجماعاً بين البلدان المنتجة والمستهلكة على السعر الحالي للنفط. ألا ترى أن من الصعب التوصل إلى اتفاق من هذا القبيل في وضع السوق الحرة؟
هذا السؤال يبعث على الإرباك والحيرة إلى حد ما، لأنه يفترض أن البلدان المستهلكة والمنتجة مسؤولة بصورة مباشرة عن أسعار النفط وتداولها ضمن النطاق 70 إلى 80 دولاراً خلال الأشهر القليلة الماضية. الوضع أكثر تعقيداً من ذلك. الحركيات السلبية التي أُطلِقت بفعل الأزمة المالية أدت إلى اندفاع أسعار النفط إلى ما دون الحد الأدنى في كانون الأول (ديسمبر) 2008. وفي حين أن السوق توقعت أن يتم تعديل الأسعار من هذه المستويات المتدنية للغاية، كان هناك قدر من اللبس حول السعر أو نطاق السعر الذي سيكون من شأنه تثبيت الاستقرار في توقعات السوق. احتاجت السوق إلى بؤرة تتركز حولها الأسعار، وكانت البلدان المستهلكة والمنتجة للنفط على استعداد إعطاء هذه البؤرة المركزية. حدة الدورة السعرية السابقة ساعدت في تقارب وجهات النظر بين اللاعبين الأساسيين حول النطاق المفضل لأسعار النفط. كان هناك إدراك بين مختلف اللاعبين في السوق بأنه حين يكون سعر النفط أدنى من الحد (مثل سعر النفط في كانون الأول – ديسمبر 2008) أو أعلى من الحد (مثل سعر النفط في تموز –يوليو 2008) فإن ذلك ليس في مصلحة أي طرف. من جانب، فإن أسعار النفط المتدنية تقيد حركة الاستثمار اللازم للصناعة لضمان استقرار إمدادات النفط. من جانب آخر، حين تكون أسعار النفط عالية ومتقلبة فإن ذلك يمكن أن يدمر آفاق النمو العالمي، ويمكن أن يؤدي إلى انهيار الطلب على النفط، وأن يخلق اختلالات عالمية لها آثار تؤدي إلى زعزعة الاستقرار. هذه الإشارات جاءت من البلدان المنتجة والمستهلكة معاً. لكن النقط البؤرية ليست مستقرة ويمكن انهيارها بسهولة. النطاق المفضل للسعر، حتى يحظى بالصدقية ويحتل مكانة بارزة، فإن من المهم أن يكون منسجماً مع أساسيات السوق. فضلاً عن ذلك، إذا كانت للاعبين الأساسيين في السوق تصورات وقناعات مختلفة بخصوص أساسيات سوق النفط، فإنه سيكون من الصعب والحالة هذه المحافظة على تقارب وجهات النظر. هذا هو المجال الذي يمكن أن يكون فيه دور للحوار بين البلدان المستهلكة والمنتجة.
هل تعتقد أن الوقت قد حان لإنشاء بورصة سعودية للنفط من أجل التعاملات في الطاقة؟
ما يؤسف له كثيراً أن بعضاً من الأسواق ذات الحد الأدنى من السيولة، مثل خام برنت وخام غرب تكساس المتوسط وخام دبي تستخدَم لتحديد سعر معظم الأسواق السائلة، بما فيها أسواق الخليج العربي. والسعودية في وضع يؤهلها لإنشاء بورصة نفط عالمية، لكن هذا يتطلب تغيراً أساسياً في السياسة، مثل السماح بالتداول بالأسعار الفورية في بعض أنواع الخام السعودي. وحين يتم إنشاء الظروف المناسبة للتداول الفعلي، فإنه سيتم في نهاية الأمر تطوير طبقات مالية أخرى، مثل الأسعار الآجلة والعقود الآجلة والخيارات وعقود التأمين، حول أنواع الخام السعودي. في الوقت الحاضر ليست هناك إشارات إلى أن السعودية راغبة في الشروع في تغيرات كبيرة من هذا القبيل. جميع الأطراف، بما في ذلك البلدان المصدرة للنفط، يبدو أنها مرتاحة لنظام التسعير الحالي.
هل ترى أن أسعار النفط العالمية ينبغي أن يتم تحديدها عن طريق تدخل الدول إلى جانب نشاط السوق، وذلك في سبيل تخفيف عوامل التقلب في الأسعار؟ وهل ينبغي أن يكون هذا التدخل من جانب واحد أو ثنائيا؟ (بمعنى أن يكون من جانب البلدان المستهلكة والمنتجة للنفط معاً)؟
لا. لا ينبغي أن يتم تحديد أسعار النفط من خلال تدخل الدول. إعلان كانكون لا يطالب البلدان المستهلكة والمنتجة بالاتفاق على نطاقات للأسعار.خلال الدورة السعرية الأخيرة كان هناك الكثير من النداءات لإنشاء نطاق سعري مع صندوق لتثبيت أسعار النفط، بهدف كبت عوامل التأرجح في الأسعار والحؤول دون حدوث تقلبات حادة في أسعار النفط. هناك ضعف أساسي في هذه الاقتراحات وهو أن النظام الذي من هذا القبيل لا بد له أن يدار من قبل أطراف لها مصالح متباعدة إلى حد كبير، وبالتالي لن يكتب له النجاح. فضلاً عن ذلك، سيكون من الصعب تصميم الآليات المؤسسية التي تستطيع توليد مسارات التغذية الراجعة للحؤول دون ابتعاد السعر خارج النطاق. النطاق الضمني للأسعار بين 60 و80 دولاراً خلال عام 2009 لم يتم الوصول إليه نتيجة للتدخل الحكومي المكثف. ما ساعد على تحقيق هذا النطاق الضمني هو تقارب مصالح اللاعبين الأساسيين. بالنسبة للبلدان المستهلكة، أعطى النطاق الضمني استقراراً للسعر كانت بحاجة إليه. وبالنسبة للبلدان المصدرة، تقارب السعر باتجاه نطاقها المفضل. وبالنسبة للمستثمرين الماليين، قدم هذا النطاق مجال التأرجح اليومي الذي يزدهر فيه هؤلاء اللاعبون. وبالنسبة لشركات النفط، فإن ذلك مكنها من المحافظة على حركة نقد مستقرة نسبياً. بالنتيجة لم يكن هناك طرف له مصلحة في التشكيك في النطاق السعري الحالي. هل من الممكن المحافظة على تقارب المصالح لفترة طويلة؟ على الأرجح تماماً أن الجواب هو بالنفي. ما يخفق المشاركون في السوق في إدراكه هو أن هذه الفترة تمثل فترة فريدة في تاريخ سوق النفط، وأنه ينبغي عليهم أن يستفيدوا إلى أقصى حد منها طالما ظلت موجودة.