لماذا ستتوقف اليونان عن سداد ديونها
لو أن اليونان ظلت خارج منطقة اليورو واحتفظت بالدرخمة (عملتها الأصلية)، لكانت الزيادة الضخمة في المعروض من السندات اليونانية ستدفع قيمة الدرخمة إلى الانخفاض وأسعار الفائدة على السندات إلى الارتفاع. ولكن لأن سندات اليورو اليونانية كانت تعتبر بديلاً لسندات اليورو التي تصدرها بلدان أخرى، فإن سعر الفائدة على السندات اليونانية لم يرتفع مع زيادة اليونان مستويات اقتراضها ـ إلى أن بدأت الأسواق تستشعر الخوف من احتمال العجز عن السداد.
إن اليونان ستتوقف لا محالة عن سداد ديونها الوطنية. وهذا التقصير سيكون راجعاً بنسبة كبيرة إلى عضويتها في الاتحاد النقدي الأوروبي. فلو لم تكن اليونان جزءاً من نظام اليورو فربما كان بوسعها أن تتجنب الوصول إلى مأزقها الحالي، وحتى لو أنها وصلت إلى مأزقها الحالي فربما كان بوسعها أن تتجنب ضرورة التوقف عن سداد ديونها.
إن توقف اليونان عن سداد ديونها الوطنية لا يعني رفضاً صريحاً لسداد أصل الديون وأقساط فوائدها حين تُستَحق. بل إن الأمر الأكثر ترجيحاً أن يتولى صندوق النقد الدولي تنظيم عملية إعادة هيكلة منظمة للديون القائمة، وإبدال السندات القائمة بسندات جديدة ذات أصل دين وفائدة أقل. أو قد ينتهي الأمر إلى <>عجز مخفف>> عن سداد الديون، حيث تسدد اليونان أقساط ديونها القائمة عن طريق دين جديد بدلاً من سداد الدين القديم نقداً. ولكن أياً كانت الهيئة التي سيتخذها العجز عن السداد، فإن حاملي الديون اليونانية الحاليين سوف يحصلون على ما هو أقل من كامل المبالغ المستحقة لهم الآن. إن الطريقة الوحيدة التي قد تتمكن بها اليونان من تجنب التوقف عن سداد ديونها تتلخص في خفض عجز الموازنة السنوي المتوقع في المستقبل إلى المستوى الذي قد يكون المستثمرون الأجانب والمحليين عنده على استعداد للتمويل على أساس طوعي. وهذا يعني خفض العجز على أقل تقدير إلى مستوى يتوقف عنده ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ولتحقيق هذه الغاية فلا بد أن ينخفض العجز الحالي الذي بلغ 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5 في المائة أو أقل من الناتج المحلي الإجمالي. بيد أن خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى الـ60 في المائة التي أوصت بها معاهدة ماستريخت سيتطلب خفض العجز في الميزانية السنوية إلى 3 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي ـ وهو الهدف الذي قال وزراء مالية منطقة اليورو إن اليونان لا بد أن تحققه بحلول عام 2012.
إن خفض العجز في الميزانية بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سيعني خفضاً هائلاً في الإنفاق الحكومي أو ارتفاعاً غير مسبوق في العائدات الضريبية ـ أو الاثنين معاً في الأرجح. وبعيداً عن المصاعب السياسية التي تحول دون تحقيق هذا، فهناك التأثير المعاكس الخطير على الطلب الكلي، وبالتالي على الإنتاج وتشغيل العمالة. لقد بلغ مستوى البطالة في اليونان 10 في المائة بالفعل، ومن المتوقع أن يهبط ناتجها المحلي الإجمالي بمعدل سنوي يتجاوز 4 في المائة، الأمر الذي لا بد أن يدفع مستويات البطالة إلى مزيد من الارتفاع. إن مزيدا من كبح النشاط الاقتصادي، بفضل فرض ضرائب أعلى وخفض الإنفاق الحكومي، من شأنه أن يتسبب في انخفاض موازٍ في العائدات الضريبية وزيادة موازية في نقل دفعات الإعانة إلى العاطلين عن العمل. وهذا يعني أن كل يورو مخصص لخفض العجز سوف يعود بأقل من يورو من الخفض الحقيقي للعجز، كما يعني بالتالي أن الزيادة الضريبية المقررة وخفض الإنفاق الحكومي الأساسي لا بد أن يكونا أكبر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حتى يتسنى تحقيق هدف خفض العجز في الميزانية إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ولا يوجد ببساطة سبيل للالتفاف حول الحسابات التي ينطوي عليها الحجم المطلوب من خفض العجز وما يصاحب ذلك من انحدار اقتصادي: وهذا يعني أن عجز اليونان عن سداد ديونها أمر لا مفر منه.
وربما كان بوسع اليونان أن تتجنب هذه النتيجة لو لم تكن ملتحقة بعضوية منطقة اليورو. فلو أنها لا تزال تحتفظ بعملتها الخاصة، لكان بوسع السلطات أن تلجأ إلى خفض قيمتها إلى جانب إحكام السياسة المالية. فالعملة المخفضة من شأنها أن تزيد من الصادرات وأن تدفع الأسر والشركات اليونانية إلى الاستعاضة عن السلع المستوردة في المنتجات المحلية. وما يترتب على ذلك من الزيادة في الطلب على السلع والخدمات اليونانية من شأنه أن يضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي اليوناني، وأن يزيد من العائدات الضريبية ويخفض من تكاليف الإعانات. وباختصار فإن تعزيز الموقف المالي سيكون أسهل وأقل إيلاماً لو كانت اليونان تتصرف بموجب سياسة نقدية خاصة بها. كانت عضوية اليونان في منطقة اليورو أيضاً من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى العجز الحالي الضخم في الميزانية. ولأن اليونان تركت عملتها الخاصة منذ ما يزيد على عقدٍ كاملٍ من الزمان فإن إشارات السوق التي كانت لتحذر اليونان من أن ديونها تنمو إلى حدٍ غير مقبول من الضخامة لم يكن لها وجود.
ولو أن اليونان ظلت خارج منطقة اليورو واحتفظت بالدرخمة (عملتها الأصلية)، لكانت الزيادة الضخمة في المعروض من السندات اليونانية لتدفع قيمة الدرخمة إلى الانخفاض وأسعار الفائدة على السندات إلى الارتفاع. ولكن لأن سندات اليورو اليونانية كانت تعتبر بديلاً لسندات اليورو التي تصدرها بلدان أخرى، فإن سعر الفائدة على السندات اليونانية لم يرتفع مع زيادة اليونان مستويات اقتراضها ـ إلى أن بدأت الأسواق تستشعر الخوف من احتمال العجز عن السداد. إن الارتفاع الكبير في سعر الفائدة على السندات اليونانية نسبة إلى السندات الألمانية في الأسابيع القليلة الماضية يؤكد أن الأسواق ترى الآن أن العجز المحتمل بات أكثر ترجيحاً. والواقع أن الجمع بين الائتمان المقدم من بلدان منطقة اليورو الأخرى والاقتراض من صندوق النقد الدولي قد يوفر السيولة الكافية لتجنب العجز عن سداد الديون لبعض الوقت. وفي مقابل هذا الدعم فستكون اليونان ملزمة بقبول التقشف المالي المؤلم وانحدار الناتج المحلي الإجمالي.
وفي نهاية المطاف، سيكون لزاماً على اليونان ـ وبلدان منطقة اليورو الأخرى، ودائني اليونان ـ أن تتقبل حقيقة مفادها أن البلاد مفلسة وعاجزة عن سداد أقساط ديونها القائمة. وعند تلك النقطة فإن اليونان ستتوقف عن سداد ديونها.