القوة الاستراتيجية الحقيقية هي العامل المشترك بين «جوجل» ونابليون

القوة الاستراتيجية الحقيقية هي العامل المشترك بين «جوجل» ونابليون

ما الشيء المشترك بين «جوجل» ونابليون بونابرت؟ وفقا للمؤلف روبرت جريني، فإن كليهما خبيران استراتيجيان عظيمان في زمنهما - أو كانا كذلك. ولهذا السبب، امتلكا سلطة ونفوذا هائلا، مما جعلهما قوى جبارة لا يمكن مواجهتها.
وحين تتعمق في مدى صعوبة الحصول على السلطة، ولكن مدى سهولة خسارتها، تصبح قوة السلطة الحقيقية أكثر تأثيرا.
ويقول جريني، مؤلف أكثر الكتب مبيعا، The 48 Laws of Power: «إن الحاجة للسلطة عميقة جدا لدى البشر، فهي عالمية لا زمان لها.» إلا أن الناس ليسوا صادقين جدا حيال ذلك. فقد قال في حديث تم تنظيمه أخيرا من قبل غرفة التجارة الأمريكية في سنغافورة: «أولا، لا يريدون الاعتراف بأنهم يسعون للحصول على السلطة؛ وأن لديهم مثل هذا الطموح. ولا يريدون الكشف عن الأمور التي ربما فعلوها من أجل الوصول إلى موقع السلطة». إلا أن السلطة كانت أبسط بكثير في الماضي حين كانت تتركز حول شخص واحد: ملك أو ملكة أو إمبراطور، يملكون مفتاح السلطة. إلا أن «الحتميات التاريخية»- التي يقول إنها تحدث حين تهيمن فكرة عظيمة على العالم تماما بحيث تصبح الطريق الوحيد له - غيرت كل هذا، وانتقلت السلطة من كونها مركزة تماما بيد شخص واحد إلى كونها مخففة بشكل متزايد.
ويوضح جريني أن هذا حدث لأن القائد، من أجل الاحتفاظ بالسلطة، كان بحاجة إلى مزيد من الناس للحفاظ على مركزية السلطة. لذا كان عليه أن يجمع فريقا من المستشارين العسكريين. ولكن مع اتساع الدائرة، بدأ الناس بتشكيل مراكز قوى خاصة بهم. وبدأوا بالتفكير في مصالحهم الخاصة ومحاولة تحقيق أجندتهم، ليس فقط أجندة الملك. ويضيف قائلا: «بمجرد أن تمنح السلطة للناس لن يرغبوا في التخلي عنها وإعادتها. وبمجرد أن تبدأ في تقسيم الذرة، إذا صح التعبير، تستمر بالانقسام أكثر فأكثر».
وتسارعت هذه الحتمية التاريخية (الأخرى هي ظهور الزراعة التي نبع منها المجتمع البشري المنظم) بسبب ولادة الرأسمالية الحديثة والإنترنت، وهذه الأخيرة، طبقا لجريني ، «أدت إلى تسارعها بسرعة الضوء مثل سفينة Starship Enterprise الفضائية».
ويعود ذلك إلى كون الإنترنت أطلقت العنان لقوى لا تعد ولا تحصى ومنحتها للجماهير. فقد سمحت للناس بالوصول إلى المعلومات كما لم يحدث من قبل؛ وأوجدت التجارة الإلكترونية، وألغت بذلك بشكل فاعل دور الوسيط؛ وأعطت الناس صوتا من خلال المدونات والمراجعات وغير ذلك من المنصات المماثلة.
«أشبّه تأثير الإنترنت الذي يعود للتسعينيات بالموجة الصغيرة التي أفسحت المجال في المحيط جراء زلزال ربما. فهذه الموجة الصغيرة ستكبر أكثر فأكثر في الحجم والكتلة على مدى عدة سنوات».وفي حين كانت الإنترنت أداة تمكين هائلة، إلا أنها تسببت في خسارة بعض الشركات السلطة أو الهيمنة السوقية التي كانت تمتلكها في السابق. «لقد دخلنا أخيرا عصر المعلومات. وكل ما يمثله هذا هو طريقة جديدة تماماً لممارسة الأعمال والسياسة... إلخ. وإذا كنت تركز فقط على الوقت الراهن... فأنت لا تفهم إذن التغيرات الأعمق بكثير التي تحدث. وإذا كنت لا تفهم ذلك، لن تتمكن من اتخاذ القرارات الصحيحة؛ ولن يكون لديك المنظور السليم، فأنت تخلط بين الغابة والأشجار».
ووفقا لجريني، فإن الطريقة الوحيدة لتصحيح هذا هي من خلال التفكير الاستراتيجي العميق أو ما يسميه «الاستراتيجية الحقيقية»، على الرغم من أنه يعترف إن هذا قد يشكل تحديا. «في الأوقات العادية، من الصعب جدا على الإنسان أن يكون خبيراً استراتيجياً. فهذا أمر ليس في طبيعتنا؛ فنحن كائنات عاطفية، نحن حيوانات محتجزة في الوقت الراهن... ولكن في أوقات التحديات العظيمة، يصبح ذلك أصعب. وفي أوقات التطورات التكنولوجية الكبيرة... يصبح أكثر صعوبة بكثير، إلا أن هذا يجعله أكثر إلحاحاً بكثير أيضاً».
ومن أجل استخدام الاستراتيجيات بفاعلية، من الضروري وجود عقلية منفتحة ومنظور عميق. وبالإشارة إلى مثال نابليون بونابرت، الذي يصفه Greene «أعظم خبير استراتيجي في تاريخ البشرية»، يقول إن القائد العسكري في القرن الثامن عشر كان ناجحا للغاية لأنه كان يخوض معاركه بطريقة تربك أعداءه. وبدلا من الحرب التقليدية الخطية، كان ينخرط في حرب مناورة لا يحارب فيها من أجل الحصول على موقع واحد بل من أجل الإمكانات.
وبهذا، كان يمكن لنابليون أن يأخذ وحدات من رجاله ويستخدمهم بنمط متناثر بطريقة فوضوية في المعركة بدلا من القتال في خط منتظم. ويشبّه جريني هذا «بقطيع من الذئاب الذين يطاردون أرنباً مذعوراً».ويعتقد جريني أن هناك شركة واحدة فقط اليوم يمكن مقارنتها بنابليون في قمة تألقه — وهي شركة جوجل. فمثل نابليون، لم يكن خط تفكير مؤسسي جوجل، لاري بيج وسيرجي برين، أفقيا. فخلافا للآخرين الذين سبقوهم، قاما ببناء شركتهم على القليل جدا.لذا في حين أن معظم الشركات، بما في ذلك مايكروسوفت و IBM، التزمت بنسبة إدارة 6:1، كانت نسبة غوغل 20:1. «هذه الشركة لديها هيكل سريع البديهة قادر على التغيير بسرعة؛ فهذه السرعة وهذه الخفة هو ما منح جوجل قوتها الهائلة. هذه القدرة الكبيرة على التكيف لما يحدث في العالم، إنه هيكل جوجل الذي جعلها الوحش الذي أصبحت عليه اليوم.»«لقد كانت جوجل في مقدمة الثورة لعصر المعلومات. كانت هي الشركة التي ستغير العالم، التي ستفتح الباب على مصراعيه، كل هذا كان ممكنا على الإنترنت إلى العالم بأسره... وما لدينا هنا إذن هو ثقافة جديدة، جيش من البشر الذين يعملون لدى جوجل والذين كانوا أكثر تحفيزا وحماسا؛ وإنتاجيتها أعلى بكثير من أي شركة عادية.
«ومثل نابليون، أصبح لدينا فجأة شركة قادرة على القتال بطريقة جديدة... فهم يحاربون حرب مناورات؛ لا يحاربون من أجل موقع بل من أجل الإمكانات».
وعلى الرغم من أن جريني معجب بشركات تكنولوجية أخرى مثل أبل وأمازون، إلا أنه يميز شركة الملابس زارا التي يصفها بأنها «متقدمة جدا في زمنها»، لأنها مثل جوجل، أعادت بناء هيكل جديد سمح لها بالتكيف سريعا مع أذواق المستهلكين.
وأيا كانت الصناعة، يعتقد جريني أن على الشركات أن تتعلم من هاتين الشركتين الناجحتين. «إن ما نعيشه ليس أزمة اقتصادية — أريد أن أعيد تشكيل هذه الفكرة برمتها؛ فمن السخف والحماقة أن يتحدث الناس بهذه الطريقة. فهذا هو الوقت الذي يتغير فيه التاريخ حقا، نحن ندخل عصراً جديداً تماما، طريقة جديدة للاتصال ببعضنا بعضا - الشبكات، تواصل الناس بحرية من جميع أنحاء العالم — سيؤدي إلى إحداث تغيير كبير في الأعمال والسياسة في السنوات المقبلة. وهذا ما أدى إلى كل هذه التغييرات، وإما أن تكون متوافقا مع التاريخ وإما متعارضا معه».
روبرت جريني هو أيضا مؤلف «كتاب فن الإغواء».

الأكثر قراءة