مدينة الملك عبد الله للطاقة كخيار اقتصادي واستراتيجي

انبثق عهد جديد للولوج إلى التقنية المتقدمة حيث الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بالإرادة الملكية الكريمة بإنشاء مدينة للطاقة النووية والمصادر البديلة ليمتد عطاء قادة الوطن لخدمة المملكة وأبنائها. لا شك أننا تأخرنا قليلاً في هذا المضمار، لكن الوصول متأخراً خيرٌ من ألا نصل أبداً. بواكير هذا المشروع الوطني المتقدم تمثلت في مجموعة خيرة من الأساتذة الأفاضل الذين تتلمذوا على استخدام هذه التقنية في جامعة ميزوري الأمريكية وهي من الجامعات العريقة في هذا الشأن حيث تمتلك مفاعلاً خاصاً بها، ومن المؤكد أن جامعاتنا العريقة تزخر بأمثال هؤلاء الباحثين عن فُرص العطاء لهذا الوطن الكريم. اقتصاد الطاقة إجمالاً يهدف إلى استخدام كل الوسائل والطرق بهدف زيادة مردود استخدام الطاقة مع المحافظة على عدم الهدر وإبقائه عند مستوياته الدنيا بحيث لا يكون هناك تأثير على معدلات النمو الاقتصادي من خلال إحداث توازن ما بين إنتاج السلع والخدمات وبجودة عالية ضمن الاستخدام الفعال للطاقة المتاحة وفي إطار تكاليف معقولة ومقبولة. غير أنه من الممكن القول، إن الطاقة بكافة مصادرها وبالأخص النفط، الغاز، والفحم الحجري عماد الأنشطة الاقتصادية اليوم سواء كانت إنتاجية أم استهلاكية وبالتالي تسهم بشكل مباشر في رفاهية الإنسان، إلا أن هذه الرفاهية يقابلها تكاليف يجب أن يدفعها المجتمع للحصول على هذه المصادر. الحصول على الطاقة النووية لم يعد ترفاً ترفل في أثوابه الأمم سواء المتقدم منها أو النامي، بل أصبح ضرورة اقتصادية مُلحة تمليها الظروف الاقتصادية العالمية. فالزيادة السكانية وبشكل متسارع تتطلب مزيدا ومزيدا من الطاقة الكهربائية من المصادر التقليدية من أجل توفير الاحتياجات الاستهلاكية الصناعية والخدمية ما سيرفع الطلب المحلي مستقبلاً من النفط الخام من أجل توفير الطاقة المطلوبة، ففي المملكة من المتوقع أن يرتفع الطلب ليصل إلى حوالي 1,5 مليون برميل من النفط الخام يومياً في غضون السنوات العشر المقبلة وبالتالي سيحرمنا فرصة الاستفادة من توظيف العوائد النفطية المتوقعة في مجالات استثمارية إنتاجية واعدة، ناهيك عن كونها مصادر ناضبة وتحتاج إلى مزيد من الاستثمارات الرأسمالية الهائلة من أجل زيادة رصيدنا الحالي منها. وبنظرة إلى مصادر الطاقة الأخرى من شمسية، رياح، الأمواج البحرية، فمن ناحية التكلفة فلن تكون بأقل من التكاليف الرأسمالية لإنشاء أو تشغيل مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، من جانب آخر، نلحظ أن الدول العربية وبالذات الخليجية تفتقر إلى مصادر مياه دائمة وعليه فإن تحلية مياه البحر ستكون أكثر واقعية من خلال تشغيل محطات تحلية المياه المالحة والتي تُدار بالطاقة النووية. تؤكد آراء الخبراء أهمية وضرورة استخدام الطاقة النووية ذات الحرارة العالية في استخراج النفط وذلك من خلال صهر البترول المتجمد في الصخور كونه يتطلب درجات حرارة عالية وهذه لا تتأتى إلا من خلال الطاقة النووية، يضاف إلى ذلك استخدامات الطاقة النووية العديدة في القطاعات المختلفة كالزراعية والتي تفتقر لها المنطقة العربية عامة ما يساعد بشكل كبير على المساهمة في دفع التنمية الزراعية إلى الأمام. ومن الموضوعية الإشارة إلى أنها ستسهم بشكل كبير في عمليات تحلية المياه المالحة، فمن حيث المبدأ فالطريقة المُتبعة في المملكة تتم عن طريق البخار الذي تقوم بإنتاجه محطات توليد الكهرباء وهذه تعتمد على النفط، حيث إن تحلية المياه تعتمد على ثلاثة مصادر رئيسية النفط، الطاقة الشمسية، والطاقة النووية. إنشاء محطات كهربائية تُدار بالطاقة النووية مع وجود غلايات للأبخرة تساعد على تحلية المياه، ما يرفع عنا أعباء استخدام النفط لتوليد الكهرباء اللازمة للتشغيل إضافة إلى توفير كميات أكبر من المياه التي قد تذهب إلى استخدامات أخرى أكثر أهمية سواء كانت زراعية أم صناعية. بيد أن الإحساس الفعلي بارتفاع تكاليف الطاقة بدأ بعد حرب 1973م عندما انخفضت إمدادات النفط للدول المستهلكة وبشكل حاد ما دفعها إلى تبني سياسات ترشيدية من خلال ضرائب الكربون التي تسوق لها هذه الدول على أنها علاج للأضرار الناجمة من استخدام النفط على البيئة. على الجانب الآخر نجد أن المفاعلات النووية الحديثة التي تم تطويرها لتكون أكثر ملاءمة من ناحية التكاليف التأسيسية والتشغيلية، حيث الوقود التشغيلي لها يختلف عما كان عليه في السابق ومتوافر بكثرة ويُسمى (الثوريوم) مع عدم إمكانية إنتاج البلوتونيوم، وكذلك محدودية تأثيراتها على البيئة والمناخ من ناحية العوادم الغازية الضارة. ونظراً لأهمية الدور الذي تقوم به الطاقة النووية إلا أن المستقبل لا يلغي أهمية النفط والغاز من ناحية رخص التكاليف واتساع رقعة الاستخدام حيث يوفر 80 في المائه من الطاقة المستهلكة عالمياً، بل المستقبل سيزيد الاعتماد عليه بجانب بدائل أخرى للطاقة السهلة الاستخدام وقليلة التكاليف والأضرار على البيئة والمناخ كالطاقة النووية. إذاً سيكون بمقدورنا العمل الجاد على تطوير الطاقة الشمسية، بجانب الاستفادة المباشرة من المصادر الأخرى آخذين في الحُسبان العائد والتكلفة التي يدفعها المجتمع التي تتضمن الآثار الخارجية الضارة لمصادر الطاقة وتكلفة علاج الآثار الخارجية من خلال إيجاد منتجات خالية من الأضرار الخارجية، وهذه لا شك تلعب دوراً أساسياً في القرار الاستراتيجي في الاستخدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي