فعالية الإدارة الرشيدة للشركات مهمة للتنمية المستدامة
تعتبر الثقة أساس التنمية المستدامة. ومع استمرار حجم العالم في الصغر، يتزايد اعتمادنا على بعضنا البعض، ونحتاج جميعاً إلى أن نكون قادرين على تعبئة موارد الآخرين وحماسهم من أجل تحقيق النجاح. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال كسب ثقتهم. من هنا، أصبحت القدرة على كسب ثقة أسواق المال العالمية وجميع أصحاب المصالح في سلسلة القيمة مفتاح النجاح.
ويكمن جوهر الإدارة الرشيدة للشركات في ضمان وجود علاقات قائمة على الثقة بين الشركة وبين أصحاب المصالح فيها. لذلك فإن الإدارة الرشيدة تشتمل على أكثر من التقيد بكثير. فالإدارة الرشيدة للشركات هي ثقافة وجو من الانسجام، والمسؤولية، والمساءلة، والعدل، والشفافية والفعالية التي تعمم في سائر أرجاء الشركة (مبادئ الإدارة الرشيدة).
وتتمثل المسؤولية الأساسية لمجالس الإدارة في ضمان إدخال التحسينات المستدامة في تقييمات الشركة عبر تقديم التوجيه والإشراف الاستراتيجيين فيما يتعلق بقرارات الإدارة إلى جانب اختيار الإدارة وتغييرها كلما لزم الأمر. ويمكن تحقيق النجاح على أساس مستدام فقط إذا تصرفت مجالس الإدارة كنموذج يحتذى لتنفيذ مبادئ الإدارة المذكورة أعلاه في شركاتها وضمنت اتباع الشركة لهذه المبادئ في اتخاذ القرارات المهمة.
ويعتبر مجلس الإدارة أهم عنصر في هيكل الشركة. ذلك أن طريقة العمل في القمة تحدد سير الأمور في الوسط. وبصورة خاصة، فإن الفصل الواضح بين حقوق الإدارة (أخذ زمام المبادرة والتنفيذ) وحقوق الإدارة الرشيدة (التوجيه، والموافقة والإشراف) أمر بالغ الأهمية في تقليل مخاطر الوكالة المحتملة مثل:
التحايل:
بناء إقطاعية شخصية بموارد الشركة.
البلادة، أي التركيز على الأعذار وليس على النتائج.
المبالغة في النفور من المجازفة الذي قد يؤدي إلى الإفراط في الاستثمار.
المبالغة في الميل إلى المجازفة.
إن أموراً مثل تكوين أو تركيب مجالس الإدارة، وأجندتها وعملياتها الخاصة باتخاذ القرارات، وكيف تتعلم أن تحسن باستمرار إدارة الشركة، لها تأثير كبير في نوعية القرارات ونوعية الإدارة. وتتمثل المسؤوليات الرئيسية لمجلس الإدارة في توفير الإشراف الفعال والتوجيه الاستراتيجي للإدارة وتعتمد نوعية قراراته على نوعية المعلومات المتوافرة لديه. وإن تأسيس ثقافة تحدد طريقة العمل في القمة أمر بالغ الأهمية في ترسيخ الثقة بالشركة لدى جميع أصحاب المصالح فيها (منطق الإدارة الرشيدة).
ويعتمد نجاح مجلس الإدارة على إصدار الأحكام السليمة في العديد من الأوضاع التي تتطلب الموازنة بين المصالح المختلفة:
المجازفة مقابل المكافأة.
المدى القصير مقابل المدى الطويل.
الإشراف الفعال مقابل تحفيز الإدارة.
الاعتبارات الأخلاقية مقابل ممارسات السوق.
المصالح المتنافسة لأصحاب
المصالح المختلفين
باختصار، تعتبر الإدارة الرشيدة للشركات مهمة جداً للتنمية المستدامة، ليس للشركة وحدها، بل وللاقتصاد ككل. لذلك، ينبغي تحسين نوعية الإدارة باستمرار، كما ينبغي تشجيع الإدارة الرشيدة. ولكن الشيء الذي لا يقاس لا يمكن تحسينه. من ثم تقوم الحاجة إلى نموذج لقياس جودة إدارة الشركة.
تركز معظم المحاولات الرامية إلى قياس جودة إدارة الشركة على المسائل التي تتعلق بالتقيد. ويبدو أن العديد من نماذج التصنيف تركز هي الأخرى على مدخلات الإدارة، مثل تكوين أو تركيب مجالس الإدارة، والفصل بين دور الرئيس التنفيذي ودور رئيس مجلس الإدارة. لكنها لا تولي الاهتمام الكافي لنوعية المعلومات، ولعمليات اتخاذ القرار، كما أنها لا تربط فعالية الإدارة بمقاييس المخرجات مثل صورة العلامة التجارية، أو مؤشرات رضا الموظفين والعملاء، أو الربحية، أو إيجاد القيمة. كما أن معظم المقاييس لا تتعامل مع التعليم والتطوير في الإدارة.
أولاً، الشيء الأهم من الصفات الديمغرافية التي يتصف بها عضو مجلس الإدارة هو نوع الخبرة التي يتوافر عليها هذا العضو وأنواع السلوك التي يرسمها. لذلك، فإن الجندر، والجنسية والتنوع العمري ليست كافية لتقييم فعالية المجلس. وينبغي على المرء أن يقيم مدى مناسبة خبرة أعضاء مجلس الإدارة لمعالجة التحديات الرئيسية التي يمكن أن تواجه الشركة. وهناك موضوع مهم آخر وهو أن نوعية المعلومات التي يحصل عليها مجلس الإدارة تعتبر محدداً رئيسياً لفعاليته. فكون المعلومات مناسبة وتأتي في الوقت المناسب، وتقدم في سياق، مع تحديد علامات القياس والبدائل، وكون الافتراضات مفهومة وتخضع لاختبار إجهاد، وما إذا كانت الآثار المحتملة لمختلف البدائل على أصحاب المصالح المختلفين قد أخذت في الحسبان، كل هذه الأمور لها أثر كبير في نوعية قرار مجلس الإدارة.
ثالثاً، ينبغي تقييم أثر قرارات مجلس الإدارة في مقاييس المخرجات، وليس في المدخلات فقط كنوعية المعلومات. إن الإدارة مهمة لاستدامة إيجاد القيمة. وإذا لم يقم النموذج الذي يهدف إلى قياس فعالية الإدارة بتقييم الروابط بمقاييس المخرجات – ليس الأداء المالي فقط، بل وأيضاً المؤشرات الرئيسية مثل رضا العملاء، أو الموظفين أو غيرهم من أصحاب المصالح – فإنه يغفل بعداً مهماً.
وينبغي أن ينصب تركيز مجالس الإدارة أيضاً ليس على نتائج عمل الشركة فقط، بل وعلى كيفية تحقيق تلك النتائج. وبما أن الأداء المتميز يمكن أن يكون عبر المبالغة في الإقدام على المخاطرة، الأمر الذي يؤدي إلى أداء جيد نسبياً خلال فترة معينة، إلا أنه قد لا يكون مستداماً. لذلك، فإن التقييم المفصل لمقترحات الإدارة يتطلب ثقافة منفتحة وشفافة وتشجع أعضاء مجلس الإدارة على تحدي الافتراضات وتقييم البدائل.