الصحافة تختبر مستقبلها مع الإنترنت

الصحافة تختبر مستقبلها مع الإنترنت

تواجه صناعة الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية، مستقبلاً غامضاً من حيث فرص استمراريتها، خاصة إثر المستجدات الاقتصادية الأخيرة.
في حديث خاص مع برنامج إنسياد للمعرفة على هامش مؤتمر إعلامي استضافته جامعة هونج كونج، يعرب جوشوا بنتون، المدير المؤسس لمركز نييمان للصحافة في جامعة هارفارد عن تشاؤمه فيما يخص مستقبل الصحف الموجودة حالياً، لكنه يعرب عن تفاؤله التام بتوافر مزيد من المعلومات المتاحة للقراء والمستهلكين أكثر من أي وقت مضى.
ويقول : «تشهد أمريكا ومناطق أخرى في العالم نشوء وسائل إعلام جديدة على الإنترنت تعمل على الصعيدين المحلي والوطني وتتميز بأفكار مبتكرة وتطرح نماذج إعلامية جديدة، لكن الصورة قد تنعكس بالنسبة للاعبين القدامى في الساحة الصحافية من حيث فرص استدامة أعمالهم أو من حيث جاهزيتهم للتغيير والابتكار لمواجهة الواقع الإعلامي الجديد».

تحديات متزايدة

وتواجه صناعة الصحف المطبوعة عدة تحديات تتمثل في تراجع إيراداتها من الإعلانات، وانخفاض أعداد توزيعها، وتسريح أعداد كبيرة من الصحافيين، ويلفت بنتون إلى أن ما يقارب ثلث صحفيي الجرائد المطبوعة في أمريكا فقدوا وظائفهم منذ عام 2006.
وفي دراسة قام بها مركز أبحاث «بو» شملت 353 من العاملين في الصحف والمؤسسات الإعلامية، أفاد 70 في المائة بتقليص مؤسساتهم أعداد موظفيها خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن جانب آخر، قال 70 في المائة من مديري تحرير الصحف إن أعداد الصحافيين لديهم ليست كافية لتأدية العمل التحريري بالشكل المطلوب، لكنهم يفون بالغرض، فيما أعرب 15 في المائة فقط من المستطلعة آراؤهم عن ثقتهم بأن توفير المحتوى التحريري بشكل مدفوع على الإنترنت سيكون مورداً مهماً للدخل خلال السنوات الثلاث القادمة.

وسائل جديدة

وعلى الرغم من هذه المعطيات، يعرب ألمار لاتور، رئيس تحرير النسخة الآسيوية من وول ستريت جورنال عن حماسه للعمل في هذه المرحلة التي تمر بها وسائل الإعلام، خاصة مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العمل الإعلامي بفضل الوسائل الجديدة المتوافرة عبر الإنترنت، مشيراً إلى أن التقنيات الجديدة باتت تؤثر في مختلف القطاعات وليس الإعلام فحسب، وبات لدى الناس قدرة أكبر للاطلاع على كم أكبر من المعلومات من مناطق مختلفة من العالم وبشكل أسرع بكثير من ذي قبل.
وفي الجانب المقابل، يأتي التباطؤ الذي تعانيه الصحافة بسبب زوال العوائق التي كانت تقف دون الدخول في صناعة الإعلام، إضافة إلى التنافس على إيرادات الإعلان بعد ظهور الإنترنت على الساحة الإعلامية والإعلانية وفقاً لريغ تشاو، رئيس تحرير جريدة «ساوث تشاينا مورننغ بوست»،
وبنظرة اقتصادية، يشير تشاو الذي عمل أيضاً في إدارة تحرير وول ستريت جورنال إلى التباين الحاد في تكاليف وإيرادات الصحافة الورقية التقليدية وصحافة الإنترنت، ما دفع بالكثير من الصحف إلى تخفيض تكاليفها بشكل جذري، فهناك خياران رئيسيان، إما تخفيض التكاليف أو البحث عن قنوات جديدة للدخل.

إشكالية الرسوم

وفي إطار النقاش الدائر حول ضرورة أن تفرض الصحف رسوماً مدفوعة لقاء الدخول إلى خدماتها التحريرية من مقالات وأخبار على الإنترنت، يرى تشاو أن الصحف التي لديها القدرات اللازمة لفرض رسوم لقراءة محتواياتها على الإنترنت يجب أن تقوم بذلك، أما التي لا تملك تلك القدرات فيجب عليها أن تستمر في توفير المحتوى المجاني، ويؤكد من جانب آخر أهمية الموازنة بين توزيع النسخات المطبوعة بسرعة وفاعلية من جهة وبين استقطاب مزيد من القراء إلى الموقع الإلكتروني من جهة أخرى، وذلك للاستفادة من كليهما في الوقت نفسه.
لكن ليس بالضرورة أن يساهم تسعير خدمات المحتوى على الإنترنت في زيادة العوائد المالية للصحف، فعلى سبيل المثال، قامت صحيفة «نيوزدي» اليومية التي تصدر في نيويورك بفرض رسوم على زوار موقعها الإلكتروني، لكن بعض بضعة أشهر، اكتشفت الإدارة أن عدد الاشتراكات في الموقع لم يتجاوز 35 اشتراكاً فقط وفقاً لبتون، الذي يشير إلى أن اثنتين من الصحف الأمريكية قد تحولتا بالكامل إلى النسخة الإلكترونية على الإنترنت بعد إيقاف النسخة المطبوعة، وقامت إحداها، وهي صحيفة «سياتل بوست انتليجنسر» بتسريح 90 في المائة من موظفيها في إطار عملية التحول إلى صحيفة إلكترونية.

توازن الدخل

لا تزال معظم الصحف تخطط لفرض رسوم على خدمات المحتوى الإلكتروني بهدف حماية النسخة المطبوعة، التي لا تزال تسهم في النسبة الأكبر من العوائد، ويتوقع بنتون أن تلجأ الصحف إلى تطبيق سياسات تشجيعية لقرائها ومنها توفير اشتراك مجاني في النسخة الإلكترونية عند الاشتراك المدفوع بالنسخة المطبوعة على سبيل المثال.
من جانبه، يشير تشاو إلى أن المشكلة الأساسية لدى الصحف تكمن في عدم توفير المحتوى الذي يتطلع إليه القراء كما تفعل كل من شبكة «إي إس بي إن» ومجلة «سبورتز إلستريتد» المتخصصتين في تغطية الفعاليات الرياضية التي تستقطب شريحة كبيرة من المشاهدين ومن ضمنها بطولات كرة القدم الأمريكية ودوري البيسبول الأمريكي، ويؤكد تشاو أهمية أن تقوم وسائل الإعلام بجذب اهتمام الجمهور من خلال توفير بيئة تحريرية وإخبارية تفاعلية بأسلوب جذاب وشيق.
بات على الصحف الاستفادة بشكل أكبر من الفرص التي تقدمها شبكة الإنترنت لتحقيق دخل إضافي للمساهمة في تغطية تكاليف هيكلية العمل الصحفي في النسخة المطبوعة، ومن جانب آخر، يتوجب على الصحف إعادة النظر في نوعية المحتوى التحريري الذي تقدمه.
ويمكن للوسائل الإعلامية ومنها الصحف أن تحظى بمصادر دخل إضافية من خلال تنظيم المؤتمرات والفعاليات العامة بالاعتماد على العلاقات الواسعة التي تتمتع بها الصحف في الوسط الإعلاني وقدرتها على استقطاب أبرز الشخصيات العامة، وبالرغم من هذا الطرح كخيار لتحقيق دخل إضافي، لا يتوقع بنتون أن تكون عوائد هذه المبادرات بحجم دخل الإعلانات في عصر ما قبل الإنترنت، إذا كانت الصحف تتمتع بهوامش ربح تفوق 20 في المائة آنذاك.

تخوف في محله

بالنسبة للصحف العامة، أي تلك غير المتخصصة في قطاع معين، فقد لا تستطيع تجاوز التباطؤ طويل الأمد في صناعة الصحف المطبوعة حتى لو تبنت نموذج المحتوى الإلكتروني المدفوع، وفي المقابل، يشير بنتون إلى أن الصحافة المتخصصة وخاصة المالية والاقتصادية منها قد تنجح في هذه السياسة، إضافة إلى المؤسسات الإخبارية التي تستهدف أسواقاً محددة، لكن ومن جانب آخر، يمكن أيضاً أن يتخلى عنها القراء ويتجهون إلى المحتوى المتوافر مجاناً. ويضيف: «تواجه الوسائل الإعلامية الأمريكية التي تنوي تسعير خدماتها المقدمة على الإنترنت قائمة طويلة من المنافسين الجاهزين لتقديم خدماتهم للقراء مجاناً وبالتالي استقطاب مزيد من الحركة إلى مواقعهم الإلكترونية، وهذه هو السبب الحقيقي الذي يمنع الصحف من التحول إلى سياسة المحتوى المدفوع نظراً للتخوف من تأثر العلامة التجارية التي بنتها على مدى سنوات طويلة نتيجة البدائل المجانية الموجودة في السوق».

الأكثر قراءة