الشركات العائلية من منظور نفسي
شهد عام 2007 قيام عائلة بانكروفت ببيع مجموعة «داو جونز» للنشر، بعد أن امتلكتها لفترة تناهز 105 أعوام، وذهبت ملكية المجموعة التي تضم جريدة وول ستريت جورنال الشهيرة إلى شركة «نيوز كوربوريشن» وهي شركة عائلية أيضاً يملكها رجل الأعمال المعروف روبرت مردوخ، وبلغت قيمة الصفقة خمسة مليارات دولار أمريكي.
وفي قراء تحليلية لظروف الصفقة، يشير رانديل كارلوك أستاذ ريادة الأعمال في جامعة بيرجمان لويست، مدير مركز ويندل الدولي للشركات العائلية في كلية إنسياد، إلى أن عائلة بانكروفت قد نجحت في وضع قيم ومعايير واضحة لعمل صحيفة «وول ستريت جورنال»، القائمة على النزاهة الصحافية والاستقلالية التحريرية، لكنها لم تستطع الانتقال بها إلى عصر القرن الحادي والعشرين، وبالتالي نجح المنافسون في التفوق عليها، وأدى ذلك إلى هبوط حاد في سعر سهم مجموعة «داو جونز».
عوامل نفسية
وفي سعيه لشرح ما حدث، يقدم كارلوك خمسة عوامل نفسية ساهمت في الحد من فعالية عائلة بانكروفت كمالكة للمجموعة، وهي تتوزع كالتالي :
- افتقار العائلة لمهارات التواصل، سواء بشكل داخلي بين أفراد العائلة أو التفاعل الخارجي.
– فشل العائلة في إحكام سيطرتها على إدارة أعمال المجموعة، على الرغم من كونها المساهم الأكبر من حيث أسهم الملكية، ولم تستطع التدخل في الإدارة أو مراقبة وتقيم أدائها.
- تباين أهداف أفراد العائلة، حيث كان الجيل الشاب يفكر في توسيع انتشار المجموعة وتعزيز حصتها السوقية لتعزيز الأرباح ودعم القيمة المادية لصحيفة «وول ستريت جورنال»، بينما كان هاجس الجيل القديم يتمحور حول حماية الصحيفة والدفاع عن نزاهتها.
- لم يدرك الجيل القديم في العائلة أهمية حسم اتخاذ القرارات في إطار زمني محدد.
- لم يساعد الهيكل التنظيمي للمجموعة في الوصول إلى الفعالية المطلوبة للتحكم في الإدارة.
ويشير كالوك إلى أن هذه العوامل النفسية قد شكلت عائقاً في وجه عائلة بانكروفت مما أدى إلى تراجع قيمة الأصول التي تملكها، وبالتالي استحواذ عائلة مردوخ على المجموعة».
ديناميكية إنسانية
في كتابهما الذي نشر أخيرا بعنوان «الأعمال العائلية – تحليل نفسي»، تضافرت خبرات كل من كارلوك والبروفيسور مانفريد كيتس دي فريس المؤلف المشارك وأستاذ تطوير القيادة لدى إنسياد، بهدف دراسة الديناميكية الإنسانية في الشركات العائلية للتغلب على العوامل النفسية التي قد
تبدد أعواما طويلة من الإنجازات عبر تصرفات جيل واحد، ويضيف كارلوك:»بدأنا برصد الشركات العائلية التي عملنا معها في كلية إنسياد، وقمنا برصد وتحليل العائلات المالكة لتلك الشركات، وتوصلنا إلى أن العوائق التي تقف في طريقها ليست بالضرورة متعلقة بعمل وإدارة الشركة، بل عادة ما تكون نتيجة الظروف العائلية والمشكلات الشخصية فيها». إذ تواجه العائلات تحديات متعددة سواء من حيث التواصل فيما بين أفرادها، أو في طريقة معالجة المشكلات، أو حتى في تمضية الأوقات العائلية، وتأتي هذه التحديات نظراً لصعوبة أن يكون الفرد عضواً في عائلة وشركة عائلية في الوقت نفسه بسبب التضارب بين العلاقات العائلية المبنية على الحب والعاطفة وبين النظام المؤسسي القائم على الأداء.
العلاقات العائلية
من خلال دراسة عدد من الشركات العائلية التي عملا معها، وضع المؤلفان عدداً من القضايا تحت عدسة مجهر التحليل النفسي، ومن ضمنها القيم العائلية والمؤسسية، إلى جانب العلاقات العائلية وصراع الأجيال وتحولات دورة الحياة، ويأمل كارلوك أن يسهم الكتاب في زيادة فهم وتقدير تأثيرات التفاعل الإنساني في الشركات العائلية، مشيراً إلى أن الكتاب موجه في الأساس إلى العائلات التي تدير مشاريع وأعمالا خاصة بها، إضافة إلى الباحثين والمتخصصين في قضايا الشركات العائلية، إلى جانب الشريحة الأهم وهي الاستشاريين الذين يعملون مع هذا النوع من الشركات، وقد وجدنا أنهم محددون في إطار مهارتهم العملية ولا يستطيعون مقاربة الأبعاد الإنسانية لعملائهم.
انتقال القيادة
يأتي انتقال القيادة كأحد أبرز القضايا داخل الشركات العائلية، حين ينتقل التحكم في الإدارة من الأب المؤسس إلى أولاده ومن ثم إلى أحفادهم، وتظهر التعقيدات نتيجة تباين القيم العائلية وتجارب أفرادها والفصل بين الإدارة والملكية، ويضيف كارلوك:»عادة ما تكون عملية انتقال الإدارة من الأب المؤسس إلى أبنائه ومن ثم إلى أحفاده عملية حاسمة، فإن تمت بنجاح، فذلك يعني وجود منظومة محددة لانتقال السلطة, إضافة إلى الخبرة التي تبنيها مثل تلك العمليات الانتقالية»، ويلفت كارلوك إلى أن مردوخ الذي نجح في تحويل شركة «نيوز كوروبوريشن» إلى مجموعة عالمية عليه أن يبدأ في التخطيط لمنظومة انتقال الإدارة في شركته بالتزامن مع وضع الخطط لأعمالها المستقبلية، وخاصة أنه يتمتع بجميع المهارات التي يتطلبها ذلك، لكنه عندما ينقل الإدارة إلى الجيل الثاني في عائلته، فمن المؤكد أنه سيواجه عدة تحديات كالمشكلات التي قد تنشب بين زوجته الثالثة وأبنائه من زوجته الأولى، ويضيف كارلوك: «إن عملية انتقال الصفات الريادية في الأعمال من الفرد إلى العائلة مسألة صعبة للغاية، وخاصة لدى العائلات الكبيرة والمتنوعة التي ستواجه مستويات أكبر من العلاقات المعقدة».