اكتساب الإبداع في مجتمعات أجنبية

اكتساب الإبداع في مجتمعات أجنبية

أظهرت دراسة حديثة أجراها وليام مادوكس الأستاذ المساعد في السلوك التنظيمي لدى إنسياد، أن الأفراد الذين يقيمون في دول أخرى غير أوطانهم الأصلية يتميزون بمهارات إبداعية أكثر من غيرهم، وكلما ازدادت الفترات الزمنية التي يقضونها بعيداً عن موطنهم يزداد إبداعهم أكثر فأكثر لكن وفقاً لشروط وظروف معينة وفقاً لمادوكس، الذي أجرى الدراسة بالتعاون مع آدام جالينسكي أستاذ الإدارة في جامعة نورث وسترن.
فعلى سبيل المثال، لا تشكل الزيارات القصيرة إلى بلدان أخرى حافزاً للابتكار، حيث يشير مادوكس إلى أن الدراسة لم تجد ارتباطاً ملموساً بين الابتكار والسفر إلى الخارج، إذ يجب أن تكون الإقامة لفترات محددة، لكنه يؤكد أهمية ظروف الإقامة ونوعها إلى جانب أهمية فترتها الزمنية ويضيف :»لا تتوقف الأهمية على فترة الإقامة، بل على التحول النفسي الذي يتعرض له المرء خلال العيش في دول أجنبية».

الاحتكاك مع الآخر

يوفر الانخراط الكامل في التجارب المحلية للمجتمعات الأخرى فرصة للارتقاء بالمهارات الإبداعية للأفراد، وبالأخص عبر تعلم لغة البلد الأصلية، يقول مادوكس: «هنا علاقة متينة تربط تعلم اللغات الأجنبية مع الابتكار، فمن يتقنون أكثر من لغة يتميزون بآفاق إبداعية واسعة، فاللغة جزء مهم من عملية التأقلم مع الآخر». ومن جانب آخر، يلفت مادوكس إلى بعض الحالات التي يقيم خلالها المرء في بلد أجنبية لمدة تناهز السنة أو أكثر، لكن نشاطاته اليومية والاجتماعية تنحصر مع أفراد مغتربين أيضاً وربما من وطنه الأصلي نفسه، وبذلك لا ينجح الفرد في الاستفادة من التجارب الإبداعية التي يمكن التعلم منها في حال التأقلم مع ثقافة البلد الذي يعيش فيه وتعلم اللغة المحلية والإطلاع على العادات والإرث الحضاري لهذا المجتمع، وهو ما يساعد على تغيير طريقة تفكير الفرد المغترب وتصرفاته بما يوافق المعطيات الجديدة».
ويرى مادوكس أن العمر مسألة مهمة أيضاً، فصغار السن أكثر قدرة على تعلم اللغات، ويضيف: «في حال الاحتكاك مع التجارب الثقافية الأجنبية في سن مبكرة، فسيكون لها تأثير أقوى في الإبداع لاحقاً».

روح الريادة

وتكشف دراسة أخرى للباحث نفسه أن الفرد يستطيع حتى بعد عودته إلى بلده الأصلي الاستفادة من التجارب التي اكتسبها خلال إقامته في الخارج والتي عادة ما تحفظ في الذاكرة ويمكن استعادتها. يقول مادوكس: «عادة ما يبدي الأشخاص الذي يستذكرون تجاربهم في الخارج ويسجلونها بشكل مكتوب تجاوباً سريعاً من الناحية الإبداعية»، وثمة ترابط إيجابي آخر بين روح المبادرة في الأعمال التجارية والإبداع، حيث لاحظت الدراسة وجود ترابط مماثل بين الإقامة في الخارج والمبادرات الريادية، إذ غالباً ما تتسنى لرواد الأعمال تجربة العيش في الخارج أيضاً».
وفيما تؤكد الدراسة فوائد العيش في بلدان أخرى مقارنة بعدم مغادرة البلد الأصلي والبقاء فيه، ينصح مادوكس الشركات الباحثة عن الابتكار باستقطاب الأفراد ممن يتمتعون بتجارب عملية في الخارج. ومن جهة أخرى، ينبغي على تلك الشركات ألا تدخر جهداً في إتاحة مهمات العمل الخارجية لموظفيها، لأن هذه المهمات تمثل كما يبدو مفتاحاً للتطوير الفكري والذهني للأفراد. ويشدد مادوكس على أهمية التأقلم مع المحيط الخارجي لأي مجتمع، وذلك لا يتم إذا كانت الإقامة في الخارج محصورة في ساعات طويلة في العمل ومن ثم العودة إلى المنزل، إذ تكمن فائدة الإقامة في مناطق أخرى من العالم في تحرر الفرد من إطار ثقافته الأصلية والتأقلم مع ثقافة المجتمع المضيف للاستفادة قدر الإمكان من هذه التجربة.
وبطبيعة الحال، فإن الإقامة في الخارج ليس الطريقة الوحيدة لتحفيز الابتكار لدى الأفراد، إلا أنها أحد المحركات الرئيسة للإبداع بحسب مادوكس.

الأكثر قراءة