المخاطر القانونية وعدم تقيد البنوك بقواعد الشريعة يدمران سمعة المالية الإسلامية

المخاطر القانونية وعدم تقيد البنوك بقواعد الشريعة يدمران سمعة المالية الإسلامية

في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، لدى انهيار بنك بارنغز الذي كان البنك التجاري البريطاني الأقدم، والخسائر التي بلغت 1.8 مليار دولار التي تكبدتها مؤسسة سوميتومو نتيجة للتجارة في النحاس، بصورة غير مرخصة، من جانب متداول تجارة النحاس الرئيسي في هذه المؤسسة لدى بورصة المعادن في لندن، تم تسليط الضوء على الحاجة إلى تطبيق مبادئ المخاطر التشغيلية، وجعلها أمراً أساسياً في وجدان، ووعي مؤسسات النشاط العملي .

إضافة إلى كل ما سبق، فإن انهيار "أورانج كاونتي"، وبنك دايوا خلال فترة قريبة من تلك الفترة، وفضيحة البنوك الإيرلندية المتحدة، وشركة إنرون، في أوائل هذه الألفية، كانت أمثلة غاية في البروز والوضوح على وجود خسائر كبرى ناجمة عن المخاطر التشغيلية لدى البنوك. وبالتالي، فقد أصبحت المخاطر التشغيلية جانباً رئيسياً من القيام بالنشاطات العملية، بحيث لا يمكن استبعادها، أو التخلص منها بصورة كاملة. كما أنها أصبحت تدخل ضمن تصنيفات المخاطر المهمة للغاية، وازدادت إسهامها بصورة ملحوظة تماماً في تكوين إجمالي المخاطر لدى المؤسسات المصرفية.

إن البنك الإسلامي هو صيغة حديثة لمعنى الجهبذ، أي ذلك المسؤول المصرفي صاحب الخبرة في شؤون العملات، إضافة إلى مهارته في إدارة الشؤون المالية، كما أنه يتلقى الأموال كودائع، ويمكن أن يكون بمثابة الصراف الحكومي، إضافة إلى إتقانه مهام الإدارة والسيطرة حين تكون الأمور ذات علاقة وارتباط بشؤون استثمار الأموال. وكل هذه الصفات تطورات كي تعمل على تشكيل مفهوم رجل المصارف في العصر الحديث. ويواجه البنك الإسلامي، على وجه العموم، مخاطر مشابهة لما تواجهه المؤسسات المالية التقليدية بقدر ما تقدمه من خدمات مالية متنوعة.

مع ذلك، فإن التحديات التي تواجهها البنوك الإسلامية، بصفة خاصة، هي أشد تعقيداً في طبيعتها، وفي تكوينها، من تلك التحديات التي تواجهها المؤسسات المصرفية التقليدية خلال أدائها مهامها المتعددة. وتختلف صفات وخصائص العقود المالية لدى البنوك الإسلامية، بصورة ملحوظة تماماً، عن تلك العقود المالية الموجودة لدى المؤسسات المالية التقليدية.

نجد في هذا المقام أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية يتناول مثل هذه الأمور والاختلافات، حيث يورد في نشرته المتخصصة في عام 2007 أن البنوك الإسلامية معرضة لعدد من المخاطر التشغيلية التي يمكن أن تؤثر، في نهاية المطاف، في عملياتها المصرفية.

غير أن الأمر الأبعد أثراً من كل ذلك هو أن هنالك حججاً تقول إن مثل تلك المخاطر التشغيلية تكون أكثر أهمية لدى المؤسسات المالية التي تلتزم بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية ذات العلاقة بتنظيم أمور المعاملات المالية، حيث يعود ذلك الأمر، في معظمه، إلى الخصائص المتعلقة بعقودها المالية.

كانت هنالك عدة أوراق من الأبحاث المتخصصة التي تم إعدادها حول تلك البحوث التي أعدها عدد من الأساتذة المتخصصين في شؤون التمويل الإسلامي، والمعاملات المصرفية الملتزمة بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية. ومن الأمثلة البارزة على هذا النوع من الأبحاث، وأوراق العمل تلك التي تولت إعدادها شخصيات بارزة في هذا المجال، من أمثال عباس ميراخور، ولوكا إيريكو، وفي. صندارارجان، من صندوق النقد الدولي، وهيني فان غروننغ، وزامير إقبال، من البنك الدولي.

تعرف قواعد "بازل 2" المخاطر التشغيلية بأنها "المخاطر الناجمة عن عمليات غير ملائمة أو فاشلة، أو عن تصرفات أشخاص، أو عن محتويات أنظمة، أو من جانب عوامل خارجية". ويرى مجلس الخدمات المالية الإسلامية أن المخاطر التشغيلية في البنوك الإسلامية هي تلك التي تكون قد نجمت عن كل ما ذكر في تعريف "بازل"، وإضافة إلى كل ذلك الخسائر الناجمة عن عدم التقيد بمبادئ وقواعد عمل الشريعة الإسلامية، وكذلك تلك الناجمة عن عدم الممارسة الصحيحة للمسؤوليات ذات العلاقة بعمليات التوكيل.

يُفهم من كل هذه الأمور، والتفاصيل، أن تحديد المخاطر التشغيلية في البنوك الإسلامية يتضمن المخاطر القانونية، وكذلك المخاطر ذات الارتباط بالسمعة، حيث تولى عدد من الأساتذة، والباحثين المختصين بالشؤون التمويلية الإسلامية، بحث هذه الأمور بكل التفاصيل المسهبة، وظهرت نتائج تلك الأبحاث في عدد من النشرات المختصة، بما في ذلك التقارير الصادرة عن ستاندرد آند بورز. ويظل الفرق الواضح بين تعريف مجلس الخدمات المالية الإسلامية، و"بازل 2"، هو أن تعريف هذا المجلس يضيف عنصري عدم التقيد بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية، وكذلك قضية المسؤولية ذات العلاقة بالتوكيل. والحقيقة إن هذا المجلس يرى أن عدم التقيد بمبادئ الشريعة الإسلامية في المعاملات المصرفية يدخل تماماً في صلب المخاطر التشغيلية في العمل المصرفي لدى البنوك الإسلامية.

وفقاً للإرشادات الخاصة لهذا المجلس المتخصص، فإن عدم التقيد بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية ينجم عن إخفاق البنوك في الالتزام بقواعد، ومبادئ الشريعة المحددة من قبل المجلس الخاص بالشريعة، أو أي جهة قضائية تتولى المهام ذاتها ضمن الدوائر القضائية المختلفة التي تعمل في ظلها البنوك الإسلامية. وإن ثبوت عدم التقيد بمبادئ، وقواعد الشريعة، يجعل عقود العمل الخاصة بذلك باطلة تماماً، وبالتالي لا يمكن التعرف على الدخل، أو الخسارة. وأما مسؤولية التوكيل حسب التعريف الخاص بمجلس الخدمات المالية الإسلامية، فإنها تنجم في العادة عن إخفاق البنوك الإسلامية في الأداء وفقاً للمعايير الصريحة، والضمنية لمسؤولياتها المتعلقة بالتوكيل.

هكذا، فإن مثل هذا الإخفاق في القيام بمسؤوليات التوكيل يعمل على تدمير سمعة البنوك، والمؤسسات المالية الإسلامية. ويمكن لتدمير السمعة في هذا الجانب بالذات أن يؤدي، في نهاية المطاف، إلى سحب الأموال من تلك البنوك، الأمر الذي تتمثل عواقبه في حدوث أزمة سيولة لديها. ومن المحتمل أن تؤدي هذه الأمور كذلك إلى توقف الزبائن، والعملاء، عن طلب التمويل من تلك البنوك الإسلامية، وهو الأمر الذي يمكن أن يتسبب في تراجع كبير للربحية. وبالتالي، فإنه حتى يمكن لتلك البنوك الاحتفاظ بسمعة جيدة في أوساط الزبائن، فإن عليها بصفة أساسية أن تراعي أمرين مهمين، أولهما ضمان أن تكون منتجاتها المالية متقيدة بصورة دقيقة بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية، والثاني أن تحافظ بقوة على قواعدها الخاصة بمسؤولية التوكيل.

كما ذكرنا سابقاً، فإن إدارة المخاطر التشغيلية في البنوك الإسلامية تختلف عن إدارتها في المؤسسات المالية التقليدية. ولا بد من إضافة عدد من الأبعاد الأخرى لدى التصدي لمثل هذا النوع من التحليل، والتقييم. وعلى الرغم من أوجه الشبه المتعددة بين الجانبين، فإن الأمر يقتصر على درجة تعامل هذين النوعين من البنوك بنشاطات مصرفية متعددة. وبصورة أقرب إلى تحري مزيد من الدقة، فإن إدارة المخاطر التشغيلية في البنوك الإسلامية تتطلب درجة أعمق من فهم مصادر المخاطر التشغيلية التي يمكن أن تكون سبباً في حدوث الخسائر. وإضافة إلى تلك المخاطر المتعلقة بعدم التقيد بمبادئ، وقواعد الشريعة الإسلامية، وكذلك الأمور المرتبطة بمسؤولية التوكيل، فإن عدة مخاطر يمكن أن تظهر في البنوك الإسلامية، مثل المخاطر المتعلقة بالناس، والمخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا، إضافة إلى تلك المعروفة بالمخاطر القانونية.

على الرغم من عدم وجود دراسات وأبحاث متعلقة بتقييم تعرض الناس للمخاطر في التعامل مع البنوك الإسلامية، فإن من المفهوم أن التحدي فيما يتعلق بهذا الأمر ما زال كبيراً للغاية. والحقيقة أنه على الرغم من التقدم السريع الذي تشهده الصناعة المصرفية الإسلامية، إلا أنه لم يواكب ذلك زخم كاف من تطوير وإعداد الموارد البشرية المؤهلة، والمتعلمة لإدارة مثل هذه النشاطات المصرفية بالصورة الملائمة. وقد ظل عدد من المتخصصين يسلطون الأضواء على هذه القضية الحساسة منذ عدة سنوات، حيث نجد أن وارين إدواردز، وإليزابيث جاكسون مور، كانا من أبرز الباحثين الذين تناولوا هذا الأمر بكثير من التدقيق، والتفصيل. ومن المتفق عليه أن بعد المخاطر البشرية في البنوك الإسلامية أوسع مما هو عليه في البنوك والمؤسسات المالية التقليدية، وذلك من حيث إن العاملين في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لا بد أن يتقنوا كلاً من المهارات المصرفية والمالية التقليدية، إضافة إلى الإحاطة التامة بما يتطلبه التعامل مع منتجات، وأدوات مصرفية في ظل الالتزام التام بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية.

هنالك حاجة واضحة تماماً لتوافر العدد الكافي من المصرفيين القادرين على التعامل في التمويل الإسلامي. وهنالك، إضافة إلى كل ذلك حاجة ماسة لوجود جهات تنظيمية مؤهلة للعمل في هذا المجال، حيث إن مثل هذه الجهات التنظيمية لا بد أن تكون على دراية كاملة بالشؤون المالية التقليدية، إضافة إلى إحاطتها بما تتطلبه النشاطات المالية المتخصصة في إطار العمل التمويلي الإسلامي.

ونجد في ظل الظروف القائمة على أرض الواقع، وبعد التطور الملحوظ الذي شهده التمويل الإسلامي، أن المخاطر البشرية تشكل جانباً كبيراً ومهماً من المخاطر التشغيلية. ومن أبرز العقبات في هذا المجال قلة العدد المتوافر من المختصين المدربين في كل من النشاطات المصرفية التقليدية، وفقه المعاملات، أي القانون الإسلامي المتعلق بالعمليات المالية. وتلجأ المؤسسات المالية الإسلامية، في كثير من الأحيان، إلى توظيف علماء دين ليسوا على درجة عالية من فهم العمليات المصرفية الحديثة. ومن الجانب الآخر، نجد أن من الصعوبة بمكان إيجاد اقتصاديين ماليين على اطلاع كاف على فقه المعاملات.

هنالك أيضاً ذلك النوع من المخاطر المرتبطة بالتطورات التكنولوجية المختلفة، كما أن عمليات البنوك الإسلامية تعتمد في نجاحها وتقدمها، بصورة متزايدة، على التطورات التكنولوجية التي تكاد تشهد تغيرات يومية في أيامنا هذه، وبالذات على صعيد الصناعة المصرفية، وفي مختلف جوانب عالم التعاملات المالية. وتحتاج البنوك، حتى تضمن الدرجة الكافية من النجاح والتطور، إلى وجود خبراء قادرين تماماً على تجميع قواعد البيانات، وتنظيمها، والتعامل معها، وتسهيل مهام أولئك المسؤولين عن عمليات اتخاذ القرارات كي يتمكنوا من اتخاذ قراراتهم في ضوء بيانات حقيقية، وخاضعة للتطوير على نحو مستمر. ويساعد ذلك على جعل تلك القرارات مواكبة تماماً لتطلعات زبائن البنوك. وقد أحدث الاستخدام المتطور لتكنولوجيا المعلومات مجالاً رحباً للمنافسة بين البنوك الإسلامية، حيث تبين أن مدى نجاح البنك يعتمد بصورة رئيسية على القدرة على استخدام وتسخير التكنولوجيا بوسائل متعددة. وإن عدم القدرة على مواكبة هذه التطورات بالغة السرعة، وشديدة التعقيد، يعني أن البنوك الإسلامية سوف تكون متخلفة بالمقارنة بالمؤسسات المالية الأخرى المنافسة لها في عالم تسوده درجات ومستويات متزايدة من المنافسة الشرسة على اقتناص حصص أوسع في أسواق المعاملات المالية.

لهذا نجد أن من الحيوي للغاية أن يحافظ كل بنك إسلامي على توجه لتحديث عملياته المصرفية بصورة مستمرة، وتعزيز مستوى التكنولوجيا لديه، واختبار ذلك المستوى على نحو منتظم، وذلك للتمكن من تلبية المتطلبات المتطورة للزبائن، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالتغيرات السريعة التي تشهدها الأسواق، إضافة إلى الدور المتزايد للجهات التنظيمية التي تتولى الإشراف على النشاطات المصرفية المتنوعة.

هنالك، إضافة إلى كل المخاطر التي شرحناها سابقاً، تلك المخاطر ذات العلاقة بالجانب القانوني، حيث إن شمول هذا النوع من المخاطر، إنما يأتي في إطار البحث الموسع للمخاطر التشغيلية. وهنالك بالفعل صعوبات في تحديد طبيعة هذه المخاطر القانونية، كما أن البعض يرون أن المخاطر القانونية هي من نوع المخاطر ذات الآثار التي يصعب توقعها، على الرغم من أنها يمكن أن تكون في كثير من الحالات العامل الحاسم في تحديد الخسائر التي يمكن أن تتكبدها البنوك.

إن آثار المخاطر القانونية على البنوك الإسلامية كبيرة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها، حيث يمكن أن تنجم تلك المخاطر القانونية عن عوامل عدم اليقين إزاء القوانين، أو عن غياب نظام قانوني يمكن الاعتماد عليه لتطبيق العقود المالية، أو عدم اليقين القانوني في تفسير العقود، أو عن نقص في عدد الخبراء القانونيين، أو عن تعرض للتغيرات غير المتوقعة في إطار كل من القوانين، والتنظيمات، والتشريعات.

هنالك كثير من الترابط فيما يتعلق بتناول المخاطر التشغيلية، لأن التمييز بين نوع الخطر، ونوع الحدث، والنتائج الناجمة عن ذلك، ليس بالأمر اليسير. وعلى البنوك حين تسجل بنود خسائرها أن تفعل ذلك مع المراعاة التامة لنوع الحدث، وصنف الخسارة. ولا بد لها كذلك من مراعاة أمر تحديد نوع الخطر المتضمن في كل ذلك. وتشكل المخاطر نوعاً أو أكثر من العوامل التي تزيد من احتمال وقوع حادث ما. وهنالك أهمية بارزة لتحليل الأسباب المؤدية إلى الخسائر، بما في ذلك المخاطر التشغيلية، وربط كل هذه الأمور بالأسباب، والأحداث، والخسائر.

الواقع أن المخاطر التشغيلية تعتبر إضافة حديثة على قائمة المخاطر التي تواجهها المؤسسات المالية. وإن إدارة المخاطر التشغيلية في المصارف الإسلامية مشابهة لإدارتها في المؤسسات المالية التقليدية، ولكن الجانب التطبيقي في البنوك الإسلامية يتضمن عدداً من الإضافات. وهنالك بالتالي بعض الاختلافات بهذا الشأن بين البنوك الإسلامية، والبنوك التقليدية.

إن للمخاطر التشغيلية أهمية خاصة في البنوك الإسلامية بسبب عاملين محددين هما:
1 - مسألة التقيد بمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية.

2 - الأمور الخاصة بالتوكيل.

والحقيقة إن المخاطر التشغيلية ينظر إليها كعامل مهم وبارز في التسبب في حدوث الخسائر في العمليات المصرفية. ولهذا نجد أن البنوك تطبق عدداً من الإجراءات لقياس هذه المخاطر التشغيلية، والسيطرة عليها .

الأكثر قراءة