الخبير الاقتصادي د.عبد الرحمن يسري: مستقبل البنوك الإسلامية .. الإدارة هي التحدي القادم
عقدت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في منتصف شهر مايو الماضي ندوة عن التورق تحت إشراف كرسي الشيخ محمد بن راشد لدراسات المصرفية الإسلامية، حضرها كوكبة من العلماء والمشايخ وأساتذة الجامعة والمختصين بالمصرفية الإسلامية، وقد ألقى خلالها الدكتور عبد الرحمن يسرى أحمدأستاذ الاقتصاد، جامعة الإسكندرية والأستاذ الزائر بجامعة الإمام محاضرة بعنوان "التورق..مفهومه وممارساته والآثار الاقتصادية المترتبة على ترويجه من خلال بنوك إسلامية" وأدارها الدكتور محمد السحيباني، حيث تضمنت المحاضرة عرض شامل عن ماهية التورق وممارساته وآثاره في البنوك الإسلامية، فقال :
التورق بدأ في المملكة العربية السعودية في بعض البنوك والخليج منذ 1421هـ أي منذ عشر سنوات، واختلف في ممارساته كثيرا فصدرت بعض الفتاوى التي تقول إنه جائز وفتاوى أخرى تقول إنه غير جائز، ثم انتهى الأمر في الدورة التاسعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي في أبريل 2009 م على أنه غير جائز شرعا وشددوا على ذلك ووجهوا نداء إلى البنوك كافة التي تتعامل مع ذلك أن تتوقف عن هذه الممارسات.
والتورق مشتق من الورق (بكسر الراء) والتورق معناه إذن طلب الفضة ــ والفضة كانت نقودا ــ ولذلك يمكن أن نعبر عنه من الناحية الاقتصادية بأنه طلب النقود بمعنى طلب السيولة. هذا هو المعنى العام له في المصادر الفقهية القديمة بطريق شراء وبيع السلعة. والخلافات كلها التي دارت حول التورق كانت بسبب اختلاف ممارساته. بمعنى قد تكون الممارسة بمجرد أن يأتي شخص طالبا للسيولة فيعرض على شخص آخر أن يشتري منه سلعة بالنسيئة ثم يقوم هو ببيع هذه السلعة بعد ذلك بثمن حاضر ليس للشخص الذي اشتراها منه. وهذا أعتقد أنه تورق مسموح به، حيث إنني اشتريت من شخص سلعة بالنسيئة ثم قمت وذهبت إلى السوق لبيعها وأخذت مقابلها نقودا.
هناك حالة أخرى أيضا تناولها الفقهاء قديما هي شخص يشتري سلعة بالنسيئة ثم يعهد إلى الشخص نفسه الذي اشتراها منه أن يبيعها له في السوق، فباعها له. فحينما عرضت هذه الحالة على أهل العلم من أبناء الصحابة، فقالوا له: هل بعت هذه السلعة وكانت هذه السلعة من مالك أنت؟ فقال: لهم نعم. قالوا فخذ مالك فقط ولا تأخذ زيادة عنه لمجرد الوساطة ــ والوساطة هنا هي الدور الذي تقوم به البنوك الذي يسمى الوساطة.
والحالة الثالثة التي تقترب من العينة بل هي بيع العينة نفسه.
وهناك تداخل واضح بين مفهوم كل من التورق والعينة في معاجم اللغة والمصادر الفقهية . العينة سميت بذلك لان مشتري السلعة الى اجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا. إذن فالعينة لاتختلف عن التورق في أنها تقصد لتحقيق السيولة النقدية.
وكما هو الحال في التورق ، فإن تعريف العينة في مصادر الفقه أو اللغة لا يجعلها أيضاً بالضرورة محرمة. فالعينة (بكسر العين المهملة) هي السلف، ويقال: باعه بعينة: أي نسيئة، وبيع النسيئة جائز بلا كراهية إذا تم بشروطه الشرعية. وكذلك مثل التورق هنالك من أجاز بيع العينة من الفقهاء بشروط على أنها بيع بالأجل لا يتبعه شراء ْللسلعة نفسها ممن باعها، بينما هو الدائن للمتعين الذي أراد النقود. أما غير ذلك فالعينة حرام.
وهناك تداخل واضح بين مفهوم كل من التورق والعينة في معاجم اللغة والمصادر الفقهية . العينة سميت بذلك لان مشتري السلعة الى اجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا. إذن فالعينة لاتختلف عن التورق في أنها تقصد لتحقيق السيولة النقدية .
إن هذا التداخل في المعاني بين التورق والعينة بسبب رغبة الشخص في كل منهما في الحصول على السيولة النقدية، واضطراره في كل منهما إلى بيعتين إحداهما بالنسيئة ومن ثم ترتب المديونية على ذلك، هو ما يجعل البحث في حقيقة التورق ضرورياً. ويؤكد هذه الضرورة حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ِقَوْلِهِ " إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَتَبِعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ". وهذا حديث خطير يدين بيع العينة، فعلينا أن نضعه نصب أعيننا ونحن نبحث "التورق" المصرفي لنرى هل يحمل معنى العينة التي ذكرها الحديث؟
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جاء في مسألة التورق هي "أن يشتري سلعة بثمن مؤجل؛ ليبيعها في السوق على غير الدائن، وينتفع بثمنها، وإذا حل الأجل سدد لصاحبها ثمنها الذي اشتراها به مؤجلا، والبيع بالتقسيط جائز، ولا يلتفت إلى القول بعدم جوازه؛ لشذوذه، وعدم الدليل عليه، أما مسألة التورق فمحل خلاف، والصحيح جوازها". وممن وقع على الفتوى عبد العزيز آل الشيخ وعبد العزيز بن عبد الله بن باز وآخرون. ولا ينبغي أن تؤخذ على أنها تجيز التورق المصرفي الذي تمارسه بعض البنوك في عصرنا تحت مظلة الإسلام. صحيح أن الفتوى تضمنت عبارة "أن يشتري سلعة بثمن مؤجل؛ ليبيعها في السوق على غير الدائن"، وهذا فيصل مهم في الحكم على شرعية التورق من عدمها، ولكن لهذا التورق المصرفي مواصفات أخرى يجب أن ينتبه إليها وتؤخذ في الحسبان.
إن السؤال الخطير الذي يفرض نفسه علينا حقاً هو: لماذا الآن، في عصر جديد شهد مولد ونمو مصرفية إسلامية، قام البعض من العاملين في حقلها بابتكار منتج جديد تحت اسم "التورق"، رغم علمهم بتشابك أو تداخل مفهومه وممارساته في المصادر الفقهية مع "العِينة" التي كُرهت في شكلها العام وحُرِّمَت تماماً في حالات؟ هل هي رغبة في تنمية نشاط مصرفي تحت مظلة إسلامية بأي وسائل ممكنة عملياً؟ ولكن إلى أي مدى يبقى هذا النشاط المصرفي إسلامياً إن كان هناك شك في شرعية هذه الوسائل أو أقوال بعدم شرعيتها؟ ومن جهة أخرى، لماذا لم تُفَعَّل وسائل تمويل إسلامية أخرى خالية من الشبهات من جهة، ويمكن أن تؤدي من جهة أخرى إلى تنمية أفضل للمصرفية الإسلامية ولاقتصادات الدول الإسلامية؟ أم أن التورق المصرفي ابتكر أساساً لتحقيق الربح والتوسع في النشاط المصرفي أياً كان؟ وأن انتقاء مصطلح "التورق" من بطون أمهات كتب الفقه الإسلامي كمنتج مصرفي جديد، كان مقصوداً فيعتقد عامة العملاء في شرعيته؟ وهل من وراء ذلك إلا أن يتسع نشاط البنوك الممارسة لهذا المنتج على حساب أهداف المصرفية الإسلامية؟
#2#
فالمعنى التقليدي للتورق يتضمن بيعتين إحداهما بالنسيئة وذلك لتحقيق سيولة نقدية كما ذكرنا سابقا.
سوف نعرض فيما يلي حالات من التورق التقليدي وجميعها متداخلة مع بيوع العينة، وسوف تعيننا هذه الحالات في الحكم بعد ذلك على "التورق المصرفي المنظم" الذي ظهر أخيراً:
شخص يريد مبلغاً من النقود عاجلاً ولم يجد من يقرضه قرضاً حسناً ولا يريد أن يقترض بربا حتى لا يقع في الحرام فالتجأ إلى شراء سلعة بالأجل، فأصبح بذلك مديناً بثمنها المؤجل، ثم باعها حالاً ليحصل على النقود التي يريدها. وبيع الأجل (النسيئة) في حد ذاته لا بأس به طالما تم بشروطه الشرعية، كما أن من المعروف أن الثمن الآجل (غالباً) أكبر من الثمن الحاضر. لكن الأمر المهم هو: كيف سيجرى التورق؟ هل يبيع المتورق السلعة التي اشتراها بالأجل إلى البائع نفسه الذي باعها له، أم لشخص آخر؟
هاتان حالتان مختلفتان:
الحالة الأولى: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن قيام الشخص ببيع السلعة إلى بائعها الأول نفسه هو بيع العِينة الذي ذمه رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ورأى فيه مذلة للمسلمين. فالمتورق هنا أصلاً يريد سيولة نقدية ولم يكن يستطيع أن يحصل عليها إلا بربا (وهذا يدل على ضياع المروءة بين المسلمين وتغلب الأثرة وحب المال على نفوسهم) فأعتقد أنه إذا اشترى سلعة بالنسيئة من شخص ما ثم باعها له نفسه بيعاً حاضراً بثمن أقل فقد حصل على بغيته من النقود دون الوقوع في مصيبة الربا. والمتورق خاطئ والبائع الذي باعه بالأجل ثم اشترى منه السلعة نفسها وفقاً للثمن الحاضر خاطئ، حيث تمخضت العملية عن حصول المتورق من البائع على مقدار من النقود حالاً مقابل دين أصبح في ذمته يفوق هذا المقدار، ومقدار الزيادة هو الفرق بين الثمنين الحاضر والآجل. ولا يختلف هذا عن القرض الربوي، بالرغم من أنه تم بتوسيط بيعتين كلتيهما حلال! والقول في بعض مصادر الفقه , ولو احتاج الى نقد فاشترى ما يساوي مائة بمائتين فلا بأس، لايشمل هذه الحالة قطعا.
الحالة الثانية: أن يقوم المشترى بالآجل ببيع السلعة في السوق إلى شخص آخر وهو بمثابة "طرف ثالث" في عملية التورق هذه. وفي هذه الحالة ثمة تفرقة ضرورية بين وضعين:
الوضع الأول أن يكون للطرف الثالث علاقة ببائع السلعة الأول (وكالة أو شراكة في التجارة)، وقد يتم البيع له بصفة مباشرة من المتورق، أو بواسطة طرف رابع (بطريق الوكالة). وأياً كان التصرف؛ تم البيع مباشرة إلى الطرف الثالث أو تم له البيع بوساطة وكيل أو أكثر، فإن المتورق أصبح مديناً بالثمن الآجل للسلعة للبائع الأول وقد تسلم حالاً مقداراً أقل من النقود هو الثمن الحاضر للسلعة، من خلال وسطاء لهذا البائع. هذا الوضع في الحالة الثانية لا يختلف في جوهره عن الحالة الأولى (السابقة)، فهو بيع عِينة مذموم، سواء كان الطرف الثالث شريكاً للبائع الأول في تجارته أو وكيلاً عنه في البيع والشراء، أو قام المتورق بالبيع لهذا الطرف الثالث بواسطة وكيل له.
الوضع الثاني أن يبيع المتورق في السوق لطرف ثالث لا علاقة له (من مشاركة أو وكالة) إطلاقاً بالبائع الأول الذي باعه السلعة نسيئة. فإذا تم البيع في السوق بصفة مباشرة، أو بوكالة من قبل المتورق، زالت شبهة بيع العينة المذموم في حديث نبينا محمد ــ صلى الله عليه وسلم. فيحصل المتورق على النقود التي يريدها حالاً مقابل السلعة التي باعها للطرف الثالث. وهذه حالة لا تتضمن أي تصرف مخل بالبيع الذي أحله الله ــ عز وجل ــ طالما استوفيت شروط البيع الصحيح في البيعة الأولى التي تمت بالنسيئة، والثانية التي تمت في السوق بالسعر الجاري. والتورق تم هنا بطريق الاستدانة، حيث المتورق يظل مديناً للبائع الأول بالثمن الآجل للسلعة إلى أن يسدده. إلا أن هناك أسبابا وجيهة لكراهية هذه المعاملة من المنظور الاجتماعي والأخلاقي الإسلامي. ذلك لأنه إذا كان من يريد التورق في حاجة ماسة للنقود بسبب ظروف اضطرارية قاهرة، فكيف لم يجد عوناً في أموال الزكاة أو يجد قرضاً حسناً من إخوانه؟ أين خلق الإسلام والمسلمين؟
أقوال الفقهاء في بيعتين إحداهما آجلة للحصول على سيولة نقدية
ورد في أمهات كتب الفقه منذ زمن بعيد هذه الحالات التي عرضناها، ووجدنا في بعضها أن التورق أو العِينة (أياً كان المصطلح المستخدم للحصول على سيولة نقدية بطريق بيعتين إحداهما آجلة) جائز في حالات، وغير جائز وحرام في حالات.
في حاشية "رد المحتار"، يقول "اختلف المشايخ في تفسير العِينة التي ورد النهي عنها. فقال بعضهم فى تفسيرها: أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر ويستقرضه عشرة دراهم ولا يرغب المقرض في الإقراض طمعا في فضل لا يناله بالقرض فيقول لا أقرضك ولكن أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر درهما وقيمته في السوق عشرة ليبيعه في السوق بعشرة فيرضى به المستقرض فيبيعه كذلك، فيحصل لرب الثوب درهمان وللمشتري قرض عشرة".
وفى المصدر نفسه قال: "فيأتي إلى تاجر فيطلب منه القرض ويطلب التاجر منه الربح ويخاف من الربا فيبيعه التاجر ثوبا يساوي عشرة مثلا بخمسة عشر نسيئة فيبيعه هو في السوق بعشرة فيحل له العشرة ويجب عليه للبائع خمسة عشر إلى أجل". أضاف: "أو يقرضه خمسة عشر درهما ثم يبيعه المقرض ثوبا يساوي عشرة بخمسة عشر فيأخذ الدراهم التي أقرضه على أنها ثمن الثوب فيبقى عليه الخمسة عشر قرضا". وذكر أيضاً من صور العينة: "أن يعود الثوب إليه كما إذا اشتراه التاجر في الصورة الأولى من المشتري الثاني ودفع الثمن إليه ليدفعه إلى المشتري الأول، وإنما لم يشتره من المشتري الأول تحرزا عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن". وبالرغم من هذه الممارسات التي تبدو في ظاهرها جائزة شرعا، أضاف "وقال محمد بن حسن: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا، وقد ذمهم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فقال: "إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظهر عليكم عدوكم" ــ أي اشتغلتم بالحرث عن الجهاد. وفي رواية "سلط عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم". "ثم قال في "الفتح" ما حاصله: "إن الذي يقع في قلبي أنه إن فعلت صورة يعود فيها إلى البائع جميع ما أخرجه أو بعضه كعود الثوب إليه في الصورة المارة، وكعود الخمسة في صورة إقراض الخمسة عشر فيكره: يعني تحريما فإن لم يعد كما إذا باعه المدين في السوق فلا كراهة فيه، بل خلاف الأولى، فإن الآجل قابله قسط من الثمن والقرض غير واجب عليه دائما بل هو مندوب، وما لم ترجع إليه العين التي خرجت منه لا يسمى بيع العينة لأن من العين المسترجعة لا العين مطلقا، وإلا فكل بيع بيع العينة".
التورق الذي تمارسه بعض المصارف بشكل منظم تحت أسماء إسلامية
هناك ما يشبه نموذج عام للتورق (وهو ليس بالوحيد) الذي تمارسه بعض البنوك تحت المظلة الإسلامية، وعادة ما يدافعون عنه، بيان ذلك:
يقوم البنك بشراء كمية من سلعة (أو سلع) لحسابه لغرض برنامج التورق الذي يعلن عنه (وقد يقوم البنك بعملية الشراء بناء على طلب العملاء). والمعروف أن عمليات الشراء تتم عن طريق وكلاء للبنك ومن السوق الدولية (وأغلبية السلع التي يشتريها البنك من المعادن والتي لا تشمل الذهب أو الفضة ــ وأشهر أسواقها في لندن London Metal Market ــ وبعد الشراء تبقى كمية السلعة في المخازن الدولية مع شهادة تخزين تحررها الشركة البائعة للبنك بما يفيد امتلاكه السلعة ومكان تخزين ورقم صنفها وكميتها ومواصفاتها.
يعلن البنك عن استعداده لتلبية طلب العملاء الذين يرغبون في التورق "أي الحصول على سيولة نقدية" عن طريق بيعه لهم "بالآجل" من كمية السلعة (السلع) الموجودة في مخازنه، أو التي يشتريها لهم بناء على أمرهم لنفس الغرض.
#3#
تتحدد العلاقة بين البنك والمستورق من خلال اتفاقية "شروط وأحكام البيع بالتقسيط"، التي تعتمد على أحكام عقد المرابحة للآمر بالشراء أو عقد البيع الآجل من خلال ما يأتي:
- يقبل العميل المستورق، ويعلم مقدماً أن السعر الآجل الذي يبيع به البنك السلعة له أكبر من السعر الذي سوف يحصل عليه من إعادة بيع هذه السلعة لحسابه، وأن البنك هو الذي سوف يتولى عملية إعادة البيع هذه في السوق الحاضر بموجب عقد وكالة، (بعد شراء العميل وقبضه السلعة).
- سواء تم البيع للعميل بعقد مرابحة أو بعقد بيع آجل فإنه يتم حساب ثمن السلعة على أساس التكلفة الفعلية (سعر السوق الذي اشترى به البنك السلعة) مضافاً إليه هامش ربح البنك (الذي يسترشد فيه بسعر الفائدة السائد) ويصبح العميل مديناً للبنك بهذا الثمن يسدده على أقساط يتفق على قيمة الواحد منها ومدة السداد.
- المفروض شرعاً أن يعاين العميل (المشتري) السلعة بعد شرائها من البنك وقبل إعادة بيعها لمصلحته، إلا أن واقع الممارسات المصرفية للتورق يتمثل في قيام العميل بتوكيل البنك في قبض السلعة له ويصبح هذا حائزاً فعلياً لها بالقبض الحكمي. ثم انتقل للاجابة عن سؤال:
لماذا يتوّرق الشخص؟
هل لضرورات معيشته اقتصاديا؟ يقول الدكتور عبد الرحمن: من يلجأ للتورق لأن البنوك الإسلامية تبيع سلعا للناس .. هناك ناس تريد نقودا؟ كيف تحصل على النقود؟ هناك عقد السلم أو السلف إذا كان رجل أعمال يريد نقودا فهو موجود ويمكن أن يلجأ إليه وعليه أن يتعهد بتسليم كمية معينة من سلعة معينة في وقت معين وهذا هو العقد، إنما إذا كان غير تاجر وشخص فقير ويريد نقودا لماذا تجعله يلجأ إلى نظام التورق، ذلك النظام الذي فيه تحايل في الوقت الذي توجد فيه مؤسسة الزكاة؟ ولماذا تشجع المسلمين على أن يلجأوا في وقت الضرورة ووقت الحاجة إلى مثل هذا ونحن في مجتمع إسلامي ينشد التكافل والتعاون على البر والتقوى والوقوف مع المتعثر؟ إما إذا كان يرغب في النقود في ظروف كمالية فأعتقد أن هذا غير جائز. فمثلا شخص يريد إقامة حفل زفاف لابنته أو ابنه ويلجأ إلى نظام التورق أو الاقتراض فهذا غير جائز.
أحد أصدقائنا الدكتور معن الجارحي، يقول إن هذا المنتج – يقصد التورق – سيئ السمعة بالنسبة للمصارف الإسلامية، في الوقت الذي يوجد أعداء ممن يتربصون بالمصرفية الإسلامية ليشنوا عليها مزيدا من الاتهامات. من يقرون ويمارسون نظام التورق من البنوك الإسلامية يقولون إنهم غير مستعدين أن يفقدوا عملاءهم الذين يرغبون في هذا النظام. وأنا أقول إن العملاء الذين تحاول أن تكسبهم اليوم سوف يتعدون عنك غدا، لأن هذا النظام سوف يسيء إلى سمعتك كبنك وسوف يسيء إلى سمعة البنوك الإسلامية عامة، وأيضا كانت هناك في مكة المكرمة ندوة منذ سنوات أقامها الشيخ صالح كامل وحضرها عدد كبير من المشايخ والعلماء وتمت فيها مناقشة موضوع التورق، وهناك من دافع عن التورق. يومها قلت للحضور إن التورق قد يكون هو المسمار الذي يدق في نعش المصارف الإسلامية. فمثلا إذا نظرنا إلى المرابحة من قال إنها أساءت إلى المصارف الإسلامية ولكنها كانت في مرحلة مؤقتة أما الآن تكمل المسألة بالتورق.
لكن ما دور المصارف الإسلامية في الاستثمار وفي التنمية؟ إن الشيء الوحيد الباقي الذي ندافع عنه بالتورق أن شخصا يبيع ويشتري سلعة حلالا. إذا دخلنا إلى مسألة الحلال بدقة نقول إن بيع العقود في أسواق لندن البيع الحاضر والبيع الآجل حوله جدل وكلام كثير، لذلك نقول إنه منتج رديء وليس منتجا سيئ السمعة. لماذا منتج رديء؟ لأن المصارف التقليدية عندما تقرض فهي تقرض وتضيف الفائدة فقط، أما البنوك الإسلامية فتقرض هذا المقدار من المال بتحايل بإضافة إلى سعر الليبور (الفائدة) وبالإضافة للمصاريف الإدارية، عقود بيع وعقود وكالة... وخلافه. لذلك عندما يضاف هذا إلى هذا إلى ذاك في النهاية تكون المصاريف عالية. لذلك الناس يسألون: كيف تكون تكلفة الحصول على سيارة من بنك إسلامي أعلى من الحصول عليها من بنك تقليدي؟ لأن البنك الربوي يضيف فقط سعر الفائدة أما الإسلامي تضاف إليه المصاريف الإدارية عالية التكلفة،عقود البيع وعقود الوساطة.
لذلك نريد مستقبلا أن يكون هناك كفاءة بمعنى أن مستقبل البنوك الإسلامية الحقيقي يتوقف على أن يكون هناك إدارة كفؤة تقلل المصاريف الإدارية إلى حد أدنى وتتحدى المصاريف التقليدية.. أن تقدم منتجا حلالا بتكلفة مساوية أو بتكلفة أقل.
الدكتور محمد السحيباني: أود أن أشير إلى بعض الأمور التي لها علاقة بمحاضرة الدكتور عبد الرحمن: أولا ندوة الأسواق المالية الثانية ستقام قريبا وستكون ذات علاقة بالمنتجات الإسلامية. الندوة الأولى كانت "نحو بديل لسعر الفائدة"، وكانت هناك مجموعة من الأوراق الجيدة، لذلك تم تكوين فريق من الجامعة والبنك الإسلامي للتنمية واستطاع أن يخطو خطوات معينة لدرجة أنه كان هناك تواصل بيننا والمعهد الإسلامي للتنمية،على أن يكون هناك تواصل مع جمعية البنوك البريطانية التي تضع سعر الليبور بهدف الاستفادة من ابتكار بديل يتناسب مع الصناعة الإسلامية. أيضا نحن ندرك إشكالا كبيرا في التورق، لذلك كرسي محمد بن راشد للمصرفية وضع مسابقة وكان موضوعها لهذا العام هو "تمويل الإفراد المقصد". في الواقع هو البحث عن بديل للتورق، وإنني متفائل بإيجاد حل لهذا المنتج ويجنبنا كثيرا من الإشكالات المترتبة على موضوع التورق الحالي.
وفي رده على سؤال حول: لماذا لم تستثمر البنوك الأموال عن طريق مثلا سلع لمعارض سيارات ومعارض سلع أخرى ويكون التورق عن طريقها؟ إذا جاء شخص ليشتري سلعة نبيعها له بالأجل. عندئذ تكون قد حصلت إشكالية ويكون البنك مجمع الأموال عن طريق المتاجرة في الواقع. قال د. يسري إن هذا هو بيع المرابحة الآمر بالشراء. والتورق خطوة إضافية لهذا البيع. فالآن بنك دبي الإسلامي يتفق مع وكالات خاصة بالسيارات وكان عنده معرض خاص به لمن يريد الشراء بالمرابحة .
تمت تعديلات كثيرة لبيع المرابحة لخروجه من التورط ببعض الشبهات لكن التورق المقصود به أنه بعد أن يشتري سيارة يكون يمتلكها في معرض أو خلافه. البنك يقوم ببيعها نفسها لي. والدكتور محيي الدين القرة داغي كان في الهيئة الشرعية في بنك قطر الإسلامي وهو الذي كان من ضمن من أقروا التورق بالطريقة التي قمت بشرحها، ولكنه قال لنا إنه ذهب يوما إلى أحد المخازن التي يتخذها البنك لبيع السلع عن طريق التورق فقيل له إن هذه السلع الموجودة في المخزن موجودة بصفة مستمرة وباقية على حالها لم تتغير، فعاد الدكتور القرة داغي وتراجع عن رأيه بخصوص التورق. وكذلك سمعت أن الدكتور علي الثالوث عضو الهيئة الشرعية في البنك ربما ترك البنك جراء هذا الأمر أيضا.
أما بالنسبة لفرض الغرامات على المتأخرين عن السداد فكان السؤال: ماهو السبيل من تحصيل هذه الغرامات ، بدلا من التكلف بها تكاليف زائدة قد تضر المتورقين والبنك نفسه ، أيضا ما هو الضابط لتكوين الهيئة الشرعية للبنك؟
للإجابة عن ذلك قال الدكتور عبد الرحمن:
هناك عدد من الاقتصاديين الإسلاميين يرون أن هذه المسألة لا بد من وجود حل لها يدخل في أضلاع هذه المسألة، أعضاء الهيئات الشرعية معظمهم لم ينتق انتقاء جيدا في عملهم ومؤهلاتهم، وبعضها تشمل أعضاء جيدين فقهاء لهم سمعتهم ويخشون من التورط في بعض الأمور وبعضهم له خبرة اقتصادية جيدة تؤهله لأن يحكم على الأشياء التي تأتيه. كما سئل الإمام محمد عبده في مصر في عهده عن رأيه في أرباح صناديق التوفير حيث كان هناك اهتمام كبير في مصر بهذا الخصوص، علما بأن الحكومة تستثمر هذه الأموال؟ فقال حلال لأنها استثمار من الحكومة وهي أرباح، ولكنه عندما علم أن الحكومة تأخذها كقروض وأن رؤوس الأموال ترد كما هي وأنها نسب معينة على رؤوس الأموال وليست أرباحا، قال إنها حرام.
كذلك تعرض أيضا مذكرات كثيرة مثلا هناك عقد بيع آجل وعقد بيع وعقد وكالة حاضر وكلاها سليم في حد ذاته، ولكن عندما نأتي إلى مقصد الشريعة الإسلامية فالأمر مختلف. إذا جمعت هؤلاء لوجدت شيئا مخالفا لمقاصد الشريعة. لذلك نقترح أن يكون هناك في البلدان الإسلامية وحتى التي لا يكون فيها بنوك إسلامية إلا قليل، هيئة رقابية شرعية ثابتة للبنك المركزي. ثانيا: لا بد أن نفرق بين حالة المعسر وحالة المماطل القادر، وهذه التفرقة لا يذهب فيها إلى رأي الشخص المدين ولا لرأي البنك،ولكن لا بد من هيئة تحكيم مستقلة لتفصل بين من هو معسر ومن هو قادر. فالمعسر لا تفرض عليه غرامات، أما المماطل فيجب أن تفرض عليه غرامات ملزمة قانونا إذا تأخر في السداد وتوقع عليه عقوبة الحبس.
وفي سؤال عن تحديد نسبة التورق العالي. فلماذا لا يتم تحديد نسبة لا تتجاوز مثلا 10في المئة،مع الاسف الشديد القروض الربوية في العالم لاتتجاوز 5-6 % بينما وصلت نسبة التورق لدينا في السعودية إلى أكثر من 45 %من قيمة السلعة وأحيانا 55 % بينما إذا اقترض الفرد قرضا ربويا نجده لايزيد عن نسبة 4-5 % فلماذا لا تحدد نسبة الربح في موضوع التورق بحيث لا نثقل على الناس، والآن صور المرابحة المتغيرة بهامش متغير وهذه أخطر وأسوأ، وبالتالي الناس بدلا من أن يكونوا مقيدين بالبنك المرابي صاروا مقيدين بالتورق العالي التكلفة في البنوك الإسلامية ونسبة ربح عالية جدا؟
للأجابة عن ذلك قال الدكتور عبد الرحمن: إنني لا أوافق على تحديد أية نسبة قليلة أو كثيرة، ومن حيث المبدأ وجود نسبة تحدد عن طريق التورق خطأ. فالخطوات التي تمر بها عملية التورق لا تختلف عن بيع العينة. نأتي إلى بيع المرابحة لأن بيع المرابحة مختلف إلى حد ما عن التورق، لأن التورق هو إعادة بيع السلعة التي اشتراها بالأجل أو الدين وحصوله على المال نقدا. أما المرابحة ومسألة إضافة سعر مرتفع وهو خطأ أيضا من الناحية الاقتصادية، ويمكن الحديث عنه من الناحية الشرعية. بيع المرابحة في الأصل بيع حاضر إلى أن قامت المصارف الإسلامية وتحول من بيع حاضر لبيع آجل، وهذا كان اقتراح الدكتور سامي حمود، وكان يتألم من الممارسات التي تتم بهذه الطريقة. المفروض أننا في بيع المرابحة عندما نأتي بإضافة ما يسمى بعملية المساومة على هامش المربح، والمساومة هي ما يمكن أن نضيف ما هو القدر المفروض أنه لا يتعدى الثمن في النهاية ثمن المثل في السوق. المفروض أنه لا يشتط في هامش الربح فوق حدود معينة وإلا ستكون المسألة فيها غبن، فمثلا إذا فرض هامش الربح كذا وهو فرض عليه أكثر من ذلك فإن ذلك يصبح فيه نوع من الغبن، وقد قدمنا اقتراحات بشأن المرابحة .. لماذا لا تتوافر السلعة في النهاية بسعر السوق بدلا من أن تزيد سعرها، ولكن الذي يحدث فعلا نوع من إساءة التصرفات، ليس بقصد ولكنه لسوء الإدارة. في الاقتصاد نعلم أن هناك إدارة كفئة وإدارة غير كفئة والإدارة غير الكفئة تكلف العملاء أكثر مما يطيقون .