سنغافورة: بوابة التمويل الإسلامي إلى أسواق آسيا
لم تعد المصرفية الإسلامية حالة معزولة في عالم الاقتصاد اليوم، بل باتت ملجأ وملاذا للفارين من نيران الأزمة المالية التي ما زالت تعصف بالمؤسسات المالية التقليدية يوما بعد يوم، ومما يؤكد ذلك أن كثيرا من دول العالم زادت من حجم تعاملاتها المالية الإسلامية، وبعضها يدخل إلى عالم المصرفية الإسلامية بقوة وثقة، وها هي سنغافورة تدخل بوصفها عضوا فاعلا في مجلس الخدمات المالية الإسلامية، ويعني ذلك أنه سيكون لها دور مهم في مستقبل صناعة المصرفية الإسلامية، وفي هذا الصدد يؤكد الخبير المصرفي السنغافوري فتح الرحمن يوسف أن انضمام سنغافورة لمجلس الخدمات المالية الإسلامية له أهمية كبيرة في هذا الموقع من العالم، حيث إن سنغافورة تعد أحد النمور الآسيوية التي تولي المصرفية الإسلامية وصناعتها وتطويرها أهمية قصوى، من خلال استقطابها كثيرا من المستثمرين الآسيويين في هذا المجال. كما يرى مدير مؤسسة "آلن جليدهيل إل إل بي" وعضو مجلس إدارة السلطة المالية في سنغافورة، لوسين وونق، أن الأزمة المالية العالمية منحت صناعة المصرفية الإسلامية فرصة كبيرة للتطور والانتشار في دول العالم، لما لها من سمات لا تتوافر في النظام المصرفي التقليدي .
إن الحديث عن دخول سنغافورة إلى عالم المصرفية الإسلامية يشير إلى تحولات كبيرة في هذه الصناعة، لأن سنغافورة تتمتع بأهمية كبيرة في مجال صناعة المال اليوم، حيث توصف بأنها مركز مالي مزدهر، توفر مساحة واسعة من الخدمات المالية المختلفة بكل مستوياتها وأنواعها، ومن الميزات الكبرى التي تتمتع بها أنها تعد واحدة من بين أكبر خمسة مراكز تداول لصرف العملات في العالم، والثانية في آسيا وهي أكبر أسواق المنطقة في صناديق الائتمان الاستثمارية العقارية، باستثناء اليابان، وبورصتها خيار جاذب لإدراج الشركات الإقليمية فيها، أما في مجال المصارف، فيعمل في سنغافورة 113 مصرفاً تجارياً، من بينها 107 مصارف أجنبية محلية، وفوق ذلك، شهدت سوق السندات نمواً كبيراً، مما جعلها توفر للمستثمرين سلسلة شاملة من الأوراق المالية الصادرة عن حكومة سنغافورة وسندات الشركات الأجنبية، وفي حقل إدارة الأصول، فإنها تدير أصولاً تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار، ومن المتوقع أن يستمر نمو هذا القطاع بقوة وأن يزداد تطوره، وبذلك فإن سنغافورة تملك سياسات تشريعية متطورة ومرنة، إضافة إلى بنية تحتية شفافة بدرجة عالية تجعلها قادرة على حوكمة الشركات، مما يجعلها خيارا مثاليا لاستمرارية صناعة التمويل الإسلامي في المرحلة المقبلة، ومن الجدير ذكره أن الموقع المميز الذي جعلها نقطة ارتكاز لطريق الحرير، يؤهلها اليوم لتشجيع تطور سوق التمويل الإسلامي نحو حدود جديدة مثل الصين والهند وإندونيسيا.
ولم يتوقف اهتمام سنغافورة عند مستوى الشركات والمؤسسات المالية الخاصة، بل منذ الإعلان عن الاهتمام بالتمويل الإسلامي، أخذت الدولة وهيئة النقد السنغافورية على عاتقهما مبادرات عدة لتشجيع الصناعة المتنامية، وبسبب التشجيع الحكومي وعمليات التطوير الكبيرة التي تقوم بها، فقد ساهم بنك آسيا الإسلامي مساهمة كبيرة في نمو الصناعة عبر تقديم منتجات مبتكرة وإعداد بحوث وعمليات تطوير لضمان سير عمل المنتجات والعقود المالية الإسلامية، وكانت الحكومة السنغافورية قد عبرت عن اهتمامها بالمساهمة في صناعة التمويل الإسلامي المتنامية، عبر إجراءات متعددة ونشاطات نوعية، ففي عام 2005، أصبحت هيئة النقد السنغافورية عضواً في مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB الذي تأسس من أجل وضع مبادئ ومعايير الإشراف على الخدمات المالية الإسلامية التي تشمل البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامي وأسواق رأس المال الإسلامية، وفي عام 2009 استضافت سنغافورة قمة مجلس الخدمات المالية الإسلامية ، وهو اجتماع سنوي لمحافظي البنوك المركزية للدول الأعضاء في المجلس.
وسيكون لسنغافورة دور كبير في تطوير صناعة المال الإسلامية مع مرور الزمن، ذلك أن بورصة سنغافورة التي لديها أصول في بلدان مثل الصين والهند وإندونيسيا، مما يجعل هذه الدول مع مرور الوقت على ثقة كبيرة بالمقترحات القيمة للتمويل الإسلامي وجدواه في التعاملات المالية.
ومن الجدير بالذكر أن صناعة المال الإسلامية في المستقبل تتطلب تطورا في السوق والبحث عن أسواق جديدة خارج حدود الدول الإسلامية، بل إنها تحتاج لاختراق الأسواق الكبرى في العالم، لكن هناك محددات متعددة تزيد من هذه المشكلة، فالسوق التي تعد فجوة استراتيجية للتمويل الإسلامي ــ مثلا ــ هي الصين، وربما من الأسباب التي تقف حائلا دون دخول هذه الصناعة إلى سوقها حاجز اللغة وفهم آليات السوق، ولعل سنغافورة هي القناة المثالية لدخول أسواق الصين، إذ إن مجلس بورصة سنغافورة يدعم كثيرا من الشركات التي أساسها صيني، إضافة إلى أن كثيرا من الشركات المحلية السنغافورية لديها أصول أو عمليات تشغيل في الصين، ففي عام 2006، بلغت نسبة الشركات التي تقيم في الصين والمدرجة في بورصة سنغافورة نحو 14 في المئة من مجموع الشركات المدرجة في السوق، وذلك يعني أن هناك فرصة مهمة للتمويل الإسلامي ليزيد من تعاملاته، إضافة إلى ذلك فإن الاقتصاد الصيني من ناحية أخرى شهد في العقدين الماضيين نموا متسارعا ومدهشا، من جراء الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي جرت في أواخر السبعينيات، ومن خلالها أصبحت الصين واحدا من أسرع الاقتصادات في العالم، وأسهمت الإصلاحات التي شهدتها الصين منذ أواخر السبعينيات في انخفاض معدل الفقر في البلاد من 53 في المئة في عام 1981 إلى 8 في المئة في عام 2001. وبلغ نمو إجمالي النتاج المحلي في الفترة ما بين 2000 و2004 نحو 16 في المئة على أساس معدل النمو السنوي المركب، كما شهدت البلاد فرصا اقتصادية، وزاد تحضر التركيبة السكانية، وسيستمر هذا النمط حتى المستقبل القريب. ووصلت نسبة التحضر في الصين عام 2004 إلى 41.8 في المئة، أي أنه خلال الفترة ما بين 2000 و2004، وصل متوسط السكان الذين انتقلوا للعيش في المدن 21.1 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 50 في المئة بحلول عام 2020، ثم 70 في المئة. وبالنظر إلى تلك الأرقام فإنه من المهم معالجة قضايا واسعة ومتنوعة والتغلب عليها، على اعتبار أن السوق الصينية منظمة بشكل عال. لكن التحدي يبقى في مدى الالتزام بإطار العمل التنظيمي الموجود من دون خلق أي تدابير خاصة بالتمويل الإسلامي، وفي الوقت ذاته السماح لهذه الصناعة بالتمسك بهيكليات الشريعة الإسلامية وقد يعيد تحديد دخول الصين بالتأكيد معايير التمويل الإسلامي، وبدخول الصين، سيكون ميلاد طريق الحرير للتمويل الإسلامي قد بدأ ينشط ويحيا من جديد.
#2#
وبانفتاح بوابة سنغافورة الواسعة في وجه المالية الإسلامية فإنه بات من الأهمية بمكان اقتناص فرص انتشار المصرفية الإسلامية في كثير من بلاد العالم للتعاطي معها بشكل أفضل، واعتمادها كونها نظاما مصرفيا آمنا، في ظل الأزمة المالية، حيث أثبتت أن لها القدرة على تحمل الأخطار ومعالجة علل النظام المالي الرأسمالي، كما أن على المؤسسات الإسلامية المالية أن تسعى إلى مساعدة الخبراء المصرفيين على إبراز أهمية المصرفية الإسلامية، من خلال تسويقها والاستفادة من مزاياها المتعددة، ذلك أن الثقة تجاه صناعة المصرفية الإسلامية تحتاج إلى مزيد من الجهد من مجلس الخدمات المالية الإسلامية، كما أشار إلى ذلك عضو مجلس إدارة السلطة المالية في سنغافورة، لوسين وونق، الذي يرى من جانبه أن من التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية، العمل على تأسيس مرجعية مصرفية إسلامية واحدة للمراجعة والمراقبة، وتحديد المعايير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بشكل يكون متفقا عليه في سائر البلاد التي تتعاطى مع المصرفية الإسلامية.
سنغافورة تتبنى تشجيع المصرفية الإسلامية
استضافت سنغافورة مؤتمر مجلس الخدمات المالية الإسلامية السادس في بداية مايو 2009، وهذا يدل على تقدير المجلس العميق لدور سنغافورة في صناعة المالية الإسلامية، وفي الوقت ذاته يشير إلى أهمية صناعة المصرفية الإسلامية في هذا الموقع من العالم، كونها عضوا أساسيا في المجلس، وأحد النمور الآسيوية التي تولي المصرفية الإسلامية وصناعتها وتطويرها أهمية قصوى، حيث وفرت للشركاء في صناعة المصرفية فرصة نادرة لدراسة السلبيات التي تعانيها الأنظمة الإشرافية للاقتصادات والتمويل التقليدي في الوقت الراهن، وفوق ذلك فإن سنغافورة تعد موئلا لاجتذاب واستقطاب كثير من المستثمرين والعاملين في هذا الحقل من وسط وشرقي آسيا وجنوبيها.
وقد بادرت سنغافورة إلى العمل على زيادة حجم الاستثمارات القائمة على المالية الإسلامية من خلال مجموعة من الإجراءات العملية، حيث يرى الخبراء أن الثقة التي زادت في صناعة المصرفية الإسلامية، أخيرا، جعلت من واقع الصناعة في سنغافورة مريحا بل متطورا، فقد شهدت السنوات القليلة الأخيرة نموا وتطورا نوعيا وكميا في المؤسسات المالية الإسلامية على مختلف مستوياتها، كما حدث تطور ملحوظ في شكل وعدد المنتجات المصرفية الإسلامية، التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية، وتشير الدراسات والإحصاءات إلى أن المنتجات الإسلامية بلغت 20 منتجا من أبرزها الصكوك.
لذلك نستطيع القول إن سنغافورة بدأت فعليا في تهيئة نفسها لأن تكون قبلة ومركزا مهما للموارد والمنتجات والاستثمارات الإسلامية، كما تسعى في الوقت ذاته لتكون سوقا منفتحة على المستثمرين الآسيويين وغيرهم ممن يرغب في استغلال الفرص الذهبية، التي توفرها صناعة المصرفية الإسلامية.
ومن المساعي التي تحمد لسنغافورة في هذا الاتجاه، شروع بنك سنغافورة المركزي في وضع تشريعات تسهل طريقة عرض منتجات التمويل الإسلامي. كما قامت مجموعة "دي بي إس"، وهي تمثل أكبر مصرف في جنوب شرقي آسيا، بتوقيع اتفاقية مع مجموعة من المستثمرين من منطقة الشرق الأوسط؛ لتأسيس أول مصرف إسلامي في سنغافورة.
وقد أشارت بعض التقارير الإخبارية إلى أن بنك سنغافورة المركزي شرع في إجراءات وقواعد لتسهيل عرض منتجات التمويل الإسلامي، وتعديل بعض القوانين المصرفية وتحديد إطار لدفع الضرائب؛ لتسهيل عملية تطوير النظام المالي الإسلامي، في الوقت الذي يبذل فيه جهودا كبيرة في سبيل استقطاب استثمارات خليجية وغير خليجية بصيغ تمويلية إسلامية؛ ليتمكن بذلك من تحديد مستويات المخاطر في ظل الأزمة المالية العالمية بشكل أكثر فاعلية، مع السعي للاستفادة من الخبرات الكبيرة، التي يتمتع بها عدد من الدول الآسيوية في صناعة المصرفية الإسلامية والإدارة الاقتصادية والتجارية، إضافة إلى الشبكات التقنية، كما أن البنك قد بذل جهودا كبيرة، من أجل تطوير نظام رقابي معافى في صناعة المنتجات الإسلامية، من خلال توجيهاته الخاصة بكيفية تطبيق الرقابة المصرفية على المصارف الإسلامية، والتأكيد على المساواة الضريبية والتنظيمية، ومعالجة السيولة من خلال الصكوك عبر سندات حكومة سنغافورة، مع الاتجاه نحو تطوير الكوادر البشرية من خلال الدراسة والتدريب، كذلك يسعى المصرف إلى جذب استثمارات خليجية في مشاريع استراتيجية ومشاريع البنية الأساسية في الدول الآسيوية، علما بأنه لدى سنغافورة عقارات قيمتها 1.32 مليار دولار و500 مليون دولار من صناديق التأمين الإسلامي متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
ومما يدل على اهتمام سنغافورة بالمصرفية الإسلامية أن ذلك الاهتمام يسير جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالمصرفية التقليدية - كما يرى خبراء الاقتصاد - وحجم التعاملات المالية في سنغافورة كبير ومتسارع، مما يعني وجود أرضية مناسبة وملائمة لصناعة مزيد من المنتجات المالية الإسلامية، وهذا يتطلب تكثيف مزيد من الجهود لابتكار منتجات مالية إسلامية جديدة، إضافة إلى العمل على خلق فرص استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية داخل سنغافورة وللدول الآسيوية الأخرى المهتمة بهذه الصناعة، كما يشير خبراء الاقتصاد إلى أن المناخ العام يجعل من المنتجات الإسلامية الأكثر حظا من بين مثيلاتها من المنتجات غير الإسلامية في الانتشار والتوغل في أسواق آسيوية جديدة، كما أن هناك كثيرا من المؤسسات الاستثمارية تتطلع للجديد من المنتجات الإسلامية التي تناسب استثماراتها. كما أن سلطة النقد فيها أعلنت عن عزمها على تطوير مؤسسة مالية تستهدف توفير صكوك إسلامية مصنفة "سياديا"، وذلك من أجل دعم خدمات التمويل الإسلامي وتلبية احتياجات المؤسسات المالية التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية محليا، وتؤكد اختلاف هذه الصكوك عن الإصدارات التقليدية المعروفة وتوافرها على أساس الطلب وحسب احتياجات المؤسسات المالية في البلاد.
#3#
تحديات المالية الإسلامية ونظرة على المستقبل
إن مستقبل المصرفية الإسلامية في سنغافورة يشير إلى نمو وتطور في الأيام المقبلة، إلا أن ذلك أيضا يواجه بعض التحديات التي يمكن أن تقف عائقا أمام انتشارها وتطورها، ومن أهم التحديات كما يرى المراقبون والخبراء، تحديد جهة رقابية وتشريعية ومرجعية واحدة تضبط هذه المنتجات الإسلامية وطريقة الاستثمار فيها ومن ثم تسويقها، إضافة إلى وضع معايير منسجمة تماما مع الفتاوى التي تحكمها دون ممارسة نوع من الحيل عليها؛ حتى لا تفقد مصداقيتها فتكون عرضة للسقوط. كذلك، يجب العمل على إشاعة المعلومات الكافية، التي تسهم بشكل كبير في تثقيف الناس بشكل عام عن أهمية ومزايا المنتجات الإسلامية، من خلال توفير مراكز بحوث خاصة بذلك، تعمل وفق ضوابط إسلامية ذات مرجعية واحدة تستطيع توفير إجابات عن كل الأسئلة المتعلقة بهذا الشأن، إضافة إلى العمل على تأهيل وتدريب العاملين في هذا الحقل ليكونوا قادرين على استيعاب الواقع ومواكبة المستجدات. كما يجب توفير كل التسهيلات التي تعين المودعين والمستثمرين على حد سواء، والتي تساعدهم على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، مع تملك المهارات والقدرات التي تمكن صاحب أو مدير المؤسسة من إدارة المخاطر التي تواجهه بكل ثقة واقتدار، ويجب أيضا العمل على خلق نظام مالي يربط الدول الإسلامية بدول وسط وشرق آسيا، ما يزيد من فرصة محاصرة التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية.
ويرى رئيس المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، صالح كامل، أن أهم التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية تكمن في كيفية تقديم "النموذج المصرفي الإسلامي"، إضافة إلى صناعة قدر كبير من الفهم بالمصرفية الإسلامية بما يتماشى مع مقاصد الشريعة ومآلات الشريعة وليس فقط ميكانيكية الشريعة، مطالبا أعضاء الهيئات المنوط بها إصدار الفتاوى، أن ينظروا للمقصد من كل آلية ومآل كل آلية، وليس فقط ميكانيكية كل آلية، كما أشار إلى أن الرقابة الشرعية تكاد تكون مفقودة، حيث اقتصر الأمر على هيئات الفتاوى، بينما نحن نحتاج إلى فتاوى إلى جانب رقابة دائمة داخل كل بنك، إذ إن هذا الجانب لم يولَ الاهتمام الكامل به.
وفي هذا الصدد كشفت مجموعة "دي. بي. إس" القابضة في سنغافورة النقاب في 2007/5/7 عن تأسيسها أول بنك إسلامي؛ للاستفادة من الثروات المتنامية في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وقالت "دي. بي. إس" إنها ستتملك 60 في المئة من أسهم البنك الذي سيحمل اسم "بنك آسيا الإسلامي"، على أن يتملك النسبة الباقية مجموعة من 22 مستثمرًا من الأفراد والمؤسسات في الشرق الأوسط، إلا أن البنك لم يكشف عن هوية المستثمرين الذي سيملكون نسبة الـ 40 في المئة، وأشار فقط إلى أنهم عائلات ومجموعات صناعية من دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم كلا من السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وقطر.
#4#
وقالت المجموعة في بيان لها: إن مقر البنك الجديد سيكون في سنغافورة، ورأس ماله المدفوع يبلغ 418 مليون دولار. وأضافت أن البنك أشرك 4 علماء دين؛ لتوجيه عملياته المصرفية بما يتلاءم مع الشريعة الإسلامية. وفي تبريره لتأسيس هذا البنك قال جاكسون تاي، الرئيس التنفيذي للمجموعة في مؤتمر صحافي: "مع وجود أكثر من 70 في المئة من الاحتياطيات الأجنبية الحرة في العالم بين الصين والهند ودول مجلس التعاون الخليجي وسنغافورة، لماذا نترك الساحة شاغرة أمام اللاعبين الغربيين لتحديد تسعير وهيكل تمويل المشروعات الرئيسية؟". وقدر تاي حجم السوق المصرفية الإسلامية بواقع 400 مليار دولار. وقال: "إن بنك آسيا الإسلامي ليس لديه بنك شريك في الشرق الأوسط، معتبرًا أن سنغافورة باتت محطة مناسبة لمستثمري مجلس التعاون الخليجي وتدفق رؤوس الأموال القافزة إلى آسيا". وتنتشر عمليات مجموعة "دي. بي. إس" في 15 دولة، وهي إحدى كبريات المجموعات التي توفر الخدمات المالية في قارة آسيا.
من جهته أشار محافظ مؤسسة النقد السعودي الدكتور محمد الجاسر إلى أن صناعة المال الإسلامية ستنمو نموا مطردا في الأيام المقبلة، كما أنه سيؤمن بها المسلم وغير المسلم، ذلك لأن الاقتصاد الإسلامي لا يفرّق بين الأديان، ولذلك أفضل أن اسميه كما ذكرت سابقا بـ "الاقتصاد الأخلاقي"، أو "اقتصاد العدل"، لأن المسيحية واليهودية لا تسمحان بالربا، ولذلك فالفرصة مواتية للمصرفية الإسلامية أن تتوغل في بلاد غير المسلمين الآن أكثر من أي وقت مضى، لكن ذلك لا يمنع من وجود التحديات والعقبات. ويرى الجاسر أن أهم التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية، يكمن في كيفية تقديم النموذج الإسلامي كما ينبغي، وأن نكون على قدر كبير من الفهم بالمصرفية الإسلامية لما يتماشى مع مقاصد الشريعة ومآلات الشريعة وليس فقط ميكانيكية الشريعة. وعلى العلماء أعضاء الهيئات المنوط بها إصدار الفتاوى، أن ينظروا للمقصد من كل آلية ومآل كل آلية، وليست فقط ميكانيكية كل آلية. إذ إن النظر إلى الميكانيكية فقط يعتبر من الحيل غير المستحبّ استخدامها.
وقد صرح هينغ سيوي كيات، محافظ بنك سنغافورة المركزي، في مقابلة صحافية بأنه آن الأوان لاستثمار الفرصة الذهبية، التي خلقتها الأزمة المالية في إبراز جدارة المصرفية الإسلامية في تحمل الأخطار ومعالجة علل النظام المالي الرأسمالي في تسويقها والاستفادة من مزاياها المتعددة، معتقدا أن الثقة متوافرة تجاه صناعة المصرفية الإسلامية، ما جعل واقعها في سنغافورة مريحا ومتطورا، مؤكدا أن السنوات القليلة الماضية شهدت نموا وتطورا نوعيا وكميا ملحوظا في المؤسسات المالية الإسلامية، نافيا أي استثناء من التحديات التي تواجه هذه الصناعة في سنغافورة، كما طالب بتأسيس مرجعية مصرفية إسلامية واحدة للمراجعة والمراقبة، وتحديد المعايير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
ومن الجدير ذكره أن المختصين في مجال المالية الإسلامية يرون أنه يجب العمل على إشاعة المعلومات الكافية، التي تسهم بشكل كبير في تثقيف الناس بشكل عام عن أهمية ومزايا المنتجات الإسلامية، من خلال توفير مراكز بحوث خاصة بذلك، تعمل وفق ضوابط إسلامية ذات مرجعية واحدة تستطيع توفير إجابات عن كافة الأسئلة المتعلقة بهذا الشأن، إضافة إلى العمل على تأهيل وتدريب العاملين في هذا الحقل ليكونوا قادرين على استيعاب الواقع ومواكبة المستجدات، كما يجب توفير كافة التسهيلات، التي تعين المودعين والمستثمرين على حدا سواء، والتي تساعدهم على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، مع تمليك المهارات والقدرات التي تمكن صاحب أو مدير المؤسسة من إدارة المخاطر التي تواجهه بكل ثقة واقتدار .