على البنوك المركزية مراعاة خصوصية المصارف الإسلامية
مع صدور «بازل 2» وانفتاح المصرفية الإسلامية على العالم، أثير كثير من الجدل حول مراعاة قرارات هذه اللجنة لخصوصية الصناعة المالية الإسلامية والكيفية المناسبة للتعامل معها .. حول هذه النقاط وغيرها كان الحوار مع الدكتور موسى عمر مبارك خبير إدارة مخاطر التمويل الذي أجراه معاوية كنة – الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل:
باختصار ما الخطوط العريضة لـ «بازل 2»، وما أهدفها؟
- تأسست لجنة بازل كلجنة للرقابة على أعمال البنوك في نهاية عام 1974، وتكونت في ذلك التاريخ من محافظي البنوك المركزية لعشر دول هي «بلجيكا، كندا، فرنسا، إيطاليا، اليابان، لوكسمبورج، هولندا، إسبانيا، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة» ممثلة ببنوكها المركزية، وعقدت أول اجتماع لها في شهر فبراير 1975.
لقد تأثرت القطاعات المصرفية خلال عقد التسعينيات بالأزمات المصرفية التي حدثت في تلك الفترة، وخصوصاً الأزمة التي أصابت المكسيك عامي 1994 و1995، وكذلك أزمة دول جنوب شرق آسيا عامي 1997 و1998، مما أثر في الاقتصاد العالمي، وخصوصاً القطاعات المالية والمصرفية.
هذه الأزمات دفعت لجنة بازل لدراسة أسباب الأزمات المصرفية في كثير من الدول، وتوصلت إلى أن أهم الأسباب التي أدت إلى تلك الأزمات، عدم إدارة البنوك للمخاطر المصرفية التي تتعرض لها، وضعف الرقابة الداخلية والخارجية من قبل البنوك المركزية.
إضافة إلى أن تطبيق معيار كفاية رأس المال «بازل 1» أفرز عدة عيوب وجوانب ضعف جعلته يتعرض لعدة انتقادات، ما دفع لجنة بازل لتحديث المعيار وتطويره، ليعكس التغيرات في هيكل وممارسات الأسواق المالية والبنوك.
وقد تكون اتفاق «بازل 2» من ثلاثة أركان رئيسية هي:
- الحد الأدنى من متطلبات رأس المالMinimum Capital Requirements.
- عملية المراقبة الإشرافيةSupervisory Review Process.
- انضباط السوق Market Discipline.
وتهدف اللجنة إلى تحسين مفهوم ونوعية الرقابة المصرفية عالميا، والوصول إلى فهم مشترك لهذه الرقابة بين مختلف الدول .
هل تعد معايير «بازل 1 و2» وجها من وجوه العولمة الاقتصادية؟
- إن من أهداف لجنة بازل تحسين مفهوم ونوعية الرقابة المصرفية عالمياً للوصول إلى فهم مشترك لهذه الرقابة بين مختلف دول العالم، ولذلك فإنها تعمل على تعميم معايير وإرشادات لأفضل الممارسات على المستوى القومي في مجال الرقابة المصرفية للاستفادة منها، وتشجع اللجنة على استخدام أساليب ومعايير موحدة دون المساس بخصوصية الدول التي ترغب في تطبيق مثل هذه المعايير، وهذا يعد وجها من وجوه العولمة الاقتصادية.
كيف يمكننا تقييم معايير «بازل 2»؟ ما أوجهها الإيجابية والسلبية؟
- إن تطبيق معايير «بازل 2» سيؤدي إلى تعزيز متانة النظام المالي والمصرفي، وتعزيز التنافسية بين مؤسسات الجهاز المصرفي وإيجاد التوافق بأكبر قدر ممكن ما بين حجم رأس المال المطلوب وحجم المخاطر التي يتعرض لها البنك، وتطوير الحوار والتفاهم بين مسؤولي البنك والسلطات الرقابية الوطنية فيما يتعلق بقياس وإدارة المخاطر والعلاقة بين حجم رأس المال والمخاطر وزيادة درجة الشفافية بالنسبة للمخاطر التي يتعرض لها البنك، ويجب أن تتاح المعلومات الكافية، وفي الوقت المناسب للمتعاملين مع البنك، حيث إنهم يشاركون البنك في المخاطر التي يتعرض لها.
يرى البعض أن مقررات «بازل 2» لم تراع المصارف الإسلامية، باعتبار أن النشاط المصرفي الإسلامي لا يمثل ظاهرة كبيرة في الدول العشر الأكبر مالياً الموقعة على مقررات «بازل 2» .. هل يعد ذلك تحيزا ضد البنوك الإسلامية؟ وهل يعد كل ما ورد في المقررات غير مناسب للبنوك الإسلامية؟
- إن مقررات «بازل 2» تم إصدارها لتلائم البنوك بشكل عام ولم تراعَ خصوصية المصارف الإسلامية، وهذا منطقي لأن الفكر السائد هو للبنوك الربوية، وهذا ناتج عن التقصير في شرح طبيعة المصارف الإسلامية وتوضيح مبررات وجود معايير خاصة لها، علما بأن لجنة «بازل» اعترفت بمجلس الخدمات الإسلامية والوثائق التي تصدر عنه. وتتفق مقررات «بازل» مع المصارف الإسلامية في كثير من الأمور، إلا أن الخلاف الرئيسي يكمن في معادلة احتساب كفاية رأس المال (الركن الأول)، وذلك لأن العلاقة ما بين القاعدة الرأسمالية والمخاطر تختلف كلياً في المصارف الإسلامية عنها في البنوك التقليدية.
هل ترى أن إنشاء مجلس الخدمات المالية الإسلامية عوض هذا النقص؟
- حقيقة إن مجلس الخدمات الإسلامية استطاع ليس فقط تعويض النقص وإنما تجاوز ذلك بتقديم كثير من الوثائق والمقررات المتعلقة بالعمل المصرفي الإسلامي التي نأمل استمرارها وتطورها ومواكبتها للمستجدات.
كيف يمكننا «الضغط» على مثل هذه المقررات من أجل مراعاة المصارف الإسلامية، خاصة أن وضع الصناعة الإسلامية اليوم جيد بعد الانتشار الكبير لها؟
- لقد أثبتت الصناعة المصرفية الإسلامية وجودها بقوة وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية، وهناك اعتراف عالمي بها، بل هناك منافسة لاستقطابها حالياً، وأرى ضرورة الضغط على البنوك المركزية في الدول العربية والإسلامية لتطبيق المقررات الخاصة بالمصارف الإسلامية.
يقترح البعض المزج بين مقررات «بازل» وقواعد مجلس الخدمات الإسلامية .. هل توافق هذا الرأي .. وما الذي يمكن أن تحققه خطوة كهذه لصالح الصناعة الإسلامية؟
- كما قلت سابقاً إن الاختلاف بين مقررات «بازل» وقواعد مجلس الخدمات الإسلامية ليس كبيراً، وعلى البنوك المركزية في العالم العربي والإسلامي أن تراعي خصوصية المصارف الإسلامية من حيث التشريعات التي ستؤدي إلى دفع المصارف الإسلامية إلى الدخول في الأسواق العالمية من خلال تحسين أساليب إدارة المخاطر.
طبقاً للمبادئ الإرشادية التي أصدرها مجلس الخدمات المالية الإسلامية بشأن حوكمة الشركات .. هل ترى ضرورة إنشاء آلية لضمان الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية من قبل المؤسسات المالية الإسلامية؟
- إن هذه من أهم النقاط التي يجب التركيز عليها، مع وضع أسس وقواعد يتم بناءً عليها اختيار هيئة شرعية مستقلة وذات علم بقواعد الفقه الإسلامي، وخصوصاً في المعاملات، بحيث يت م وضع مواصفات أكاديمية خاصة لعضو الهيئة، إضافة إلى إنشاء هيئة رقابة شرعية لدى البنوك المركزية تراقب عمل المصارف الإسلامية، مع فرض عقوبات على المتجاوزين، ووضعها ضمن التقارير السنوية من باب الأمانة والإفصاح.